الفرعُ الخامِسَ عَشَرَ: إذا اجتَمَعَ المُذَكَّرُ والمُؤَنَّثُ غُلِّبَ المُذَكَّرُ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَت القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "إذا اجتَمَعَ المُذَكَّرُ والمُؤَنَّثُ غُلِّبَ المُذَكَّرُ"
[1030] يُنظر: ((التفسير البسيط)) للواحدي (18/240)، ((شرح المفصل)) لابن يعيش (4/19)، ((تفسير القرطبي)) (14/183)، ((تحرير ألفاظ التنبيهـ)) للنووي (ص: 145)، ((البحر المحيط)) للزركشي (4/244)، ((إرشاد الفحول)) للشوكاني (1/319). ، وبصيغةِ: "إذا اختَلطَ المُذَكَّرُ والمُؤَنَّثُ في لفظٍ غُلِّبَ التَّذكيرُ، وانفرَدَ اللَّفظُ به"
[1031] يُنظر: ((العدد في اللغة)) لابن سيده (ص: 29). ، وبصيغةِ: "إذا اختَلطَ عَدَدٌ مُذَكَّرٌ بعَدَدٍ مُؤَنَّثٍ غُلِّبَ المُذَكَّرُ"
[1032] يُنظر: ((ارتشاف الضرب)) (2/768)، ((التذييل والتكميل)) (9/362) كلاهما لأبي حيان. .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ الجَمعَ الوارِدَ بصيغةِ التَّذكيرِ يَشمَلُ المُؤَنَّثَ أيضًا؛ لأنَّ المُذَكَّرَ هو الأصلُ، فإذا اجتَمَعَ المُذَكَّرُ والمُؤَنَّثُ مِنَ النَّاسِ غُلِّبَ المُذَكَّرُ على المُؤَنَّثِ، فيُجعَلُ الحُكمُ له؛ لغَلبةِ التَّذكيرِ، فيُقالُ مَثَلًا: الرَّجُلُ والمَرأةُ قاما وقَعَدا وجَلَسا، ولا يَجوزُ: قامَتا وقَعَدَتا؛ لأنَّ المُذَكَّرَ يَغلِبُ المُؤَنَّثَ؛ لأنَّه هو الأصلُ، والمُؤَنَّثُ مَزيدٌ عليه. فإذا قال: هذا المالُ لبَني فُلانٍ، أخَذَ مِنه الذُّكورُ والإناثُ مِنهم؛ لأنَّه إذا اجتَمَعَ المُذَكَّرُ والمُؤَنَّثُ غُلِّبَ المُذَكَّرُ
[1033] يُنظر: ((المذكر والمؤنث)) لابن الأنباري (2/278)، ((التلخيص)) للعسكري (ص: 133)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/298)، ((لوامع الدرر)) للمجلسي الشنقيطي (3/57). .
قال ابنُ القَيِّمِ: (قدِ استَقَرَّ في عُرفِ الشَّارِعِ أنَّ الأحكامَ المَذكورةَ بصيغةِ المُذَكَّرِينَ إذا أُطلِقَت ولم تَقتَرِنْ بالمُؤَنَّثِ، فإنَّها تَتَناولُ الرِّجالَ والنِّساءَ؛ لأنَّه يُغَلَّبُ المُذَكَّرُ عِندَ الاجتِماعِ)
[1034] ((إعلام الموقعين)) (1/199). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِن قاعِدةِ (الحُكمُ للغالبِ)، ووَجهُ تَفَرُّعِها عنها أنَّ المُذَكَّرَ هو الأصلُ، فإذا اجتَمَعَ مَعَ المُؤَنَّثِ غُلِّبَ المُذَكَّرُ؛ لأنَّ الحُكمَ للغالبِ.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقُرآنِ الكَريمِ، والإجماعُ:
1- مِنَ القُرآنِ:- قال اللهُ تعالى:
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون: 1-2] .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ الآيةَ تَشمَلُ الرِّجالَ والنِّساءَ، وعُبِّرَ بالتَّذكيرِ؛ لأنَّ المُذَكَّرَ والمُؤَنَّثَ إذا اجتَمَعا غُلِّبَ المُذَكَّرُ
[1035] يُنظر: ((أحكام القرآن)) للجصاص (3/330). .
- وقال اللهُ تعالى:
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [الأحزاب: 33] .
وَجهُ الدَّلالةِ:الآيةُ عامَّةٌ في جَميعِ أهلِ البَيتِ مِنَ الأزواجِ وغَيرِهم، وإنَّما قال اللهُ:
لِيُطَهِّرَكُمْ؛ لأنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وعليًّا وحَسَنًا وحُسَينًا كان فيهم، وإذا اجتَمَعَ المُذَكَّرُ والمُؤَنَّثُ غُلِّبَ المُذَكَّرُ، فاقتَضَتِ الآيةُ أنَّ الزَّوجاتِ مِن أهلِ البَيتِ؛ لأنَّ الآيةَ فيهنَّ، والمُخاطَبةُ لهنَّ، كَما يَدُلُّ عليه سياقُ الكَلامِ
[1036] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (14/183). .
قال ابنُ القَيِّمِ: (فدَخَلنَ في أهلِ البَيتِ؛ لأنَّ هذا الخِطابَ كُلَّه في سياقِ ذِكرِهنَّ، فلا يَجوزُ إخراجُهنَّ مِن شَيءٍ مِنهـ)
[1037] ((جلاء الأفهام)) (ص: 247). .
2- مِنَ الإجماعِ:أجمَعَ أهلُ اللُّغةِ على هذه القاعِدةِ، ومِمَّن نَقَل هذا الإجماعَ: الباقِلَّانيُّ
[1038] قال: (اتِّفاقُ أهلِ اللُّغةِ على أنَّه إذا اجتَمَعَ التَّذكيرُ والتَّأنيثُ غُلِّبَ التَّذكيرُ). ((التقريب والإرشاد)) (2/177). ، والزَّركَشيُّ
[1039] قال: (إجماعُ أهلِ اللُّغةِ على أنَّه إذا اجتَمَعَ المُذَكَّرُ والمُؤَنَّثُ غُلِّبَ المُذَكَّرُ). ((البحر المحيط)) (4/244). ، والشَّوكانيُّ
[1040] قال: (إجماعُ أهلِ اللُّغةِ على أنَّه إذا اجتَمَعَ المُذَكَّرُ والمُؤَنَّثُ غُلِّبَ المُذَكَّرُ). ((إرشاد الفحول)) (1/319). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- إذا لم يُعلَمِ المَيِّتُ هَل هو ذَكَرٌ أو أُنثى؟ فإنَّ المُصَلِّيَ يَنوي الصَّلاةَ على مَن حَضَرَ، ويَقطَعُ النَّظَرَ عن كَونِه ذَكَرًا أو أُنثى، كَما أنَّه إذا لم يعلَمْ هَل هو واحِدٌ أو مُتَعَدِّدٌ يَنوي الصَّلاةَ على مَن في هذا النَّعشِ، ويَتَمادى في الدُّعاءِ على التَّذكيرِ في تَحَقُّقِ الإفرادِ، ويَجمَعُ عِندَ اعتِقادِ الجَمعِ، ويُفرِدُ عِندَ الشَّكِّ على مَعنى مَن حَضَرَ في هذا النَّعشِ؛ لأنَّ (مَن) تَقَعُ على الذَّكَرِ والأُنثى وعلى المُتَعَدِّدِ
[1041] يُنظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/298)، ((حاشية العدوي)) (1/432)، ((لوامع الدرر)) للمجلسي الشنقيطي (3/57). .
2- الأبُ والأُمُّ لكُلِّ واحِدٍ مِنهما السُّدسُ في الميراثِ عِندَ وُجودِ الفرعِ الوارِثِ؛ لقَولِ اللهِ تعالى:
فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ [النساء: 11] ، والضَّميرُ في قَولِه:
وَلِأَبَوَيْهِ للمَيِّتِ، والمُرادُ الأبُ والأُمُّ إلَّا أنَّه غَلَّبَ المُذَكَّرَ
[1042] يُنظر: ((إرشاد الساري)) للقسطلاني (9/421). .