موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ الخامِسُ: بَقاءُ العِبادةِ ببَقاءِ رُكنِها


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "بَقاءُ العِبادةِ ببَقاءِ رُكنِها" [6074] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (3/57). ، وصيغةِ: "لا بَقاءَ للعِبادةِ مَعَ فواتِ رُكنِها" [6075] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (3/79). ، وصيغةِ: "الشَّيءُ لا يَبقى مَعَ فواتِ رُكنِه" [6076] يُنظر: ((الكافي)) للسغناقي (4/1684)، ((البناية)) للعيني (4/108)، ((الإبداع)) لعلي محفوظ (ص: 136). ، وصيغةِ: "الشَّيءُ لا يوجَدُ مَعَ فواتِ رُكنِه" [6077] يُنظر: ((الكافي)) للسغناقي (4/1763). ، وصيغةِ: "انتِقاضُ الشَّيءِ عِندَ فواتِ رُكنِه أمرٌ ضَروريٌّ" [6078] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/90). ، وصيغةِ: ""أداءُ العِبادةِ بَعدَ فواتِ رُكنِها لا يَتَحَقَّقُ" [6079] يُنظر: ((أصول السرخسي)) (2/153). ، وصيغةِ: "بُطلانُ الشَّيءِ بفَواتِ رُكنِه يَستَوي فيه الكَثيرُ والقَليلُ" [6080] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/115). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
رُكنُ العِبادةِ: ما لا تَتِمُّ العِبادةُ إلَّا به.
فتُفيدُ القاعِدةُ أنَّ العِبادةَ تَبقى صَحيحةً مُجزِئةً ببَقاءِ رُكنِها، وتَبطُلُ بفَواتِ رُكنِها، والرُّكنُ يَفوتُ بعَدَمِ الأداءِ، وانتِقاضُ الشَّيءِ وفَسادُه عِندَ فواتِ رُكنِه أمرٌ ضَروريٌّ، ويَستَوي في ذلك القَليلُ والكَثيرُ، وهذه القاعِدةُ تَشمَلُ العِباداتِ وغَيرَها، فالشَّيءُ لا يَبقى مَعَ فواتِ رُكنِه، سَواءٌ كان ذلك نِسيانًا أو عَمدًا [6081] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (3/57، 79)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/90 و115)، ((شرح المقنع)) للبهاء المقدسي (2/450)، ((الكافي)) للسغناقي (4/1684)، ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (3/320). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ:
فعَن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن صَلَّى صَلاةً لَم يَقرَأْ فيها بأُمِّ القُرآنِ فهيَ خِداجٌ -ثَلاثًا- غَيرُ تَمامٍ)) [6082] أخرجه مسلم (395). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الخِداجَ يُطلَقُ على النَّقصِ الذَّاتيِّ، أيِ النَّقصِ الحاصِلِ بفَواتِ رُكنِ الشَّيءِ وجُزئِه، لا على النَّقصِ الوصفيِّ، أيِ الحاصِلِ بفَواتِ وصفٍ مِن أوصافِ الشَّيءِ. وظاهرٌ أنَّ الصَّلاةَ إذا صارَت خِداجًا صارَت باطِلةً [6083] يُنظر: ((ذخيرة العقبى)) للأثيوبي (11/601). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تحتَ هذه القاعِدةِ بعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- إذا تَرَكَ المُصَلِّي السَّجدةَ الأصليَّةَ ناسيًا بَطَلَت صَلاتُه؛ لأنَّ الشَّيءَ لا يَبقى مَعَ فواتِ رُكنِه، سَواءٌ كان فواتُ الرُّكنِ ناسيًا أو عامِدًا [6084] يُنظر: ((الكافي)) للسغناقي (4/1684). .
2- إذا خَرَجَ المُعتَكِفُ مِنَ المَسجِدِ بغَيرِ حاجةٍ بَطَلَ اعتِكافُه، ولَو كان خُروجُه قَليلًا لفَواتِ الرُّكنِ؛ فإنَّ بُطلانَ الشَّيءِ بفَواتِ رُكنِه يَستَوي فيه الكَثيرُ والقَليلُ [6085] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/115). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استثناءٌ:
يُستَثنى مِنَ القاعِدةِ بَعضُ الصُّورِ، مِنها: أنَّ الشَّرعَ حَكَمَ ببَقاءِ صَومِ النَّاسي مَعَ فواتِ رُكنِه، فكان النَّاسي مَخصوصًا بهذا الحُكمِ؛ لقَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن نَسيَ وهو صائِمٌ فأكَلَ أو شَرِبَ فليُتِمَّ صَومَه؛ فإنَّما أطعَمَه اللهُ وسَقاه )) [6086] أخرجه البخاري (1933)، ومسلم (1155) واللفظُ له من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. ، فلا يجوزُ قياسُ غَيرِه عليه [6087] يُنظر: ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (3/309)، ((الإبداع)) لعلي محفوظ (ص: 136). .

انظر أيضا: