موسوعة التفسير

سورةُ لُقمانَ
الآيات (28-30)

ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ

غَريبُ الكَلِماتِ:

يُولِجُ : أي: يُدخِلُ، أو يأخُذُ منه، فيَطولُ ذلك ويَقصُرُ هذا، وأصلُ (ولج): يدُلُّ على دُخولِ شَيءٍ .
وَسَخَّرَ: أي: ذلَّل، والتَّسْخيرُ: سياقةٌ إلى الغَرَضِ المختصِّ قَهرًا، وأصل (سخر): يدُلُّ على استِذلالٍ .

المعنى الإجماليُّ:

يذكُرُ الله تعالى مِن عظَمتِه وكمالِ قدرتِه الَّتي لا يمكِنُ أن يَتصوَّرَها العقلُ، فيقولُ: ما خَلْقُكم ولا بَعْثُكم يومَ القيامةِ إلَّا كخَلقِ نَفْسٍ واحدةٍ وبَعْثِها، إنَّ اللهَ سَميعٌ بَصيرٌ.
ثمَّ يُخبرُ سبحانَه عن بعضِ مظاهرِ قُدرتِه، وانفرادِه بالتَّصرُّفِ والتَّدبيرِ، فيقولُ: ألم ترَ -يا محمَّدُ- أنَّ اللهَ يُدخِلُ اللَّيلَ في النَّهارِ، ويُدخِلُ النَّهارَ في اللَّيلِ، وذلَّل اللهُ الشَّمسَ والقَمَرَ لِنَفعِ العبادِ، وكلٌّ منهما يجري إلى وقتٍ معلومٍ؟ وأنَّ اللهَ بما تَعمَلونَ خَبيرٌ لا يخفى عليه شَيءٌ. ذلك الَّذي تقَدَّم وَصْفُه مِن صُنعِ اللهِ: بسبَبِ أنَّه الإلهُ الحَقُّ القادِرُ على ذلك، وبأنَّ ما يدعوه المُشرِكونَ مِن دونِ اللهِ مِن الأصنامِ هو الباطِلُ، وبأنَّ اللهَ هو العَليُّ الكبيرُ.

تَفسيرُ الآياتِ:

مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا ذكَرَ الله تعالى كَمالَ قُدرتِه وعِلمِه؛ ذكَرَ ما يُبطِلُ استِبعادَ المُشرِكينَ للحَشرِ .
وأيضًا لَمَّا خَتَم بهاتَينِ الصِّفَتينِ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [لقمان: 27] بعدَ إثباتِ القُدرةِ على الإبداعِ مِن غَيرِ انتِهاءٍ؛ ذكَرَ بَعضَ آثارِهما في البَعثِ الَّذي تقَدَّمَ أوَّلَ السُّورةِ وأثناءَها .
مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ.
أي: ما خَلْقُكم أوَّلَ مَرَّةٍ ولا بَعثُكم يومَ القيامةِ إلَّا كخَلْقِ نَفْسٍ واحِدةٍ، وبَعثِ نفْسٍ واحدةٍ؛ لكَمالِ قُدرةِ اللهِ تعالى، فالقَليلُ والكثيرُ سَواءٌ بالنِّسبةِ إلى قُدرتِه سُبحانَه .
كما قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الروم: 27] .
وقال سُبحانَه: أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس: 81، 82].
إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ.
أي: إنَّ اللهَ يَسمَعُ جَميعَ المَسموعاتِ، ومِن ذلك سَمعُه لِما يقولُ المُشرِكونَ ويَفتَرونَه على رَبِّهم، مِن ادِّعائِهم له الشُّرَكاءَ وغَيرَ ذلك، وهو مُبصِرٌ لجَميعِ المبصَراتِ، ومِن ذلك إبصارُه ما يَعمَلُه المُشرِكونَ وغَيرُهم مِنَ الأعمالِ، وهو مُجازيهم على ذلك .
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا قال الله تعالى: أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ [لُقمان: 20] على وجهِ العمومِ؛ ذكَر منها بعضَ ما هو فيهما على وجهِ الخصوصِ، بقولِه: يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ، وقولِه: وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ إشارةً إلى ما في السمواتِ، وقولِه بعدَ هذا: أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ [لُقمان: 31] إشارةً إلى ما في الأرضِ.
وأيضًا فإنَّ الله تعالى لَمَّا ذكَر البعثَ، وكان مِن الناسِ مَن يقولُ: وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية: 24] ، والدَّهرُ هو اللَّيالي والأيَّامُ؛ قال الله تعالى: هذه اللَّيالي والأيَّامُ الَّتي تَنسبونَ إليها الموتَ والحياةَ هي بقدرةِ الله تعالى .
وأيضًا لَمَّا قرَّر الله تعالى هذه الآيةَ: مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ؛ دلَّ عليها بأمرٍ محسوسٍ، يُشاهَدُ كلَّ يومٍ مرَّتينِ، مع دَلالتِه على تسخيرِ ما في السَّمواتِ والأرضِ .
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ.
أي: ألمْ تَرَ -يا مُحمَّدُ - أنَّ اللهَ يُدخِلُ اللَّيلَ في النَّهارِ، ويُدخِلُ النَّهارَ في اللَّيلِ ؟
وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ.
أي: وذلَّل اللهُ الشَّمسَ والقَمَرَ يَجريانِ؛ تَحقيقًا لمصالحِ العِبادِ ومَنافِعِهم في دينِهم ودُنياهم .
كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى.
أي: كُلٌّ مِنَ الشَّمسِ والقَمَرِ يَجريانِ في السَّماءِ إلى وقتٍ محدَّدٍ مَعلومٍ .
وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ.
مُناسَبتُها لِما قَبْلَها:
لَمَّا كان اللَّيلُ والنَّهارُ مَحَلَّ الأفعالِ، بيَّنَ أنَّ ما يقَعُ في هذينِ الزَّمانَينِ اللَّذَينِ هما بتصَرُّفِ اللهِ: لا يخفَى على اللهِ .
وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ.
أي: وأنَّ اللهَ بما تَعمَلونَ مِن خَيرٍ أو شَرٍّ: ذو خِبرةٍ، فلا يخفَى عليه شَيءٌ مِن أعمالِكم، وهو مُجازيكم عليها .
كما قال تعالى: وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق: 12] .
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّه لَمَّا ثَبَت بهذه الأوصافِ الحُسنى والأفعالِ العُلا أنْ لا مُوجِدَ بالحَقيقةِ إلَّا اللهُ؛ قال :
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ.
أي: ذلك الَّذي وَصَف اللهُ تعالى مِن الأفعالِ الهائِلةِ والأوصافِ الباهِرةِ؛ كإيلاجِ اللَّيلِ في النَّهارِ، وإيلاجِ النَّهارِ في اللَّيلِ، وغَيرِ ذلك: إنَّما فَعَله بسَبَبِ أنَّه الإلهُ الحَقُّ القادِرُ على ذلك، الَّذي يَستَحِقُّ العبادةَ وحْدَه دونَ ما سِواه .
وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ.
أي: وأنَّ ما يَدعوه المُشرِكونَ مِن دونِ اللهِ مِنَ الأصنامِ وغَيرِها: هو الباطِلُ الذي يَضمَحِلُّ فلا يبقَى، ولا تنفَعُ عِبادتُه .
وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ.
أي: وأنَّ اللهَ هو العَلِيُّ على كُلِّ شَيءٍ بذاتِه وصِفاتِه، الكبيرُ في ذاتِه وصفاتِه، وكُلُّ شَيءٍ دونَه مُتذَلِّلٌ مُنقادٌ، وله مُتصاغِرٌ .
كما قال تعالى: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة: 255] .
وقال سُبحانَه: الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ [الرعد: 9] .

