غريب الكلمات:
غِلٍّ: أيْ: عَداوَةٍ وشَحْناءَ، والغِلُّ: الضِّغْنُ يَنْغَلُّ في الصَّدرِ، والْحَسَدُ أيضًا، وأصلُ (غلل): يَدُلُّ عَلى تخلُّلِ شيءٍ، وثَباتِ شيءٍ .
غِلٍّ: أيْ: عَداوَةٍ وشَحْناءَ، والغِلُّ: الضِّغْنُ يَنْغَلُّ في الصَّدرِ، والْحَسَدُ أيضًا، وأصلُ (غلل): يَدُلُّ عَلى تخلُّلِ شيءٍ، وثَباتِ شيءٍ .
يُخبِرُ تَعالى أنَّ الَّذين آمَنوا وعَمِلوا الصَّالِحاتِ- وَلا يُكلِّفُ سُبحانَه نَفسًا إلَّا ما تَستَطيعُه- هم أهلُ الجنَّةِ، ماكِثونَ فيها أبدًا.
كما يُخبِرُ تَعالى أنَّه نزَعَ مِن صُدورِ أهلِ الجَنَّةِ الأحقادَ والبَغْضاءَ والكَراهيةَ والحسَدَ، تَجْري مِن تَحتِهِمُ الأَنهارُ، وقَالوا: الحَمْدُ للهِ الَّذي وفَّقَنا للإيمانِ والعَملِ الصَّالحِ الَّذي أوصَلَنا لِهذا النَّعيمِ المُقيمِ، وما كُنَّا لِنُوفَّقَ لَولا توفيقُه تَعالى لَنا، ولَقد جاءَت رسُلُ ربِّنا بالحَقِّ، ويُنادَى أهلُ الجنَّةِ: أنَّ هذه الجَنَّةَ أُورِثتُموها بسَببِ إيمانِكُم وعمَلِكُمُ الصَّالحِ.
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42)
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
لَمَّا استَوْفى اللهُ تعالى الكَلامَ في الإِنْذارِ والوَعيدِ للمُكذِّبينَ؛ أعقَبَه بالبِشارَةِ والوَعدِ لِلمُؤمِنينَ المُصدِّقينَ؛ وذَلك عَلى عادَةِ القُرْآنِ في تَعقيب أحَدِ الغرَضَينِ بالآخَرِ
، فقال تعالى:
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42)
أي: والَّذين صدَّقوا وأقرُّوا وانقادوا لِمَا وجَب عليهِمُ الإيمانُ به، وعَمِلوا ما أمَرَهمُ اللهُ تعالى به، وتَرَكوا ما نَهاهُم عنه- ونَحنُ لَا نُكلِّفُ أحَدًا شَيئًا مِنَ الِاعْتِقاداتِ والأَعْمالِ إلَّا مَا يَقْدِرُ عَليهِ ولا يَعْجِزُ عَنه- هُم أَهلُ الجنَّةِ دُونَ غَيرِهم، وهُم فيها يُنعَّمونَ، ماكِثونَ أبَدًا لا يَخرُجونَ
.
كَما قال اللهُ تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة: 286] .
وقال تَبارك وتعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا [الطلاق: 7] .
وقال عزَّ وجلَّ: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: 78] .
وقال سُبحانه: يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة: 185] .
وقالَ تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16] .
وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)
وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ
أيْ: قَلَعْنا وأزَلْنا مِن صُدورِ أَهْلِ الجنَّةِ الأَحْقادَ والبَغْضاءَ والكَراهِيةَ والحسَدَ الَّذي كان بَينَهم في الدُّنيا؛ حتَّى يَكونوا في الجنَّةِ إِخْوانًا مُتَحابِّينَ، ومَع أنَّ مَنازِلَهم فيها مُتفاوِتةٌ، إلَّا أنَّه لا يَحْسُدُ أحَدٌ مِنهم أحَدًا عَلى ارتِفاعِ مَنزِلتِه عَليه
.
قال تعالى: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر: 47] .
وعن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رَضِي الله عنه، قال: قالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيه وسلَّم: ((يَخْلُصُ المؤمنونَ مِنَ النَّارِ، فيُحْبَسونَ على قَنطَرةٍ
بينَ الجنَّةِ والنَّارِ، فيُقَصُّ
لبَعضِهم مِن بَعضٍ مَظالِمُ كانت بينَهم في الدُّنيا، حتَّى إذا هُذِّبوا ونُقُّوا أُذِن لهم في دُخول الجنَّةِ، فوَالَّذي نَفسُ محمَّدٍ بيَدِه، لأحَدُهم أهدى بمَنزلِه في الجنَّةِ مِنه بمَنزلِه كان في الدُّنيا ))
.
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ
أيْ: تَجْري أَنهارُ الجنَّةِ بينَ أَيْديهِم، وهُم يرَوْنها مِنْ عُلْوٍ، تَجري مِن تَحتِ بَساتينِهِم وقُصورِهم
.
وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ
أيْ: وقالَ أهلُ الجنَّةِ حينَ أُدخِلوا الجنَّةَ، ورَأَوُا النَّعيمَ، وما صُرِفَ عَنهُم مِنَ العَذابِ المُهينِ: الحَمْدُ للهِ الَّذي وفَّقَنا للإيمانِ والعَمَلِ الصَّالحِ الَّذي أكسَبَنا هذا النَّعيمَ، وما كُنَّا لِنُوفَّقَ لذَلِك لَولا أنْ وفَّقَنا اللهُ تَعالى إليه بفَضلِه ورَحمتِه
.
كَما قال تَعالى: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ [فاطر: 34-35] .
وقال سُبحانَه: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [الزمر: 74] .
وعن أبي هُريرةَ رَضِي اللهُ عَنْه، قال: قالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيه وسلَّم: ((كلُّ أهلِ الجنَّةِ يَرى مَقْعدَه مِنَ النَّارِ فيَقولُ: لَولا أنَّ اللهَ هَدَاني! فيَكُونُ له شُكرًا، وكُلُّ أَهلِ النَّارِ يَرى مَقعَدَه مِنَ الجنَّةِ فيَقولُ: لو أنَّ اللهَ هَداني! فيَكونُ له حَسْرةً ))
.
وعَن أبي هُريرةَ رَضِي اللهُ عَنْه، قال: قالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيه وسلَّم: ((لَن يُنجِّيَ أحَدًا مِنكُم عمَلُه. قالوا: ولا أنتَ يا رَسولَ اللهِ؟ قال: وَلا أنا، إلَّا أن يتَغمَّدَني اللهُ برَحمةٍ ))
.
لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ
أيْ: يَقولُ أهلُ الجنَّةِ حِينَ يرَوْنَ عِيانًا ما وعَدَهم به الرُّسلُ: لقَد جاءَتْنا في الدُّنيا رُسلُ ربِّنا بالحَقِّ الثَّابتِ الَّذي لا شَكَّ فيه ولا مِرْيةَ
.
وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
أيْ: ويُقالُ لأَهلِ الجنَّةِ
: هذه الجنَّةُ أُوتيتُموها مِيراثًا مِنَ الكُفَّارِ؛ بسَببِ إيمانِكُم وكُفرِهم، وطاعَتِكم وعِصْيانِهم، فنِلْتُم بذلك رَحمةَ اللهِ فأدخَلَكم جنَّتَه، وبوَّأَكم فيها مَنازِلَ الكُفَّارِ الَّتي كانَت مِن نَصيبِهم، لو أنَّهم آمَنوا وعَمِلوا الصَّالِحاتِ
، أَعْطاكُمُوها اللهُ عَطِيَّةً هَنيئةً، لا تَعَبَ فيها ولا مُنازعَةَ
، ويُبْقيكم فيها في أكمَلِ نَعيمٍ وسُرورٍ خالدين، كما يبقَى على الوارِثِ مالُ المَوروثِ
.
كما قال تعالى: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [الزمر: 74] .
وقال سُبحانه: أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المؤمنون: 10 - 11] .
وعَن أبي هُريرةَ رَضِي اللهُ عنه، قال: قالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيه وسلَّم: ((ما مِنكُم مِن أحَدٍ إلَّا له مَنزِلانِ: مَنزِلٌ في الجنَّةِ، ومنزلٌ في النَّارِ، فإذا ماتَ فدَخَلَ النَّارَ، وَرِثَ أهلُ الجنَّةِ مَنزِلَه، فذَلِك قولُه تَعالى: أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ [المؤمنون: 10] ))
.
الجامِعونَ بينَ الإيمانِ والأَعمالِ الَّتي تَصلُح بها نَفسُ الإنسانِ، وتَزْكُو فتَكونُ أهْلًا لِلنَّعيمِ والرِّضْوانِ، هم أصحابُ الجنَّةِ الَّذين يُخلَّدونَ فيها أبَدًا؛ قال اللهً تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
.
يُنبِّه تعالى على أنَّ الإيمانَ والعملَ به سَهلٌ؛ لأنَّه تعالى قال: لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا
، وأنَّ الجنَّةَ- معَ عِظَمِ مَحلِّها- يُوصَلُ إليها بالعمَلِ السَّهلِ مِن غَيرِ تحمُّلِ الصَّعبِ
، فقولُه تعالى: لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا؛ أيْ: بمِقْدارِ ما تسَعُه طاقَتُها، ولا يَعْسُرُ على قُدرتِها، فَعليها في هذه الحالِ أن تتَّقيَ اللهَ بحسَبِ استِطاعَتِها، وإذا عَجَزَت عن بعضِ الواجِباتِ الَّتي يَقدِرُ عليها غيرُها سقَطَت عَنها
.
لا سبَبَ في الوُصولِ إلى نَعيمِ اللهِ تَعالى غيرُ فَضلِه وكرَمِه في الأُولى والأُخْرى، فالمُهْتدِي مَن هَداه اللهُ تَعالى، وإنْ لَم يَهْدِه اللهُ تَعالى لَم يَهْتَدِ، قال تعالى: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ
.
قولُ اللهِ تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا: لَمَّا كان لفْظُ (الصَّالِحاتِ) عامًّا يَشمَلُ جميعَ الصَّالحاتِ الواجِبةِ والمستَحبَّةِ، وقد يَكونُ بعضُها غيرَ مَقدورٍ للعَبدِ؛ قال تعالى: لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا، ففي هذه الجملةِ المعترضةِ رَفْعُ تَوَهُّمِ السَّامعِ أنَّ المكَلَّفينَ عَمِلوا جميعَ الصَّالحاتِ؛ المَقدورِ عليها والمَعجوزِ عنها- كما يُجِوِّزهُ أصحابُ تكليفِ ما لا يُطاقُ- فرُفِعَ هذا التوهُّمُ بجملةِ: لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا واعتُرِضَ بها بينَ المبتدأِ وخَبَرِه بما يُزيلُ الإشكالَ، ونظيرُه قَولُه تعالى: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [الأنعام152] ومن ذلك قَولُه تعالى: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ
[النساء: 84].
نَستفيدُ مِن قولِ اللهِ تعالى: لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أنَّه لا واجِبَ معَ العَجْزِ، ولا مُحرَّمَ معَ الضَّرورةِ
.
قولُ الله تعالى: وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا قال: تِلْكُمْ؛ لأنَّهم وُعِدوا بِها في الدُّنيا، فكأنَّه قِيل لهم: هذه تِلْكمُ الَّتي وُعِدتُّم بها
.
قولُ الله تعالى: وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا، التَّعبيرُ بالإيراثِ يَدُلُّ على أنَّها عَطيَّةٌ بدونِ قَصدِ تَعاوُضٍ ولا تَعاقُدٍ، وأنَّها فَضلٌ محضٌ مِن اللهِ تعالى
.
في قَولِه تعالى: وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ قيل: أُضيفَ العَمَلُ إليهم وشُكِرُوا عليه؛ لَمَّا اعتَرَفوا لله بنِعمَتِه عليهم بالجنَّةِ وبأسبابِها مِن الهِدايةِ، وحَمِدُوا اللهَ على ذلك كُلِّه
.
في قَولِه تعالى: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ دلالةٌ على أنَّ الجنَّةَ والعَمَلَ؛ كِلاهما مِن فضْلِ اللهِ ورَحْمَتِه على عبادِه المؤمنينَ
.
قولُه: أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَبَرٌ عَن وَالَّذِينَ آمَنُوا، وقولُه: لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا جملةٌ مُعترِضةٌ بين المسنَدِ إليه والمسنَدِ على طَريقةِ الإدْماجِ، وفائدَةُ هذا الإدْماجِ الارتِفاقُ بالمؤمنِينَ؛ لِأنَّه لَمَّا بَشَّرَهم بالجَنَّةِ على فِعلِ الصَّالحاتِ طَمْأنَ قُلوبَهم بأنْ لَا يُطْلَبوا مِنَ الأَعْمالِ الصَّالحةِ بِما يَخرُجُ عَنِ الطَّاقةِ، وأيضًا لِلتَّرغيبِ في اكْتِسابِ النَّعيمِ المُقيمِ بِما يَكونُ في وُسْعِهم، ويَسهُلُ عَليهم، وهو الإمكانُ الواسِعُ غيرُ الضَّيِّقِ مِنَ الإيمانِ والعَملِ الصَّالحِ
.
