الفرعُ السَّادِسُ: النَّادِرُ ليسَ في مَعنى ما تَعُمُّ به البَلوى
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ. استُعمِلَت القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "النَّادِرُ ليسَ في مَعنى ما تَعُمُّ به البَلوى"
[941] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (1/196). ، وبصيغةِ: "الأُمورُ النَّادِرةُ تُلحَقُ بالغالِبِ ولا تُفرَدُ بحُكمٍ يَخُصُّها"
[942] يُنظر: ((الفتاوى الكبرى)) لابن حجر الهيتمي (4/215). ، وبصيغةِ: "النَّادِرُ لا عِبرةَ به ولا يُبتَنى الفِقهُ باعتِبارِه"
[943] يُنظر: ((التقرير والتحبير)) لابن أمير الحاج (2/295). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ. المُرادُ بما تَعُمُّ به البَلوى: أي: يَحتاجُ إليه الكُلُّ حاجةً مُتَأكِّدةً مَعَ كَثرةِ تَكَرُّرِه.
والنَّادِرُ لا عِبرةَ به ولا تُبنى الأحكامُ الفِقهيَّةُ باعتِبارِه؛ لأنَّه لا يَقوى على مُعارَضةِ ما عَمَّت به البَلوى؛ لأنَّ الأُمورَ النَّادِرةَ تُلحَقُ بالأعَمِّ الأغلَبِ، ولا تُفرَدُ بحُكمٍ يَخُصُّها؛ حَيثُ إنَّ الأمرَ الذي عَمَّت به البَلوى يَكونُ السَّالمُ مِنه قَليلًا نادِرًا
[944] يُنظر: ((التقرير والتحبير)) لابن أمير الحاج (2/295)، ((الفتاوى الكبرى)) لابن حجر الهيتمي (4/215)، ((حاشية البجيرمي)) (1/187)، ((مجموعة الرسائل والمسائل النجدية)) (1/405). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِن قاعِدةِ (الحُكمُ للغالبِ)، ووَجهُ تَفَرُّعِها عنها أنَّ النَّادِرَ إذا لم يَكُنْ في مَعنى الكَثيرِ الغالِبِ فليسَ له حُكمٌ، ولا يَقوى على مُعارَضةِ الغالِبِ؛ لأنَّ الحُكمَ للغالبِ.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ. يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ (الحُكمُ للغالبِ).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ. تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ؛ مِنها:
1- إذا انسَدَّ المَخرَجُ المُعتادُ وانفتَحَ آخَرُ، لمَ يُجزِه الاستِجمارُ فيه؛ لأنَّه غَيرُ السَّبيلِ المُعتادِ؛ لأنَّ هذا نادِرٌ بالنِّسبةِ إلى سائِرِ النَّاسِ، فلم تَثبُتْ فيه أحكامُ الفَرجِ، فإنَّه لا يَنقُضُ الوُضوءَ مَسُّه، ولا يَجِبُ بالإيلاجِ فيه حَدٌّ ولا مَهرٌ ولا غُسلٌ، ولا غَيرُ ذلك مِنَ الأحكامِ، فأشبَهَ سائِرَ البَدَنِ
[945] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/218)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/218). .
2- إذا حَصِرَ الإمامُ عنِ القِراءةِ: بأن عَيِيَ وضاقَ صَدرُه، فإن عَجزَ الإمامُ عنِ القِراءةِ بنِسيانِه جَميعَ ما كان يحفَظُ، فلم يَستَطِعْ أن يَقرَأَ، فلا يَستَخلِفُ، بَل يُتِمُّها بدونِ القِراءةِ، كالأُمِّيِّ إذا أمَّ قَومًا أُمِّيِّينَ؛ لأنَّ الحَصَرَ عنِ القِراءةِ نادِرُ الوُجودِ، كالجَنابةِ في الصَّلاةِ، فلم يَكُنْ في مَعنى ما ورَدَ به النَّصُّ مِنَ الحَدَثِ الذي تَعُمُّ به البَلوى؛ حَيثُ إنَّ جَوازَ الاستِخلافِ عُرِف نَصًّا بخِلافِ القياسِ، والنَّصُّ ورَدَ في الحَدَثِ، وهذا ليسَ في مَعنى الحَدَثِ؛ لأنَّ الحَدَثَ مِمَّا تَعُمُّ به البَلوى، ولا يَندُرُ، أمَّا نِسيانُ جَميعِ ما يُحفَظُ فأمرٌ نادِرٌ، فأشبَهَ الجَنابةَ
[946] يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (1/60)، ((العناية)) للبابرتي (1/384). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ. استِثناءاتٌ: يُستَثنى مِن هذه القاعِدةِ ما يَلي:
1- طينُ الطُّرُقاتِ إذا أصابَ قدَمَ المُصَلِّي أو ثَوبَه صَحَّت الصَّلاةُ فيه مَعَ نُدرَتِه، وإن كان فيه نَجاسةٌ. وعِندَ الشَّافِعيَّةِ: يُعفى عن قَليلِه دونَ كَثيرِه
[947] يُنظر: ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (11/1170). ويُنظر أيضًا: ((المنثور)) للزركشي (3/265)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 432). .
2- مَمَرُّ الدَّوابِّ والمَشيُ بالأحذيةِ التي يُجلَسُ بها في المَراحيضِ، فالغالبُ النَّجاسةُ، والنَّادِرُ سَلامَتُها مِنَ النَّجاسةِ، لكِن لمَّا كُنَّا لا نَرى عَينَ النَّجاسةِ ألغى الشَّارِعُ الغالِبَ رَحمةً بالعِبادِ فيُصَلَّى بها مِن غَيرِ غَسلٍ، ولكِن يَدلُكُها في الأرضِ قَبلَ الصَّلاةِ
[948] يُنظر: ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (11/1170). .
انظر أيضا:
عرض الهوامش