موسوعة التفسير

سورةُ مَريمَ
الآيات (16-21)

ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ

غريب الكلمات:

انْتَبَذَتْ: أي: اعتَزَلتْ، وانفَرَدَتْ، وتنحَّتْ، من النبْذَة، (بضمِّ النونِ وفتحِها)، وهي الناحيةُ، وأصلُ (نبذ): يدلُّ على الطَّرحِ والإلقاءِ [155] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/483)، ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 273)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 108)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/380)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 222)، ((تفسير الرسعني)) (4/401). .
سَوِيًّا: أي: مُعتَدِلًا تامًّا، وأصلُ (سوي): يدُلُّ على استِقامةٍ واعتدالٍ [156] يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (14/214)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/112)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/183). .
زَكِيًّا: أي: طاهِرًا مِن الذُّنُوبِ، يَنْمو على النَّزاهةِ والعِفَّةِ، وأصلُ (زكي): يدُلُّ على نَماءٍ وزِيادةٍ [157] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/488)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/17)، ((تفسير الشوكاني)) (3/387)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 492). .
بَغِيًّا: أي: زانيةً، وأصلُ (بغي) هنا: يدلُّ على جِنسٍ مِن الفَسادِ [158] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 125)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/271)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 222)، ((تفسير القرطبي)) (11/91). وقيل: البغيُّ التي تبغي الزِّنا، أي: تطلبُه. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (4/14). .
مَقْضِيًّا: أي: محكومًا به، مفروغًا منه، سابقًا في علمِ الله أنَّه كائنٌ، فهو واقعٌ لا مَحالةَ، وأصلُ (قضي): يدُلُّ على إحكامِ أمرٍ، وإنفاذِه لجِهَتِه [159] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/489)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/99)، ((البسيط)) للواحدي (14/217)، ((تفسير الرسعني)) (4/404)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/389). .

المعنى الإجمالي:

بعدَ أن ذكَر الله تعالى جانبًا مِن قصةِ زكريا ويحيى -عليهما السلام- وما فيها مِن العجبِ؛ ذكَر قصةً أخرَى أعجبَ منها، وهي قصةُ مريمَ، وميلادِ ابنِها عيسى عليه السلامُ، فقال تعالى: واذكُرْ -يا مُحمَّدُ- في هذا القُرآنِ خَبَرَ مَريمَ إذ تباعَدَت عن أهلِها، فاتَّخَذت لها مَكانًا جهة الشَّرقِ. فجعَلَت بينَها وبينَ أهلِها سِترًا يَستُرُها عنهم وعن النَّاسِ، لتتفَرَّغَ للعبادةِ، فأرسَلْنا إليها جبريلَ، فتمثَّل لها في صورةِ رجلٍ تامِّ الخَلْقِ، جَميلِ الصُّورةِ. قالت مريمُ له: إنِّي أستجيرُ بالرَّحمن ِمنك أن تنالَني بسوءٍ إنْ كُنتَ تتقي اللهَ فستنتهي بتعوُّذي منك. قال لها المَلَكُ: إنَّما أنا رسولُ رَبِّك بعَثَني إليك؛ لأهَبَ لكِ غلامًا طاهرًا من الذُّنوبِ. قالت مريمُ للمَلَك: كيف يكونُ لي غُلامٌ ولم يمسَسْني بشَرٌ بنكاحٍ، ولم أكُن زانيةً؟! قال لها المَلَكُ: هكذا الأمرُ كما تَصِفينَ مِن أنَّه لم يَمسَسْكِ بَشَرٌ، ولم تكوني بَغِيًّا، ولكِنَّ رَبَّك قال: خلْقُ الغُلامِ منك مِن غيرِ أبٍ عليَّ سَهلٌ؛ ولِيَكونَ هذا الغُلامُ عَلامةً للنَّاسِ تدُلُّ على قُدرةِ اللهِ تعالى، ورحمةً منَّا به وبك وبالنَّاسِ، وكان خلقُه على هذه الحالةِ قَضاءً سابِقًا مُقَدَّرًا.

تفسير الآيات:

وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا ذكَرَ تعالى قِصَّةَ زكريَّا -عليه السَّلامُ- وأنَّه أوجَدَ منه في حالِ كِبَرِه وعُقمِ زَوجتِه ولدًا زكيًّا طاهِرًا مُباركًا- عطَفَ بذِكرِ قِصَّةِ مَريمَ في إيجادِه ولَدَها عيسى -عليهما السَّلامُ- منها مِن غيرِ أبٍ؛ فإنَّ بينَ القِصَّتينِ مُناسَبةً ومُشابَهةً؛ ولهذا ذكَرَهما في (آلِ عِمرانَ)، وهاهنا، وفي سورةِ (الأنبياءِ)، يَقرِنُ بين القِصَّتينِ؛ لتقارُبِ ما بينهما في المعنى، ليَدُلَّ عِبادَه على قُدرتِه، وعَظمةِ سُلطانِه، وأنَّه على كلِّ شيءٍ قديرٌ [160] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (5/218-219). .