الفَوائِدُ التَّربَويَّةُ:

1- قال الله تعالى: مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ المناسَبةُ في قَولِه تعالى: إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ بعدَ قَولِه سُبحانَه: مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ أنَّ هذا مِن بابِ التَّهديدِ، فهو سَميعٌ لأقوالِكم، بَصيرٌ بأفعالِكم؛ فإيَّاكم أنْ تُنكِروا شيئًا وأنتم تَعرِفونَ عَظَمةَ اللهِ عزَّ وجلَّ !
2- في قَولِه تعالى: وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ تحذيرُ المرءِ مِن المُخالَفةِ، أي: فاحذَروا أن تُخالِفوا في أعمالِكم؛ فالله سُبحانَه وتعالى عَليمٌ بها .

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائِفُ:

1- في قَولِه تعالى: مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ الاستِدلالُ بالمشهودِ على الموعودِ؛ فالمشهودُ الخَلْقُ، والموعودُ البعثُ، وقد قَرَنهما اللهُ سُبحانه وتعالى جميعًا؛ لإثباتِ كُلِّ واحدٍ منهما، وأنَّه كما قَدَرَ على الخَلقِ أوَّلًا، فهو قادِرٌ على البَعثِ ثانيًا .
2- قوله تعالى: مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ استِدلالٌ على ما تَضمَّنتْه الآيةُ قبْلَها مِن كَونِ الخلْقِ الثَّاني -وهو البعثُ- في مُتناوَلِ قُدرةِ اللهِ تعالى؛ بأنَّه قادرٌ على تَغييرِ أحوالِ ما هو أعظَمُ حالًا مِن الإنسانِ، وذلك بتَغييرِ أحوالِ الأرضِ وأُفُقِها بيْنَ لَيلٍ ونَهارٍ في كلِّ يومٍ وليلةٍ، تَغييرًا يُشبِهُ طُرُوَّ الموتِ على الحياةِ في دُخولِ اللَّيلِ في النَّهارِ، وطُرُوَّ الحياةِ على الموتِ في دُخولِ النَّهارِ على اللَّيلِ، وبأنَّه قادرٌ على أعظَمَ مِن ذلك بما سَخَّرَه مِن سَيرِ الشَّمسِ والقمَرِ؛ فهذا الاستدلالُ على إمكانِ البعثِ بقِياسِ التَّمثيلِ بإمكانِ ما هو أعظَمُ منه مِن شُؤونِ المخلوقاتِ، بعدَ أنِ استدَلَّ عليه بالقِياسِ الكُلِّيِّ الَّذي اقتضاهُ قولُه: إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [لقمان: 28] ؛ مِن إحاطةِ العِلْمِ الإلهيِّ بالمعلوماتِ، المُقْتضي إحاطةَ قُدرتِه بالمُمكِناتِ؛ لأنَّها جُزئيَّاتُ المعلوماتِ وفَرْعٌ عنها .
3- قَولُ الله تعالى: كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، زِيادةُ قولِه: إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى؛ للإشارةِ إلى أنَّ لهذا النِّظامِ الشَّمسيِّ أمَدًا يَعلَمُه اللهُ تعالى، فإذا انْتَهى ذلك الأمَدُ بطَلَ ذلك التَّحرُّكُ والتَّنقُّلُ، وهو الوقتُ الَّذي يُؤْذِنُ بانقراضِ العالَمِ؛ فهذا تَذكيرٌ بوَقتِ البعثِ .
4- في قَولِه تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ أنّ كلَّ ما يَصدُرُ عن الله سبحانه وتعالى فهو حقٌّ؛ لأنه لا يصدُرُ عن الحقِّ إلَّا الحقُّ .
5- في قَولِه تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ دَلالةٌ على أنَّ الحقَّ مِن أسماءِ الله الحسنَى .

بلاغةُ الآياتِ:

1- قوله تعالى: مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ
- قولُه: مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ استِئنافٌ بَيانيٌّ مُتعلِّقٌ بقولِه: إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا [لقمان: 23] ؛ لأنَّه كُلَّما ذُكِرَ أمْرُ البَعثِ هجَسَ في نُفوسِ المشرِكينَ استِحالةُ إعادةِ الأجسامِ بعْدَ اضْمِحْلالِها؛ فيَكثُرُ في القُرآنِ تَعقيبُ ذِكرِ البَعثِ بالإشارةِ إلى إمكانِه وتَقريبِه، وكانوا أيضًا يَقولونَ: إنَّ اللهَ خلَقَنا أطْوارًا؛ نُطْفةً، ثمَّ علَقةً، ثمَّ مُضغةً، ثمَّ لَحمًا وعَظْمًا؛ فكيف يَبعَثُنا خلْقًا جديدًا في ساعةٍ واحدةٍ؟! وكيف يُحيِي جميعَ الأُمَمِ والأجيالِ الَّتي تَضمَّنَتْها الأرضُ في القُرونِ الكثيرةِ ؟!
- وفي قولِه: مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ الْتِفاتٌ مِن الغَيبةِ إلى الخِطابِ؛ لِقَصْدِ مُجابهَتِهم بالاستِدلالِ المُفحِمِ .
- وفي قولِه: كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ حذْفُ مُضافٍ دَلَّ عليه مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ، والتَّقديرُ: إلَّا كخَلْقِ وبَعْثِ نفْسٍ واحدةٍ؛ وذلك إيجازٌ .
- وجُملةُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ إمَّا واقعةٌ مَوقِعَ التَّعليلِ لِكَمالِ القُدرةِ على ذلك الخلْقِ العجيبِ، استِدلالًا بإحاطةِ عِلْمِه تعالى بالأشياءِ والأسبابِ، وتَفاصيلِها وجُزئيَّاتِها، ومِن شأْنِ العالِمِ أنْ يَتصرَّفَ في المَعلوماتِ كما يَشاءُ؛ لأنَّ العجْزَ عن إيجادِ بعضِ ما تَتوجَّهُ إليه الإرادةُ إنَّما يَتأتَّى مِن خَفاءِ السَّببِ المُوصِلِ إلى إيجادِه، وإذ قد كان المُشرِكون -أو عُقلاؤهم- يُسَلِّمون أنَّ اللهَ يَعلَمُ كلَّ شَيءٍ، جعَلَ تَسليمَهم ذلك وَسيلةً إلى إقناعِهم بقُدرتِه تعالى على كلِّ شَيءٍ. وإمَّا واقعةٌ مَوقِعَ الاستِئنافِ البَيانيِّ؛ لِمَا يَنشَأُ عن الإخبارِ بأنَّ بَعْثَهم كنَفْسٍ مِن تَعجُّبِ فَريقٍ ممَّن أسَرُّوا إنكارَ البَعثِ في نُفوسِهم، الَّذين أومَأَ إليهم قولُه آنِفًا: إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [لقمان: 23] ؛ ولأجْلِ هذا لم يقُلْ: إنَّ اللهَ عليمٌ قَديرٌ .
2- قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
- قولُه: أَلَمْ تَرَ ... الرُّؤيةُ علميَّةٌ، والاستِفهامُ لإنكارِ عَدمِ الرُّؤيةِ بتَنزيلِ العالِمينَ مَنزلةَ غيرِ العالمينَ؛ لِعَدمِ انتفاعِهم بعِلْمِهم .
- في قولِه: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ما يُعرَفُ في البَلاغةِ بالمُخالَفةِ في الصِّيغةِ؛ ففي قولِه: وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ مُخالَفةٌ في الصِّيغةِ بيْن (سخَّر) المعطوفِ (وَيُولِجُ) المعطوفِ عليه؛ لأنَّ إيلاجَ أحَدِ المَلَويْنِ (اللَّيل، النَّهار) في الآخَرِ مُتجدِّدٌ كلَّ حِينٍ، فعبَّرَ عنه بالصِّيغةِ المُتجدِّدةِ حِينًا بعدَ حِينٍ، وأمَّا تَسخيرُ النَّيِّرَيْنِ (الشَّمْس، والقَمَر) فهو أمْرٌ لا يَتجدَّدُ ولا يَتعدَّدُ، بل هو دَيمومةٌ مُتَّصلةٌ مُتتابِعةٌ، فعبَّرَ عنه بالصِّيغةِ الماضيةِ الكائنةِ، وإنَّما التَّعدُّدُ والتَّجدُّدُ في آثارِه، وقد أُشِيرَ إلى ذلك؛ حيثُ قِيل: كُلٌّ يَجْرِي، أي: بحسَبِ حَركتِه الخاصَّةِ وحَركَتِه القَسريَّةِ على المَداراتِ اليوميَّةِ المُتخالِفةِ المُتعدِّدةِ حسَبَ تَعدُّدِ الأيَّامِ جَرْيًا مُستمِرًّا .
- والابتداءُ باللَّيلِ؛ لأنَّ أمْرَه أعجَبُ؛ كيف تَغْشى ظُلمتُه تلك الأنوارَ النَّهاريَّةَ؟! والجمْعُ بيْن إيلاجِ اللَّيلِ وإيلاجِ النهارِ لتَشخيصِ تَمامِ القُدرةِ؛ بحيث لا تُلازِمُ عمَلًا مُتماثِلًا .
- وقدَّمَ الشَّمسَ على القَمَرِ، مع تقدُّمِ اللَّيلِ -الَّذي فيه سُلطانُ القَمَرِ- على النَّهارِ الَّذي فيه سُلطانُ الشَّمسِ؛ وذلك أنَّ تَقديمَ اللَّيلِ كان لأنَّ الأنفُسَ تَطلُبُ سبَبَه أكثَرَ مِمَّا تَطلُبُ سَبَبَ النَّهارِ، وهاهنا كذلك؛ لأنَّ الشَّمسَ لَمَّا كانت أكبَرَ وأعظَمَ، كانت أعجَبَ، والنَّفْسُ تَطلُبُ سَبَبَ الأمرِ العَجيبِ أكثَرَ مِمَّا تَطلُبُ سَبَبَ الأمرِ الَّذي لا يَكونُ عَجيبًا .
- وجُملةُ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى -على تَقديرِ عُمومِ الخِطابِ لكلِّ أحَدٍ- اعتِراضٌ بيْنَ المَعطوفينِ؛ لبَيانِ الواقعِ بطَريقِ الاستِطرادِ. وعلى تَقديرِ اختصاصِ الرُّؤيةِ به صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يَجوزُ أنْ يكونَ حالًا مِن الشَّمسِ والقَمرِ؛ فإنَّ جَرَيانَهما إلى يومِ القيامةِ مِن جُملةِ ما في حَيِّزِ رُؤيتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. وقد جُعِل جَرَيانُهما عِبارةً عن حَرَكتِهما الخاصَّةِ بهما في فَلَكِهما، والأجَلُ المُسمَّى عن مُنْتهى دَورتِهما، وجُعِلَ مُدَّةُ الجَرَيانِ للشَّمسِ سَنةً، وللقَمَرِ شَهرًا -على قولٍ-؛ فالجُملةُ حينَئذٍ بَيانٌ لِحُكمِ تَسخيرِهما، وتَنبيهٌ على كَيفيَّةِ إيلاجِ أحَدِ المَلَوينِ في الآخَرِ، وكونُ ذلك بحسَبِ اختلافِ جَرَيانِ الشَّمسِ على مَداراتِها اليوميَّةِ .
- والجَرْيُ: المَشْيُ السَّريعُ، عُبِّرَ به عن انتِقالِ الشَّمسِ في فَلَكِها، وانتقالِ الأرضِ حوْلَ الشَّمسِ، وانتقالِ القَمرِ حوْلَ الأرضِ؛ تَشبيهًا بالمَشْيِ السَّريعِ؛ لأجْلِ شُسوعِ المسافاتِ الَّتي تُقطَعُ في خلالِ ذلك .
- وفيه مُناسَبةٌ حَسَنةٌ، حيث قال هنا: وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، وقال في سُورةِ (فاطرٍ) و(الزُّمَرِ): كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى [فاطر: 13] [الزمر: 5] ؛ فاختصَّ ما في سُورةِ (لُقمانَ) بقولِه: يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، وما سِواهُ إنَّما هو: يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى؛ وذلك لأنَّ معنى قولِه عزَّ وجلَّ: يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى: لِبُلوغِ أجَلٍ، ومعنى قولِه: يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ معناه: لا يَزالُ كلٌّ مِن الشَّمسِ والقمَرِ جاريًا حتَّى يَنتهِيَ إلى آخِرِ وقْتِ جَرْيِه المُسمَّى له، وإنَّما خصَّ ما في سُورةِ لُقمانَ بـ (إلى) الَّتي للانتِهاءِ -واللَّامُ تُؤدِّي معناها-؛ لأنَّها تدُلُّ على أنَّ جَرْيَها لِبُلوغِ الأجَلِ المُسمَّى؛ لأنَّ الآياتِ الَّتي تَكتنِفُها آياتٌ مُنبِّهةٌ على النِّهايةِ والحشرِ والإعادةِ؛ فقَبْلَها: مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ [لقمان: 28] ، وبعدَها: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا [لقمان: 33] ، فكان المعنى: كلٌّ يَجْري إلى ذلك الوقتِ.
والمواضعُ الَّتي ذُكِرَت فيها اللَّامُ إنَّما هي في الإخبارِ عن ابتِداءِ الخلْقِ، وهو قولُه تعالى: خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ * خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا [الزمر: 5، 6]؛ فالآياتُ التي تَكتنِفُها في ذِكرِ ابتداءِ الخلْقِ، وابتداءِ جَرْيِ الكواكبِ، وهي إذْ ذاك تَجْري لِبُلوغِ الغايةِ. وكذلك قولُه في سُورةِ (فاطرٍ) إنَّما هو في ذِكرِ النِّعَمِ الَّتي ابتدَأَ بها في البَرِّ والبَحرِ؛ إذ يقولُ: وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ إلى قولِه: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ [فاطر: 12، 13]؛ فاختصَّ ما عندَ ذِكرِ النِّهايةِ بحَرْفِها (إلى)، واختصَّ ما عِندَ الابتداءِ بالحرْفِ الدَّالِّ على العِلَّةِ الَّتي يقَعُ الفِعلُ مِن أجْلِها (اللَّام) . وقيل غيرُ ذلك .
- قولُه: وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ عَطْفٌ على أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ؛ فهو داخلٌ في الاستِفهامِ الإنكاريِّ بتَنزيلِ العالِمِ مَنزلةَ غيرِه؛ لِعَدمِ جَرْيِه على مُوجَبِ العِلمِ؛ فهم يَعلَمون أنَّ اللهَ خَبيرٌ بما يَعمَلون، ولا يَجْرون على ما يَقْتضيهِ هذا العِلمُ في شَيءٍ مِن أحوالِهم .
- وقدَّمَ الجارَّ؛ إشارةً إلى تمامِ عِلمِه بالأعمالِ .
3- قوله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ مَوقِعُ هذه الجُملةِ مَوقِعُ النَّتيجةِ مِن الدَّليلِ؛ فإنَّهم مُعترِفون بأنَّ اللهَ هو فاعلُ ذلك، فلَزِمَهم الدَّليلُ ونَتيجتُه، والمعنى: أنَّ إيلاجَ اللَّيلِ في النَّهارِ، وعكْسَه، وتَسخيرَ الشَّمسِ والقمَرِ؛ مُسبَّبٌ عن انفرادِ اللهِ تعالى بالإلهيَّةِ؛ فالباءُ للسَّببيةِ في قولِه: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ ... .
- قولُه: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ ذَلِكَ إشارةٌ إلى ما تُلِيَ مِن الآياتِ الكَريمةِ، وما فيه مِن مَعنى البُعدِ؛ للإيذانِ ببُعدِ مَنزلتِها في الفضْلِ .
- وأيضًا أتَى باسمِ الإشارةِ ذَلِكَ بعدَ إجْراءِ تلك الصِّفاتِ على الذَّاتِ المُتميِّزةِ؛ لِيُؤذِنَ بأنَّ تلك الصِّفاتِ إنَّما تَثبُتُ له لأنَّه هو الإلهُ الثَّابتُ الإلهيَّةُ؛ لِمَا تَقرَّرَ أنَّ مَن كان إلهًا كان قادرًا خالِقًا عالِمًا، مَعبودًا رازقًا؛ فهذه الآيةُ كالفَذْلَكةِ لتِلك الآياتِ مِن لَدُنْ قولِه: أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ [لقمان: 20] ، وقولِه: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ [لقمان: 25] ، وكلٌّ مِن فواصلِها -نحوُ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ، إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ، وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ- مُتضمِّنةٌ لأسرارٍ لا يَعلَمُ كُنْهَها إلَّا اللَّطيفُ الخبيرُ، وكما أنَّ قولَه: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ كالمُجمَلِ لتلك المُفصَّلِ، كذلك قَرينتُها -أي: وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ- فَذْلَكةٌ لتلك الفواصلِ .
- قولُه: وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ التَّصريحُ بذلك -مع أنَّ الدَّلالةَ على اختصاصِ حَقِّيَّةِ الإلهيَّةِ به تعالى مُستتبِعةٌ للدَّلالةِ على بُطلانِ إلهيَّةِ ما عَداهُ-؛ لإبرازِ كَمالِ الاعتناءِ بأمْرِ التَّوحيدِ، وللإيذانِ بأنَّ الدَّلالةَ على بُطلانِ ما ذُكِرَ ليستْ بطَريقِ الاستتباعِ فقطْ، بلْ بطَريقِ الاستقلالِ أيضًا .
- وضَميرُ الفصْلِ هُوَ في قولِه: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ مُفِيدٌ للاختصاصِ، أي: هو الحقُّ، لا أصنامُكم ولا غيرُها ممَّا يُدَّعى إلهيَّتُه غَيرَه تعالى. ولم يُؤْتَ بضَميرِ الفصْلِ في الشِّقِّ الثَّاني وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ؛ لأنَّ ما يَدْعُونه مِن دُونِ اللهِ مِن أصنامِهم يَشترِكُ معها في أنَّه باطلٌ، وذكَرَ ضَميرَ الفَصلِ في نَظيرِه مِن سُورةِ (الحجِّ) وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ [الحج: 62] ؛ لاقتضاءِ المَقامِ هناك ذلك .
- قولُه: وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ واقعٌ مَوقِعَ الفَذْلكةِ لِمَا تَقدَّمَ مِن دَلالةِ إيلاجِ اللَّيلِ والنَّهارِ، وتَسخيرِ الشَّمسِ والقمَرِ؛ لأنَّه إذا استقَرَّ أنَّ ما ذُكِرَ دالٌّ على أنَّ اللهَ هو الحقُّ بالإلهيَّةِ، ودالٌّ على أنَّ ما يَدْعُونه باطلٌ؛ ثبَتَ أنَّه العليُّ الكبيرُ دونَ أصنامِهم، وقد اجتُلِبَ ضَميرُ الفصْلِ هنا هُوَ؛ للدَّلالةِ على الاختصاصِ، وسَلْبِ العُلوِّ والعَظَمةِ عن أصنامِهم .