موسوعة القواعد الفقهية

الفرعُ الأوَّلُ: الحَملُ على الغالِبِ واجِبٌ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَت القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الحَملُ على الغالِبِ واجِبٌ" [898] يُنظر: ((التقرير والتحبير)) لابن أمير الحاج (1/307)، ((تيسير التحرير)) لأمير بادشاه (1/345)، ((البهجة)) للتسولي (1/229). ، وبصيغةِ: "الحَملُ على الغالِبِ أقوى" [899] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (9/475)، ((البدر التمام)) للحسين المغربي (8/183)، ((سبل السلام)) للصنعاني (6/223)، ((ذخيرة العقبى)) للأثيوبي (29/235). . و"الحَملُ على الغالِبِ أَولى" [900] يُنظر: ((نهاية الوصول)) لصفي الدين الهندي (3/1197)، ((طليعة التنكيل)) للمعلمي (9/227)، ((مذكرة أصول الفقهـ)) لمحمد الأمين الشنقيطي (ص: 504). ، وبصيغةِ: "الحَملُ على الغالِبِ مُقدَّمٌ على الحَملِ على النَّادِرِ" [901] يُنظر: ((التقرير والتحبير)) لابن أمير الحاج (3/79). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ الحَملَ على الغالبِ والأغلَبِ في العاداتِ واجِبٌ، وهو أَولى مِنَ الحَملِ على النَّادِرِ الذي لم يَكثُرْ، وإنَّما يَجِبُ الحَملُ على الغالِبِ بشَرطِ عَدَمِ وُجودِ مُعارِضٍ راجِحٍ، وهذا ما تُؤَيِّدُه صيغةُ: "لا يَلزَمُ الحَملُ على الغالِبِ إلَّا مَعَ عَدَمِ التَّصريحِ بخِلافِه" [902] يُنظر: ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (2/142)، ((جامع التحصيل)) للعلائي (ص: 37)، ((القواعد)) للحصني (2/366)، ((الحاوي للفتاوى)) للسيوطي (1/248). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِن قاعِدةِ (الحُكمُ للغالِبِ)، ووَجهُ تَفَرُّعِها عنها أنَّ وُجوبَ الحَملِ على الغالِبِ حُكمٌ شَرعيٌّ.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ والقَواعِدِ:
1- مِنَ السُّنَّةِ:
عن حَمنةَ بنتِ جَحشٍ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: كُنتُ أُستحاضُ حَيضةً كَثيرةً شَديدةً، فأتَيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أستَفتيه وأُخبرُه... فقال: ((إنَّما هيَ رَكضةٌ مِنَ الشَّيطانِ، فتَحَيَّضي سِتَّةَ أيَّامٍ أو سَبعةَ أيَّامٍ في عِلمِ اللهِ، ثُمَّ اغتَسِلي، فإذا رَأيتِ أنَّك قد طَهُرتِ واستَنقَأتِ فصَلِّي أربَعًا وعِشرينَ ليلةً، أو ثَلاثًا وعِشرينَ ليلةً وأيَّامَها، وصومي وصَلِّي، فإنَّ ذلك يجزِئُكِ، وكذلك فافعَلي، كَما تَحيضُ النِّساءُ وكَما يَطهُرنَ، لميقاتِ حَيضِهنَّ وطُهرِهنَّ... )) [903] أخرجه أبو داود (287)، والترمذي (128) واللفظ له، وأحمد (27474). صَحَّحه الإمامُ أحمد كما في ((المقرر على أبواب المحرر)) (1/140)، وعبد الحق الإشبيلي في ((الأحكام الوسطى)) (1/216)، والنووي في ((المجموع)) (2/377)، وقال البخاري كما في ((سنن الترمذي)) (128)، والترمذي: حَسَنٌ صحيحٌ. .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ في قَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((وكذلك فافعَلي، كَما تَحيضُ النِّساءُ وكَما يَطهُرنَ، لميقاتِ حَيضِهنَّ وطُهرِهنَّ)) رَدًّا إلى غالِبِ الحَيضِ عِندَ النِّساءِ بهذا الأمرِ المُطلَقِ المُقتَضي للوُجوبِ، فوجَبَ عليها أن تَجلِسَ سِتَّةَ أو سَبعةَ أيَّامٍ، فإن قيل: لمَ شُرِع لها هذا؟ فذلك لتَعَذُّرِ العِلمِ عن عادَتِها ومُدَّتِها؛ لكَثرةِ ما يَخرُجُ مِنها مِنَ الدَّمِ غَيرِ المُتَمَيِّزِ، فلا طَريقَ إلى ذلك إلَّا العَمَلُ بغالِبِ عاداتِ قَريباتِها، أو نِساءِ مُجتَمَعِها، والعَمَلُ بالغالِبِ واجِبٌ [904] يُنظر: ((تيسير مسائل الفقهـ)) لعبد الكريم النملة (1/290). .
2- مِنَ القَواعِدِ:
يُستَدَلُّ لها بأدِلَّةِ القاعِدةِ الأُمِّ: (الحُكمُ للغالِبِ).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ؛ مِنها:
1- وُجوبُ إخراجِ زَكاةِ الفِطرِ مِن غالِبِ قوتِ البَلَدِ [905] يُنظر: ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (2/142). .
2- أنَّ مَن مَلكَ التَّصَرُّفَ بجِهاتٍ عَديدةٍ، فأطلقَ عَقدَه، حُمِل على أغلَبِه، كَمَن كان وصيًّا على يَتيمٍ، وقَيِّمًا في مالِ وَلَدِه، ووكيلًا عن غَيرِه، ثُمَّ اشتَرى شَيئًا في الذِّمَّةِ وأطلقَ: انصَرَف ذلك العَقدُ إليه؛ لأنَّه الأغلبُ أوِ الغالبُ مِن تَصَرُّفِه [906] يُنظر: ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (2/142)، ((الفروق)) للقرافي (3/8)، ((القواعد)) للحصني (2/366). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استِثناءاتٌ:
يُستَثنى مِن هذه القاعِدةِ بَعضُ الصُّورِ، كَما سَبَقَ في القاعِدةِ الأُمِّ (الحُكمُ للغالِبِ).

انظر أيضا: