موسوعة القواعد الفقهية

الفرعُ الخامِسُ: الأقَلُّ تَبَعٌ للأكثَرِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَت القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الأقَلُّ تَبَعٌ للأكثَرِ" [931] يُنظر: ((التفريع)) لابن الجلاب (2/95)، ((المعونة)) للقاضي عبد الوهاب (2/1012)، ((الجامع لمسائل المدونة)) لابن يونس (4/310)، ((المنتقى)) للباجي (2/124)، ((التبصرة)) للخمي (13/6418)، ((المبسوط)) للسرخسي (3/39)، ((البيان والتحصيل)) لابن رشد الجد (7/306)، ((التنبيهـ)) لابن بشير (1/509). ، وبصيغةِ: "الأقَلُّ يَتبَعُ الأكثَرَ" [932] يُنظر: ((الجامع لمسائل المدونة)) لابن يونس (9/269)، ((العناية)) للبابرتي (10/132)، ((لسان الحكام)) لابن الشحنة (ص: 355)، ((إيضاح المسالك)) للونشريسي (1/253)، ونَصَّ ابنُ المَنجورِ على اشتِهارِ هذه الصِّيغةِ عِندَ المالكيَّةِ، فقال: (قاعِدةٌ: المَشهورُ مِن مَذهَبِ مالكٍ أنَّ الأقَلَّ يَتبَعُ الأكثَرَ). ((شرح المنهج المنتخب)) (1/360). ، وبصيغةِ: "حُكمُ الأقَلِّ يَتبَعُ الأكثَرَ" [933] يُنظر: ((التوضيح)) لابن الملقن (17/303). ، وبصيغةِ: "الحُكمُ للأكثَرِ، والأقَلُّ تَبَعٌ له" [934] يُنظر: ((المنتقى)) للباجي (2/124). ، وبصيغةِ: "الأقَلُّ تَبَعٌ للأكثَرِ إلَّا بشَرطٍ" [935] يُنظر: ((التاج والإكليل)) للمواق (6/445). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
غالِبُ الأُصولِ مَبنيَّةٌ على أنَّ الحُكمَ للأكثَرِ، والأقَلُّ تَبَعٌ له، شائِعًا كان أو غَيرَ شائِعٍ، فيَكونُ للأكثَرِ حُكمُ الكُلِّ، ويَكونُ الأقَلُّ في حُكمِ المُلغى.
قال الشَّاطِبيُّ: (للقَليلِ مَعَ الكَثيرِ حُكمُ التَّبَعيَّةِ، ثَبَتَ ذلك في كَثيرٍ مِن مَسائِلِ الشَّريعةِ، وإن لم يَكُنْ بَينَهما تَلازُمٌ في الوُجودِ، ولكِنَّ العادةَ جاريةٌ بأنَّ القَليلَ إذا انضَمَّ إلى الكَثيرِ: في حُكمِ المُلغى قَصدًا، فكان كالمُلغى حُكمًا) [936] ((الموافقات)) (3/453). .
والأقَلُّ تابعٌ للأكثَرِ إلَّا إذا وُجِدَ شَرطٌ يَقتَضي خِلافَ ذلك، بأن يَكونَ لكُلِّ واحِدٍ حُكمُه، فحينَئِذٍ يُعطى للقَليلِ حُكمُه، وللأكثَرِ حُكمُه، وهو ما تُبَيِّنُه صيغةُ: "الأقَلُّ تَبَعٌ للأكثَرِ إلَّا بشَرطٍ" [937] يُنظر: ((الجامع لمسائل المدونة)) لابن يونس (4/310)، ((المنتقى)) للباجي (2/124)، ((المبسوط)) للسرخسي (3/39)، ((البيان والتحصيل)) لابن رشد الجد (7/306)، ((التاج والإكليل)) للمواق (6/445)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/601). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِن قاعِدةِ (الحُكمُ للغالبِ)، ووَجهُ تَفَرُّعِها عنها أنَّ الأكثَرَ هو الغالبُ، فكان الأقَلُّ تابعًا له في الحُكمِ؛ لأنَّ الحُكمَ للغالبِ.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ (الحُكمُ للغالبِ).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ؛ مِنها:
1- صاحِبُ السَّائِمةِ إذا كان يَعلِفُها بَعضَ الحَولِ اعتُبرَ فيه أكثَرُ الحَولِ، فإن كانت سائِمةً في أكثَرِ الحَولِ تَجِبُ فيها الزَّكاةُ، وإلَّا فلا، وهذا لأنَّ الأقَلَّ تَبَعٌ للأكثَرِ، وللأكثَرِ حُكمُ الكُلِّ. وكذلك الضَّأنُ والمَعزُ إذا اجتَمَعا في الزَّكاةِ والغَنَمِ المَأخوذةِ في صَدَقةِ الإبِلِ فالأقَلُّ تَبَعٌ للأكثَرِ [938] يُنظر: ((الجامع لمسائل المدونة)) لابن يونس (4/310)، ((المبسوط)) للسرخسي (3/39). .
2- أنواعُ الأموالِ في الزَّكاةِ فيها تَفصيلٌ: هَل يُراعى كُلُّ نَوعٍ بانفِرادِه ولا يُعتَبَرُ سِواه، أوِ الاعتِبارُ بالغالِبِ، ويَكونُ الأقَلُّ تَبَعًا للأكثَرِ؟ فإنِ اعتَبَرنا الأنواعَ وجَبَ أنْ لا زَكاةَ في البَلحِ الذي لا يَزهو؛ لأنَّه ليسَ مِمَّا في الحَديثِ، ولا هو أصلٌ للعَيشِ، والعِنَبُ الشَّتْويُّ مِن هذا القَبيلِ. وإنِ اعتَبَرنا الغالبَ وَجَبت الزَّكاةُ في البَلَحِ والعِنَبِ الشَّتويِّ؛ لأنَّ الغالبَ مِن ثِمارِ النَّخيلِ والأعنابِ الادِّخارُ، والأقَلُّ تَبَعٌ للأكثَرِ، ويُحكَمُ له بحُكمِه [939] يُنظر: ((مناهج التحصيل)) للرجراجي (2/384). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استِثناءاتٌ:
يُستَثنى مِن هذه القاعِدةِ ما لا يَجوزُ اعتِبارُه إلَّا كامِلًا، فلو وُجِدَ أكثَرُه لا يَكونُ صحيحًا، كالطَّهارةِ، والصَّلاةِ، وقِراءة الفاتِحةِ في الصَّلاةِ، ومَقاديرِ الحُدودِ [940] يُنظر: ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/601). .

انظر أيضا: