موسوعة التفسير

سورةُ لُقمانَ
الآيتان (31-32)

ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ

غَريبُ الكَلِماتِ:

كَالظُّلَلِ: أي: كقِطَعِ السَّحابِ أو كالجِبالِ، وأصلُ (ظلل): يدُلُّ على سَترِ شَيءٍ لِشَيءٍ [476] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/461)، ((المفردات)) للراغب (ص: 536)، ((تفسير القرطبي)) (14/80)، ((تفسير ابن كثير)) (6/351). .
مُقْتَصِدٌ: المقتصِدُ: الفاعلُ للقَصدِ، وهو التَّوسُّطُ بينَ طرَفَينِ، وقصَدَ فى الأمرِ: إذا لم يجاوِزْ فيه الحدَّ، ورضِيَ بالتَّوسُّطِ، وأصلُ معنى الاقتصادِ: التَّوسُّطُ في الأمرِ، وأصلُ (قصد) هنا: يدُلُّ على وصل يدل إتيانِ شَيءٍ، وأَمِّه [477] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/95)، ((بصائر ذوي التمييز)) للفيروزابادي (4/272)، ((تفسير الألوسي)) (11/368)، ((تفسير ابن عاشور)) (21/191). .
خَتَّارٍ: أي: غَدَّارٍ، والخَترُ أقبَحُ الغَدرِ، وأصلُ (ختر): يدُلُّ على تَوانٍ وفُتورٍ؛ وذلك أنَّه إذا خَتَرَ فقدْ قَعَدَ عن الوَفاءِ [478] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/580)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 211)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/244)، ((المفردات)) للراغب (ص: 274)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 337). .

المعنى الإجماليُّ:

يذكُرُ الله سبحانَه نعمةً عظيمةً امتنَّ بها على العبادِ مِن جملةِ النِّعَمِ الَّتي لا تُحصَى، فيقولُ: ألم تَرَ -يا محمَّدُ- أنَّ السُّفُنَ تجري في البَحرِ بتَسخيرِ اللهِ تعالى؛ نِعمةً منه على عِبادِه؛ لِيُريَكم بعضَ آياتِه، إنَّ في ذلك لَدَلالاتٍ لكُلِّ صَبَّارٍ شَكورٍ لله على نِعَمِه.
ثمَّ يُبيِّنُ تعالى بعضَ أحوالِ الناسِ عندَما تُصيبُهم الشَّدائدُ وهم في البحرِ، فيقولُ: وإذا غطَّى أولئك المُشرِكينَ عندَ رُكوبِهم البَحرَ مَوجٌ كالجِبالِ أو الغَمامِ، وخافوا الغَرَقَ دَعَوُا اللهَ وَحْدَه أن يُنَجِّيَهم، ولم يَستغيثوا بغَيرِه، فلما نجَّاهم اللهُ مِن الغَرَقِ، وأوصَلَهم إلى البَرِّ فمنهم مُقتَصِدٌ، وما يَكفُرُ بأدِلَّتِنا ويُنكِرُها إلَّا كلُّ غدَّارٍ جَحودٍ نِعَمَ اللهِ عليه.

تَفسيرُ الآيتَينِ:

أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آَيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا ذكَرَ اللهُ تعالى آيةً سَماويَّةً بقَولِه: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ [لقمان: 29] ، وأشار إلى السَّبَبِ والمُسَبَّبِ؛ ذكَرَ آيةً أرضيَّةً، وأشارَ إلى السَّبَبِ والمُسَبَّبِ؛ فقَولُه: أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي [لقمان: 31] إشارةٌ إلى المسَبَّبِ، وقَولُه: بِنِعْمَةِ اللَّهِ إشارةٌ إلى السَّبَبِ، أي: إلى الرِّيحِ الَّتي هي بأمرِ اللهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آَيَاتِهِ يعني: يُريَكم بإجرائِها بنِعمتِه مِن آياتِه، أي: بَعضَ آياتِه [479] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (25/130). .
وأيضًا لَمَّا ذكَرَ اللهُ تعالى تَسخيرَ النَّيِّرَينِ، وامتِنانَه بذلك علينا؛ ذكَرَ أيضًا مَن سخَّرَ الفُلْكَ مِن العالَمِ الأرضيِّ؛ بجامِعِ ما اشتَرَكا فيه مِنَ الجَرَيانِ [480] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/423). .
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ.
أي: ألم تَرَ -يا محمَّدُ- أنَّ السُّفُنَ تَجري في البَحرِ بلُطفِ اللهِ وتَسخيِرهِ؛ نعمةً منه على عِبادِه [481] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/577)، ((تفسير القرطبي)) (14/79)، ((تفسير ابن كثير)) (6/351)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/204)، ((تفسير السعدي)) (ص: 652). قال ابن عطية: (المخاطَبُ محمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والمرادُ النَّاسُ أجمَعُ... وقَولُه: بِنِعْمَةِ اللَّهِ يحتَمِلُ أن يريدَ ما تحمِلُه السُّفُنُ مِنَ الطَّعامِ والأرزاقِ والتِّجاراتِ؛ فالباءُ للإلصاقِ، ويحتَمِلُ أن يريدَ الرِّيحَ وتَسخيرَ اللهِ البَحرَ، ونحوَ هذا؛ فالباءُ باءُ السَّبَبِ). ((تفسير ابن عطية)) (4/355، 356). قال ابن عثيمين: (والآيةُ تحتَمِلُ المعنيَينِ بدُونِ مُناقَضةٍ). ((تفسير ابن عثيمين- سورة لقمان)) (ص: 183). .
كما قال تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ [الحج: 65] .
لِيُرِيَكُمْ مِنْ آَيَاتِهِ.
أي: لِيُريَكم اللهُ بعضَ آياتِه، فتَستَدِلُّوا بها على وُجودِه ووَحدانيَّتِه، وعِلمِه وقُدرتِه، وغيرِ ذلك [482] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/577)، ((تفسير القرطبي)) (14/79)، ((تفسير ابن كثير)) (6/351)، ((تفسير ابن عاشور)) (21/189)، ((تفسير ابن عثيمين - سورة لقمان)) (ص: 184). .
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ .
مُناسَبتُها لِما قَبْلَها:
لَمَّا تَقَدَّم ذِكرُ جَرْيِ الفُلكِ فِي البحرِ، وكان في ذلك ما لا يخفَى على راكِبِه مِنَ الخَوفِ، وتَقَدَّم ذِكرُ النِّعمةِ؛ ناسَبَ الختمُ بِالصَّبرِ على ما يُحْذَرُ، وبالشُّكرِ على ما أنْعَمَ به تعالَى [483] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/423). .
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ.
أي: إنَّ في جَريِ الفُلكِ في البَحرِ لَعَلاماتٍ ودَلالاتٍ واضِحاتٍ على ما له سُبحانَه مِن صِفاتِ الكَمالِ، يَستَدِلُّ بها كُلُّ كثيرِ الصَّبرِ على طاعةِ اللهِ، وعلى أقدارِه المؤلِمةِ، وعن معاصيه؛ وكُلُّ كثيرِ الشُّكرِ للهِ على نِعَمِه [484] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/578)، ((تفسير القرطبي)) (14/79)، ((تفسير ابن كثير)) (6/351)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/205)، ((تفسير السعدي)) (ص: 652). .
وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32).
وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ.
أي: وإذا علا المُشرِكينَ عندَ رُكوبِهم البَحرَ مَوجٌ يُغَطِّيهم، كالجِبالِ أو الغَمامِ الَّذي يُظِلُّ مَن تحتَه، فخافوُا الغَرَقَ والهلاكَ: دَعَوُا اللهَ وَحْدَه أن يُنَجِّيَهم، ولم يَستَغيثوا بغَيرِه [485] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/579)، ((الوسيط)) للواحدي (3/446)، ((تفسير القرطبي)) (14/80)، ((تفسير ابن كثير)) (6/351)، ((تفسير السعدي)) (ص: 652)، ((تفسير ابن عثيمين - سورة لقمان)) (ص: 186). .
كما قال تعالى: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [العنكبوت: 65] .
فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ.
أي: فلمَّا نجَّاهم اللهُ مِنَ الغَرَقِ، وأوصَلَهم إلى البَرِّ، فمنهم مُقتَصِدٌ [486] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/579)، ((تفسير الزمخشري)) (3/503)، ((تفسير ابن عاشور)) (21/191)، ((تفسير ابن عثيمين - سورة لقمان)) (ص: 188). قيل: المرادُ: فمنهم متوَسِّطٌ في الكُفرِ والظُّلمِ، خَفَضَ مِن غُلَوائِه، وانزجَرَ بعضَ الانزجارِ، فلم يُسرِفْ في كُفرِه. وممَّن ذهب إلى هذا المعنى: الزمخشريُّ، والرسعني، وابن عاشور، وذكره ابنُ جُزي احتِمالًا. يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/503)، ((تفسير الرسعني)) (6/66)، ((تفسير ابن عاشور)) (21/191)، ((تفسير ابن جزي)) (2/140). وممَّن قال بنحوِ هذا القولِ مِن السَّلفِ: مُجاهِدٌ، والكلبيُّ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/580)، ((تفسير الثعلبي)) (7/322). وقيل: المرادُ بالمُقتَصِدِ: المتوسِّطُ في إيمانِه، فلمْ يَقُمْ بشُكرِ الله على وَجهِ الكَمالِ؛ فيَكونُ ذلك مِن بابِ الإنكارِ على مَن شاهَدَ تلك الأهوالَ والأمورَ العِظامَ والآياتِ الباهراتِ في البَحرِ، ثمَّ بعدَما أنعَمَ عليه مِن الخلاصِ كان ينبغي أن يقابِلَ ذلك بالعَمَلِ التَّامِّ، والدُّؤوبِ في العبادةِ، والمُبادَرةِ إلى الخَيراتِ، فمَنِ اقتصَدَ بعدَ ذلك كان مُقَصِّرًا والحالةُ هذه. ذكر هذا المعنى احتِمالًا: ابنُ جُزَي، وابن كثير، وهو ظاهرُ اختيارِ السعدي. يُنظر: ((تفسير ابن جزي)) (2/140)، ((تفسير ابن كثير)) (6/351)، ((تفسير السعدي)) (ص: 652). وقيل: المرادُ: عَدْلٌ مُوفٍ في البَرِّ بما عاهَدَ الله عليه في البحرِ مِنَ التَّوحيدِ وإخلاصِ الدِّينِ لله، يعني: ثبَتَ على إيمانِه. وممَّن اختاره: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، والسمعانيُّ، والبغوي، والخازن، والعليمي، والشربيني، والشوكاني. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/439)، ((تفسير السمعاني)) (4/239)، ((تفسير البغوي)) (3/592)، ((تفسير الخازن)) (3/400)، ((تفسير العليمي)) (5/316)، ((تفسير الشربيني)) (3/198)، ((تفسير الشوكاني)) (4/281). .
وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ.
أي: وما يَكفُرُ بأدِلَّتِنا وحُجَجِنا، ويُكَذِّبُ بها ويُنكِرُها [487] قال القرطبي: (وجَحْدُ الآياتِ: إنكارُ أعيانِها، والجَحدُ بالآياتِ: إنكارُ دَلائِلِها). ((تفسير القرطبي)) (14/81). ويُنظر: ((تفسير الماوردي)) (4/348). إلَّا كلُّ غدَّارٍ شَديدِ الغَدرِ بعَهدِه، جَحودٍ عَظيمِ الجَحدِ لنِعَمِ رَبِّه؛ فهو يَنقُضُ ما عاهَدَ اللهَ عليه، ولا يَشكُرُه على ما آتاه مِن نِعَمِه [488] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/580)، ((تفسير القرطبي)) (14/80)، ((تفسير ابن كثير)) (6/351)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/209)، ((تفسير السعدي)) (ص: 652)، ((تفسير ابن عثيمين - سورة لقمان)) (ص: 189). قيل: المرادُ أنَّ نِعَمَ الله تعالى على العِبادِ كأنَّها عُهودٌ ومِنَنٌ يَلزَمُ عنها أداءُ شُكرِها، فمَن كفَر ذلك وجحَدَ به فكأنَّه خَتَرَ (غدَر) وخانَ. وممَّن قال بهذا المعنى: ابنُ عطية. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (4/355، 356). وقيل: المرادُ أنَّ كلَّ إنسانٍ قد عاهَد ربَّه بمُقتضَى فِطْرَتِه أن يُؤمِنَ به، فإذا كفَر صار غادرًا لم يَفِ بالعهد. وممَّن قال بهذا المعنى: ابنُ عثيمين. يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - سورة لقمان)) (ص: 190). وقيل: المرادُ: نقْضُ العهدِ الفِطْريِّ، ونقْضُ عقدِ العزيمةِ وقتَ الهَولِ البَحْريِّ، ورفْضُ ما كان عليه في البحرِ. وممَّن اختاره: القنوجي، والقاسمي. يُنظر: ((تفسير القنوجي)) (10/301)، ((تفسير القاسمي)) (8/35). .
كما قال تعالى: وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ [العنكبوت: 47] .
وقال سُبحانَه: وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ [العنكبوت: 49] .

الفَوائِدُ التَّربَويَّةُ:

1- قال الله تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ، فالمؤمنُ متذكِّرٌ عندَ الشِّدَّةِ والبلاءِ، وعندَ النِّعَمِ والآلاءِ، فيَصبرُ إذا أصابَتْه نِقمةٌ، ويَشكُرُ إذا أتَتْه نعمةٌ [489] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (25/130). .
2- في قَولِه تعالى: وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ التَّحذيرُ مِنَ الغَدرِ؛ لأنَّه قد يكونُ سَببًا في الكُفرِ والجَحْدِ؛ ولهذا قال الرَّسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أرْبَعٌ مَن كُنَّ فيه كان منافقًا خالصًا ))، وذَكَر منها: ((إذا عَاهَدَ غَدَرَ )) [490] أخرجه البخاري (34)، ومسلم (58) من حديث عبدِ الله بنِ عَمرٍو رضي الله عنهما. ، فإذا كان لا يَجحَدُ بالآياتِ إلَّا الغَدَّارُ، فمعنى ذلك أنَّ الغَدْرَ يكونُ سَببًا للجَحْدِ والكُفرِ [491] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة لقمان)) (ص: 195). .

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائِفُ:

1- الإيمانُ نِصْفانِ: نِصفٌ صَبْرٌ، ونِصفٌ شُكْرٌ؛ قال الله تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [492] يُنظر: ((طريق الهجرتين)) لابن القيم (ص: 265). .
2- في ذِكْرِ «الصَّبَّارِ الشَّكورِ» بعدَ ذِكرِ أنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ مُناسَبةٌ ظاهِرةٌ جِدًّا؛ لأنَّ هذه الفُلكَ الَّتي تجري في البَحرِ: تارةً تَعصِفُ بها الأمواجُ، ويَتأذَّى الإنسانُ بذلك، ورُبَّما يتضَرَّرُ؛ فيُقابِلُ ذلك بالصَّبرِ، وقد يكونُ الأمرُ بالعَكسِ فيَشمَلُ العُبورَ على البَحرِ، ويَحصُلُ بذلك خَيرٌ كثيرٌ؛ فيُقابِلُ ذلك بالشُّكرِ، فلمَّا كانت هذه السُّفُنُ بها سَرَّاءُ وضَرَّاءُ، خَتَمَ اللهُ تعالى الآيةَ بقَولِه: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [493] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة لقمان)) (ص: 184). .
3- في قَولِه تعالى: وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ إثباتُ رِسالةِ الرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم، لأنَّ الرَّسولَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ما رَكِبَ البَحرَ حتَّى يَعرِفَ هذه الأمواجَ، وأنَّها كالظُّلَلِ! ولكِنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلِمَ بها مِن خَبَرِ اللهِ سُبحانَه وتعالى: وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ [494] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة لقمان)) (ص: 190). .
4- في قَولِه تعالى عن المُشرِكينَ: دَعَوُا اللَّهَ أنَّهم يُقِرُّونَ بالرُّبوبيَّةِ؛ فهم لا يَدْعونَه إلَّا لأنَّهم يَعلَمونَ أنَّه قادِرٌ على إنقاذِهم؛ وإلَّا فلا يُمكِنُ أن يَدْعُوا مَن لا يَعتَقِدونَ أنَّه قادِرٌ [495] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة لقمان)) (ص: 191). !
5- في قَولِه تعالى: دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إجابةُ دَعوةِ المُضْطَرِّ ولو كان كافِرًا؛ فهؤلاء أجاب اللهُ تعالى دَعوتَهم مع عِلمِه بأنَّهم كُفَّارٌ وسيَكفُرونَ [496] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة لقمان)) (ص: 191). . فالله تعالى ضَمِن إجابةَ المضطرِّ إذا دعاه، وأخبَر بذلك عن نفْسِه، والسَّببُ في ذلك أنَّ الضرورةَ إليه باللجأ ينشأُ عن الإخلاصِ، وقطعِ القلبِ عمَّا سواه، وللإخلاصِ عنده سبحانه موقعٌ وذمةٌ، وُجِد مِن مؤمنٍ أو كافرٍ، طائعٍ أو فاجرٍ، كما قال تعالى: حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ [يونس: 22] وقوله: فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ[العنكبوت: 65] ، فأجابهم عندَ ضرورتِهم ووقوعِ إخلاصِهم، مع علمِه أنَّهم يعودون إلى شركِهم وكفرِهم [497] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (13/223). .

بلاغةُ الآيتَينِ:

1- قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آَيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ اسِتئنافٌ، جاء على سَننِ الاستِئنافينِ اللَّذَينِ قبْلَه في قولِه: أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ [لقمان: 20] ، وقولِه: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ [لقمان: 29] ، وجِيءَ بها غيرَ مُتعاطِفةٍ؛ لئلَّا يَتوهَّمَ السَّامعُ أنَّ العَطْفَ على ما تَخلَّلَ بيْنَها، وجاء هذا الاستئنافُ الثَّالثُ دليلًا ثالثًا على عَظيمِ حِكمةِ اللهِ في نِظامِ هذا العالَمِ، وتَوفيقِ البَشرِ للانتفاعِ بما هيَّأَهُ اللهُ لانتفاعِهم به، فلمَّا أتَى الاستئنافانِ الأوَّلانِ على دَلائلِ صُنْعِ اللهِ في السَّمواتِ والأرضِ، جاء في هذا الثَّالثِ دليلٌ على بَديعِ صُنْعِ اللهِ بخَلْقِ البَحرِ، وتَيسيرِ الانتفاعِ به في إقامةِ نِظامِ المُجتمَعِ البَشَريِّ [498] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/217)، ((تفسير أبي السعود)) (7/77)، ((تفسير ابن عاشور)) (21/188، 189). .
- قولُه: أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آَيَاتِهِ الهْمزةُ في قولِه: أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ للاستفهامِ الإنكاريِّ التَّقريريِّ [499] يُنظر: ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (7/564). .
- ووَصَفَ هذا الجَرْيَ بمُلابَسةِ نِعمةِ اللهِ؛ لأنَّه خلَقَ البحرَ على هذه الصِّفةِ العظيمةِ مُيسَّرًا للانتفاعِ بالأسفارِ فيه حينَ لا تُغْني طُرقُ البَرِّ في التَّنقُّلِ غَناءً؛ فجعَلَهُ قابلًا لِحَمْلِ المَراكبِ العظيمةِ، وألْهَمَ الإنسانَ لِصُنْعِ تلك المَراكبِ على كَيفيَّةٍ تَحْفَظُها مِن الغرَقِ في عُبابِ البَحرِ، وعصَمَهم مِن تَوالِي الرِّياحِ والمَوجِ في أسفارِهم، وهَداهُم إلى الحِيلةِ في مُصانَعتِها إذا طرَأَت حتَّى تَنجلِيَ [500] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/189). .
- ويَتعلَّقُ لِيُرِيَكُمْ بـ تَجْرِي، أي: تَجْري في البَحرِ جَرْيًا، عِلَّةُ خَلْقِه أنْ يُرِيَكم اللهُ بعضَ آياتِه، أي: آياتِه لكم، فلمْ يَذكُرْ مُتعلَّقَ الآياتِ؛ لِظُهورِه مِن قولِه: لِيُرِيَكُمْ [501] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/189). .
- وجُملةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ لها مَوقعُ التَّعليلِ لِجُملةِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آَيَاتِهِ. ولها مَوقعُ الاستئنافِ البَيانيِّ؛ إذ يَخطُرُ بِبالِ السَّامعِ أنْ يَسأَلَ: كيف لم يَهتَدِ المشرِكون بهذه الآياتِ؟ فأُفِيدَ أنَّ الَّذي يَنتفِعُ بدَلالتِها على مَدلولِها هو كلُّ صبَّارٍ شَكورٍ؛ ثَناءً على هذا الفريق صَريحًا، وتَعريضًا بالَّذين لمْ يَنتفِعوا بدَلالتِها. واقتِرانُ الجُملةِ بحَرْفِ (إنَّ)؛ لأنَّه يُفِيدُ في مِثلِ هذا المَقامِ معنَى التَّعليلِ والتَّسبُّبِ. وجُعِلَ ذلك عِدَّةَ آياتٍ؛ لأنَّ في ذلك دَلائلَ كثيرةً [502] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/189، 190). .
- وصِيغتَا صَبَّارٍ شَكُورٍ بِنْيَتَا مُبالَغةٍ، و(فعَّالٌ) أبلَغُ؛ لِزِيادةِ حُروفِه، والصَّبَّارُ: مُبالَغةٌ في المَوصوفِ بالصَّبرِ، والشَّكورُ كذلك، أي: الَّذين لا يُفارِقُهم الوَصْفانِ [503] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/423)، ((تفسير ابن عاشور)) (21/190). .
- وأيضًا قولُه: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ كِنايةٌ رَمْزيَّةٌ عن المؤمنينَ، وتَعريضٌ رَمْزيٌّ بالمشرِكينَ، ووَجْهُ إيثارِ خُلُقَيِ الصَّبرِ والشُّكرِ هنا للكِنايةِ بهما مِن بيْنِ شُعَبِ الإيمانِ: أنَّهما أنسَبُ بمَقامِ السَّيرِ في البحرِ؛ إذ راكبُ البحرِ بيْنَ خطَرٍ وسلامةٍ، وهما مَظهَرُ الصَّبرِ والشُّكرِ [504] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/190). .
- وخصَّ هذه الدَّلالةَ بأنَّها دَلالةٌ لِلصَّبَّارِ الشَّكورِ، دونَ سائرِ الخلْقِ؛ لأنَّ الصَّبرَ والشُّكرَ مِن أفعالِ ذوي الحِجَى والعقولِ، فأخبَر أنَّ في ذلك لَآياتٍ لكلِّ ذي عقلٍ؛ لأنَّ الآياتِ جعَلها الله عِبَرًا لِذَوي العقولِ والتَّمييزِ [505] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/578). . ولأنَّ الآيةَ -وهي العَلامةُ- لا تَستَبينُ في صَدرِ كُلِّ مُؤمِنٍ، إنَّما تَستَبينُ لِمَن صَبَرَ على البلاءِ، وشَكَر على الرَّخاءِ [506] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (14/79). ، فلا يَنتَفِعُ بالآياتِ إلَّا مَن جَمَعَ بينَ الصَّبرِ والشُّكرِ [507] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة لقمان)) (ص: 185). .
- وفي قولِه: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ حُسْنُ تَخلُّصٍ إلى التَّفصيلِ الَّذي عقِبَه في قولِه: وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ  ... الآيةَ؛ فعُطِفَ على آياتِ سَيرِ الفُلْكِ إشارةً إلى أنَّ الناسَ يَذْكُرون اللهَ عندَ تلك الآياتِ عندَ الاضطرارِ، وغَفلَتِهم عنها في حالِ السَّلامةِ [508] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/190). .
2- قوله تعالى: وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ
- قولُه: وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ فيه الْتِفاتٌ؛ حيثُ خرَجَ مِن ضَميرِ الخِطابِ في لِيُرِيَكُمْ إلى ضَميرِ الغَيبةِ في غَشِيَهُمْ [509] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/423). ، وهذا إنْ كانَ ضميرُ غَشِيَهُمْ مُتَّحِدًا بضميرِ المخاطَبينَ قبْلَه؛ ففي الكلامِ التِفاتٌ مِن الخِطابِ إلى الغَيبةِ، وإلَّا فلا التِفاتَ [510] يُنظر: ((تفسير الألوسي)) (11/112). ، وكذلك في الانتِقالِ مِن الغَيبةِ في دَعَوُا اللَّهَ إلى التَّكلُّمِ في قولِه: بِآَيَاتِنَا، وهذا الالتفاتُ فيه إشارةٌ إلى أنَّ الناسَ يَذْكُرونَ اللهَ عِندَ تلك الآياتِ وعِندَ الاضطرارِ، مع غَفْلتِهم في حالِ السَّلامةِ، وفيه إشارةٌ إلى أنَّ ذلك الإخلاصَ الحادِثَ عِندَ الخَوفِ قلَّما يبقَى لأحدٍ عندَ زَوالِ الخوفِ، والمعنى: أنَّ حالَ الناسِ في النِّعمةِ غيرُ حالِهم في الشِّدَّةِ؛ فتتغيَّرُ أحوالُهم بتغيُّرِ المواقفِ [511] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/503)، ((تفسير أبي حيان)) (8/366، 423)، ((تفسير أبي السعود)) (7/47)، ((تفسير الألوسي)) (11/104)، ((تفسير ابن عاشور)) (21/192). !
 - ومَوْجٌ اسمُ جنسٍ، واحِدُه مَوجةٌ، وتَنكيرُه للتَّعظيمِ والتَّكثيرِ؛ ولذا أُفرِدَ مع جَمْعِ المُشبَّهِ به في قولِه تعالى: كَالظُّلَلِ [512] يُنظر: ((تفسير الألوسي)) (11/112). . وقيل: أفرَدَ مَوْجٌ؛ لأنَّه لشِدَّةِ اضطرابِه، وإتيانِه شَيئًا في إثْرِ شَيءٍ مُتتابِعًا؛ يركَبُ بَعضَه كأنَّه شَيءٌ واحِدٌ [513] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/207). .
- وأيضًا في قولِه: وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ شبَّهَ المَوجَ في ارتفاعِه واسْوِدادِه واضْطِرابِه بالظُّلَلِ، وهو السَّحابُ. وقِيل: كَالظُّلَلِ كالجبالِ [514] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/423). .
- قَولُه: دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ اقتضَى الحالُ حَذْفَ ما دَعَوا به؛ لتَعظيمِ الأمرِ فيه لِما اقتَضاه مِنَ الشَّدائِدِ؛ لِتَذهَبَ النَّفْسُ فيه كُلَّ مَذهَبٍ [515] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/207). .
- قولُه: دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ في وصْفِهم بالمُخلِصينَ ضرْبٌ مِن التَّهَكُّمِ؛ لأنَّه لَمَّا نَجَّاهم فاجأتْهم السَّجيَّةُ فأشْرَكوا باللهِ، وكان منهم مُقتصِدٌ في شُكرِه [516] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/366، 423)، ((تفسير أبي السعود)) (7/47)، ((تفسير ابن عاشور)) (21/192). ، وذلك على أحدِ الأقوالِ في التَّفسيرِ.
- قولُه: فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ هذه ضُمِّنَتْ معنى الإيصالِ، يعني: نجَّاهم وأوصلَهم إلى البَرِّ، لم يقُلْ: فلمَّا نجَّاهم مِن هذه الظُّلَلِ فقط! بل نجَّاهم إنجاءً وصَلوا فيه إلى شاطئِ السَّلامةِ؛ إلى البَرِّ [517] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة لقمان)) (ص: 188). .
- والفاءُ في قولِه: فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ تدُلُّ على مُقدَّرٍ، كأنَّه قِيل: فلمَّا نَجَّاهم انقَسَموا؛ فمنهم مُقتصِدٌ، ومنهم غيرُه [518] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/191). .
- وجُملةُ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ تَذييلٌ؛ لأنَّها تعُمُّ كلَّ جاحدٍ؛ سواءٌ مَن جحَدَ آيةَ سَيرِ الفُلكِ وهَولِ البحرِ، ويَجحَدُ نِعمةَ اللهِ عليه بالنَّجاةِ، ومَن يَجحَدُ غيرَ ذلك مِن آياتِ اللهِ ونِعَمِه [519] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/191، 192). .
- وضُمِّنَ «الجَحْدُ» معنى التَّكذيبِ؛ لأنَّ الجَحْدَ الَّذي بمعنى الكِتمانِ يتعَدَّى بنَفْسِه، فيُقالُ: «جَحَدَه» أي: كَتَمَه، لكِنْ هنا ضُمِّنَ معنى التَّكذيبِ؛ ولذلك تَعَدَّى بالباءِ، فقيلَ: وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا أي: ما يُكَذِّبُ بها [520] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة لقمان)) (ص: 189). .
- وفيه مُناسَبةٌ حسَنةٌ، حيثُ ختَمَ هنا في قولِه: وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ بصِيغَتَيْ مُبالَغةٍ، وهما: (ختَّارٌ) و(كَفورٌ)، وفي الآيةِ قبْلَها قال: صَبَّارٍ شَكُورٍ؛ فالصَّبَّارُ الشَّكُورُ مُعترِفٌ بآياتِ اللهِ، والختَّارُ الكَفورُ يَجحَدُ بها؛ فتَوازَنَت هذه الكلماتُ لَفظًا ومعنًى؛ أمَّا لَفظًا فظاهرٌ، وأمَّا معنًى: فالختَّارُ هو الغدَّارُ، والغَدْرُ لا يكونُ إلَّا مِن قِلَّةِ الصَّبرِ؛ لأنَّ الصَّبَّارَ يُفوِّضُ أمْرَه إلى اللهِ، وأمَّا الغدَّارُ فيُعاهِدُ ويَغدِرُ، فلا يَصبِرُ على العَهدِ، وأمَّا الكَفورُ فمُقابَلتُه معنًى للشَّكورِ واضحةٌ [521] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/423، 424). .