المَطلَبُ الثَّاني والعِشرونَ: لا يَجوزُ تَركُ الواجِبِ لإحرازِ الفَضيلةِ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "لا يَجوزُ تَركُ الواجِبِ لإحرازِ الفَضيلةِ"
[6352] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (2/46). ، وصيغةِ: "الواجِبُ لا يُترَكُ لأجلِ الفَضيلةِ"
[6353] يُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (1/357). ، وصيغةِ: "الحَقُّ الواجِبُ لا يُترَكُ للفَضيلةِ"
[6354] يُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/210). ، وصيغةِ: "لا يَجوزُ تَركُ الواجِبِ للاستِحبابِ"
[6355] يُنظر: ((قواعد الفقهـ)) للبركتي (ص: 109). ، وصيغةِ: "لا يُترَكُ الواجِبُ لأمرٍ مُستَحَبٍّ"
[6356] يُنظر: ((الإنصاف)) للمرداوي (3/424). ، وصيغةِ: "يُقدَّمُ الواجِبُ على التَّطَوُّعِ"
[6357] يُنظر: ((التلقين)) للقاضي عبد الوهاب (2/219)، ((عقد الجواهر الثمينة)) لابن شاس (3/1221)، ((جامع الأمهات)) لابن الحاجب (ص: 545)، ((التوضيح)) لخليل (8/523)، ((المختصر الفقهي)) لابن عرفة (10/471). ، وصيغةِ: "لا يُترَكُ الواجِبُ لفِعلِ السُّنَّةِ"
[6358] يُنظر: ((رياض الأفهام)) للفاكهاني (2/382)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/494). ، وصيغةِ: "الواجِبُ لا يُترَكُ بالسُّنَّةِ"
[6359] يُنظر: ((العزيز)) للرافعي (2/291)، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (1/202). ، وصيغةِ: "لا يُترَكُ الواجِبُ للنَّفلِ"
[6360] يُنظر: ((إكمال المعلم)) للقاضي عياض (3/553). ، وصيغةِ: "لا يَجوزُ تَركُ الواجِبِ لما ليس بواجِبٍ"
[6361] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (10/224)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (21/421)، ((شرح منتهى الإرادات)) لابن النجار (9/283)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (5/271). ، وصيغةِ: "لا يَجوزُ تَركُ الواجِبِ إلَّا لأمرٍ فوقَه"
[6362] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/224). ، وصيغةِ: "الواجِبُ لا يُترَكُ إلَّا لواجِبٍ"
[6363] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 148). ، وصيغةِ: "ما لا بُدَّ مِنه لا يُترَكُ إلَّا لما لا بُدَّ مِنه"
[6364] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 148). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.تَتَعَلَّقُ هذه القاعِدةُ بفِقه الأولَويَّاتِ؛ فإنَّ الواجِبَ هو ما طَلَبَ الشَّارِعُ فِعلَه طَلَبًا جازِمًا، ويُثابُ فاعِلُه ويُعاقَبُ تارِكُه. وهو أفضَلُ مِنَ النَّفلِ مُطلَقًا، فتُفيدُ القاعِدةُ أنَّ الواجِبَ لا يَجوزُ تَركُه لأجلِ إحرازِ الفَضيلةِ، فلا يَجوزُ تَركُه للاستِحبابِ؛ لأنَّ الواجِبَ لا يَجوزُ تَركُه إلَّا لأمرٍ فوقَه
[6365] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (2/46)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/224)، ((الذخيرة)) للقرافي (1/357)، ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/193)، ((قواعد الفقهـ)) للبركتي (ص: 109)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (2/740). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقُرآنِ الكريمِ، والسُّنَّةِ:
1- مِنَ القُرآنِ:قال اللهُ تعالى:
وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف: 204] .
وَجهُ الدَّلالةِ:تَدُلُّ الآيةُ على أنَّه إذا جَهَرَ الإمامُ بالقُرآنِ كان على المَأمومِ الاستِماعُ والإنصاتُ لقِراءَتِه، ولا يَأتي بدُعاءِ الاستِفتاحِ؛ لأنَّ الاستِماعَ لقِراءةِ الإمامِ والإنصاتَ له فرضٌ، والاستِفتاحَ مُستَحَبٌّ، فلا يُترَكُ الواجِبُ لتَحصيلِ المُستَحَبِّ
[6366] يُنظر: ((الجامع)) للدبيان (2/61). .
2- مِنَ السُّنَّةِ:- عَن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت:
((لَو أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَأى ما أحدَثَ النِّساءُ لَمَنَعَهنَّ المَسجِدَ كما مُنِعَت نِساءُ بَني إسرائيلَ )) [6367] أخرجه البخاري (869)، ومسلم (445) واللفظ له. .
وَجهُ الدَّلالةِ:يَدُلُّ الحَديثُ على أنَّ الجَماعةَ للنِّساءِ في بُيوتِهنَّ أحَبُّ مِنها في المَساجِدِ وغَيرِها، بَل يُكرَهُ حُضورُ الشَّابَّةِ، والكَبيرةِ المُشتَهاةِ، ويُكرَهُ للزَّوجِ تَمكينُها مِنه. وأمَّا حَديثُ ابنِ عُمَرَ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((لا تَمنَعوا إماءَ اللهِ مَساجِدَ اللهِ )) [6368] أخرجه البخاري (900)، ومسلم (442). فالنَّهيُ فيه للتَّنزيهِ؛ لأنَّ الحَقَّ الواجِبَ لا يُترَكُ للفَضيلةِ
[6369] يُنظر: ((أسنى المطالب)) (1/210)، ((الغرر البهية)) (1/404) كلاهما لزكريا الأنصاري. .
- وعَن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنها عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لا تَصومُ المَرأةُ وبَعلُها شاهدٌ إلَّا بإذنِه )) [6370] أخرجه البخاري (5192) واللفظ له، ومسلم (1026). .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ النَّهيَ عَن صَومِ المَرأةِ إلَّا بإذنِ زَوجِها وارِدٌ في صَومِ التَّطَوُّعِ؛ فحَقُّ زَوجِها عليها واجِبٌ، ولا يُترَكُ الواجِبُ للنَّفلِ
[6371] يُنظر: ((إكمال المعلم)) للقاضي عياض (3/553)، ((الفقه الميسر)) لعبدالله الطيار وآخرين (3/29). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.مِنَ الأمثلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- القادِرُ على الوُضوءِ لا يَتَيَمَّمُ لإدراكِ فضيلةِ الجَماعةِ، بَل يَتَوضَّأُ ويُصَلِّي وحدَه، وكَذلك كُلُّ مَن أحدَثَ مَعَ الإمامِ ليس له أن يَتَيَمَّمَ لذلك، وإن فاتَته الجَماعةُ والجُمُعةُ؛ لأنَّ الوُضوءَ شَرطٌ واجِبٌ، والجَماعةَ فضيلةٌ، والواجِبَ لا يُترَكُ لأجلِ الفَضيلةِ
[6372] يُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (1/357). .
2- المُصَلِّي للجُمُعةِ لا يُشَمِّتُ العاطِسَ ولا يَرُدُّ السَّلامَ، ووجهُ المَنعِ أنَّ الإنصاتَ للخُطبةِ أهَمُّ؛ فإنَّه واجِبٌ، والتَّشميتَ لا يَجِبُ؛ لأنَّ تَشميتَ العاطِسِ سُنَّةٌ، والواجِبَ لا يُترَكُ بالسُّنَّةِ، وقد يُترَكُ بواجِبٍ آخَرَ
[6373] يُنظر: ((العزيز)) للرافعي (2/291). .
3- يَجِبُ على الزَّوجةِ أن تَستَأذِنَ زَوجَها إذا أرادَت أن تَعتَكِفَ، وزَوجُها يَحتاجُها؛ لأنَّ استِمتاعَ الزَّوجِ بزَوجَتِه مِلكٌ له، والاعتِكافَ مانِعٌ مِنه، وليس بواجِبٍ في الشَّرعِ؛ فلَم يَجُزْ أن يُفَوَّتَ على الزَّوجِ حَقُّه بغَيرِ إذنِه
[6374] يُنظر: ((مسائل العبادات المختصة بالزوجين)) للؤلؤة السنيدي (ص: 266). .