الموسوعة الحديثية


- كُنْتُ أُسْتَحاضُ حَيْضةً كَثيرةً شَديدةً، فأتَيْتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَسْتَفْتيه وأُخبِرُه، فوَجَدْتُه في بَيْتِ أختي زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، فقُلْتُ: يا رَسولَ اللهِ إنِّي امْرَأةٌ أُسْتَحاضُ حَيْضةً كَثيرةً شَديدةً، فما تَرى فيها؟ قد مَنَعَتْني الصَّلاةَ والصَّوْمَ! قالَ: "أَنعَتُ لك الكُرْسُفَ فإنَّه يُذهِبُ الدَّمَ"، قالَتْ: هو أَكثَرُ مِن ذلك، قالَ: "فاتَّخِذي ثَوْبًا"، فقالَتْ هو أَكثَرُ مِن ذلك، قالَتْ: إنَّما أَثُجُّ ثَجًّا، قالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "سآمُرُك بأَمْرَينِ أيَّهما فَعَلْتِ أَجْزَأَ عنك مِن الآخَرِ، وإن قَوِيْتِ عليهما فأنت أَعلَمُ"، فقالَ لها: "إنَّما هذا رَكْضةٌ مِن رَكَضاتِ الشَّيْطانِ، فتَحيَّضي سِتَّةَ أيَّامٍ أو سَبْعةَ أيَّامٍ في عِلمِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، ثُمَّ اغْتَسِلي، حتَّى إذا رَأيْتِ أنَّكِ قد طَهُرْتِ واسْتَيْقَنْتِ فصلِّي ثَلاثًا وعِشْرينَ لَيْلةً أو أرْبَعًا وعِشْرينَ لَيْلةً وأيَّامَها وصومي، فإنَّ ذلك يُجْزِئُك، وكذلك فافْعَلي كلَّ شَهْرٍ كما تَحيضُ النِّساءُ وكما يَطهُرْنَ مِيقاتَ حَيْضِهنَّ وطُهْرِهنَّ، فإن قَوِيْتِ على أن تُؤَخِّري الظُّهْرَ وتُعَجِّلي العَصْرَ فتَغْسِلينَ فتَجْمَعينِ بَيْنَ الصَّلاتَينِ الظُّهْرِ والعَصْرِ، وتُؤَخِّرينَ المَغرِبَ وتُعَجِّلينَ العِشاءَ، ثُمَّ تَغْتَسِلينَ وتَجمَعينَ بَيْنَ الصَّلاتَينِ فافْعَلي، وتَغْسِلينَ معَ الفَجْرِ فافْعَلي، وصومي إن قَدَرْتِ على ذلك". قالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "وهذا أَعجَبُ الأمْرَينِ إليَّ".
خلاصة حكم المحدث : صحيح
الراوي : حمنة بنت جحش | المحدث : عبد الحق الإشبيلي | المصدر : الأحكام الوسطى | الصفحة أو الرقم : 1/ 216
التصنيف الموضوعي: حيض - اتخاذ ثوب للحيض غسل - غسل المستحاضة إحسان - الأخذ بالرخصة حيض - المستحاضة غسل - الأغسال الواجبة والمسنونة
| أحاديث مشابهة
جاءَتِ السُّنَّةُ ببَيانِ أحكامِ الحَيضِ، ومِن تلك الأحكامِ أنَّ الحائِضَ تَترُكُ الصَّلاةَ أيَّامَ حَيضِها حَتَّى تَطهُرَ، ولَكِنَّ بَعضَ النِّساءِ قد تكثُرُ عِندَها فترةُ الحَيضِ لمُدَّةٍ طَويلةٍ، وهو ما يُعرَفُ بالاستِحاضةِ، وهو دَمٌ يَخرُجُ مِنَ المَرأةِ على سَبيلِ المَرَضِ وليس بحَيضٍ، فالحَيضُ هو الدَّمُ الخارِجُ مِنَ المَرأةِ على سَبيلِ الصِّحَّةِ، ويَستَمِرُّ زَمَنًا مَعلومًا، والمُستَحاضةُ لَها أحكامٌ تَخُصُّها؛ فهيَ لا تَمتَنِعُ مِنَ الصَّلاةِ، وقد كان هناكَ بَعضُ الصَّحابيَّاتِ يَستَحِضنَ، ومِنهنَّ حَمنةُ بنتُ جَحشٍ رَضِيَ اللهُ عنها، فسَألَتِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن حالِها، فقالت: كُنتُ أُستَحاضُ حَيضةً كَثيرةً شَديدةً، أي: أنَّ الدَّمَ كان يَخرُجُ مِنها غَزيرًا على خِلافِ دَمِ الحَيضِ، فأتَيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أستَفتيه وأُخبرُه، أي: تَسألُه عن حالِها ماذا تَصنَعُ؟ فوجَدتُه في بَيتِ أُختي زَينَبَ بنتِ جَحشٍ رَضِيَ اللهُ عنها، وهيَ زَوجةُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وجَدَته في بَيتِها في يَومِها، فقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ إنِّي امرَأةٌ أُستَحاضُ حَيضةً كَثيرةً شَديدةً، أي: يَجري دَمي أشَدَّ جَرَيانًا مِن دَمِ الحَيضِ. فما تَرى فيها؟ أي: فماذا أفعَلُ أو بماذا تَأمُرُني في مِثلِ حالَتي؟ قد مَنَعَتني الصَّلاةَ والصَّومَ! أي: أنَّ هذا الدَّمَ قد مَنَعَها مِنَ الصَّلاةِ والصَّومِ؛ لأنَّه مِنَ المَعلومِ أنَّ الحائِضَ لا تُصَلِّي ولا تَصومُ. فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أنعَتُ، أي: أصِفُ، لَكِ الكُرسُفَ، وهو القُطنُ. والمَعنى: أُبَيِّنُ لَكِ القُطنَ فاستَعمِليه، واحْشِي به فرجَكِ لَعَلَّ دَمَكِ يَنقَطِعُ. وإنَّما أمرَها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم باستِعمالِ الكُرسُفِ؛ لأنَّه ظَنَّ أنَّ دَمَها ليس بشَديدِ الجَرَيانِ، فأمَرَها بالتَّحَرُّزِ مِن خُروجِ الدَّمِ بما أمكَنَها، فتَغسِلُ المُستَحاضةُ مَوضِعَ خُروجِ الدَّمِ والمَحَلَّ المُلَوَّثَ به، ثُمَّ تَحشوه بقُطنٍ أو خِرقةٍ ونَحوِها لتَرُدَّ الدَّمَ وتَحبِسَه عنِ الجَرَيانِ والخُروجِ؛ فإنَّه يُذهِبُ الدَّمَ، أي: أنَّ القُطنَ إذا أُحكِمَ حَشوه يَنقَطِعُ الدَّمُ، فقالت: هو أكثَرُ مِن ذلك، أي: الدَّمُ أكثَرُ مِن أن يَنقَطِعَ بالقُطنِ لاشتِدادِه وفَوَرانِه، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فاتَّخِذي ثَوبًا، أي: إن لَم يَكُنِ القُطنُ فاستَعمِلي الثَّوبَ مَكانَه، وهو ما يُسَمَّى بالتَّلَجُّمِ، وهو شَدُّ الفَرجِ، بثَوبٍ مَشقوقًا تَشُدُّ طَرَفيه على جَنبَيها، ووسطَه على الفَرجِ. فقالت: هو أكثَرُ مِن ذلك، أي: حَتَّى لَوِ اتَّخَذَت ثَوبًا فإنَّه كَثيرٌ، إنَّما أثُجُّ ثَجًّا، أي: أصُبُّ صَبًّا، والثَّجُّ: جَريُ الدَّمِ والماءِ جَريًا شَديدًا. فعِندَ ذلك قال لَها رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: سآمُرُكِ بأمرَينِ، أي: بحُكمَينِ أو صِنفَينِ، أيَّهما فَعلتِ أجزَأَ عنكِ مِنَ الآخَرِ، وإن قَوِيتِ، أي: قَدَرتِ عليهما فأنتَ أعلَمُ، أي: أنتِ أعلَمُ بما تَختارينَه مِنهما فاختاري أيَّهما شِئتِ، ثُمَّ قال لَها: إنَّما هذا، أي: الحَيضُ، رَكضةٌ مِن رَكَضاتِ الشَّيطانِ، أي: دفعةٌ وحَرَكةٌ مِن حَرَكاتِه، والرَّكضةُ: ضَربُ الأرضِ بالرِّجلِ، والمَعنى: أنَّ الشَّيطانَ قد وجَدَ بهذه العِلَّةِ طَريقًا إلى التَّلبيسِ عليها في أمرِ دينِها وَقتَ طُهرِها حَتَّى أنساها ذلك عادَتَها وصارَ في التَّقديرِ كَأنَّه رَكضةٌ نالَتها مِن رَكَضاتِه، وقيلَ: هو حَقيقةٌ، وأنَّ الشَّيطانَ ضَربها حَتَّى فَتَق عِرقَها، ومُرادُه أن يُحَيِّرَك في أمرِ دينِك مِنَ الصَّلاةِ والصَّومِ في هذه الحالةِ، ويَأمُرَك بتَركِ الصَّلاةِ وغَيرِها مِنَ العِباداتِ؛ فلا تُطيعيه. فتَحَيَّضي، أي: اجعَلي نَفسَكِ حائِضًا في أيَّامِ الحَيضِ، واترُكي الصَّلاةَ والصَّومَ، والتَزِمي ما يَجِبُ على الحائِضِ سِتَّةَ أيَّامٍ أو سَبعةَ أيَّامٍ. وإنَّما خُصَّ السِّتُّ أوِ السَّبعُ؛ لأنَّها الغالبُ، في عِلمِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، أي: فيما عَلمَ اللهُ مَن أمرِك مِنَ السِّتِّ أوِ السَّبعِ، أي: هذا شَيءٌ بَينَك وبَينَ اللهِ تعالى، واللهُ يَعلَمُ ما تَفعَلينَ مِنَ الإتيانِ بما أمَرتُك أو تَركِه، وقيلَ: في عِلمِ اللهِ، أي: حُكمِ اللهِ تعالى، أي: ما أمَرتُك فهو حُكمُ اللهِ، وقيلَ: في عِلمِ اللهِ، أي: أعلَمَك اللَّهُ مِن عادةِ النِّساءِ مِنَ السِّتِّ أوِ السَّبعِ. ثُمَّ اغتَسِلي، أي: مَرَّةً واحِدةً بَعدَ مُضيِّ السِّتِّ أوِ السَّبعِ، حَتَّى إذا رَأيتِ أنَّك قد طَهُرتِ واستَيقَنتِ، أي: تَيَقَّنتِ مِنَ اليَقينِ، وفي رِوايةٍ: استنقَأْتِ، مِنَ النَّقاءِ، فصَلِّي ثَلاثًا وعِشرينَ لَيلةً، أي: إن كانت أيَّامُ الحَيضِ سَبعًا، أو أربَعًا وعِشرينَ لَيلةَ وأيَّامَها، أي: إن كانت أيَّامُ الحَيضِ سِتًّا، وصومي، أي: ما شِئتِ مِن تَطَوُّعٍ وفريضةٍ؛ فإنَّ ذلك يُجزِئُك، أي: يَكفيك، وكذلك فافعَلي كُلَّ شَهرٍ كما تَحيضُ النِّساءُ وكَما يَطهُرنَ، ميقات حَيضِهنَّ وطُهرِهنَّ، أي: اجعَلي حَيضَكِ بقَدرِ ما تَكونُ عادةُ النِّساء مِن سِتٍّ أو سَبعٍ، وكذلك اجعَلي طُهرَك بقَدرِ ما تَكونُ عادةُ النِّساءِ مِن ثَلاثةٍ وعِشرينَ أو أربَعةٍ وعِشرينَ. وهذا أوَّلُ الأمرَينِ المَأمورِ بهما. وأمَّا الأمرُ الثَّاني فهو أنَّها بمُرورِ السِّتَّةِ أوِ السَّبعةِ أيَّامٍ تَغتَسِلُ للجَمعِ بَينَ صَلاتَيِ الظُّهرِ والعَصرِ غُسلًا واحِدًا، وصَلاتَيِ المَغرِبِ والعِشاءِ غُسلًا واحِدًا، ولصَلاةِ الصُّبحِ غُسلًا على حِدةٍ إن قدَرتِ على ذلك، أي: على الجَمعِ بَينَ الصَّلاتَينِ مَعَ ثَلاثِ غَسَلاتٍ في اليَومِ واللَّيلةِ؛ ولهذا قال: فإن قَوِيتِ على أن تُؤَخِّري الظُّهرَ وتُعَجِّلي العَصرَ فتَغتَسِلينَ فتَجمَعينَ بَينَ الصَّلاتَينِ الظُّهرِ والعَصرِ، وتُؤَخِّرينَ المَغرِبَ وتُعَجِّلينَ العِشاءَ، ثُمَّ تَغتَسِلينَ وتَجمَعينَ بَينَ الصَّلاتَينِ، فافعَلي، أي: أن تُصَلِّي الصَّلَواتِ بطُهرِ الاغتِسالِ، فرَخَّصَ لَها جَمعَ الصَّلَواتِ حَتَّى تُصَلِّي بالاغتِسالِ. وتَغتَسِلينَ مَعَ الفَجرِ فافعَلي، أي: وكَذلك تَغتَسِلينَ لصَلاةِ الفَجرِ، وصُومي إن قدَرتِ على ذلك، أي: إذا قدَرتِ على الاغتِسالِ للصَّلَواتِ فهو أفضَلُ، والصَّومُ مُلحَقٌ بالصَّلاةِ. قال رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: وهذا أعجَبُ الأمرَينِ إليَّ، أي: التَّرَخُّصُ بالجَمعِ بَينَ الصَّلاتَينِ أحَبُّ إليَّ؛ لكَونِه أشَقَّهما، والأجرُ على قَدرِ المَشَقَّةِ، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُحِبُّ ما فيه أجرٌ عَظيمٌ.
وفي الحَديثِ إتيانُ المَرأةِ إلى بَيتِ العالِمِ لتَستَفتيه بنَفسِها.
وفيه تَسَلُّطُ الشَّيطانِ على ابنِ آدَمَ حَتَّى يَمنَعَه مِن صَلاتِه.
وفيه بَيانُ كَيف تَفعَلُ المُستَحاضةُ في أمرِ صَلاتِها.
وفيه مَشروعيَّةُ جَمعِ المُستَحاضةِ للصَّلاتَينِ بغُسلٍ واحِدٍ .
تم نسخ الصورة
أضغط على الصورة لنسخها