موسوعة القواعد الفقهية

الفرعُ الثَّاني: المُطلَقُ يُحمَلُ على الغالِبِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَت القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "المُطلَقُ يُحمَلُ على الغالِبِ" [907] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/178)، ((حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج)) (1/424). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
المُطلقُ مِنَ الألفاظِ يُحمَلُ في كُلِّ ناحيةٍ على الغالِبِ -وهو الشَّائِعُ المُتَعارَفُ- إذا لم تَقُمْ قَرينةٌ على تَقييدِه، فيَجِبُ حَملُه على الغالِبِ أوِ الظَّاهرِ، ولا يُحمَلُ على النَّادِرِ غَيرِ الشَّائِعِ بَينَ النَّاسِ [908] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/178)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (5/6)، ((البناية)) للعيني (8/17)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (6/117)، ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (10/702). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِن قاعِدةِ (الحُكمُ للغالِبِ)، ووَجهُ تَفَرُّعِها عنها أنَّ المُطلَقَ عن أيِّ قَيدٍ أو صِفةٍ يَجِبُ حَملُه على الغالِبِ المَعهودِ بَينَ النَّاسِ؛ لأنَّ الحُكمَ للغالبِ.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ (الحُكمُ للغالِبِ).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ؛ مِنها:
1- مَصرِفُ (في سَبيلِ اللهِ) في الزَّكاةِ يُحمَلُ على الجِهادِ عِندَ إطلاقِه؛ لأنَّه الغالِبُ عِندَ الإطلاقِ [909] يُنظر: ((نوازل الزكاة)) للغفيلي (ص: 439). .
2- العُملاتُ الماليَّةُ عِندَ الإطلاقِ مَحمولةٌ على عُملةِ البَلدِ؛ لأنَّ الحَملَ يَكونُ على الغالِبِ عِندَ الإطلاقِ، فإذا باعَ بثَمَنٍ مُطلَقٍ: يُحمَلُ على نَقدِ البَلدِ، أيِ البَلَدِ الذي جَرى فيه البَيعُ لا في بَلَدِ المُتَبايِعَينِ [910] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/178)، ((البناية)) للعيني (8/17)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (5/383). .
3- إذا عَفا وليُّ الدَّمِ مُطلقًا وقُلنا: الواجِبُ أحَدُ شَيئَينِ، فله الدِّيةُ؛ لأنَّ العَفوَ المُطلَقَ يُحمَلُ على العَفوِ عنِ القِصاصِ؛ لأنَّ ذلك الغالِبُ والمُتَبادِرُ، وإذا كان كذلك بَقيَتِ الدِّيةُ غَيرَ مَعفوٍّ عنها، فتَتَعَيَّنُ؛ لأنَّ سُقوطَ أحَدِ الواجِبَينِ يُعَيِّنُ الآخَرَ [911] يُنظر: ((الممتع)) لابن المنجى (4/66). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استِثناءاتٌ:
استَثنى الشَّافِعيَّةُ مِن هذه القاعِدةِ صورًا؛ مِنها [912] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/178)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (38/124). :
1- إذا غَمَسَ المُتَوضِّئُ يَدَه في الإناءِ بَعدَ الفراغِ مِن غَسلِ الوَجهِ بنيَّةِ رَفعِ الحَدَثِ، صارَ الماءُ مُستَعمَلًا، وإن نَوى الاغتِرافَ لم يَصِرْ مُستَعمَلًا، وإن أطلقَ ولم يَنوِ شَيئًا فالصَّحيحُ أنَّه يَصيرُ مُستَعمَلًا؛ لأنَّ تَقدُّمَ نيَّةِ رَفعِ الحَدَثِ شَمِلَته، فحُمِل عليه.
2- يُشتَرَطُ في جَوازِ قَصرِ الصَّلاةِ للمُسافِرِ نيَّةُ القَصرِ عِندَ الإحرامِ، فإذا نَوى الإتمامَ لزِمَه، وإذا لم يَنوِ القَصرَ ولا الإتمامَ لزِمَه الإتمامُ أيضًا؛ لأنَّ الأصلَ في الصَّلاةِ هو الإتمامُ، وإذا أطلقَ النِّيَّةَ انصَرَف إلى المَعهودِ.
3- المُطلَقُ يُرجَعُ في تَعيينِ أحَدِ مَحمَلَيه إلى اللَّافِظِ إذا كان لا يُعرَفُ إلَّا مِن جِهَتِه، فإذا تَلفَّظَ بما يَحتَمِلُ مَعنَيَينِ يُرجَعُ إليه في تَعيينِ المُرادِ، كَأن يَكونَ عليه دَينانِ وبأحَدِهما رَهنٌ، فدَفعَ مَبلَغًا مِنَ المالِ للدَّائِنِ عن أحَدِهما مُبهَمًا غَيرَ مُعَيَّنٍ، فله التَّعيينُ.
وكذلك: إذا قال لزَوجَتَيه: إحداكُما طالِقٌ، ولم يَقصِدْ مُعَيَّنةً، طُلِّقَت إحداهما، وعليه تَعيينُ إحداهما للطَّلاقِ.

انظر أيضا: