موسوعة القواعد الفقهية

المَبحَثُ الرَّابِعَ عَشَرَ: كُلُّ مَن كان أهلًا للشَّهادةِ يَكونُ أهلًا للقَضاءِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "كُلُّ مَن كان أهلًا للشَّهادةِ يَكونُ أهلًا للقَضاءِ" [6006] يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (3/101). ، وصيغةِ: "كُلُّ مَن كان مِن أهلِ الشَّهادةِ يَكونُ أهلًا للقَضاءِ" [6007] ((العناية)) للبابرتي (7/ 298). ، وصيغةِ: "أهلُ القَضاءِ مَن هو أهلٌ للشَّهادةِ" [6008] يُنظر: ((ملتقى الأبحر)) للحلبي (ص: 210)، ونصُّه: (أهلُه من هو ‌أهلٌ ‌للشَّهادةِ)، ويُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (6/ 283)، ونصُّه: "أهلُهُ أهلُ الشَّهادةِ". .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعدةِ.
الشَّخصُ الذي تَتَوفَّرُ فيه الشُّروطُ المَطلوبةُ ليَكونَ شاهدًا -مِثلُ العَدالةِ والضَّبطِ- يَكونُ مُؤَهَّلًا مِن حَيثُ الأصلُ لتَولِّي القَضاءِ؛ لأنَّ القَضاءَ يَتَطَلَّبُ مُستَوًى أعلى مِنَ العَدالةِ والكَفاءةِ، وهو امتِدادٌ للأهليَّةِ المَطلوبةِ في الشَّهادةِ، ولِكَونِ القَضاءِ يَتَطَلَّبُ مُستَوًى أعلى مِنَ الكَفاءةِ فهناكَ شُروطٌ يَجِبُ تَوافُرُها في القاضي مِنَ العِلمِ والفِطنةِ وغَيرِهما، ولا تُشتَرَطُ في الشَّاهدِ، وهذا يُبَيِّنُ أنَّ القاعِدةَ ليست على إطلاقِها، فليس كُلُّ مَن صَلَحَ شاهدًا صَلَحَ قاضيًا [6009] يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (3/101)، ((العناية)) للبابرتي (7/253)، ((البناية)) للعيني (9/6)، ((فتح القدير)) لابن الهمام (7/253)، ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (8/671). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالإجماعِ والمَعقولِ:
1- مِنَ الإجماعِ:
وممَّن نقلَ الإجماعَ على ذلكَ: ابنُ تيميَّةَ [6010] قال فيمَن يَتَولَّى القَضاءَ: (الأئِمَّةُ مُتَّفِقونَ على أنَّه لا بُدَّ في المُتَولِّي مِن أن يَكونَ عَدلًا أهلًا للشَّهادةِ) ((مجموع الفتاوى)) (28/ 259). .
2- مِنَ المعقولِ:
وهو أنَّ كُلًّا مِنَ القَضاءِ والشَّهادةِ مِن بابِ الوِلايةِ، وهيَ تَنفيذُ القَولِ على الغَيرِ شاءَ أم أبى، وكُلُّ ما يُستَفادُ حُكمُه مِنَ الوِلايةِ مِن حُكمِ الشَّهادةِ فيُشتَرَطُ له شَرائِطُ الشَّهادةِ؛ لأنَّ وِلايةَ القَضاءِ لَمَّا كانت أعَمَّ أو أكمَلَ مِن وِلايةِ الشَّهادةِ أو مُرَتَّبةً عليها، كانت أولى باشتِراطِها [6011] يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (3/101)، ((العناية)) للبابرتي (7/253). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعدةِ.
مِنَ الأمثلةِ على هذه القاعدةِ:
1- الفاسِقُ لا يَجوزُ قَضاؤُه كما لا تُقبَلُ شَهادَتُه عِندَ الجُمهورِ، وعِندَ الحَنَفيَّةِ تُقبَلُ شَهادةُ الفاسِقِ، فيَجوزُ تَولِّيه القَضاءَ [6012] يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (3/101)، ((التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب)) لخليل (7/389)، ((كفاية الأخيار)) للحصني (ص: 549)، ((النظام القضائي في الفقه الإسلامي)) لمحمد رأفت عثمان (ص: 170). .
2- الصَّبيُّ والمَجنونُ لَيسا أهلًا للشَّهادةِ، فلا يَكونانِ أهلًا للقَضاءِ، فمِن ثَمَّ يُشتَرَطُ في القاضي البُلوغُ والعَقلُ، ولأنَّ الصَّبيَّ والمَجنونَ لا يَنفُذُ قَولُهما في أنفُسِهما، فلأن لا يَنفُذَ قَولُهما في غَيرِهما بطَريقِ الأولى، ولأنَّ الصَّبيَّ والمَجنونَ يَستَحِقَّانِ الحَجرَ عليهما، والقاضي يَحِقُّ له الحَجرُ على غَيرِه؛ فبَينَ حالَيهما وبَينَ حالِه مُنافاةٌ [6013] يُنظر: ((الممتع)) لابن المنجي (4/517)، ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (7/236)، ((التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب)) لخليل (7/388)، ((كفاية الأخيار)) للحصني (ص: 549). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استثناءاتٌ:
1- مَنعُ تَولِّي المَرأةِ القَضاءَ، فهيَ أهلٌ للشَّهادةِ وليست أهلًا للقَضاءِ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ [6014] يُنظر: ((الهداية)) للكلوذاني (ص: 565)، ((المقدمات الممهدات)) لابن رشد الجد (2/259)، ((منهاج الطالبين)) للنووي (ص: 336)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (6/262). ، وحُكِيَ فيه الإجماعُ [6015] قال القَرافيُّ: (لَم يُسمَعْ في عَصرٍ مِنَ الأعصارِ أنَّ امرَأةً وليَتِ القَضاءَ، فكان ذلك إجماعًا). ((الذخيرة)) (10/ 22). ويُنظر أيضًا: ((الأحكام السلطانية)) للماوردي (ص: 110). ، ولكن خالف في ذلك الحنفيَّةُ وغيرُهم [6016] يُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (7/ 5). ويُنظر أيضًا: ((الأحكام السلطانية)) للماوردي (ص: 110). .
2- العامِّيُّ الجاهلُ: فهو أهلٌ للشَّهادةِ، وليس أهلًا للقَضاءِ [6017] يُنظر: ((منحة العلام)) لعبد الله الفوزان (9/ 445). ويُنظر أيضًا: ((بغية المقتصد)) للوائلي (16/ 9928- 9931). .

انظر أيضا: