موسوعة التفسير

سورةُ الكَهفِ
الآيات (16-18)

ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ

غريب الكلمات:

اعْتَزَلْتُمُوهُمْ: أي: فارَقْتُموهم، وأصلُ (عزل): يدُلُّ على تَنحيةٍ [216] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/307)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 211)، ((تفسير القرطبي)) (10/367)، ((تفسير ابن كثير)) (5/142).   .
فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ: أي: فصِيروا إليه، واجْعَلوه مَأْواكم، والمأْوَى: المَكانُ الَّذي يُرْجَعُ إليه ليلًا أو نهارًا، يُقال: أَوَى إلى كذا، أي: انضمَّ إليه، وأصْلُه: التَّجمُّعُ [217] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/182)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/151)، ((البسيط)) للواحدي (13/548)، ((المفردات)) للراغب (ص: 103)، ((تفسير القرطبي)) (4/223).   .
يَنْشُرْ: أي: يبسُطْ ويُوَسِّعْ، وأصلُ (نشر): يدُلُّ على فتحِ شيءٍ وتَشَعُّبِه [218] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/182)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/430)، ((المفردات)) للراغب (ص: 805)، ((تفسير الشوكاني)) (3/324).   .
مِرْفَقًا: أي: ما تَرتَفِقون به، أي: تَنْتَفعون به، والمِرفَقُ والمَرفِقُ: ما يُرتفَقُ به، والارتفاقُ: الانتفاعُ، وأصلُ (رفق): يدُلُّ على مُوافَقةٍ ومُقارَبةٍ بلا عُنفٍ [219] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 264)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/418)، ((تفسير الشوكاني)) (3/324)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/217)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/277).   .
تَزَاوَرُ: أي: تَميلُ، وأصلُ (زور): يدلُّ على مَيلٍ وعُدولٍ [220] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 264)، ((تفسير ابن جرير)) (15/184)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 147)، ((المفردات)) للراغب (ص: 387)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 211).   .
تَقْرِضُهُمْ: أي: تُجاوِزُهم وتَدَعُهم، أي: لا تَطلُعُ في كَهفِهم، يُقالُ: قرضْتُ موضعَ كذا؛ إذا قطعتَه فجاوزتَه، وأصلُ (قرض): يدلُّ على القَطعِ [221] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 264)، ((تفسير ابن جرير)) (15/187)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 147)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/71)، ((المفردات)) للراغب (ص: 666)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 211)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/278).  
فَجْوَةٍ: أي: مُتَّسَعٍ، وأصلُ (فجو): يدُلُّ على اتِّساعٍ في شَيءٍ [222] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 264)، ((تفسير ابن جرير)) (15/189)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 362)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/477)، ((المفردات)) للراغب (ص: 626)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 272).   .
بِالْوَصِيدِ: أي: فِناءِ الكَهفِ، وأصلُ (وصد): يدُلُّ على ضَمِّ شَيءٍ إلى شَيءٍ [223] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/192)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/117)، ((البسيط)) للواحدي (13/560)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 272)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 949).   .

المعنى الإجمالي:

يحكي الله سبحانه ما تناجَى به أولئك الفتيةُ فيما بينَهم، وما قرَّروه بعدَ اعتزالِ قومِهم، فيذكرُ أنَّ بعضَ الفتيةِ قال لِبَعضٍ: ولِكَونِكم فارَقتُم قَومَكم، وتَرَكتُم ما يَعبُدونَ مِن الآلهةِ سوى اللهِ، فالجَؤوا إلى الكَهفِ لتَعبُدوا رَبَّكم وَحدَه، يَبْسُطْ لكم ربُّكم مِن رَحمتِه، ويُسَهِّلْ لكم مِن أمْرِكم ما تَنتَفِعونَ به في حياتِكم من أسبابِ العَيشِ.
ثمَّ يذكرُ الله تعالى بعضَ أحوالِ هؤلاء الفتيةِ بعدَ استقرارِهم في الكهفِ، وإلقاءِ النومِ عليهم، فيذكر مِن مظاهِرِ حِفظِه لهم أنَّك ترى الشَّمسَ إذا أشرَقَت تَميلُ عن الكهفِ إلى جِهةِ اليمينِ؛ لئلَّا تُصيبَهم أشعَّتُها، وإذا غَرَبت تترُكُهم وتتجاوَزُهم إلى جهةِ اليَسارِ، وهم في مكانٍ مُتَّسِعٍ مِن الكَهفِ، ذلك الذي فعَلْناه بهؤلاء الفِتيةِ مِن دلائِلِ قُدرةِ اللهِ، وعَظيمِ لُطفِه بعبادِه.
ثمَّ ختَم الله تعالى هذه الآيةَ، فقال: مَن يُوَفِّقْه اللهُ للاهتداءِ إلى الحَقِّ، فهو الموفَّقُ حقًّا، ومَنْ لم يوفِّقْه لذلك فلن تجِدَ له مُعِينًا يُرشِدُه إلى الحَقِّ.
ثم يحكي الله تعالى مشهدًا عجيبًا لأصحابِ الكهفِ، فيقولُ تعالى: وتظُنُّ أهلَ الكَهفِ -لو قُدِّر لك النَّظَرُ إليهم- أيقاظًا، وهم في الواقِعِ نِيامٌ، ونُقَلِّبُهم حالَ نَومِهم؛ مَرَّةً للجَنبِ الأيمَنِ، ومَرَّةً للجَنبِ الأيسَرِ، وكَلبُهم الذي صاحَبَهم مادٌّ ذراعَيه بفِناءِ الكَهفِ، لو أشرفتَ عليهم وعايَنْتَهم لفرَرْتَ منهم هارِبًا، ولمُلِئَت نفسُك منهم فَزَعًا.

تفسير الآيات:

وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا (16).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
أنَّه لَمَّا استدَلَّ الفِتيةُ على مُعتَقَدِهم، وعَلِموا سَفَهَ مَن خالَفَهم، وهم قَومٌ لا قُدرةَ لهم ولا طاقةَ بمقاومَتِهم؛ لِكَثرتِهم وقِلَّتِهم- تسَبَّبَ عن ذلك هِجرَتُهم؛ لِيَسلَمَ لهم دينُهم، فقال تعالى شارِحًا لِما بَقِيَ مِن أمرِهم [224] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/23).   :
وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ.
أي: قال بعضُ الفِتيةِ لِبَعضٍ [225] قال ابن عاشور: (يتعيَّنُ أن يكونَ هذا من كلامِ بَعضِهم لبعضٍ، على سبيلِ النُّصحِ والمشورةِ الصَّائبةِ، وليس يلزَمُ في حكايةِ أقوالِ القائلينَ أن تكون المحكيَّاتُ كُلُّها صادِرةً في وقتٍ واحدٍ). ((تفسير ابن عاشور)) (15/276). وقيل: هو كلامٌ معترضٌ؛ إخبارٌ مِن الله تعالى عن الفتيةِ أنَّهم لم يعبدوا غيرَ الله تعالى. يُنظر: ((تفسير الرسعني)) (4/257).   : ولأجلِ [226] قال الشنقيطي: («إِذْ» في قولِه: وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ للتَّعليلِ، على التَّحقيقِ، كما قالَه ابنُ هشامٍ، وعليه فالمعنَى: ولأجلِ اعتزالِكم قومَكم الكفَّارَ وما يعبدونَه مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَاتَّخِذوا الكهفَ مأوًى ومكانَ اعتصامٍ). ((أضواء البيان)) (3/217).   أنَّكم انفرَدْتُم وتباعَدْتُم عن مُخالطةِ قَومِكم الكافرينَ، وتَرَكتُم ما يَعبُدونَ مِن الآلهةِ سوى اللهِ؛ فاتَّخِذوا الكَهفَ [227] قال ابنُ عاشور: (التعريفُ في الْكَهْفِ يجوزُ أن يكونَ تَعريفَ العَهدِ، بأن كان الكَهفُ مَعهودًا عندهم يتعَبَّدون فيه مِن قَبلُ، ويجوزُ أن يكونَ تَعريفَ الحقيقةِ، مثل: وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ [يوسف: 13] ، أي: فأْوُوا إلى كهفٍ مِن الكهوفِ). ((تفسير ابن عاشور)) (15/277).   مأوًى لكم؛ لِتَختَفوا فيه مِن قَومِكم، وتَعبُدوا اللهَ وَحدَه [228] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/181، 182)، ((الهداية)) لمكي (6/4330)، ((الوسيط)) للواحدي (3/138)، ((تفسير ابن عطية)) (3/502)، ((تفسير ابن كثير)) (5/142)، ((تفسير السعدي)) (ص: 472)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/276)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/217). قال الشنقيطي: (قَولُه: إِلَّا اللَّهَ قيل: هو استثناءٌ متَّصِلٌ، بناءً على أنَّهم كانوا يعبدون اللهَ والأصنامَ. وقيل: هو استثناءٌ منقَطِعٌ، بناءً على القَولِ بأنَّهم كانوا لا يعبدون إلَّا الأصنامَ، ولا يعرفون اللهَ ولا يعبدونَه). ((أضواء البيان)) (3/217). ويُنظر أيضًا: ((تفسير الزمخشري)) (2/707)، ((تفسير ابن عطية)) (3/502)، ((تفسير أبي حيان)) (7/150)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 30).   .
يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ.
أي: فإنِ اعتَزَلْتُم قَومَكم وما يَعبُدونَ مِن دُونِ اللهِ، وصِرتُم إلى الكَهفِ؛ يَبسُطْ لكم رَبُّكم مِن رَحمتِه، فيَحفَظْ لكم دينَكم، ويُنجِكم مِن قَومِكم [229] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/182)، ((تفسير ابن كثير)) (5/142)، ((تفسير السعدي)) (ص: 472).   .
كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا [الحج: 38] .
وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا.
أي: ويُسَهِّلْ لكم ربُّكم مِن أمْرِكم الذي أنتم فيه ما تَنتَفِعونَ به في أمرِ مَعيشَتِكم، فيأتِكم باليُسرِ والرِّفقِ واللُّطفِ [230] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/182)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 655)، ((تفسير أبي حيان)) (7/150)، ((تفسير ابن كثير)) (5/142)، ((تفسير السعدي)) (ص: 472)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/217، 218).   .
كما قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق: 2، 3].
وقال سُبحانَه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق: 4].
وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا ذكر اللهُ تعالى قَولَ بَعضِهم لبَعضٍ: فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا [الكهف: 16] ؛ بيَّن سبحانَه حالَهم بعد أن أَوَوا إلى الكَهفِ، مُشيرًا إلى تحقيقِ رَجائِهم في ربِّهم، وهو ما هيَّأ لهم في أمرِهم مِن مِرفَقٍ، وأنَّ ذلك جزاؤُهم على اهتدائِهم، وهو من لُطفِ اللهِ بهم [231] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/277).   .
وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ.
أي: وترى [232] المخاطَبُ قيل: هو محمَّدٌ صلَّى الله عليه وسلَّم. وممَّن قال بذلك: ابنُ جرير. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/184). وقيل: المخاطَبُ غيرُ مُعَيَّنٍ. وممن قال بذلك: الرازي، والقرطبي، وابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير الرازي)) (21/443)، ((تفسير القرطبي)) (10/368)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/278). قال الشنقيطي: (المعنى: أنَّك لو رأيتَهم لرأيتَهم كذلك، لا أنَّ المُخاطَبَ رآهم بالفِعلِ، كما يدُلُّ لهذا المعنى قَولُه تعالى: لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا، والخِطابُ بمِثلِ هذا مشهورٌ في لغةِ العَرَبِ التي نزل بها هذا القرآنُ العظيمُ). ((أضواء البيان)) (3/220). الشَّمسَ إذا أشرَقَتْ تَميلُ عن الكَهفِ [233] قال ابنُ كثير: (أخبَر الله تعالى بذلك، وأراد منا فَهْمَه وتدَبُّرَه، ولم يخبِرْنا بمكانِ هذا الكهفِ في أيِّ البلادِ مِن الأرضِ؛ إذ لا فائدةَ لنا فيه ولا قَصْدَ شرعيٌّ. وقد تكَلَّف بعضُ المفسِّرين فذكروا فيه أقوالًا... والله أعلم بأيِّ بلادِ الله هو. ولو كان لنا فيه مصلحةٌ دينيَّةٌ لأرشَدَنا اللهُ ورسولُه إليه... فأعلَمَنا تعالى بصِفتِه، ولم يُعلِمْنا بمكانِه). ((تفسير ابن كثير)) (5/143).   الذي أوَى إليه الفِتيةُ، إلى جِهةِ يمينِه؛ لئلَّا تصيبَهم أشعَّتُها [234] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/184، 186، 187)، ((تفسير القرطبي)) (10/369)، ((تفسير ابن كثير)) (5/142)، ((تفسير السعدي)) (ص: 472)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/218، 220). قال ابنُ جرير: (لأنَّها لو طلَعَت عليهم قُبالَهم لأحرَقَتْهم وثيابَهم، أو أشحَبَتْهم). ((تفسير ابن جرير)) (15/187).   .
وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ.
أي: وترَى الشَّمسَ إذا غَرَبَت تَعدِلُ عن الفتيةِ وتَترُكُهم [235] ممن قال بأن تَقْرِضُهُم بمعنى: تتركُهم فلا تصيبُهم: ابن جرير، والقرطبي، والسعدي، وابن عاشور، والشنقيطي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/186-187)، ((تفسير القرطبي)) (10/369)، ((تفسير السعدي)) (ص: 472)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/278)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/220). وممن قال بهذا القولِ مِن السلفِ: ابنُ عباسٍ، وسعيدُ بنُ جُبيرٍ، ومجاهدٌ، وقتادةُ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/187). وقال ابنُ عثيمين: (قيل: المعنى تتركُهم. وقيل: تصيبُ منهم، وهو الأقربُ؛ أنَّها تصيبُ منهم، وفائدةُ هذه الإصابةِ أن تمنَعَ أجسامَهم من التغيُّر؛ لأنَّ الشَّمسَ كما يقول الناس: إنها صِحَّةٌ وفائدةٌ للأجسامِ). ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 32). ويُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (3/503)، ((تفسير أبي حيان)) (7/152). جِهةَ شِمالِ الكَهفِ، فلا يُصيبُهم شُعاعُها [236] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/186، 187)، ((تفسير السعدي)) (ص: 472)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/278، 279). قال الرازي: (للمفسِّرين هاهنا قولان؛ القولُ الأول: أنَّ بابَ ذلك الكَهفِ كان مفتوحًا إلى جانبِ الشِّمالِ، فإذا طلعت الشمسُ كانت على يمينِ الكَهفِ، وإذا غربت كانت على شمالِه، فضوءُ الشمس ما كان يصِلُ إلى داخِلِ الكهف، وكان الهواءُ الطيِّبُ والنَّسيمُ الموافِقُ يَصِلُ. والمقصودُ أن الله تعالى صان أصحابَ الكَهفِ من أن يقع عليهم ضوءُ الشَّمسِ وإلا لفَسَدت أجسامُهم، فهي مصونةٌ عن العُفونةِ والفسادِ. والقَولُ الثاني: أنَّه ليس المرادُ ذلك، وإنما المرادُ أنَّ الشَّمسَ إذا طلعت منع اللهُ ضوءَ الشَّمسِ مِن الوقوع، وكذا القَولُ حالَ غُروبِها، وكان ذلك فِعلًا خارِقًا للعادة وكرامةً عظيمةً خَصَّ اللهُ بها أصحابَ الكَهفِ، وهذا قَولُ الزجَّاج، واحتجَّ على صِحَّتِه بقوله: ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ قال: ولو كان الأمرُ كما ذكره أصحابُ القَولِ الأول لكان ذلك أمرًا معتادًا مألوفًا، فلم يكن ذلك من آياتِ الله، وأمَّا إذا حمَلْنا الآيةَ على هذا الوجهِ الثاني كان ذلك كرامةً عَجيبةً، فكانت من آياتِ الله). ((تفسير الرازي)) (21/443). وممَّن قال بالقولِ الأوَّلِ: ابنُ قتيبةَ، والقرطبي، وابنُ كثيرٍ، وابنُ عاشورٍ، وابنُ عثيمين. يُنظر: ((تأويل مشكل القرآن)) لابن قتيبة (ص: 14- 15)، ((تفسير القرطبي)) (10/369)، ((تفسير ابن كثير)) (5/142)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/279)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 31). وممن اختار القول الثاني: الزجاجُ، واستظهره ابنُ جزي، وأيَّده الشوكاني، ورجَّحه الشنقيطي. يُنظر: ((معاني القرآن)) للزجاج (3/273-274)، ((تفسير ابن جزي)) (1/461)، ((تفسير الشوكاني)) (3/326)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/218-219). .
وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ.
أي: والفتيةُ في مكانٍ متَّسِعٍ داخِلَ الكَهفِ [237] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/188)، ((تفسير القرطبي)) (10/369)، ((تفسير ابن كثير)) (5/143)، ((تفسير السعدي)) (ص: 472)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/279).   .
ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ.
أي: فعلُنا الذي فعَلْنا بهؤلاء الفِتيةِ؛ من تيسيرِ الكهفِ لحفظِهم فيه، وميلِ الشمسِ عنهم عندَ طلوعِها، وتركِها لهم عندَ غروبِها- مِن عجائبِ صُنعِ اللهِ الدَّالَّةِ على عَظيمِ قُدرَتِه وسُلطانِه، ولُطفِه بعِبادِه [238] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/189)، ((تفسير البغوي)) (3/183)، ((تفسير القرطبي)) (10/369)، ((تفسير ابن كثير)) (5/143)، ((تفسير السعدي)) (ص: 472)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/279).   .
مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ.
مُناسَبتُها لِما قَبْلَها:
لَمَّا كان انفِرادُهم بالهُدَى عن أهلِ ذلك القَرنِ كُلِّهم عَجَبًا؛ وصَلَ به ما إذا تؤُمِّلَ زال عجَبُه، فقال تعالى [239] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/28).   :
مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ.
أي: مَن يُرشِدْه اللهُ ويوفِّقْه للاهتداءِ إلى الحَقِّ، فهو المهتدي حقًّا، مِثل هؤلاء الفِتيةِ الذين هداهم اللهُ مِن بَينِ قَومِهم [240] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/190)، ((تفسير الخازن)) (3/159)، ((تفسير ابن كثير)) (5/143).   .
  وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا.
أي: ومَن يَخذُلْه اللهُ، فلن تجِدَ له -يا مُحَمَّدُ- خليلًا ومُعِينًا يتولَّى إرشادَه إلى الحَقِّ [241] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/190)، ((تفسير البغوي)) (3/183)، ((تفسير السعدي)) (ص: 472)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 34).   .
كما قال تعالى: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا [النساء: 88] .
وقال سُبحانَه: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [الرعد: 33] .
وقال عزَّ وجلَّ: وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ [الإسراء: 97] .
وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18).
وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ.
أي: وتَظُنُّ [242] قيل: الخِطابُ لمحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلم. وممن قال بذلك: ابن جرير. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/190). وممن قال بذلك من السلفِ: قتادةُ. يُنظر: ((تفسير ابن أبي حاتم)) (7/2352). وقيل: الخطابُ لغيرِ مُعَيَّنٍ، أي: تظنُّهم أيُّها المُخاطَبُ، أو أيُّها الرَّائي. وممن قال بذلك: السعدي، والشنقيطي، وابنُ عثيمين. يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 472)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/224)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 34). هؤلاء الفِتيةَ -لو رأيتَهم- أيقاظًا، والحالُ أنَّهم نائِمونَ [243] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/190، 191)، ((تفسير السعدي)) (ص: 472)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/224). قال ابن عطية: (قال أهلُ التفسيرِ: كانت أعينُهم مفتوحةً وهم نائمونَ؛ فلذلك كان الرَّائي يحسَبُهم أيقاظًا. ويحتَمِل أن يحسَبَ الرَّائي ذلك؛ لشِدَّةِ الحِفظِ الذي كان عليهم، وقِلَّةِ التَّغيُّر، وذلك أنَّ الغالِبَ على النوَّامِ أن يكون لهم استرخاءٌ وهَيئاتٌ تقتضي النَّومَ، ورُبَّ نائمٍ على أحوالٍ لم يتغيَّرْ عن حالةِ اليقظةِ، فيَحسَبُه الرائي يقظانَ، وإن كان مسدودَ العينين، ولو صَحَّ فَتحُ أعيُنِهم بسندٍ يقطَعُ العُذرَ، كان أبيَنَ في أن يُحسَبَ عليهم التيقُّظُ). ((تفسير ابن عطية)) (3/503). وقال ابنُ كثيرٍ: (ذَكَر بعضُ أهلِ العلمِ أنَّهم لَمَّا ضَرَب اللَّهُ على آذانِهم بالنَّومِ، لم تَنْطَبِقْ أعينُهم؛ لئلَّا يُسْرِعَ إليها البِلَى، فإذا بَقِيَتْ ظاهرةً للهواءِ كانَ أبقَى لها؛ ولهذا قالَ تعالَى: وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ). ((تفسير ابن كثير)) (5/143). وقال الزجاج: (وقيل: لكثرةِ تقلُّبِهم يُظَنُّ أنَّهم غيرُ نيامٍ، ويدلُّ عليه وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ). ((معاني القرآن وإعرابه)) (3/274). !
وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ.
أي: ونقلِّبُهم على جُنوبِهم؛ مرَّةً للجَنبِ الأيمَنِ، ومرَّةً للأيسَرِ [244] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/191)، ((تفسير السعدي)) (ص: 472)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/281). قال الشنقيطي: (وكلامُ المفسِّرينَ هنا في عددِ تَقَلُّبِهم مِنْ كثرةٍ وقِلَّةٍ لا دليلَ عليه). ((أضواء البيان)) (3/224). وقال ابن عاشور: (المعنى: أنَّ الله أجرى عليهم حالَ الأحياءِ الأيقاظِ، فجعَلَهم تتغَيَّرُ أوضاعُهم من أيمانِهم إلى شمائِلِهم والعكس؛ وذلك لحكمةٍ لعَلَّ لها أثرًا في بقاءِ أجسامِهم بحالةِ سَلامةٍ). ((تفسير ابن عاشور)) (15/281). وقيل: الحكمةُ مِن تقليبِهم: أنَّهم لو لم يُقَلَّبوا لأكَلتْهم الأرضُ. وممن قال به مِن السلفِ: ابنُ عباس، وسعيدُ بنُ جبير، والضحَّاكُ. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (2/578)، ((تفسير ابن جرير)) (15/191)، ((الدر المنثور)) للسيوطي (5/373). وقيل: قلَّبَهم؛ لينالَ رَوحُ النسيمِ جميعَ أبدانِهم، ولا يتأثر ما يلي الأرضَ منها بطولِ المكثِ. يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/29). وقيل: الحكمةُ من تقليبِهم: مِن أجلِ توازنِ الدمِ في الجسدِ، حتَّى لا يكونَ في جانبٍ واحدٍ. يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 35). .
وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ.
أي: وكَلبُ [245] قال ابنُ كثير: (اختلفوا في لونِه على أقوالٍ لا حاصِلَ لها، ولا طائِلَ تحتها، ولا دليلَ عليها، ولا حاجةَ إليها، بل هي مما يُنهَى عنه؛ فإنَّ مُستنَدَها رجمٌ بالغَيبِ). ((تفسير ابن كثير)) (5/144).   هؤلاء الفِتيةِ جالسٌ على بَطنِه مادٌّ يَدَيه عندَ مَدخَلِ الكَهفِ بفِنائِه؛ لحِراستِهم [246] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/194)، ((تفسير السمرقندي)) (2/341)، ((تفسير ابن كثير)) (5/144)، ((تفسير السعدي)) (ص: 472)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/225)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 35). قال ابنُ كثير: (رَبَضَ كلبُهم على البابِ كما جرَتْ به عادةُ الكلابِ. قال ابنُ جُريجٍ: يحرُسُ عليهم البابَ. وهذا مِنْ سجيَّتِه وطبيعتِه، حيثُ يَربِضُ ببابِهم كأنَّه يحرُسُهم، وكان جلوسُه خارجَ البابِ؛ لأنَّ الملائكةَ لا تدخلُ بيتًا فيه كلبٌ،كما ورَد في الصحيحِ). ((تفسير ابن كثير)) (5/144).   .
لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا.
أي: لو أشرَفْتَ [247] قال ابنُ عاشور: (الخطابُ لغيرِ معيَّنٍ، أي: لو اطلعتَ عليهم أيُّها السامعُ حينَ كانوا في تلك الحالةِ قبلَ أن يبعثَهم الله). ((تفسير ابن عاشور)) (15/281). وقيل: الخطابُ للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم. يُنظر: ((حاشيه الشهاب على تفسير البيضاوي)) (6/82).   على أصحابِ الكَهفِ فرأيتَهم وهم رُقودٌ، لفَرَرْتَ منهم هارِبًا [248] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/194)، ((تفسير القرطبي)) (10/373)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/281). قال ابن كثير: (أي: أنَّه تعالى ألقى عليهم المهابةَ، بحيث لا يقَعُ نظَرُ أحدٍ عليهم إلَّا هابهم؛ لِما أُلبِسوا مِن المهابةِ والذُّعرِ؛ لئلَّا يدنوَ منهم أحدٌ، ولا تمَسَّهم يدُ لامسٍ، حتى يبلُغَ الكِتابُ أجَلَه، وتنقَضِيَ رِقدتُهم التي شاء تبارك وتعالى فيهم؛ لِما له في ذلك من الحُجَّةِ والحِكمةِ البالغةِ، والرَّحمةِ الواسعةِ). ((تفسير ابن كثير)) (5/145). ويُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/194)، ((تفسير السعدي)) (ص: 472)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 36). وقال القرطبي: (قيل: الفِرارُ منهم لطولِ شُعورِهم وأظفارِهم، وذكره المهدويُّ والنحَّاس والزجَّاج والقُشيري. وهذا بعيدٌ؛ لأنَّهم لَمَّا استيقَظوا قال بعضُهم لبعضٍ: لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ودَلَّ هذا على أنَّ شُعورَهم وأظفارَهم كانت بحالِها، إلَّا أن يُقال: إنما قالوا ذلك قبل أن ينظُروا إلى أظفارِهم وشعورِهم. قال ابن عطية: «والصحيحُ في أمرِهم أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ حَفِظ لهم الحالةَ التي ناموا عليها؛ لتكونَ لهم ولغيرِهم فيهم آية، فلم يَبْلُ لهم ثوبٌ ولم تُغيَّرْ صِفةٌ، ولم يُنكِرِ النَّاهِضُ إلى المدينةِ إلَّا معالمَ الأرضِ والبناءِ، ولو كانت في نفسِه حالةٌ يُنكِرُها لكانت عليه أهَمَّ»). ((تفسير القرطبي)) (10/373). ويُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (3/504، 505)، ((تفسير الشوكاني)) (3/326). .
وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا.
أي: ولامتَلأَتْ نفسُك خَوفًا وفَزَعًا منهم [249] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/194)، ((البسيط)) للواحدي (13/563)، ((تفسير القرطبي)) (10/373)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 36).   .

الفوائد التربوية:

1- قال الله تعالى: وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا هذا يدُلُّ على أنَّ اعتزالَ المؤمِنِ قَومَه الكُفَّارَ ومَعبوديهم، مِن أسبابِ لُطفِ اللهِ به ورَحمتِه [250] يُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/217).   .
2- قال الله تعالى: وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا المشروعُ عند وُقوعِ الفِتَنِ في النَّاسِ، أن يَفِرَّ العَبدُ منهم خَوفًا على دينِه، كما جاء في الحديثِ: ((يُوشِكُ أن يكونَ خَيرَ مالِ المسلم غَنَمٌ يَتبَعُ بها شَعَفَ الجِبالِ [251] شَعَفَ الجبالِ: أي: رُؤوسَها وأطرافَها. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/139).   ومواقِعَ القَطْرِ [252] مَواقِعَ القَطرِ: أي: بُطونَ الأوديةِ. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/69).   ؛ يَفِرُّ بدِينِه مِن الفِتنِ) ) [253] أخرجه البخاري (19) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.   ، ففي هذه الحالِ تُشرَعُ العُزلةُ عن النَّاسِ، ولا تُشرَعُ فيما عداها؛ لِما يَفوتُ بها مِن تَركِ الجَماعاتِ والجُمَعِ [254] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (5/141-142).   ، فاللهُ تعالى مدَح في هذه الآيةِ مَن فَرَّ بدِينِه خَشيةَ الفِتنةِ عليه [255] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن رجب (1/108).   .
3- قال الله تعالى: يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا، وفيما تقَدَّمَ أخبَرَ أنَّهم دَعَوه بقَولِهم: رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا [الكهف: 10] فجَمَعوا بين التَّبرِّي مِن حَولِهم وقُوَّتِهم، والالتجاءِ إلى اللهِ في صلاحِ أمْرِهم ودُعائِه بذلك، وبين الثِّقةِ باللهِ أنَّه سيَفعَلُ ذلك [256] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 472).   .
4- يجِبُ على الإنسانِ أن يعتمِدَ على الله سبحانه وتعالى في أدَبِ أولادِه وهدايتِهم؛ فإنَّ الله تعالى هو الهادي سُبحانَه وبحمدِه؛ قال تعالى: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وعلى هذا فالذي يحَدِّدُ نسلَه خوفًا مِن عدمِ القدرةِ على تأديبِهم، هو أيضًا مسيءُ الظَّنِّ برَبِّه تبارك وتعالى، وإلَّا فالله سبحانه وتعالى بيدِه الأمورُ [258] يُنظر: ((فتاوى نور على الدرب)) لابن عثيمين (6/16).   .
5- قَولُه تعالى: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا فيه تَنبيهٌ إلى عدمِ سؤالِ الهِدايةِ إلَّا مِنَ اللهِ، وعدمِ الجزعِ أو السخطِ عندَ رؤيةِ مَن هو ضالٌّ؛ فالله تعالى جَعَلَ النَّاسَ على قِسمَينِ: مهتدٍ وضالٍّ، فلا بدَّ مِن الإيمانِ بالقدرِ، والرضَا به على كُلِّ حالٍ، وألا نَسخَطَ الإضلالَ الواقِعَ مِن اللهِ، أما المقدورُ ففيه تَفصيلٌ [259] فإذا كان المقدورُ طاعاتٍ فيَجِبُ الرِّضا بها، وإذا كان المقدورُ معاصيَ فلا يجوزُ الرِّضا بها من حيثُ هي مقدورٌ، أمَّا من حيثُ كونُها قَدرَ الله، فيَجِبُ الرِّضا بتقديرِ اللهِ بكلِّ حالٍ. يُنظر: ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (10/691).   ، ولكنْ يجبُ علينا مع ذلك أنْ نسعى في هدايةِ الخَلقِ، وأنْ نُرشِدَ هؤلاء الضالِّينَ [260] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 34).   .
6- قال الله تعالى: وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ شَمِلَت كَلْبَهم بركتُهم، فأصابه ما أصابَهم مِن النَّومِ على تلك الحالِ، وهذه فائدةُ صُحبةِ الأخيارِ؛ فإنَّه صار لهذا الكلبِ ذِكرٌ وخبَرٌ وشأنٌ [261] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (5/144).   ، فذِكْرُ هذا الكَلبِ على طولِ الآبادِ بجَميلِ هذا الرُّقادِ: مِن بركةِ صُحبةِ الأمجادِ [262] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/29-30).   ، فمن أحبَّ أهل الخير نال مِن بركتِهم؛ فهذا الكَلبُ أحَبَّ أهلَ فَضلٍ وصَحِبَهم، فذكَرَه الله في مُحكَمِ تنزيلِه [263] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (3/504).   . وإذا كان بعضُ الكلابِ قد نال هذه الدَّرجةَ العليا بصُحبته ومخالطتِه الصُّلَحاءَ والأولياءَ حتى أخبَرَ الله تعالى بذلك في كتابِه جلَّ وعلا، فما ظَنُّك بالمُؤمِنين الموحِّدين المُخالطين المحِبِّين للأولياءِ والصالحين؟! بل في هذا تسليةٌ وأُنسٌ للمؤمنينَ المقصِّرينَ عن دَرَجاتِ الكمالِ، المحبِّينَ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وآلِه [264] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (10/371).   .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قولُه تعالى: وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فيه اعتزالُ أهلِ الشِّركِ، واعتزالُ مَعْبوديهم [265] يُنظر: ((تفسير آيات من القرآن الكريم)) (5/244)، (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب).   .
2- قولُه تعالى: فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ فيه شدةُ صلابتِهم في دينِهم؛ حيثُ عزَموا على تركِ ما كانوا فيه مِن النعمةِ العظيمةِ، واستبدلوا بها كهفًا في رأسِ جبلٍ [266] يُنظر: ((تفسير آيات من القرآن الكريم)) (5/244)، (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب).   .
3- حسنُ ظنِّ أصحابِ الكهفِ باللهِ ومعرفتُهم ثمرةَ الطاعةِ، ولو كان مباديها ذهابَ الدنيا، حيث قالوا: يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً [267] يُنظر: ((تفسير آيات من القرآن الكريم)) (5/244)، (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب).   .
4- قولُه: تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ التَّعريفُ في الْيَمِينِ والشِّمَالِ عِوَضٌ عن المُضافِ إليه، أي: يمينَ الكهْفِ وشِمالَه؛ فيدُلُّ على أنَّ فَمَ الكهْفِ كان مفتوحًا إلى الشِّمالِ الشَّرقيِّ؛ فالشَّمسُ إذا طلعَتْ تطلُعُ على جانبِ الكهْفِ ولا تخترِقُه أشعَّتُها، وإذا غربَتْ كانت أشعَّتُها أبعدَ عن فَمِ الكهْفِ منها حينَ طُلوعِها، وهذا وضْعٌ عجيبٌ يسَّرَه اللهُ لهم بحكمتِه؛ ليكونَ داخلُ الكهْفِ بحالةِ اعتدالٍ، فلا يَنتابُ البِلى أجسادَهم، وذلك من آياتِ قُدرةِ اللهِ [268] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/279).   .
5- قال الله تعالى: وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ أي: مِن الكَهفِ، أي: مكانٍ مُتَّسِعٍ؛ وذلك لِيَطرُقَهم الهواءُ والنَّسيمُ، ويزولَ عنهم الوَخمُ والتأذِّي بالمكانِ الضَّيِّقِ، خصوصًا مع طولِ المُكثِ [269] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 472).   .
6- في قَولِه تعالى: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا بيانُ فَسادِ مذهَبِ القَدَريَّةِ الذين يَزعُمونَ أنَّ العبدَ لا يَفتَقِرُ في حصولِ هذا الاهتداءِ إلى اللهِ، بل كلُّ عبدٍ عندهم فمَعَه ما يحصُلُ به الطَّاعةُ والمعصيةُ، لا فرْقَ عندهم بين المؤمِنِ والكافِرِ! ولم يَخُصَّ اللهُ المؤمِنَ عندهم بهُدًى حصلَ به الاهتداءُ [270] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (22/400).   !
7- دلَّ قَولُ الله تعالى: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا على أنَّ كلَّ مَن هداه اللهُ اهتدى، ولو هدى الكافرَ -كما هدَى المُؤمِنَ- لاهتدَى [271] يُنظر: ((منهاج السنة النبوية)) لابن تيمية (5/307).   .
8- قَولُ الله تعالى: وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ هذا مِن حِفظِ اللهِ تعالى لأبدانِهم؛ لأنَّ الأرضَ مِن طبيعتِها أكلُ الأجسامِ المتَّصِلةِ بها، فكان مِن قَدَرِ الله أنْ قَلَّبَهم على جُنوبِهم يَمينًا وشِمالًا بقَدْرِ ما لا تُفسِدُ الأرضُ أجسامَهم -هذا على أحدِ الأقوالِ في الحكمةِ مِن تقليبِهم-، واللهُ تعالى قادِرٌ على حِفْظِهم مِنَ الأرضِ مِن غَيرِ تَقليبٍ، ولكنَّه تعالى حَكيمٌ، أراد أن تَجريَ سُنَّتُه في الكَونِ، ويَربِطَ الأسبابَ بمُسَبَّباتِها [272] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 472).   .
9- قال الله تعالى: وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ في قَولِه: وَنُقَلِّبُهُمْ دليلٌ على أنَّ فِعْلَ النائمِ لا يُنسَبُ إليه، ووجهُ الدَّلالةِ: أنَّ اللهَ أضاف تقلُّبَهم إليه، فلو أنَّ النَّائِمَ قال في نَومِه: (امرأتي طالِقٌ) أو: (في ذِمَّتي لفلانٍ ألفُ ريالٍ) لم يَثبُتْ؛ لأنَّه لا قَصْدَ له ولا إرادةَ له، لا في القَولِ ولا في الفِعلِ [273] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 35).   .
10- في قَولِه تعالى: وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ دليلٌ على جوازِ اتِّخاذِ الكَلبِ لحراسةِ الآدميِّينِ، أمَّا حراسةُ الماشيةِ، وحراسةُ الحرثِ فقد جاءَت به السنةُ [274] يُنظر ما أخرجه البخاري (5480)، ومسلم (1574) مِن حديثِ ابنِ عمرَ رضي الله عنهما. وما أخرجه البخاري (3324)، ومسلم (1575) مِن حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه.   . وإذا جاز اتخاذُ الكلبِ لحراسةِ الماشيةِ والحرثِ، أو للصيدِ الذي هو كمالٌ؛ فاتِّخاذُه لحراسةِ البيتِ مِن بابِ أولَى [275] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 35).   .

بلاغة الآيات:

1- قوله تعالى: وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا
     - قولُه: وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ... يحتملُ أنْ يكونوا قال بعضُهم لبعضٍ ذلك بعدَ اليأْسِ من رُجوعِ قومِهم عن فِتْنتِهم في مَقامٍ آخرَ. ويحتملُ أنْ يكونَ ذلك في نفْسِ المقامِ الَّذي خاطبوا فيه قومَهم، بأنْ غيَّروا الخِطابَ من مُواجهةِ قومِهم إلى مُواجهةِ بعضِهم بعضًا، وهو ضرْبٌ من الالتفاتِ؛ فعلى الوجْهِ الأوَّلِ يكونُ فِعْلُ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ مُستعمَلًا في إرادةِ الفِعلِ، مثْلُ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة: 6] ، وعلى الوجْهِ الثَّاني يكونُ الاعتزالُ قد حصَلَ فيما بين مَقامِ خِطابِهم قومَهم وبين مُخاطَبةِ بعضِهم بعضًا؛ وعلى الاحتمالينِ فقدِ اقتُصِرَ في حكايةِ أقوالِهم على المقصَدِ الأهمِّ منها في الدَّلالةِ على ثَباتِهم، دُونَ ما سِوى ذلك ممَّا لا أثَرَ له في الغرَضِ، وإنَّما هو مُجرَّدُ قَصصٍ [276] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/276).   .
     - قولُه: فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ الفاءُ للتَّفريعِ على جُملةِ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ باعتبارِ إفادتِها معنى: اعتزلْتُم دِينَهم اعتزالًا اعتقاديًّا؛ فيُقدَّرُ بعدَها جُملةٌ نحوُ: اعْتَزِلوهم اعتزالَ مُفارقةٍ، فأْوُوا إلى الكهفِ، أو يُقدَّرُ: وإذِ اعتزَلْتُم دِينَهم يُعذِّبونكم، فأْوُوا إلى الكهفِ [277] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/276- 277).   .
     - قولُه: يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا فيه تَقديمُ لَكُمْ في الموضعينِ؛ للإيذانِ من أوَّلِ الأمْرِ بكَونِ المُؤخَّرِ من مَنافعِهم، والتَّشويقِ إلى وُرودِه [278] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/211).   .
     - ويَنْشُرْ مجزومٌ في جوابِ الأمْرِ، وهو مَبْنيٌّ على الثِّقةِ بالرَّجاءِ والدُّعاءِ، وساقُوه مَساقَ الحاصلِ؛ لشِدَّةِ ثِقَتِهم بلُطْفِ ربِّهم بالمُؤمِنين [279] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/277).   .
2- قوله تعالى: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا
     - قولُه: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ... بَيانٌ لحالِهم بعدَما أوَوا إلى الكهفِ، وقد أوجَزَ مِن الخبَرِ أنَّهم لمَّا قال بعضُهم لبعضٍ: فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ: أنَّهم أوَوا إليه، والتَّقديرُ: فأخَذوا بنَصيحتِه، فأوَوا إلى الكهْفِ، ودَلَّ عليه قولُه في صَدْرِ القصَّةِ: إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ؛ فرَدَّ عجُزَ الكلامِ على صَدْرِه [280] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/151)، ((تفسير أبي السعود)) (5/211)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/278).   .
     - والإتيانُ بفعْلِ المُضارَعةِ تَزَاوَرُ؛ للدَّلالةِ على تكرُّرِ ذلك كلَّ يومٍ [281] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/278).   .
     - قولُه: ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ الإشارةُ بقولِه: ذَلِكَ إلى المذكورِ من قولِه: وَتَرَى الشَّمْسَ؛ للتَّعظيمِ، والجُملةُ مُعترِضةٌ في خِلالِ القصَّةِ؛ للتَّنويهِ بأصحابِها [282] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/279).   .
     - قولُه: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا استئنافٌ بيانيٌّ لِما اقتضاهُ اسمُ الإشارةِ من تَعظيمِ أمْرِ الآيةِ وأصحابِها [283] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/279-280).   ، والمُرادُ بقولِه: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ إمَّا الثَّناءُ عليهم، أو التَّنبيهُ على أنَّ أمثالَ هذه الآياتِ كثيرةٌ، ولكنَّ المُنتفِعَ بها مَن وفَّقَه اللهُ للتَّأمُّلِ فيها، والاستبصارِ بها [284] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (3/275)، ((تفسير أبي السعود)) (5/211).   .
3- قوله تعالى: وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا
     - قولُه: وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ عطْفٌ على بقيَّةِ القصَّةِ، وما بينهما اعتراضٌ، وهذا انتقالٌ إلى ما في حالِهم من العِبْرةِ لمَن لو رآهم مِن النَّاسِ، مُدمجٌ فيه بَيانُ كَرامتِهم، وعظيمِ قُدرةِ اللهِ في شأنِهم، وهو تعجُّبٌ من حالِهم لمَن لو رآهُ من النَّاسِ [285] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/280).   .
     - وصِيغَ فِعْلُ (تَحْسَبُهُمْ) مُضارِعًا؛ للدَّلالةِ على أنَّ ذلك يتكرَّرُ مُدَّةً طويلةً [286] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/280).   .
     - والإتيانُ بالمُضارعِ وَنُقَلِّبُهُمْ؛ للدَّلالةِ على التَّجدُّدِ بحسَبِ الزَّمنِ المَحكيِّ، ولا يلزَمُ أنْ يكونوا كذلك حين نُزولِ الآيةِ [287] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/281).   ، وفيه مَزيدُ اعتناءِ اللهِ بهم؛ حيث أسنَدَ التَّقليبَ إليه تعالى، وأنَّه هو الفاعلُ ذلك [288] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/153).   .
     - قولُه: لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ... الاطِّلاعُ افتعالٌ مِن (طلَعَ)، وصِيغَ الافتعالُ؛ للمُبالَغةِ في الارتقاءِ، وضُمِّنَ معنى الإشرافِ، فعُدِّيَ بـ (على) [289] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/282).   .
     - وتأخَّرَ قولُه: وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا عن ذِكْرِ التَّوليةِ لَوْلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا؛ للإيذانِ باستقلالِ كلٍّ منهما في التَّرتُّبِ على الاطِّلاعِ؛ إذ لو رُوعِيَ تَرتيبُ الوُجودِ لَتَبادرَ إلى الفَهمِ ترتُّبُ المجموعِ من حيث هو هو عليه، وللإشعارِ بعدَمِ زَوالِ الرُّعبِ بالفِرارِ كما هو المُعتادُ [290] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/213).   .
     - وانتصَبَ رُعْبًا على تَمييزِ النِّسبةِ المُحوَّلِ عن الفاعلِ في المعنى؛ لأنَّ الرُّعبَ هو الَّذي يمْلَأُ، فلمَّا بُنِيَ الفعْلُ إلى المجهولِ لقصْدِ الإجمالِ ثمَّ التَّفصيلِ، صار ما حَقُّه أنْ يكونَ فاعلًا تَمييزًا، وهو إسنادٌ بديعٌ حصَلَ منه التَّفصيلُ بعدَ الإجمالِ [291] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/283).   .