وأيضًا لَمَّا ذكَرَ الله تعالى قِصَّةَ زكريَّا -عليه السَّلامُ- وطلَبَه الولدَ، وإجابةَ الله إيَّاه، فوُلِدَ له من شَيخٍ فانٍ، وعَجوزٍ له عاقرٍ، وكان ذلك مما يُتعَجَّبُ منه- أردفه بما هو أعظَمُ في الغَرابةِ والعَجَبِ، وهو وُجودُ ولَدٍ مِن غَيرِ ذَكَرٍ [161] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/247). ، فقال تعالى:
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ.
أي: واتْلُ -يا مُحمَّدُ- في القُرآنِ خبَرَ مَريمَ عليها السَّلامُ [162] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/482)، ((تفسير القرطبي)) (11/90)، ((تفسير السعدي)) (ص: 491)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/79)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/385). قال البقاعي: (وَاذْكُرْ بلَفظِ الأمرِ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ ابنةَ عِمرانَ؛ خالةَ يحيى، كما في الصَّحيحِ مِن حديثِ أنسِ بنِ مالكٍ عن مالكِ بنِ صَعصعةَ الأنصاريِّ رَضِيَ الله عنهما في حديثِ الإسراءِ: «فلمَّا خَلَصتُ فإذا يحيى وعيسى، وهما ابنا خالة»). ((نظم الدرر)) (12/182-183). وقد اختلف العُلَماءُ في نبُوَّةِ مريمَ عليها السَّلامُ، والأكثرُ على أنَّها ليست نبيَّةً، وحُكِي الإجماعُ على ذلك، وحكَى أبو بكر الباقِلَّاني، والقاضي أبو يعلى، وأبو المعالي الجويني وغيرُهم الإجماعَ على أنَّه لا يوجدُ في النِّساءِ نَبيَّةٌ. يُنظر: ((إكمال المعلم)) للقاضي عياض (7/440)، ((الأذكار)) للنووي (ص: 119)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (4/396)، ((الجواب الصحيح)) لابن تيمية (2/349). وقال ابنُ كثير: (الذي عليه أئمَّةُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ، وهو الذي نقَله الشيخُ أبو الحسَنِ عليُّ بنُ إسماعيلَ الأشعريُّ عنهم: أنَّه ليس في النِّساءِ نبيَّةٌ، وإنَّما فيهنَّ صِدِّيقاتٌ). ((تفسير ابن كثير)) (4/423). وقال ابنُ تيميةَ: (والقرآنُ والسُّنَّةُ دلَّا على ذلك؛ كما في قولِه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى [يوسف: 109]، وقولِه: مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ [المائدة: 75] ذَكَر أنَّ غايةَ ما انتهَتْ إليه أُمُّه: الصديقيَّةُ). ((مجموع الفتاوى)) (4/396). وقيل: هي نبيَّةٌ. وممَّن ذهب إلى هذا: ابنُ حزمٍ، وابنُ عطيةَ، والقرطبي. يُنظر: ((الفِصَل)) لابن حزم (5/12، 13)، ((تفسير ابن عطية)) (4/9)، ((تفسير القرطبي)) (11/90). .
إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا.
أي: حينَ تنحَّتْ عن أهلِها وانفَرَدتْ وَحدَها في موضعٍ جِهةَ المَشرِقِ [163] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/482، 483)، ((تفسير القرطبي)) (11/90)، ((تفسير السعدي)) (ص: 491)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/79، 80). قيل في سببِ انفرادِها عنهم: إنَّها اتخذَتْ مكانًا تنفردُ فيه للعبادةِ. قال ابنُ عطية: (وذلك أنَّ مريمَ كانت وقفًا على سدانةِ المتعبَّدِ وخدمتِه والعبادةِ فيه، فتنحَّتْ مِن الناسِ لذلك). ((تفسير ابن عطية)) (4/9). وقيل: إنَّها اتخَذتْ مكانًا تعتزلُ فيه أيامَ حيضِها. وقيل غيرُ ذلك. يُنظر: ((تفسير الماوردي)) (3/362)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/123). وقال ابن كثير: (ذهبَت إلى شرقِ المسجدِ المقدسِ). ((تفسير ابن كثير)) (5/219). ويُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/385). وقيل: جهةَ الشرقِ مِن مساكنِ أهلِها. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (4/9). وقيل في سببِ كونِ هذا المكانِ في الشرقِ: لأنَّهم كانوا يُعَظِّمونَ جهةَ الشَّرقِ؛ لأنَّها مطلعُ الأنوارِ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/484)، ((تفسير ابن عطية)) (4/9)، ((تفسير الشوكاني)) (3/386). .
فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17).
فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا.
أي: فجعَلَت مَريمُ بينَها وبينَ أهلِها حاجِزًا يَستُرُها عنهم وعن النَّاسِ؛ حتى تتفَرَّغ لعبادةِ اللهِ [164] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/485)، ((تفسير الرازي)) (21/520)، ((تفسير ابن كثير)) (5/219)، ((تفسير السعدي)) (ص: 491). .
فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا.
أي: فأرسَلْنا إلى مَريمَ جِبريلَ فجاءَها على هيئةِ رَجُلٍ مُعتَدِلِ الخِلْقةِ، جَميلِ الصُّورةِ [165] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/485، 486)، ((أحكام أهل الذمة)) لابن القيم (2/1059)، ((تفسير ابن كثير)) (5/219)، ((تفسير السعدي)) (ص: 491)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/386). قال أبو السعود: (فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا...؛ لتستأنِسَ بكلامِه وتتلقَّى منه ما يُلقي إليها من كلماتِه تعالى؛ إذ لو بدا لها على الصورةِ الملَكيَّة، لنَفِرَت منه، ولم تستَطِعْ مُفاوضتَه). ((تفسير أبي السعود)) (5/260). .
قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18).
قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ.
أي: قالت مَريمُ وهي خائِفةٌ: إني ألتَجئُ وأعتَصِمُ بالرَّحمنِ منك -أيُّها الرَّجُلُ- أن تنالَني بسُوءٍ [166] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/486، 487)، ((تفسير القرطبي)) (11/91)، ((تفسير ابن كثير)) (5/219)، ((تفسير السعدي)) (ص: 491). قال ابنُ عاشور: (حَسِبَت أنَّه بشَرٌ اختبأَ لها؛ لِيُراوِدَها عن نفسِها، فبادرَتْه بالتعوُّذِ منه قبلَ أن يكَلِّمَها، مُبادِرةً بالإنكارِ على ما توهَّمتْه مِن قَصدِه الذي هو المتبادِرُ مِن أمثالِه في مِثلِ تلك الحالةِ... وهذه مَوعِظةٌ له). ((تفسير ابن عاشور)) (16/80، 81). .
إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا.
أي: إنْ كُنتَ ذا تقوى تجتَنِبُ ما حرَّم اللهُ، ولا تُقدِمُ على الفُجورِ، فستنتهي بتعوُّذي منك [167] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/487)، ((منهاج السنة النبوية)) لابن تيمية (5/289)، ((تفسير السعدي)) (ص: 491). قال ابن جرير: (قالت: إني أعوذُ -أيُّها الرَّجُلُ- بالرَّحمنِ منك، تقولُ: أستجيرُ بالرَّحمنِ منك أن تنالَ مني ما حَرَّمه عليك، إن كنتَ ذا تقوى له تتَّقي محارِمَه، وتجتَنِبُ معاصيَه؛ لأنَّ مَن كان لله تقيًّا، فإنَّه يجتنِبُ ذلك. ولو وُجِّهَ ذلك إلى أنَّها عَنَت: إني أعوذُ بالرَّحمنِ منك إن كنتَ تتَّقي اللهَ في استجارتي واستعاذتي به منك، كان وجهًا). ((تفسير ابن جرير)) (15/487). وقال ابن الجوزي: (المعنى: إن كنتَ تتَّقي الله، فستنتهي بتعوُّذي منك. هذا هو القولُ عندَ المحقِّقينَ). ((تفسير ابن الجوزي)) (3/124). .
قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19).
قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ.
أي: قال جِبريلُ لِمَريمَ: إنَّما أنا مَلَكٌ مُرسَلٌ من الله إليك، ولستُ كما تظُنِّينَ، فلا تخافي مني [168] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/488)، ((تفسير ابن كثير)) (5/220)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/184)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/81). .
لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا.
القِراءاتُ ذاتُ الأثَرِ في التَّفسيرِ:
1- قراءةُ لِيَهَبَ بإخبارِ جِبريلَ عليه السَّلامُ عن اللهِ عزَّ وجَلَّ، أي: لِيَهَبَ لكِ اللهُ غُلامًا [169] قرأ بها أبو عمرٍو ويعقوبُ البصريان، وورشٌ عن نافعٍ، واختُلِف في قراءةِ قالونَ بها. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/317، 318). ويُنظر لمعنى هذه القراءة: ((الحجة)) لابن خالويه (ص: 236)، ((معاني القراءات)) للأزهري (2/132). .
2- قِراءةُ لِأَهَبَ بإسناد الفِعلِ إلى جبريلَ عليه السَّلامُ؛ وذلك لأنَّ الله أمَرَ جِبريلَ أن ينفُخَ الرُّوحَ في مَريمَ، فهو سببٌ في وجودِ غُلامِها [170] قرأ بها الباقون. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/317، 318). ويُنظر لمعنى هذه القراءة: ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 440، 441)، ((الكشف)) لمكي (2/86)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/386، 387). .
لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا.
أي: قال جِبريلُ لِمَريمَ: أرسَلَني اللهُ إليكِ؛ لأكونَ سَبَبًا في هبةِ غلامٍ لك طاهِرٍ من الذُّنوبِ والخِصالِ الذَّميمةِ [171] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/488)، ((تفسير السعدي)) (ص: 491)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/386، 387). .
كما قال تعالى: إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ [آل عمران: 45، 46].
قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20).
قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ.
أي: قالت مَريمُ: كيف يكونُ لي غُلامٌ ألِدُه، ولم يَقرَبْني أحدٌ بنِكاحٍ [172] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/488)، ((تفسير ابن كثير)) (5/220)، ((تفسير السعدي)) (ص: 491)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/387). قال الشنقيطي: (الظاهِرُ أنَّ استفهامَها استخبارٌ واستعلامٌ عن الكيفيَّةِ التي يكونُ فيها حَملُ الغلامِ المذكور؛ لأنَّها مع عدمِ مَسيسِ الرِّجالِ لم تتَّضِحْ لها الكيفيَّةُ، ويحتملُ أن يكون استفهامُها تعجُّبًا من كمالِ قُدرةِ الله تعالى). ((أضواء البيان)) (3/387). ويُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (5/220)، ((تفسير السعدي)) (ص: 491). ؟!
كما قال تعالى: قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ [آل عمران: 47] .
وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا.
أي: ولم يكُنْ مِن دَأبي الفُجورُ والوقوعُ في الفاحِشةِ، فكيف يكونُ لي ولَدٌ [173] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/488)، ((تفسير البغوي)) (3/228)، ((تفسير القرطبي)) (11/91)، ((تفسير ابن كثير)) (5/220)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/185)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/387). ؟!
قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21).
قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ.
أي: قال جبريلُ لِمَريمَ: هكذا الأمرُ كما ذكرتِ مِن أنَّه لم يمسَسْكِ بشَرٌ، ولم تكوني بَغيًّا، ولكِنْ قال ربُّكِ: خلْقُ الغُلامِ منك مِن غيرِ أبٍ سَهلٌ ويَسيرٌ عليَّ [174] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/489)، ((تفسير البغوي)) (3/228)، ((تفسير ابن كثير)) (5/220)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/388). وممن اختار المعنى المذكور: ابنُ جرير، وابنُ عطية، وابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/489)، ((تفسير ابن عطية)) (4/9)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/83). قال ابن عطية: (المعنى: قال لها الملكُ: كَذَلِكِ هو كما وَصَفْتِ، ولكن قَالَ رَبُّكِ، ويحتمِلُ أن يريدَ: على هذه الحالِ قَالَ رَبُّكِ، والمعنى متقاربٌ). ((تفسير ابن عطية)) (4/9). ويُنظر: ((تفسير البغوي)) (3/228). !
وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ.
أي: ونخلُقُ ولَدَكِ الذي تَلِدينَه مِن غيرِ أبٍ؛ لنجعَلَ ذلك عَلامةً للنَّاسِ، ودَلالةً تَدُلُّهم على كمالِ قُدرةِ الخالِقِ العَجيبةِ، وعَظمةِ سُلطانِه، وتَوحيدِه سُبحانَه [175] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/489)، ((تفسير ابن كثير)) (5/220)، ((تفسير الشوكاني)) (3/387)، ((تفسير السعدي)) (ص: 491). .
كما قال تعالى: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آَيَةً [المؤمنون: 50] .
وَرَحْمَةً مِنَّا.
أي: ونبيًّا يدعو إلى اللهِ؛ رَحمةً منَّا له ولكِ وللنَّاسِ، خُصوصًا مَن آمَنَ به واتَّبَعه [176] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/489)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 678)، ((تفسير ابن كثير)) (5/220)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/186)، ((تفسير السعدي)) (ص: 491). قال السعدي: (أمَّا رحمةُ الله به: فلِمَا خَصَّه الله بوحيه، ومنَّ عليه بما منَّ به على أولي العَزمِ، وأمَّا رحمتُه بوالدته: فلِمَا حَصَل لها مِن الفَخرِ والثَّناءِ الحَسَنِ، والمنافِع العظيمةِ، وأمَّا رحمتُه بالنَّاسِ فإنَّ أكبَرَ نِعَمِه عليهم أنْ بَعَث فيهم رسولًا يتلو عليهم آياتِه، ويزكِّيهم، ويعَلِّمُهم الكتابَ والحِكمةَ، فيُؤمِنونَ به ويُطيعونَه، وتحصُلُ لهم سعادةُ الدُّنيا والآخرةِ). ((تفسير السعدي)) (ص: 491). .
كما قال تعالى: وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [آل عمران: 49 - 51] .
وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا.
أي: وكان خَلْقُ اللهِ للولَدِ منكِ مِن غيرِ أبٍ أمرًا قد قضاه اللهُ وقَدَّرَه؛ فوقوعُه كائِنٌ لا محالةَ [177] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/489)، ((تفسير القرطبي)) (11/91)، ((تفسير السعدي)) (ص: 491)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/389). قال ابن عاشور: (جملة وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا يجوزُ أن تكونَ مِن قولِ الملَكِ، ويجوزُ أن تكونَ مُستأنفةً). ((تفسير ابن عاشور)) (16/84). .
كما قال تعالى: قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران: 47] .

الفوائد التربوية:

1- أحسَنُ الطُّرُقِ في التَّعليمِ والتَّفهيمِ: الأخذُ مِن الأقرَبِ فالأقرَبِ، مُترقِّيًا إلى الأصعَبِ فالأصعَبِ؛ فالله تعالى قدَّم قِصَّةَ يحيى على قِصَّةِ عيسى-عليهما السَّلامُ-؛ لأنَّ خَلقَ الولَدِ مِن شَيخينِ فانيَينِ أقرَبُ إلى مناهِجِ العاداتِ مِن تَخليقِ الولَدِ لا مِن الأبِ البتَّةَ [178] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (21/519). .
2- قال الله تعالى: قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا فجمَعَت مريمُ عليها السَّلامُ بينَ الاعتِصامِ برَبِّها، وبينَ تخويفِ ذلك الشَّابِّ، وترهيبِه وأمْرِه بلُزومِ التقوى، وهي في تلك الحالةِ الخاليةِ، والشَّبابِ، والبُعدِ عن النَّاسِ، وهو في ذلك الجمالِ الباهِرِ، والبَشَريَّةِ الكاملةِ السَّويَّة، ولم ينطِقْ لها بسوءٍ أو يتعَرَّضْ لها، وإنما ذلك خَوفٌ منها، وهذا أبلغُ ما يكونُ مِن العِفَّةِ، والبُعدِ عن الشَّرِّ وأسبابِه، وهذه العِفَّةُ -خصوصًا مع اجتِماع الدَّواعي، وعدَمِ المانِعِ- مِن أفضَلِ الأعمالِ؛ ولذلك أثنى اللهُ عليها، فقال: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا [التحريم: 12] ، وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء: 91] ، فأعاضها اللهُ بعِفَّتِها ولدًا مِن آياتِ اللهِ، ورسولًا مِن رُسُلِه [179] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 491). .
3- قَولُ مَريمَ للمَلَكِ: إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا أي: إن كُنتَ تخافُ اللهَ، تذكيرٌ له بالله، وهذا هو المشروعُ في الدَّفعِ: أن يكونَ بالأسهَلِ فالأسهَلِ، فخَوَّفَته أوَّلًا بالله عزَّ وجَلَّ [180] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (5/220). .
4- قَولُ الله تعالى: قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ يدُلُّ على كَمالِ قُدرةِ الله تعالى، وعلى أنَّ الأسبابَ جَميعَها لا تستَقِلُّ بالتأثيرِ، وإنَّما تأثيرُها بتقديرِ اللهِ، فيُرِي تعالى عبادَه خَرْقَ العوائِدِ في بعضِ الأسبابِ العاديَّةِ؛ لئلَّا يَقِفوا مع الأسبابِ، ويَقطَعوا النَّظَرَ عن مُقَدِّرِها ومُسَبِّبِها [181] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 491). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قال الله تعالى: فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا فأخبَرَ هذا الرُّوحُ الذي تمثَّلَ لها بشَرًا سَوِيًّا أنَّه رسولُ رَبِّها، فدَلَّ الكلامُ على أنَّ هذا الرُّوحَ عينٌ قائِمةٌ بنَفسِها، ليسَت صِفةً لِغَيرِها، وأنَّه رسولٌ مِن اللهِ، ليس صفةً مِن صفاتِ الله؛ ولهذا قال جماهيرُ العُلَماءِ: إنَّه جبريلُ عليه السَّلامُ؛ فإنَّ اللهَ سمَّاه الرُّوحَ الأمينَ، وسمَّاه رُوحَ القُدُسِ، وسمَّاه جبريلَ، وهكذا عندَ أهلِ الكتابِ أنَّه تجسَّد مِن مريمَ ومِن رُوحِ القُدُسِ، لكنْ ضُلَّالُهم حيثُ يظنُّونَ أنَّ رُوحَ القُدُسِ حياةُ اللهِ، وأنَّه إلهٌ يَخلُقُ ويَرزُقُ ويُعبَدُ! وليس في شيءٍ مِن الكُتُب الإلهيَّةِ ولا في كلامِ الأنبياء أنَّ اللهَ سمَّى صفتَه القائمةَ به رُوحَ القُدُسِ، ولا سمَّى كلامَه ولا شيئًا مِن صفاتِه ابْنًا، وهذا أحدُ ما يَثبُتُ به ضَلالُ النَّصارى وأنَّهم حرَّفوا كلامَ الأنبياءِ، وتأوَّلوه على غيرِ ما أرادتِ الأنبياءُ [182] يُنظر: ((الجواب الصحيح)) لابن تيمية (2/151). .
2- قال تعالى: فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا، أي: جبريلَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وسُمِّيَ بذلك؛ لأنَّ الدِّينَ يحيا به وبوحيِه [183] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/9)، ((تفسير أبي حيان)) (7/248). . وقيل: إنَّما سُمِّي جبريلُ رُوحًا؛ لأنَّه بمنزلةِ الأرواحِ للأبدانِ تحيا بما يأتي مِن البيانِ عن الله عزَّ وجلَّ مَن يُهدَى به [184] يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (3/130). .
3- قال تعالى: فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا... وخِطابُ الملائكةِ لمريمَ لا يقتَضي النبُوَّةَ؛ لأنَّ النبيَّ مَن يُوحَى إليه بشَرعٍ، ومريمُ لم يُوحَ إليها بشَيءٍ مِن الشَّرعِ، ولكِنَّه كان خِطابًا للبِشارةِ بواقعةٍ مُعَيَّنةٍ دالَّةٍ على علُوِّ مَنزِلتِها، واصطفاءِ الله سُبحانه وتعالى لها [185] يُنظر: ((زهرة التفاسير)) لأبي زهرة (3/1213). ، ولأنَّ الملائكةَ قد كَلَّموا مَن ليس بنبيٍّ إجماعًا [186] يُنظر: ((تفسير الألوسي)) (2/148) .
4- قال الله تعالى: فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا السَّوِيُّ: المُسَوَّى، أي: التَّامُّ الخَلقِ، وإنَّما تمثَّلَ لها كذلك؛ لِوُجوهٍ ذكَرَها العُلماءُ، منها:
الوجه الأول: للتناسُبِ بينَ كَمالِ الحقيقةِ، وكَمالِ الصُّورةِ.
الوجه الثاني: أُرسِلَ حَسَنَ الشَّكلِ؛ لئلَّا تَشتَدَّ نُفرتُها ورَوْعُها منه [187] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/183). .
الوجه الثالث: كان تمثيلُه على ذلك الحُسنِ الفائِقِ والجَمالِ الرَّائقِ؛ لابتلائِها وسَبْرِ عِفَّتِها، ولقد ظهَرَ منها مِنَ الوَرَعِ والعَفافِ ما لا غايةَ وراءَه [188] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/260). ، ففي ذلك إشارةٌ إلى كَمالِ عِصمَتِها؛ إذ قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا [189] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/80). .
5- في قَولِه تعالى: فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا إثباتُ الملائكةِ، وأنَّهم أحياءٌ، ناطِقونَ، مُنفَصِلونَ عن الآدميِّينَ، يُخاطِبونَهم، ويَرَونَهم في صُورِ الآدميينَ؛ الأنبياءُ وغيرُ الأنبياءِ، كقَولِه تعالى: وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ * قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ * قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ [الحجر: 51- 54] ، وغيرُ الأنبياءِ، كما رأتْهم سارةُ امرأةُ الخليلِ عليه السَّلامُ، وكما كان الصَّحابةُ يرَون جبريلَ إذا جاء؛ لَمَّا جاء في صورةِ أعرابيٍّ [190] يُنظر ما أخرجه البخاري (4777)، ومسلم (9) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ، وتارةً في صورةِ دِحْيةَ [191] يُنظر ما أخرجه البخاري (3634)، ومسلم (2451) من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما. الكَلْبِيِّ [192] يُنظر: ((الصفدية)) لابن تيمية (1/197). .
6- قولُه تعالى: فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ لِياذُها باللهِ وعياذُها به وقْتَ التَّمثيلِ دليلٌ على أنَّه أوَّلَ ما تمثَّلَ لها استعاذتْ من غيرِ جرْيِ كلامٍ بينهما [193] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/249). .
7- قولُه تعالى: قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا إنْ قال قائِلٌ: الهِبةُ مِن اللهِ تعالى، فلِمَ أخبَرَ جِبريلُ عن نَفسِه؟
والجوابُ مِن وُجوهٍ:
الأولُ: قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ يقولُ اللهُ تعالى: لِأَهَبَ لَكِ، فهو على الحِكايةِ، وحَملَ الحكايةَ على المعنى، على تأويلِ: قال: أُرسِلْتُ إليكِ؛ لأهَبَ لك، فحُذِفَ مِن الكلامِ (أُرسِلْتُ)؛ لدَلالةِ ما ظهَرَ على ما حُذِفَ.
الثَّاني: جِبريلُ عليه السَّلامُ قال لمريم: إنَّما أنا رَسولُ ربِّك أرسلني لأهَبَ لك؛ إذ كان النافِخَ في جَيبِها بأمرِ الله، فتكونُ الهِبةُ في المعنى مِنَ الله، وهي في اللَّفظِ مُسنَدةٌ إلى جبريلَ؛ لأنَّ الرَّسولَ والوكيلَ قد يُسنِدانِ هذا النَّحوَ إلى أنفُسِهم، وإن كان الفِعلُ للمُوكَّلِ والمُرسَلِ؛ للعِلمِ بأنَّه في المعنى للمُرسِلِ، وأنَّ الرَّسولَ مُترجِمٌ عنه [194] يُنظر: ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 440، 441). .
الثَّالثُ: أنه جَعَل الهبةَ مِن قِبَلِه؛ لكونِه سببًا فيها مِن جهةِ كونِ الإعلامِ لها مِن جِهتِه [195] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/249)، ((تفسير الشوكاني)) (3/387). .
8- قَولُ الله تعالى: قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا فيه سُؤالٌ: أنَّ قَولَ مَريمَ عليها السَّلامُ: وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ يدخُلُ تحتَه قَولُها: وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا فلماذا أعادَته؟ وممَّا يؤكِّدُ هذا السُّؤالَ أنَّ في سورةِ (آلِ عِمرانَ) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ [آل عمران: 47] فلم تَذكُرِ البِغاءَ؟
والجوابُ مِن وَجهَينِ:
الوجهُ الأوَّلُ: أنَّها جعَلَت المسَّ عِبارةً عن النِّكاحِ الحَلالِ؛ لأنَّه كنايةٌ عنه؛ لِقَولِه: مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [البقرة: 237] ، والزِّنا ليس كذلك.
الوجهُ الثاني: أنَّ إعادتَها لِتَعظيمِ حالِها، كقَولِه تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى [البقرة: 238] ، وقَولِه: وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ [البقرة: 98] ، فكذا هاهنا: أنَّ مَن لم تُعرَفْ مِن النِّساءِ بزَوجٍ، فأغلَظُ أحوالِها إذا أتَت بوَلَدٍ أن تكونَ زانيةً، فأُفرِدَ ذِكرُ البِغاءِ -بعد دُخولِه في الكَلامِ الأوَّلِ- لأنَّه أعظَمُ ما في بابِه [196] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (21/523). .
9- قولُها: وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا لم تقُلْ: (بغيَّةً)؛ لأنَّ «بغيًّا» غالبٌ في النِّساءِ، وقلَّما يقولُ العربُ: رجلٌ بغيٌّ؛ فتَرَكوا التَّاءَ فيه إجراءً له مَجْرَى حائضٍ، وعاقرٍ. أو هو: «فعيلٌ» بمعنى فاعلٍ، فتَرَكوا التَّاءَ فيه كما في قولِه تعالى: إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف: 56] [197] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/8)، ((تفسير أبي حيان)) (7/249)، ((تفسير أبي السعود)) (5/260). ، أو لموافقةِ الفواصلِ [198] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 354). .

بلاغة الآيات:

1- قوله تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا
- قولُه: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَم ... عطْفٌ على جُملةِ ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ [مريم: 2] ، عطْفَ القِصَّةِ على القصَّةِ؛ فلا يُراعَى حُسْنُ اتِّحادِ الجُملتينِ في الخبريَّةِ والإنشائيَّةِ، على أنَّ ذلك الاتِّحادَ ليس بمُلتزَمٍ، وفي افتتاحِ القصَّةِ بهذا زيادةُ اهتمامٍ بها، وتَشويقٌ للسَّامعِ أنْ يتعرَّفَها ويَتدبَّرَها [199] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/78-79). .
- وقدِ اختُصَّتْ هذه السُّورةُ بزيادةِ كلمةِ فِي الْكِتَابِ بعدَ كلمةِ وَاذْكُرْ؛ وفائدةُ ذلك: التَّنبيهُ إلى أنَّ ذِكْرَ مَن أُمِرَ بذكْرِهم كائنٌ بآياتِ القُرآنِ، وليس مُجرَّدَ ذكْرِ فضْلِه في كلامٍ آخرَ من قولِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. ولم يأْتِ مثْلُ هذه الجُملةِ في سُورةٍ أُخرى؛ لأنَّه قد حصَلَ علْمُ المُرادِ في هذه السُّورةِ؛ فعُلِمَ أنَّه المُرادُ في بقيَّةِ الآياتِ الَّتي جاء فيها لفظُ (اذكُرْ) [200] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/79). .
- وفي قولِه: إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا نكَّرَ المكانَ إبهامًا له؛ لعدَمِ تعلُّقِ الغرضِ بتَعيينِ نوعِه؛ إذ لا يُفيدُ كمالًا في المقصودِ من القصَّةِ. وأمَّا التَّصدِّي لوصْفِه بأنَّه شرقيٌّ، فللتَّنبيهِ على أَصْلِ اتِّخاذِ النَّصارى الشَّرقَ قِبْلةً لصلواتِهم [201] يُنظر ما أخرجه ابنُ جرير في ((تفسيره)) (15/484)، وابنُ أبي حاتم في ((تفسيره)) (5/1611) عن ابنِ عباس رضي لله عنهما في أنَّ ذلك هو سببُ اتِّخاذِ النَّصارى الشرقَ قبلةً. ، فذِكْرُ كونِ المكانِ شرقيًّا نُكتةٌ بديعةٌ من تاريخِ الشَّرائعِ، مع ما فيه مِن مُؤاخاةِ الفواصلِ [202] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/80). .
2- قوله تعالى: فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا
- قولُه: فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا، أي: جبريلَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، عبَّرَ عنه بذلك؛ توفيةً للمقامِ حَقَّه [203] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/260). .
- قولُه: فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا تَعليقُ الإرسالِ به، وإضافتُه إلى ضَميرِ الجلالةِ دَلَّا على أنَّه مِن الملائكةِ [204] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/80). .
3- قوله تعالى: قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا
- جُملةُ: إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ خبريَّةٌ، ولذلك أُكِّدَت بحرفِ التَّأكيدِ (إنَّ). وذِكْرُها صِفَةَ (الرَّحمنِ) دونَ غيرِها من صفاتِ اللهِ؛ لأنَّها أرادتْ أنْ يرحَمَها اللهُ بدفْعِ من حسِبَتْه داعرًا عليها [205] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/81). ، فذِكْرُه تعالى بعُنوانِ الرَّحمانيَّةِ؛ للمُبالغةِ في العياذِ به تعالى، واستجلابِ آثارِ الرَّحمةِ الخاصَّةِ الَّتي هي العِصمةُ ممَّا دهَمها [206] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/260). .
- وقولُها: إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا تذكيرٌ له بالموعظةِ بأنَّ عليه أنْ يتَّقِيَ ربَّه، ومجيءُ هذا التَّذكيرِ بصِيغَةِ الشَّرطِ المُؤذِنِ بالشَّكِّ في تَقواهُ: قصْدٌ لتهييجِ خشيَتِه، وكذلك اجتلابُ فعْلِ الكونِ -كُنْتَ- الدَّالِّ على كونِ التَّقوى مُستقِرَّةً فيه، وهذا أبلَغُ وعْظٍ وتذكيرٍ وحَثٍّ على العملِ بتَقواهُ [207] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/81). .
- قولُه: إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا جوابُ الشَّرطِ محذوفٌ دَلَّ عليه ما قبْلَه، أي: فإنِّي عائذةٌ منك، أو فتتَّعِظُ بتَعويذي، أو فلا تتعرَّضْ لي. ويجوزُ أنْ يكونَ للمُبالغةِ، أي: إنْ كنتَ تقيًّا مُتورِّعًا، فإنِّي أتعوَّذُ منك؛ فكيف إذا لم تكنْ كذلك [208] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/7)، ((تفسير أبي السعود)) (5/260). ؟! أو تعليقُها الاستعاذةَ على شرطِ تقواهُ؛ لأنَّه لا تنفَعُ الاستعاذةُ ولا تُجْدي إلَّا عندَ مَن يتَّقي اللهَ [209] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/248). .
4- قوله تعالى: قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا
- قولُه: إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ فيه قصرٌ إضافيٌّ، أي: لستُ بشرًا؛ ردًّا على قولِها: إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا المُقْتضي اعتقادَها أنَّه بشرٌ [210] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/81). .
5- قوله تعالى: قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا
- إنَّما قالت: بَشَرٌ؛ مُبالغةً في بَيانِ تنزُّهِها مِن مبادئِ الولادةِ [211] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/260). .
- وقولُها: وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا تبرئةٌ لنفْسِها من البغاءِ بما يَقْتضيه فعْلُ الكونِ من تمكُّنِ الوصفِ الَّذي هو خبَرُ الكونِ، والمقصودُ منه تأكيدُ النَّفيِ [212] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/82). .
6- قوله تعالى: قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا
- قولُه: قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ ...، أي: إنَّ الأمْرَ كما قلْتِ، وهو عُدولٌ عن إبطالِ مُرادِها من المُراجعةِ إلى بَيانِ هونِ هذا الخلْقِ في جانبِ القُدرةِ، على طريقةِ الأُسلوبِ الحكيمِ [213] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/83). .
- قولُه: وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ إمَّا علَّةٌ لمُعلَّلٍ محذوفٍ، أي: ولنجعَلَ وهْبَ الغلامِ آيةً لهم وبُرهانًا يَستدِلُّونَ به على كَمالِ قُدرتِنا نفعَلُ ذلك. أو معطوفٌ على علَّةٍ أُخرى مُضمَرةٍ، أي: لنُبيِّنَ به عِظَمَ قُدرتِنا، ولنجعَلَه آيةً... إلخ [214] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/10)، ((تفسير أبي حيان)) (7/249)، ((تفسير أبي السعود)) (5/261). .
- والالتفاتُ إلى نُونِ العظمةِ في قولِه: وَلِنَجْعَلَهُ؛ لإظهارِ كَمالِ الجلالةِ [215] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/261). ؛ فقولُه: وَلِنَجْعَلَهُ عطفٌ على فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا باعتبارِ ما في ذلك من قولِ الرُّوحِ لها: لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا؛ فوقَعَ الْتفاتٌ من طريقةِ الغيبةِ إلى طريقةِ التَّكلُّمِ [216] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/83). .
- وفيه مُناسبةٌ حَسنةٌ؛ فالكلامُ في الموضعينِ على لسانِ الملَكِ من عندِ اللهِ، ولكنَّه أُسْنِدَ في هذه القصَّةِ إلى الملَكِ؛ لأنَّه جوابٌ عن خِطابِها إيَّاهُ، وأُسْنِدَ في قصَّةِ زكريَّا إلى اللهِ؛ لأنَّ كلامَ الملَكِ كان تبليغَ وحيٍ عن اللهِ جوابًا من اللهِ عن مُناجاةِ زكريَّا [217] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/83). .