غريب الكلمات:
يَرْتَعْ: أي: يأكلْ ويَنعَمْ، وأصلُ (رتع): يدل على الاتِّساعِ في المأكَلِ .
يَرْتَعْ: أي: يأكلْ ويَنعَمْ، وأصلُ (رتع): يدل على الاتِّساعِ في المأكَلِ .
يخبرُ الله تعالى عن طلبِ إخوةِ يوسُفَ من أبيهم أن يأذنَ في خروجِ يوسفَ معهم، وذلك بعدَ اتِّفاقِهم على إبعادهِ، وأنهم قالوا لأبيهم: يا أبانا ما لك لا تأمَنُنا على يوسُفَ مع أنَّه أخونا، ونحن نُريدُ له الخيرَ، ونُشفِقُ عليه ونرعاه، ونخُصُّه بخالِصِ النُّصحِ؟ أرسِلْه معنا غدًا يأكُلْ ويَنشَطْ ويَفرحْ، ويلعَبْ بالاستِباقِ ونحوِه، وإنَّا لحافِظونَ له من كلِّ ما تخافُ عليه. قال يعقوبُ: إنِّي لَيؤلِمُ نفسي ذهابُكم به، ومُفارقتُه لي، وأخشى أن يأكُلَه الذِّئبُ وأنتم عنه غافِلونَ، فقال إخوةُ يوسُفَ لوالِدِهم: لئنْ أكَلَه الذِّئبُ ونحن جماعةٌ قويَّةٌ، إنَّا إذًا لخاسِرونَ، لا خيرَ فينا، ولا نَفعَ يُرْجَى منَّا.
قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
أنَّه لَمَّا تقرَّرَ في أذهانِ إخوةِ يوسُفَ التَّفريقُ بين يوسُفَ وأبيه، أعمَلوا الحِيلةَ على يعقوبَ، وتلطَّفوا في إخراجِه معهم، وذَكَروا نُصحَهم له، وما في إرسالِه معهم مِن انشراحِ صَدرِه بالارتِعاءِ واللَّعِب، وذكَروا حِفظَهم له ممَّا يَسوءُه
.
قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ.
أي: قال إخوةُ يوسُفَ لأبيهم يعقوبَ عليه السَّلامُ، وقد عزموا على إلقاءِ يوسُفَ في قَعرِ البِئرِ: يا أبانا لمَ تخافُ منَّا على يوسُفَ، فلا تأمَنُنا عليه
؟!
وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ.
أي: وإنَّا لناصِحونَ ليوسُفَ بالحِفظِ والرِّعايةِ والنَّفعِ له
.
أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12).
مُناسبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا نَفَوا عن أنفُسِهم التُّهمةَ المانِعةَ مِن عدَمِ إرسالِه معهم، ذَكَروا له مِن مَصلحةِ يوسُفَ وأُنسِه- الذي يُحبُّه أبوه له- ما يقتضي أن يسمَحَ بإرسالِه معهم، فقالوا
:
أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ.
القِراءاتُ ذاتُ الأثَرِ في التَّفسيرِ:
1- قراءةُ نَرْتَعِ وَنَلْعَبْ بالنونِ فيهما، وكسرِ العينِ في نَرْتَعِ؛ بإخبارِ إخوةِ يوسُفَ عليه السَّلامُ عن أنفُسِهم
.
2- قراءةُ يَرْتَعِ وَيَلْعَبْ بالياءِ فيهما، وكسرِ العينِ في يَرْتَعِ ؛ بإسنادِ الفِعلِ إلى يوسُفَ، والإخبارِ بذلك عنه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ
.
وقراءةُ نَرْتَعِ ويَرْتَعِ بكسرِ العينِ فيهما، مِن الرعي، على معنَى: يَرتعِي ماشيتَنا، قيل: ليتدربَ على الرعيِ وحفظِ المالِ، أو مِن الرعايةِ، وهي الحفظُ، على معنَى: نرعَى ويحرسُ بعضُنا بعضًا
.
3- قراءةُ نَرْتَعْ وَنَلْعَبْ بالنُّونِ فيهما؛ بإخبارِ إخوةِ يوسُفَ عليه السَّلامُ عن أنفُسِهم
.
4- قراءةُ يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ بالياءِ فيهما؛ بإسنادِ الفِعلِ إلى يوسُفَ، والإخبارِ بذلك عنه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ
.
والمعنَى على هاتينِ القراءتينِ: نَرْتَعْ ويَرْتَعْ بسكونِ العينِ فيهما- هو: اللهوُ والاتساعُ في أكلِ الفواكهِ وغيرِها
.
أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ.
أي: ابعَثْه معَنا غدًا يأكُلْ ويَلْهُ، ويتنَزَّهْ في البرِّيَّة، وينشَطْ ويلعَبْ
.
وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ.
أي: وإنَّا لحافِظونَ ليوسُفَ، وسنَحميه من أن ينالَه مَكروهٌ أو أذًى
.
قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (13).
قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ.
أي: قال يعقوبُ لأولادِه: إنِّي ليَحزُنُني ذَهابُكم بيوسُفَ إلى البَرِّيَّة، ويشُقُّ عليَّ غيابُه عنِّي
.
وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ.
أي: وأخافُ أن يأكُلَه الذِّئبُ، وأنتم مَشغولونَ عنه، لا تَشعرونَ بذلك
.
قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ (14).
أي: قالوا لأبيهم: لَئِن أكلَ الذِّئبُ يوسُفَ، والحالُ أنَّنا جماعةٌ معه، ولم نستَطِعْ حِفظَه من الذِّئبِ- إنَّا إذًا لعَجَزةٌ هالِكونَ، لا خيرَ فينا، ولا نفعَ منَّا
.
قولُ الله تعالى: قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ إنَّما ذكَرَ يعقوبُ عليه السَّلامُ أنَّ ذَهابَهم به غدًا يُحدِثُ به حُزنًا مُستقبلًا؛ ليصرِفَهم عن الإلحاحِ في طلَبِ الخُروجِ به؛ لأنَّ شأنَ الابنِ البارِّ أن يتَّقيَ ما يَحزُنُ أباه .
1- قولُ الله تعالى: قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ في هذا القَولِ الذي تواطَؤوا عليه عند أبيهم عبرةٌ مِن تواطُؤِ أهلِ الغرَضِ الواحِدِ على التحَيُّلِ لنَصبِ الأحابيلِ لتَحصيلِ غرَضٍ دَنيءٍ
.
2- في قَولِهم: مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا دليلٌ على أنَّهم تقدَّمَ منهم سؤالٌ في أن يَخرُجَ معهم، وذكروا سبَبَ الأمنِ وهو النُّصحُ، أي: لمَ لا تأمَنُنا عليه، وحالتُنا هذه؟ والنُّصحُ دليلٌ على الأمانة؛ ولهذا قُرِنَا في قَولِه: نَاصِحٌ أَمِينٌ الأعراف: 68، وكان قد أحَسَّ منهم قبلُ ما أوجبَ ألَّا يأمَنَهم عليه
.
3- قولُهم: أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ في لَفْظةِ: أَرْسِلْهُ دليلٌ على أنَّ يعقوبَ عليه السلامُ كان يُمسِكُه، ويَصحَبُه دائمًا
.
4- قال تعالى حكايةً لِقَولِ إخوةِ يوسُفَ: أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ فعَلَّلوا طَلَبَه، والخروجَ به، بما يمكِنُ أن يستهويَ يوسُفَ لِصِباه؛ من الرُّتوعِ، واللَّعِب، والنَّشاطِ
.
5- قيل: قد صدَّقَت هذه القِصَّةُ المَثَلَ السَّائرَ، وهو قولُهم: (البَلاءُ مُوكَّلٌ بالمَنطِقِ)؛ فإنَّ يعقوبَ عليه السَّلامُ قال في حقِّ يوسُفَ: وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ، فابْتُلِيَ مِن ناحيةِ هذا القولِ؛ لأنَّهم لم يَعْتَلُّوا على أبيهم إلا بالشيءِ نفسِه الذي سمِعوه يَنطِقُ به، لا غيرِه
.
6- اقتَصَر إخوةُ يوسفَ على جوابِ خوفِ يعقوبَ عليه السَّلامُ مِن أكلِ الذِّئبِ بقولهم: لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ؛ لأنَّه السَّببُ القويُّ في المنعِ، دونَ الحزنِ؛ لِقصَرِ مُدَّتِه، بِناءً على أنَّهم يأتون به عن قريبٍ
.
1- قولُه تعالى: قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ
- قولُه: قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ استئنافٌ بيانيٌّ؛ لأنَّ سَوْقَ القِصَّةِ يَستَدعي تَساؤُلَ السَّامِعِ عمَّا جَرى بعدَ إشارةِ أخيهم عليهم، وهل رجَعوا عمَّا بَيَّتوا، وصمَّموا على ما أشار به أخوهم
.
- قولُه: قَالُوا يَا أَبَانَا فيه الخطابُ بنَسَبِ الأُبوَّةِ؛ تَحريكًا لِسلسلةِ النَّسَبِ بينَه وبينَهم، وتذكيرًا لِرابطةِ الأُخوَّةِ بينَهم وبينَ يوسُفَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ؛ لِيتَسبَّبوا بذلك إلى استِنْزالِه عليه السَّلامُ عن رأيِه في حِفْظِه منهم، لَمَّا أحَسَّ منهم بأماراتِ الحسَدِ والبغيِ
.
- قولُه: مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ الاستفهامُ في مَا لَكَ مُستعمَلٌ في الإنكارِ على نفْيِ الائتمانِ
.
- وتقديمُ الجارِّ والمجرورِ لَهُ على المبتَدَأِ لَنَاصِحُونَ؛ للقَصْرِ الادِّعائيِّ؛ جعَلوا أنفُسَهم لِفَرْطِ عِنايتِهم به بمَنزِلةِ مَن لا يَحفَظُ غيرَه، ولا يَنصَحُ غَيرَه
.
2- قولُه تعالى: أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ
- قولُه: وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ فيه التَّأكيدُ بإيرادِ الجملةِ اسميَّةً، وتَحلِيَتِها بـ (إنَّ) واللَّامِ، وإسنادُ الحفظِ إلى كلِّهم، وتقديمُ لَهُ على الخبَرِ؛ احتِيالًا في تَحصيلِ مَقصِدِهم
.
3- قولُه تعالى: قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ
- قولُه: قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي فيه التَّأكيدُ بـ (إنَّ) واللَّامِ؛ لِقَطعِ إلحاحِهم بتَحْقيقِ أنَّ حُزنَه لفِراقِه ثابتٌ؛ تَنزيلًا لهم مَنزِلةَ مَن يُنكِرُ ذلك، إذ رأى إلحاحَهم
.
- قولُه: وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ خصَّ الذِّئبَ؛ لأنَّه كان السَّبُعَ الغالِبَ على قُطْرِه، أو لصِغَرِ يُوسُفَ؛ فخاف عليه هذا السَّبُعَ الحقيرَ
.
4- قولُه تعالى: قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ
- قولُه: قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ فيه التَّأكيدُ باللَّامِ الموطِّئةِ للقَسَمِ في لَئِنْ، و(إنَّ) ولامِ الابتداءِ، و(إذًا) الجوابيَّةِ في إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ؛ تحقيقًا لِحُصولِ خُسرانِهم على تقديرِ حُصولِ الشَّرطِ، والمرادُ: الكنايةُ عن عدَمِ تَفريطِهم فيه، وعن حِفظِهم إيَّاه؛ لأنَّ المرء لا يَرضى أن يوصَفَ بالخُسرانِ
.