موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ الحادي والعِشرونَ: القَضاءُ يَحكي الأداءَ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "القَضاءُ يَحكي الأداءَ" [6331] يُنظر: ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (4/143)، ((الفنون)) لابن عقيل (2/683)، ((العزيز)) للرافعي (3/321)، ((الاختيار)) للموصلي (1/64)، ((الممتع)) لابن المنجى (1/292)، ((شرح عمدة الفقهـ)) لابن تيمية (3/685)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/336)، ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (2/317). ، وصيغةِ: "القَضاءُ يُحاكي الأداءَ" [6332] يُنظر: ((درر الحكام)) لملا خسرو (1/81)، ((حاشية قليوبي)) (1/146). ، وصيغةِ: "القَضاءُ تابِعٌ للأداءِ" [6333] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن رجب (5/100)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/378)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (2/239). ، وصيغةِ: "القَضاءُ مُعتَبَرٌ بالأداءِ" [6334] يُنظر: ((التعليقة الكبيرة)) لأبي يعلى، من الاعتكاف للبيوع (2/280)، ((المبسوط)) للسرخسي (1/226)، ((بحر المذهب)) للروياني (2/333)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/168). ، وصيغةِ: "القَضاءُ كالأداءِ" [6335] يُنظر: ((التعليقة الكبيرة)) لأبي يعلى، من الصلاة للجنائز (4/97)، ((بحر المذهب)) للروياني (2/83)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/469)، ((الفروع)) لابن مفلح (5/354)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (4/80). ، وصيغةِ: "حُكمُ القَضاءِ حُكمُ الأداءِ" [6336] يُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (9/370)، ((الدين الخالص)) لخطاب السبكي (5/44). ، وصيغةِ: "القَضاءُ خَلَفٌ عَنِ الأداءِ" [6337] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/257)، ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (1/182)، ((التنبيهـ)) لابن أبي العز (3/1116). ، وصيغةِ: "يَجِبُ في القَضاءِ ما يَجِبُ في الأداءِ" [6338] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (5/374)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (8/344). ، وصيغةِ: "القَضاءُ يَكونُ على حَسَبِ الأداءِ" [6339] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/76)، ((الدين الخالص)) لخطاب السبكي (4/68). ، وصيغةِ: "القَضاءُ يَكونُ على وَفقِ الأداءِ" [6340] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (5/39)، ((العدة)) لبهاء الدين المقدسي (ص: 179)، ((البناية)) للعيني (2/297). ، وصيغةِ: "القَضاءُ يَكونُ على صِفةِ الأداءِ" [6341] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (13/640)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (8/73)، ((شرح منتهى الإرادات)) لابن النجار (11/176). ، وصيغةِ: "القَضاءُ يَكونُ بصِفةِ الأداءِ" [6342] يُنظر: ((شرح منتهى الإرادات)) لابن النجار (4/28)، ((الروض المربع)) للبهوتي (ص: 249)، ((الفوائد المنتخبات)) لابن جامع (1/522)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (2/285). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
الأداءُ: فِعلُ المَأمورِ به في وقتِه المُقدَّرِ له شَرعًا.
والقَضاءُ: فِعلُ المَأمورِ به بَعدَ خُروجِ وقتِه لفَواتِه فيه، لعُذرٍ أو غَيرِه.
وتُفيدُ القاعِدةُ أنَّ القَضاءَ يَكونُ بمَثابةِ الأداءِ، فيُشابِهه ويُماثِلُه مِن حَيثُ كَيفيَّتُه وطَريقَتُه وهَيئَتُه وصِفَتُه بلا تَغييرٍ، فمَن فاتَته عِبادةٌ واجِبةٌ وجَبَ عليه قَضاؤُها على الصِّفةِ التي كانت عليها فيما يُمكِنُ [6343] يُنظر: ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (4/143)، ((المغني)) لابن قدامة (13/640)، ((الفروع)) لابن مفلح (5/174)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/127)، ((التحفة المكية)) للشاوي (ص: 150). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ:
فعَن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: حُبِسنا يَومَ الخَندَقِ عَنِ الصَّلاةِ، حَتَّى كان بَعدَ المَغرِبِ بهَويٍّ مِنَ اللَّيلِ، حَتَّى كُفينا، وذلك قَولُه: وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا [الأحزاب: 25] ، فدَعا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بلالًا، فأقامَ الصَّلاةَ، فصَلَّى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الظُّهرَ كَأحسَنِ ما كان يُصَلِّيها، ثُمَّ أقامَ فصَلَّى العَصرَ مِثلَ ذلك، ثُمَّ أقامَ فصَلَّى المَغرِبَ مِثلَ ذلك، ثُمَّ أقامَ فصَلَّى العِشاءَ كذلك، قَبلَ أن تَنزِلَ صَلاةُ الخَوفِ فرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا [البقرة: 239] [6344] أخرجه النسائي (661)، وأحمد (11465) واللفظ له. صحَّحه ابن خزيمة في ((صحيحهـ)) (3/187)، وابن حبان في ((صحيحهـ)) (2890)، والنووي في ((المجموع)) (3/83)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (3/317)، والألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (661)، والوادعي على شرط الشيخين في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (382). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَضى الصَّلَواتِ بحَسَبِ تَرتيبِها الواجِبِ فصَلَّى الظُّهرَ أوَّلًا ثُمَّ العَصرَ ثُمَّ المَغرِبَ ثُمَّ العِشاءَ، فدَلَّ على أنَّ القَضاءَ يَحكي الأداءَ، والأداءُ مُرَتَّبٌ فكَذا ما يَحكيه [6345] يُنظر: ((الممتع)) لابن المنجى (1/292)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (2/42). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تحتَ هذه القاعِدةِ بعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- مَن فاتَته صَلاةٌ لَزِمَه قَضاؤُها على الفَورِ مُرَتَّبًا، وكَونُه يَلزَمُه قَضاؤُها مُرَتَّبًا؛ لأنَّ القَضاءَ يَحكي الأداءَ، والأداءُ مُرَتَّبٌ فكَذا ما يَحكيه. ويَسقُطُ التَّرتيبُ بخَشيةِ فواتِ الحاضِرةِ؛ لئَلَّا تَصيرا فائِتَتَينِ، ولِأنَّ تَركَ التَّرتيبِ أيسَرُ مِن تَركِ الوقتِ [6346] يُنظر: ((الممتع)) لابن المنجى (1/292)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (2/42)، ((التحفة المكية)) للشاوي (ص: 151). .
2- مَتى قَضى المُكَلَّفُ الفَوائتَ: إن قَضاها بجَماعةٍ، فإن كانت صَلاةً يُجهَرُ فيها يَجهَرُ فيها الإمامُ بالقِراءةِ، وإن قَضاها وحدَه يَتَخَيَّرُ بَينَ الجَهرِ والمُخافَتةِ، والجَهرُ أفضَلُ، كما في الوقتِ، ويُخافِتُ فيما يُخافَتُ فيه حَتمًا، وكَذا الإمامُ؛ لأنَّ القَضاءَ يَحكي الأداءَ، فلا يُخالِفُه في الوصفِ [6347] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/127)، ((خزانة المفتين)) للسمناقي (ص: 632). .
3- مَن فاتَه شَيءٌ مِنَ التَّكبيرِ في صَلاةِ الجنازةِ حَتَّى سَلَّمَ الإمامُ، يَقضي ما فاتَه على صِفَتِه، والمُرادُ بالقَضاءِ على الصِّفةِ القَضاءُ بالتَّكبيرِ والذِّكرِ المَشروعِ في مَحِلِّه؛ لأنَّ القَضاءَ يَحكي الأداءَ [6348] يُنظر: ((الممتع)) لابن المنجى (1/637)، ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (2/317). .
4- يُستَحَبُّ التَّتابُعُ في قَضاءِ رَمَضانَ وِفاقًا؛ لأنَّ القَضاءَ يَحكي الأداءَ، وفيه خُروجٌ مِنَ الخِلافِ [6349] يُنظر: ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/565). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استثناءاتٌ:
يُستثنى من القاعِدةِ بعضُ الصُّوَرِ، منها:
1- فائِتةُ السَّفَرِ إذا قَضاها في الحَضَرِ يَقضيها أربَعَ رَكَعاتٍ عِندَ الشَّافِعيَّةِ والحَنابِلةِ، مَعَ أنَّ القَضاءَ يَحكي الأداءَ، لَكِن خولِفَتِ القاعِدةُ هنا؛ تَغليبًا لجانِبِ الحَضَرِ؛ لأنَّه أحوطُ. كما أنَّ الرُّخصةَ ارتَبَطَت بوصفٍ، وقد زالَ الوصفُ، فنَرجِعُ إلى العَزيمةِ، فالرُّخصةُ التي هيَ القَصرُ، والتَّخفيفُ مِن أربَعِ رَكَعاتٍ إلى رَكعَتَينِ مَربوطةٌ بوصفٍ، وهو السَّفَرُ، وقد زالَ هذا الوصفُ، فنَرجِعُ إلى الأصلِ [6350] يُنظر: ((التحفة المكية)) للشاوي (ص: 154). .
2- إذا فاتَت صَلاةُ الجُمُعةِ فإنَّ المُكَلَّفَ يُصَلِّيها ظُهرًا قَضاءً [6351] يُنظر: ((المهذب)) للشيرازي (1/206)، ((موسوعة الفقه الإسلامي)) لمحمد التويجري (2/564). .

انظر أيضا: