موسوعة التفسير

سورةُ لُقمانَ
الآيات (25-27)

ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ

المعنى الإجماليُّ:

يُبيِّنُ الله تعالى ما عليه هؤلاء الكافرونَ مِن تناقضٍ، ويُقيمُ عليهم الحُجَّةَ، فالمنفردُ بالخَلْقِ والتَّدبيرِ هو الَّذي يَنبغي أن يُفردَ بالعبادةِ، فيقولُ: ولَئِنْ سألْتَ -يا محمَّدُ- هؤلاء الكافِرينَ: مَنِ الَّذي خلَقَ السَّمَواتِ والأرضَ؟ لَيَقولُنَّ: اللهُ. قُلْ لهم: الحَمدُ لله الَّذي أظهرَ الحُجَّةَ وأقامها عليكم باعتِرافِكم، بل أكثَرُهم لا يَعلَمونَ!
ثمَّ يُبيِّنُ عزَّ وجلَّ ما يدُلُّ على عظيمِ قدرتِه، فيقولُ: لله وَحْدَه ما في السَّمَواتِ والأرضِ، إنَّ اللهَ هو الغنيُّ المحمودُ في ذاتِه وصفاتِه.
ثمَّ يذكُرُ الله سبحانَه أنَّ كَلِماتِه لا نَفادَ لها، فيقولُ مقَرِّبًا هذا المعنى إلى الأذهانِ: ولو أنَّ أشجارَ الأرضِ صارت أقلامًا، وصار البَحرُ مِدادًا لها، ويَمُدُّ هذا البَحرَ سَبعةُ أبحُرٍ؛ لتُكتَبَ كلماتُ اللهِ بتلك الأقلامِ وهذا المِدادِ؛ لانتهَتْ تلك الأقلامُ، وفَنِيَ ذلك المِدادُ، ولم تَنفَدْ كلماتُ الله سُبحانَه وتعالى، إنَّ اللهَ عزيزٌ حَكيمٌ.

تَفسيرُ الآياتِ:

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (25).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
الآيةُ مُتعَلِّقةٌ بما قَبْلَها مِن وَجهَينِ:
الوَجهُ الأوَّلُ: لَمَّا استدَلَّ اللهُ تعالى بخَلقِ السَّمَواتِ بغيرِ عَمدٍ، وبنِعَمِه الظَّاهِرةِ والباطِنةِ؛ بَيَّن أنَّهم مُعتَرِفونَ بذلك غيرُ مُنكِرينَ له، وهذا يقتَضي أن يكونَ الحَمدُ كُلُّه لله؛ لأنَّ خالِقَ السَّمَواتِ والأرضِ يَحتاجُ إليه كُلُّ ما في السَّمَواتِ والأرضِ، وكَوْنُ الحَمدِ كُلِّه لله يقتَضي ألَّا يُعبَدَ غَيرُه.
الوَجهُ الثَّاني: أنَّ اللهَ تعالى لَمَّا سلَّى قَلبَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّمَ بقَولِه: فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ [لقمان: 23] ، أي: لا تَحزَنْ على تَكذيبِهم؛ فإنَّ صِدْقَك وكَذِبَهم يَتبيَّنُ عن قريبٍ عندَ رُجوعِهم إلينا، قال: وليس لا يتَبَيَّنُ إلَّا ذلك اليومَ، بل هو يتبَيَّنُ قبْلَ يومِ القيامةِ؛ لأنَّهم مُعتَرِفونَ بأنَّ خَلْقَ السَّمَواتِ والأرضِ مِنَ اللهِ، وهذا يُصَدِّقُك في دَعوى الوحدانيَّةِ، ويُبَيِّنُ كَذِبَهم في الإشراكِ؛ فقُلِ الحَمدُ للهِ على ظُهورِ صِدقِك، وكَذِبِ مُكَذِّبيك [393] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (25/126). .
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ.
أي: ولَئِنْ سألْتَ -يا محمَّدُ- هؤلاء الكافِرينَ: مَنِ الَّذي خلَقَ السَّمَواتِ والأرضَ؟ لَيَقولُنَّ: اللهُ [394] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/570)، ((تفسير ابن كثير)) (6/348)، ((تفسير السعدي)) (ص: 650). .
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ.
أي: قُلْ لهم: الحَمدُ لله الَّذي أظهَرَ الحُجَّةَ، وأقامها عليكم باعتِرافِكم [395] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (6/348)، ((تفسير السعدي)) (ص: 650)، ((تفسير ابن عثيمين - سورة لُقمان)) (ص: 150، 151). ممَّن قال بالمعنى المذكورِ: ابنُ عطية، وابنُ جُزَي، وابن كثير، والسعدي، وابن عثيمين. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (4/353)، ((تفسير ابن جزي)) (2/129)، ((تفسير ابن كثير)) (6/348)، ((تفسير السعدي)) (ص: 650)، ((تفسير ابن عثيمين - سورة لُقمان)) (ص: 150، 151). وقيل: إنَّ المعنى: الحَمدُ لله على خَلْقِه السَّمواتِ والأرضَ. وممَّن قال بهذا المعنى: ابنُ جرير، ومكِّي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/570، 571)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (9/5735). وجوَّز ابنُ عثيمين ضمَّ هذا القولِ إلى القولِ الأوَّلِ؛ جمعًا بيْنَ المعنيَينِ. ((تفسير ابن عثيمين - سورة لُقمان)) (ص: 151). وقيل: المرادُ: قُلِ الحَمدُ لله على ما هدانا له مِن دينِه، وليس الحَمدُ لغيرِه. وممَّن قال بهذا المعنى: القرطبيُّ. يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (14/75). .
بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ.
أي: بل أكثَرُهم لا يَعلَمونَ استِحقاقَ اللهِ تعالى للحَمدِ، ولا يَتدَبَّرونَ أنَّ الخالِقَ هو المُستَحِقُّ للعبادةِ وَحْدَه [396] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/570)، ((تفسير القرطبي)) (14/75)، ((تفسير القاسمي)) (8/34)، ((تفسير السعدي)) (ص: 650). .
لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا أثبَتَ اللهُ تعالى أنَّ له الحمدَ، وأنَّه قد أحاط بأوصافِ الكَمالِ؛ شَرَع يَستَدِلُّ على ذلك [397] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/195). .
لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.
أي: لله وَحْدَه جَميعُ ما في السَّمَواتِ والأرضِ، فهو خالِقُ كُلِّ شَيءٍ ومالِكُه ومُدَبِّرُه [398] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/571)، ((تفسير ابن كثير)) (6/348)، ((تفسير السعدي)) (ص: 650). .
إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ.
أي: إنَّ الله هو الغنيُّ عمَّا سِواه، المحمودُ في ذاتِه وصفاتِه وأفعالِه، وعلى نِعَمِه، وتدبيرِ خَلْقِه [399] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/571)، ((تفسير القرطبي)) (14/76)، ((تفسير ابن كثير)) (6/348)، ((تفسير السعدي)) (ص: 650). .
وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا ذَكَر سبحانَه أنَّ له ما في السَّمواتِ والأرضِ؛ أتْبَعه بما يدُلُّ على أنَّ له وراءَ ذلك ما لا يحيطُ به عَدَدٌ، ولا يُحصَرُ بحَدٍّ [400] يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (4/279). .
وأيضًا لَمَّا احتجَّ على المشركينَ بما احتجَّ، بَيَّن أنَّ كلِماتِه سبحانَه لا تَنْفَدُ، وأنَّها لا نهايةَ لها [401] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (14/76). .
وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ.
أي: ولو فُرِضَ أنَّ كُلَّ أشجارِ الأرضِ بُرِيتْ أقلامًا، وصار البَحرُ لها مِدادًا، ويَمُدُّ البَحرَ إذا نَشِفَ سَبعةُ أبحُرٍ [402] قال ابنُ كثير: (إنَّما ذُكِرَت «السَّبعةُ» على وجهِ المبالَغةِ، ولم يُرَدِ الحَصرُ). ((تفسير ابن كثير)) (6/348). ويُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (4/354). ؛ لِيُكتَبَ كلامُ اللهِ بتلك الأقلامِ والمِدادِ؛ لانتَهَت تلك الأقلامُ، وفَنيَ ذلك المِدادُ، ولم تَنفَدْ كَلِماتُ اللهِ سُبحانَه وتعالى [403] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/571)، ((المنار المُنِيف)) لابن القيم (ص: 37)، ((تفسير ابن كثير)) (6/348)، ((تفسير السعدي)) (ص: 651)، ((تفسير ابن عاشور)) (21/182). قال محمد رشيد رضا: (كَلِمَاتُ اللَّهِ ...: كَلِماتُ التَّكوينِ أنفُسُها، لا مُتَعَلَّقاتُها الَّتي هي الموجوداتُ). ((تفسير المنار)) (2/9). وقال القاسمي: (مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ أي: الَّتي أوجَد بها الكائناتِ، وسيُوجِدُ بها ما لا غايةَ لحصرِه ومُنتهاه). ((تفسير القاسمي)) (8/34). وقال السمعاني: (مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ أى: كلامُ الله وعِلمُه). ((تفسير السمعاني)) (4/235). وفي الآيةِ اختصارٌ تقديرُه: ولو أنَّ ما في الأرضِ مِن شجرةٍ أقلامٌ والبحرُ يَمُدُّه مِن بَعدِه سبعةُ أبحرٍ يُكتبُ بها كلامُ الله ما نَفِدَتْ كلِماتُ الله. يُنظر: ((تفسير البغوي)) (3/591). قال السعدي: (هذا التَّمثيلُ مِن بابِ تقريبِ المعنى، الَّذي لا يُطاقُ الوُصولُ إليه إلى الأفهامِ والأذهانِ، وإلَّا فالأشجارُ وإن تضاعفَتْ على ما ذُكِر، أضعافًا كثيرةً، والبحورُ لو امتدَّتْ بأضعافٍ مُضاعَفةٍ، فإنَّه يُتصَوَّرُ نفادُها وانقضاؤُها؛ لِكَونِها مخلوقةً. وأمَّا كلامُ الله تعالى، فلا يُتصوَّرُ نَفادُه، بل دلَّنا الدَّليلُ الشَّرعيُّ والعقليُّ على أنَّه لا نَفادَ له، ولا منتهَى). ((تفسير السعدي)) (ص: 651). وقال ابن تيميَّةَ: (الأبحرُ إذا قدِّرتْ مِدادًا تَنفَدُ، وكلِماتُ الله لا تَنفَدُ؛ ولهذا قال أئمَّةُ السُّنَّةِ: لم يَزَلِ الله متكلِّمًا كيفَ شاء، وبما شاء). ((مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية)) (3/22). !
كما قال تعالى: قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا [الكهف: 109] .
إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
أي: إنَّ اللهَ غالِبٌ وقاهِرٌ لكُلِّ شَيءٍ، فلا مانِعَ لِما أراد، ولا رادَّ لحُكمِه، حَكيمٌ في أفعالِه وأقوالِه وشَرْعِه، وفي تدبيرِ عِبادِه [404] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/574)، ((تفسير ابن كثير)) (6/349)، ((تفسير السعدي)) (ص: 651). .

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائِفُ:

1- في قَولِه تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ دَليلٌ على أنَّ المُشرِكينَ في عَهدِ الرَّسولِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ يُقِرُّونَ برُبوبيَّةِ اللهِ تعالى [405] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة لقمان)) (ص: 153). .
2- في قَولِه تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ أنَّ هذا التَّوحيدَ -توحيدَ الرُّبوبيَّةِ- لا ينفَعُ مَن أقَرَّ به فقط؛ لأنَّ هؤلاء المُشرِكينَ لم ينتَفِعوا بهذا الإقرارِ، بل لا بُدَّ مِن أنْ يُضافَ إليه توحيدُ الأُلوهيَّةِ والأسماءِ والصِّفاتِ [406] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة لقمان)) (ص: 153). .
3- في قَولِه تعالى: بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ نفَى سُبحانَه العِلمَ عنهم؛ لانتِفاءِ فائِدتِه، والشَّيءُ قد يُنفَى لانتِفاءِ فائِدتِه، فأكثرُ هؤلاء المعانِدينَ والمُشرِكينَ كانوا لا يَعلَمونَ؛ إمَّا للجَهلِ، وإمَّا لِعَدَمِ الانتِفاعِ بعِلمِهم [407] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة لقمان)) (ص: 151، 154). .

بلاغةُ الآياتِ:

1- قوله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
- قولُه: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ عطْفٌ على جُملةِ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا [لقمان: 21] ، باعتِبارِ أنَّ ما وَجَدوا عليه آباءَهم هو الإشراكُ مع اللهِ في الإلهيَّةِ، وإنْ سأَلَهم سائلٌ: مَن خلَقَ السَّمواتِ والأرضَ؟ يَقولوا: خلَقَهنَّ اللهُ، وذلك تَسخيفٌ لِعُقولِهم الَّتي تَجمَعُ بيْنَ الإقرارِ للهِ بالخلْقِ، وبيْنَ اعتِقادِ إلهيَّةِ غيرِه [408] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/179). !
- قولُه: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ إلْزامٌ لهم على إقرارِهم بأنَّ الَّذي خلَقَ السَّمواتِ والأرضَ هو اللهُ وَحْدَه، وأنَّه يجِبُ أنْ يكونَ له الحمْدُ والشُّكرُ، وألَّا يُعبَدَ معه غيرُه، يعني: لَمَّا اعتَرَفْتُم بأنَّ خالِقَ السَّمواتِ والأرضِ هو اللهُ، يجِبُ عليكم أنْ تَعرِفوا أنَّ العِبادةَ مُختصَّةٌ به؛ لأنَّ كلَّ فَضيلةٍ ونِعمةٍ منه لا مِن غيرِه؛ فلا تَشكُروا إلَّا إيَّاهُ؛ فيَكونُ قولُه: الْحَمْدُ لِلَّهِ تَتْميمًا للتَّبكيتِ المُستفادِ مِن قولِه: لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [409] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/500)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (12/305). .
- قولُه: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ، لَمَّا كان الأنسَبُ للحِكمةِ -الَّتي هي مَطلعُ السُّورةِ- الاقتِصارَ على مَحلِّ الحاجةِ، لم يَزِدْ هنا على المُسنَدِ إليه، بخلافِ سُورةِ (الزُّخرفِ): وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ [الزخرف: 9] ؛ فمَبْناها الإبانةُ [410] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/193). .
- وقولُه: بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ إيغالٌ [411] الإيغال: هو استكمالُ الكلامِ قبْلَ الإتيانِ بمَقطعِه، فإذا أُريدَ الإتيانُ بذلك أُتيَ بما يُفيد معنًى زائدًا على معنى ذلك الكلام، وهو ضربان: الأول: إيغالُ تخييرٍ؛ كقولِه تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة: 50] ؛ إذ إنَّ المعنى قد تمَّ بقَولِه: وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا، ولَمَّا احتاجَ الكلامُ إلى فاصلةٍ تُناسِبُ ما قبْلَها وما بعدَها، أتتْ هذه الفاصلةُ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ لتُفيدَ معنًى زائدًا، لولاها لم يَحصُلْ؛ وذلك أنَّه لا يَعلَمُ أنَّ حُكمَ الله أحسَنُ مِن كلِّ حُكمٍ إلَّا مَن أَيقنَ أنَّه واحدٌ حكيمٌ عادلٌ. الضَّربُ الثَّاني: إيغالُ احتياطٍ، وهو استكمالُ معنَى الكلامِ قبْلَ قَطْعِه، فإذا أُريدَ الإتيانُ بذلك أُتيَ بما يُفيد معنًى زائدًا تتمَّةً للمُبالَغةِ؛ كقولِه تعالى: وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ [النمل: 80] ، ثم علم عزَّ وجلَّ أنَّ الكلامَ يحتاجُ إلى فاصلةٍ تماثِلُ مقاطعَ ما قبْلَها وما بعدَها، فأتى بها مفيدةً معنًى زائدًا على معنَى الكلامِ، حيث قال: إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ [النمل: 80] . فإنْ قيل: ما معنى مُدبرينَ وقد أغنى عنها ذِكرُ التَّولِّي؟ قيل: ذلك لا يُغني عنها؛ إذ التَّوَلِّي قد يكونُ بجانبٍ دونَ جانبٍ، كما يكونُ الإعراضُ. يُنظر: ((تحرير التحبير)) لابن أبي الإصبع (ص: 223)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لمحيي الدين درويش (2/499 - 501). ؛ لأنَّ النُّكتةَ فيه تَجهيلُهم، وأنَّ جَهلَهم انْتَهى إلى أنَّهم لا يَعلَمون أنَّ الحمْدَ للهِ إلْزامٌ لهم [412] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/500)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (12/305). .
- وعبَّرَ هنا بـ لَا يَعْلَمُونَ، وفي سُورةِ (العنكبوتِ) بـ لَا يعْقِلون [العنكبوت: 63] ؛ تَفنُّنًا في المُخالَفةِ بيْنَ القِصَّتينِ مع اتِّحادِ المعنى [413] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/179). ، ولأنَّ العِلمَ أبلغُ درجةً مِن العَقلِ، ودَعْواهم هنا أبلَغُ لقولِهم: بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا؛ فكان الأنسَبُ نفْيَ كلٍّ بما يُناسِبُه [414] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 49). .
2- قولُه تعالى: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ
- قولُه: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ مَوقعُ هذه الجُملةِ مِن الَّتي قبْلَها مَوقِعُ النَّتيجةِ مِن الدَّليلِ في قولِه: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ؛ فلذلك فُصِلَت ولم تُعطَفْ؛ لأنَّها بمَنزِلةِ بدَلِ الاشتمالِ مِن الَّتي قبْلَها؛ فإنَّه لَمَّا تقرَّرَ إقرارُهم للهِ بخلْقِ السَّمواتِ والأرضِ، لَزِمَهم إنتاجُ أنَّ ما في السَّمواتِ والأرضِ مِلكٌ للهِ، ومِن جُملةِ ذلك أصنامُهم. والتَّصريحُ بهذه النَّتيجةِ؛ لِقَصْدِ التَّهاوُنِ بهم في كُفْرِهم بأنَّ اللهَ يَملِكُهم، ويَملِكُ ما في السَّمواتِ والأرضِ؛ فهو غَنِيٌّ عن عِبادتِهم، مَحمودٌ مِن غيرِهم [415] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/180). .
- وضَميرُ الفَصلِ (هو) مُفادُه اختصاصُ الغِنى والحمْدِ باللهِ تعالى، وهو قصْرُ قلْبٍ [416] القَصرُ أو الحَصرُ في اصطِلاحِ البلاغيِّينَ هو: تَخصيصُ شَيءٍ بشَيءٍ وحصْرُه فيه، ويُسمَّى الأمرُ الأوَّلُ: مَقصورًا، والثَّاني: مقصورًا عليه؛ مثل: إنَّما زَيدٌ قائمٌ، و: ما ضرَبتُ إلَّا زيدًا. وينقسِمُ إلى قَصْرٍ حقيقيٍّ، وقصرٍ إضافيٍّ، وادِّعائيٍّ، وقصرِ قَلْبٍ؛ فالحقيقيُّ هو: أن يختصَّ المقصورُ بالمقصورِ عليه بحسَبِ الحقيقةِ والواقِع، بألَّا يتعدَّاه إلى غيرِه أصلًا، مِثل: لا إلهَ إلَّا اللهُ، حيثُ قُصِر وصفُ الإِلَهيَّةِ الحقِّ على موصوفٍ هو الله وحْدَه، وهذا مِن قصرِ الصِّفةِ على المَوصوفِ، وهو قصرٌ حقيقيٌّ. والقصرُ الإضافيُّ: أن يكونَ المقصورُ عنه شيئًا خاصًّا، يُرادُ بالقصرِ بيانُ عدَمِ صحَّةِ ما تصوَّره بشأنِه أو ادَّعاه المقصودُ بالكلامِ، أو إزالةُ شكِّه وترَدُّدِه، إذا كان الكلامُ كلُّه منحصرًا في دائرةٍ خاصَّةٍ؛ فليس قصرًا حقيقيًّا عامًّا، وإنَّما هو قصرٌ بالإضافةِ إلى موضوعٍ خاصٍّ، يَدورُ حوْلَ احتمالَينِ أو أكثرَ مِن احتمالاتٍ محصورةٍ بعددٍ خاصٍّ، ويُستدَلُّ عليها بالقرائنِ. مِثلُ قولِه تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ [آل عمران: 144] . والقصرُ الادِّعائيُّ: ما كان القصرُ الحقيقيُّ فيه مبنيًّا على الادِّعاءِ والمبالَغةِ؛ بتنزيلِ غيرِ المذكور منزلةَ العدَمِ، وقصْر الشَّيءِ على المذكورِ وحْدَه. وقصْرُ القَلبِ: أن يَقلِبَ المتكلِّمُ فيه حُكمَ السامعِ؛ كقولِك: ما شاعرٌ إلَّا زيدٌ، لِمَن يَعتقِدُ أنَّ شاعرًا في قبيلةٍ معيَّنةٍ أو طرَفٍ مُعَيَّنٍ، لكنَّه يقولُ: ما زيدٌ هناك بشاعِرٍ. وللقَصرِ طُرُقٌ كثيرةٌ؛ منها: القصرُ بالنَّفيِ والاستثناءِ، والقصرُ بـ (إنَّما)، والقصرُ بتقديمِ ما حَقُّه التأخيرُ، وغيرُ ذلك. يُنظر: ((مفتاح العلوم)) للسكَّاكي (ص: 288)، ((الإيضاح في علوم البلاغة)) للقزويني (1/118) و(3/6)، ((التعريفات)) للجرجاني (1/175، 176)، ((الإتقان)) للسيوطي (3/167)، ((جواهر البلاغة)) للهاشمي (ص: 167، 168)، ((موجز البلاغة)) لابن عاشور (ص: 19 - 22)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن بن حسن حَبَنَّكَة الميداني (1/525). ، أي: ليس لآلهتِهم المَزعومةِ غِنًى، ولا تَستحِقُّ حَمْدًا [417] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/180). .
3- قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ قدْ نُظِمَت هذه الآيةُ بإيجازٍ بَديعٍ؛ إذ ابتُدِئَت بحَرفِ (لو)؛ فعُلِمَ أنَّ مَضمونَها أمْرٌ مَفروضٌ، فالمعنى: لو فُرِضَ إرادةُ اللهِ أنْ يَكتُبَ كلامَه كلَّه صُحفًا، ففُرِضَت الأشجارُ كلُّها مُقسَّمةً أقلامًا، وفُرِضَ أنْ يكونَ البحرُ مِدادًا، فكُتِبَ بتلك الأقلامِ وذلك المِدادِ؛ لَنَفِدَ البحرُ ونَفِدَتِ الأقلامُ، وما نَفِدَت كلِماتُ اللهِ في نفْسِ الأمْرِ [418] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/181، 182). .
- وفي قولِه: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وحَّدَ (الشَّجرةَ)؛ لِمَا تَقرَّرَ في عِلمِ المعاني أنَّ استِغراقَ المُفرَدِ أشمَلُ، فكأنَّه قال: كلُّ شَجرةٍ شَجرةٍ، حتَّى لا يَبْقَى مِن جِنسِ الشَّجرةِ واحدةٌ إلَّا وقد بُرِيَت أقلامًا. وجمَعَ (الأقلامَ)؛ لِقَصدِ التَّكثيرِ، أي: لو أنْ يُعَدَّ كلُّ شَجرةٍ مِن الشَّجرِ أقلامًا [419] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/501)، ((تفسير البيضاوي)) (4/216)، ((تفسير أبي حيان)) (8/421)، ((تفسير أبي السعود)) (7/75)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (7/562). . وقيل: مِنْ شَجَرَةٍ بَيانٌ لـ (مَا) الموصولةِ، وهو في معنى التَّمييزِ؛ فحقُّه الإفرادُ، ولذلك لم يَقُلْ: مِن أشجارٍ [420] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/182). .
- قولُه: وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ كان المُطابِقُ لِأوَّلِه أنْ يُقالَ: (وما في الأبْحُرِ مِن ماءٍ مِدادٌ)، ولكنَّه عُدِلَ عنه إلى قولِه: وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ، واستَغْنى عن المِدادِ بقولِه: يَمُدُّهُ مِن: مَدَّ الدَّواةَ، أي: زادها مِدادًا؛ فجعَلَ البحرَ المُحيطَ بمَنزلةِ الدَّواةِ، والأبحُرَ السَّبعةَ مَملوءةً مِدادًا أبدًا لا تَنقطِعُ، وأشار بـ (لَو) إلى أنَّ البِحارَ غيرُ مَوجودةٍ، أي: لو مَدَّتَ البِحارَ المَوجودةَ سَبعةُ أبحُرٍ أُخرى، وذِكْرُ السَّبعةِ ليس للحصْرِ، بلْ للمُبالَغةِ، وإنَّما خُصَّت بالذِّكْرِ؛ لكَثرةِ ما يُعَدُّ بها؛ كالكواكبِ السَّيَّارةِ، والسَّمواتِ والأرَضينَ، وغيرِها [421] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/501)، ((تفسير البيضاوي)) (4/216)، ((تفسير أبي حيان)) (8/420)، ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 447، 448)، ((تفسير أبي السعود)) (7/75). ، والسَّبعةُ تُستعمَلُ في الكِنايةِ عن الكَثرةِ كَثيرًا، فليس لهذا العدَدِ مَفهومٌ، أي: والبَحرُ يمُدُّه أبحُرٌ كثيرةٌ [422] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/182). .
- قولُه: سَبْعَةُ أَبْحُرٍ لَمَّا كان لفظُ (سَبعة) ليس موضوعًا في الأصلِ للتَّكثيرِ، وإنْ كان مُرادًا به التَّكثيرُ؛ جاء مُميِّزُه بلَفظِ القِلَّةِ، وهو أَبْحُرٍ، ولم يَقُلْ: بُحورٍ -وإنْ كان لا يُرادُ به أيضًا إلَّا التَّكثيرُ-؛ لِيُناسِبَ بيْنَ اللَّفظَينِ [423] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/420). .
- وفي هذا الكلامِ مِن المُبالَغةِ في تَكثيرِ الأقلامِ والمِدادِ ما يَنْبغي أنْ يُتأمَّلَ؛ وذلك أنَّ الأشجارَ مُشتمِلٌ كلُّ واحدةٍ منها على الأغصانِ الكثيرةِ، وتلك الأغصانُ كلُّ غُصنٍ منها يُقطَعُ على قَدْرِ القلَمِ، فيَبلُغُ عَددُ الأقلامِ في التَّناهي إلى ما لا يَعلَمُ به ولا يُحِيطُ إلَّا اللهُ تعالى [424] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/421). .
- إذا قيل: الكَلِماتُ في قوله تعالى: مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ جَمعُ قِلَّةٍ، والموضِعُ مَوضِعُ التَّكثيرِ لا التَّقليلِ، فهلَّا قيل: كَلِمُ اللهِ؟
والجوابُ: معناه أنَّ كَلِماتِه لا تَفي بكِتابتِها البِحارُ، فكيف بكَلِمِه [425] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/501). لكن قال أبو حيان: (وعلى تسليمِ أنَّ «كَلِماتٍ» جمعُ قِلَّةٍ، فجُموعُ القِلَّةِ إذا تَعَرَّفَتْ بالألفِ واللَّامِ غيرِ العهديَّةِ، أو أُضيفَتْ؛ عَمَّتْ وصارَتْ لا تَخُصُّ القليلَ، والعامُّ مستغرقٌ لجميعِ الأفرادِ). ((تفسير أبي حيان)) (8/422). ؟! فجمْعُ القِلَّةِ هنا أبلغُ في المقصودِ؛ لأنَّ جمْعَ القِلَّةِ إذا لم ينفَدْ بما ذُكِر مِن الأقلامِ والمِدادِ، فكيفَ يَنفَدُ به جمعُ الكثرةِ [426] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 448). ؟!
- وجُملةُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ تَذييلٌ؛ فهو لِعِزَّتِه لا يَغلِبُه الَّذين يَزعُمون عدَمَ الحاجةِ إلى القرآنِ يَنتظِرون انْفحامَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهو لحِكْمتِه لا تَنحصِرُ كَلماتُه؛ لأنَّ الحِكمةَ الحقَّ لا نِهايةَ لها [427] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/183). . وقيل: إنَّ قولَه: إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ كالتَّعليلِ لإثباتِ العِلمِ الواسعِ، كأنَّه قال: لا نَفادَ لعِلْمِه الواسعِ؛ لأنَّ المَعلوماتِ إمَّا كثيفةٌ تَحتاجُ في إدراكِها إلى عِلمٍ مَتينٍ، فهو عَزيزٌ لا يُعجِزُه شَيءٌ عمَّا يُرِيدُه، وإمَّا لطيفةٌ يَفتقِرُ لإدراكِها إلى عِلمٍ دَقيقٍ؛ فهو حكيمٌ يُدرِكُ بدَقيقِ حِكمتِه تلك المعانيَ والجواهرَ اللَّطيفةَ، فتكونُ الفاصلةُ كالتَّتميمِ لِمَا سبَقَ [428] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (12/312). .