المَطلَبُ الأوَّلُ: الأصلُ في العِباداتِ التَّوقيفُ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الأصلُ في العِباداتِ التَّوقيفُ"
[6018] يُنظر: ((تحرير الفتاوى)) لابن العراقي (1/315)، ((شرح سنن أبي داود)) لابن رسلان (6/398)، ((منحة الباري)) لزكريا الأنصاري (3/244)، ((فتح الرحمن)) للرملي (ص: 258). ، وصيغةِ: "المُعتَبَرُ في العِباداتِ التَّوقيفُ"
[6019] يُنظر: ((العدة)) لابن العطار (1/565)، ((الإعلام)) لابن الملقن (3/340). ، وصيغةِ: "الأصلُ في العِباداتِ الحَظرُ والمَنعُ حَتَّى يَقومَ دَليلٌ على المَشروعيَّةِ"
[6020] يُنظر: ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (5/259). ، وصيغةِ: "الأصلُ في العِباداتِ البُطلانُ إلَّا ما شَرَعَه اللهُ ورَسولُه"
[6021] يُنظر: ((أحكام أهل الذمة)) لابن القيم (1/486). ، وصيغةِ: "الأصلُ في العِباداتِ البُطلانُ حَتَّى يَقومَ دَليلٌ على الأمرِ"
[6022] يُنظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (2/167). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ الأصلَ في العِباداتِ الحَظرُ إلَّا ما ورَدَ عَنِ الشَّارِعِ تَشريعُه؛ لأنَّ اللَّهَ سُبحانَه لا يُعبَدُ إلَّا بما شَرَعَه على ألسِنةِ رُسُلِه؛ فإنَّ العِبادةَ حَقُّه على عِبادِه، وحَقُّه الذي أحَقَّه هو، ورَضيَ به وشَرَعَه؛ ولِهذا فإنَّه لا يُكَلَّفُ الإنسانُ بعِبادةٍ إلَّا بَعدَ تَشريعِها مِنَ اللهِ تَعالى أو رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وبَيانِ كَيفيَّتِها؛ ولِذلك كانتِ العِباداتُ تَوقيفيَّةً، أي يَتَوقَّفُ الإنسانُ فيها حَتَّى يَأتيَ البَيانُ والكَيفيَّةُ مِنَ الشَّارِعِ مُباشَرةً، ولا يُقاسُ عليها، فمَن شَرَعَ في عِبادةٍ لَم تُنقَلْ عَنِ الشَّارِعِ فهو مُبتَدِعٌ. وإذا تَرَدَّدَ الأمرُ بَينَ كَونِه عِبادةً أو عادةً، فالأصلُ أنَّه عادةٌ حَتَّى يَقومَ دَليلٌ على أنَّه عِبادةٌ
[6023] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (29/17)، ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (2/167)، ((تيسير اللطيف المنان)) (ص: 166)، ((رسالة في أصول الفقه المهمة)) (ص: 105) كلاهما للسعدي، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (2/769). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقُرآنِ الكريمِ، والسُّنَّةِ:
1- مِنَ القُرآنِ:قال اللهُ تعالى:
أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [الشورى: 21] .
وَجهُ الدَّلالةِ:تَدُلُّ الآيةُ على أنَّ الأصلَ في العِباداتِ التَّوقيفُ، فلا يُشرَعُ مِنها إلَّا ما شَرَعَه اللهُ تعالى
[6024] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (29/17). .
2- مِنَ السُّنَّةِ:- عَن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((مَن أحدَثَ في أمرِنا هذا ما ليس مِنه فهو رَدٌّ )) [6025] أخرجه البخاري (2697)، ومسلم (1718) واللفظ له. .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ الحَديثَ ورَدَ في العِباداتِ، وهيَ التي يَقصِدُ الإنسانُ بها التَّعَبُّدَ والتَّقَرُّبَ إلى اللهِ، فيَدُلُّ على أنَّ الأصلَ في العِباداتِ الحَظرُ والمَنعُ حَتَّى يَقومَ دَليلٌ على المَشروعيَّةِ
[6026] يُنظر: ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (5/259). .
- وعَن مالِكِ بنِ الحويرِثِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: أتَينا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ونَحنُ شَبَبةٌ مُتَقارِبونَ، فأقَمنا عِندَه عِشرينَ لَيلةً، فظَنَّ أنَّا اشتَقنا أهلَنا، وسَألَنا عَمَّن تَرَكنا في أهلِنا فأخبَرناه، وكان رَفيقًا رَحيمًا، فقال:
((ارجِعوا إلى أهليكُم فعَلِّموهم ومُروهم، وصَلُّوا كما رَأيتُموني أُصَلِّي، وإذا حَضَرَتِ الصَّلاةُ فليُؤَذِّنْ لَكُم أحَدُكُم، ثُمَّ ليَؤُمَّكُم أكبَرُكُم )) [6027] أخرجه البخاري (6008) واللفظ له، ومسلم (674). .
وَجهُ الدَّلالةِ:قَولُهُ:
((وصَلُّوا كما رَأيتُموني أُصَلِّي)) ورَدَ في الصَّلاةِ إلَّا أنَّه يَدُلُّ على أنَّ العِباداتِ تَوقيفيَّةٌ، أي يَتَوقَّفُ الإنسانُ فيها حَتَّى يَأتيَ البَيانُ والكَيفيَّةُ مِنَ الشَّارِعِ مُباشَرةً، ولا يُقاسُ عليها، فلا يُشرَعُ مِنها إلَّا ما شَرَعَه اللهُ تَعالى ورَسولُه
[6028] يُنظر: ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (2/769). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.تَندَرِجُ تحتَ هذه القاعِدةِ بعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- لا يُشرَعُ الجَهرُ بالنِّيَّةِ للصَّلاةِ؛ بأن يَقولَ: نَويتُ أن أُصَلِّيَ للهِ كَذا وكَذا مُقتَديًا بهذا الإمامِ، فهذا بدعةٌ؛ لأنَّ الأصلَ في العِباداتِ التَّوقيفُ، وليس ذلك مِن هَديِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والنِّيَّةُ مَحَلُّها القَلبُ؛ فهيَ عَمَلٌ قَلبيٌّ لا لسانيٌّ
[6029] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (22/246)، ((الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد)) لصالح الفوزان (ص: 336). .
2- لا يُشرَعُ قَصدُ جَبَلِ عَرَفاتٍ للصُّعودِ عليه ولا الصَّلاةِ فيه ولا الصَّلاةِ عِندَه؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَم يَفعَلْ ذلك، والأصلُ في العِباداتِ التَّوقيفُ حَتَّى يَقومَ دَليلٌ على مَشروعيَّتِها
[6030] يُنظر: ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/531). .
3- الأفضَلُ تَركُ الطَّوافِ وخَتمِ القُرآنِ للمَوتى؛ لعَدَمِ الدَّليلِ عليه، لَكِن تُشرَعُ الصَّدَقةُ عَنِ المَوتى إذا كانوا مُسلِمينَ والدُّعاءُ لَهم، والحَجُّ والعُمرةُ عَنهم، أمَّا الصَّلاةُ عَنهم والطَّوافُ عَنهم والقِراءةُ لَهم فالأفضَلُ تَركُه لعَدَمِ الدَّليلِ عليه، وقد أجازَ ذلك بَعضُ أهلِ العِلمِ قياسًا على الصَّدَقةِ والدُّعاءِ، والأحوطُ تَركُ ذلك؛ لأنَّ الأصلَ في العِباداتِ التَّوقيفُ وعَدَمُ القياسِ
[6031] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (4/334) و(13/259). .