قولُه: أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ دلَّ على قَصْرِ مُلازَمةِ الجنَّةِ عَليهِم دونَ غَيرِهم؛ ففيه تأييسٌ آخَرُ للمُشرِكينَ بحَيثُ قَوِيَت نصِّيَّةُ حِرمانِهم مِن الجنَّةِ ونَعيمِها
.
قولُه: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ فيه التَّعبيرُ عَنِ المستَقْبَلِ بلَفظِ الماضي وَنَزَعْنَا؛ للتَّنبيهِ على تَحقُّقِ وُقوعِه؛ أيْ: ونَنزِعُ ما في صُدورِهم مِن غلٍّ
.
واتِّساقُ النَّظْمِ يَقتَضي أن تَكونَ جُملةُ: وَنَزَعْنَا مُعتَرِضةً بينَ جُملةِ: أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الأعراف: 42] ، وجُملَةِ: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ اعتِراضًا بُيِّنَ به حالُ نُفوسِهم في المُعامَلةِ في الجنَّةِ؛ لِيُقابِلَ الاعتِراضَ الَّذي أُدمِجَ في أَثْناءِ وَصْفِ عذابِ أهلِ النَّارِ، والمبيَّن به حالُ نُفوسِهم في المعامَلةِ بقَولِه: كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا اعتراضًا بينَ قولِه: قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ وقولِه: حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا
.
قولُه: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ: فيه حذف المَفعولِ الثَّاني لكلٍّ من الفِعلينِ نَهْتَدِي وهَدَانَا؛ لِظُهورِ المُرادِ، أو لإِرادَةِ التَّعْميمِ
.
وفي قولِه: وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ تَوكيدُ النَّفيِ باللَّام
.
قولُه: لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ جملةٌ مُستأنَفةٌ استِئْنافًا ابتدائيًّا؛ لصُدورها عنِ ابتِهاجِ نُفوسِهِم واغتِباطِهم بما جاءَتْهم به الرُّسلُ، فجَعَلوا يتَذكَّرون أسبابَ هِدايتِهم، ويَعتَبِرون بذَلك ويَغْتَبِطون
.
وتأكيدُ الفِعلِ بلَامِ القسَمِ وبـ(قَدْ) في قولِه: لَقَدْ معَ أنَّهم غيرُ مُنكِرينَ لِمَجيءِ الرُّسلِ: إمَّا لأنَّه كِنايةٌ عَنِ الإعجابِ بِمُطابَقةِ ما وعَدَهم به الرُّسلُ مِنَ النَّعيمِ لِمَا وجَدوه، وإمَّا لأنَّهم أَرادوا بقَولهِم هذا الثَّناءَ على الرُّسلِ، والشَّهادةَ بصِدْقِهم جَمْعًا مع الثَّناءِ على اللهِ، فأَتَوْا بالخبَرِ في صورةِ الشَّهادةِ المؤكَّدةِ الَّتي لا تَردُّدَ فيها
.
قولُه: وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فيه تَشْبيهُ أهلِ الجنَّةِ وأهلِ النَّارِ بالوارِثِ والمَوْروثِ عنه؛ لأنَّ اللهَ خلَقَ في الجنَّةِ مَنازلَ لِلكُفَّارِ، بتَقْديرِ إيمانِهم، فمَنْ لم يُؤمِنْ مِنهم جُعِلَ مَنزلُه لأهلِ الجنَّةِ، أو لأنَّ دُخولَ الجنَّةِ لا يَكونُ إلَّا برَحْمةِ اللهِ تَعالى لا بعَملٍ، فأشبَهَ الميراثَ
.
وباءُ السَّبَبيَّةِ في قولِه: بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ اقتَضَتِ الَّذي أَعْطاهُم مَنازِلَ الجنَّةِ؛ أَرادَ به شُكرَ أَعْمالِهم وثَوابَها مِن غَيرِ قَصدِ تَعاوُضٍ ولا تَقابُلٍ، فجَعَلها كالشَّيءِ الَّذي استَحقَّه العامِلُ عِوضًا عن عمَلِه
.