المَطلَبُ السَّادِسُ: العِبادةُ بدونِ شَرطِها لا تَصِحُّ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "العِبادةُ بدونِ شَرطِها لا تَصِحُّ"
[6088] يُنظر: ((فيض القدير)) للمناوي (5/19). ، وصيغةِ: "العِبادةُ لا تَبقى بدونِ شُروطِها كما لا تَبقى بدونِ رُكنِها"
[6089] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (3/118). ، وصيغةِ: "العِبادةُ بدونِ شَرطِها فاسِدةٌ حَرامٌ"
[6090] يُنظر: ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (1/262). ، وصيغةِ: "الشُّروعُ في العِبادةِ بدونِ شَرطِها لا يَصِحُّ"
[6091] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/109). ، وصيغةِ: "فِعلُ العِبادةِ بغَيرِ شَرطِها مُمتَنِعٌ"
[6092] يُنظر: ((شرح الإلمام)) لابن دقيق العيد (3/579). ، وصيغةِ: "فواتُ شَرطِ الشَّيءِ كَفَواتِ رُكنِه في امتِناعِ العَمَلِ به"
[6093] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (17/40). ، وصيغةِ: "فواتُ الشَّرطِ يَقتَضي عَدَمَ المَشروطِ"
[6094] يُنظر: ((الفروق)) للقرافي (3/86). ، وصيغةِ: المَشروطُ يَفوتُ بفَواتِ شَرطِه"
[6095] يُنظر: ((كفاية الأخيار)) للحصني (ص: 121). ، وصيغةِ: "كُلُّ قُربةٍ بدونِ شَرطِها ففِعلُها حَرامٌ"
[6096] يُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/502). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ العِبادةَ لا تَصِحُّ بدونِ شَرطِها المَقدورِ عليه، فمَتى كان شَرطًا مَقدورًا عليه وجَبَ على المُكَلَّفِ الاشتِغالُ بتَحصيلِه، ويَحرُمُ أداءُ العِبادةِ بدونِ شَرطِها المَقدورِ عليه، فالتَّقَرُّبُ إلى اللهِ تَعالى بما ليس بقُربةٍ، أو بقُربةٍ بدونِ شَرطِها، كَصَلاةِ الحائِضِ، أو جُزئِها كَصيامِ نِصفِ يَومٍ: مَعصيةٌ؛ لأنَّه سوءُ أدَبٍ مَعَ اللهِ تَعالى. وإذا كانتِ العِبادةُ مَشروطةً بشَرطٍ، فعَمِلَ بها المُكَلَّفُ دونَ شَرطِها؛ لَم تَكُنْ عِبادةً على وجهِها، كالمُخِلِّ قَصدًا بشَرطٍ مِن شُروطِ الصَّلاةِ؛ مِثلُ استِقبالِ القِبلةِ، أوِ الطَّهارةِ، أوِ غَيرِها، بحَيثُ عَرَفَ بذلك وعَلِمَه فلَم يَلتَزِمْه
[6097] يُنظر: ((المستصفى)) للغزالي (ص: 223)، ((العدة)) لبهاء الدين المقدسي (ص: 60)، ((الذخيرة)) للقرافي (4/75)، ((تحقيق المراد)) للعلائي (ص: 205)، ((الاعتصام)) للشاطبي (2/146)، ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (1/286). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ:
1- عَن عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ:
((لا تُقبَلُ صَلاةٌ بغَيرِ طُهورٍ، ولا صَدَقةٌ مِن غُلولٍ )) [6098] أخرجه مسلم (224). .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ قَولَه:
((لا تُقبَلُ صَلاةٌ بغَيرِ طُهورٍ)) ظاهرٌ في نَفيِ صِحَّةِ الصَّلاةِ عِندَ عَدَمِ الشَّرطِ
[6099] يُنظر: ((المستصفى)) للغزالي (ص: 223). .
2- عَن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه
((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دَخَلَ المَسجِدَ، فدَخَلَ رَجُلٌ فصَلَّى، فسَلَّمَ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فرَدَّ، وقال: «ارجِعْ فصَلِّ؛ فإنَّكَ لَم تُصَلِّ» فرَجَعَ يُصَلِّي كما صَلَّى، ثُمَّ جاءَ فسَلَّمَ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: «ارجِعْ فصَلِّ؛ فإنَّكَ لَم تُصَلِّ» ثَلاثًا، فقال: والذي بَعَثَكَ بالحَقِّ ما أُحسِنُ غَيرَه، فعَلِّمْني. فقال: «إذا قُمتَ إلى الصَّلاةِ فكَبِّرْ، ثُمَّ اقرَأْ ما تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرآنِ، ثُمَّ اركَعْ حَتَّى تَطمَئِنَّ راكِعًا، ثُمَّ ارفَعْ حَتَّى تَعتَدِلَ قائِمًا، ثُمَّ اسجُدْ حَتَّى تَطمَئِنَّ ساجِدًا، ثُمَّ ارفَعْ حَتَّى تَطمَئِنَّ جالِسًا، وافعَلْ في صَلاتِكَ كُلِّها )) [6100] أخرجه البخاري (757) واللفظ له، ومسلم (397). .
وَجهُ الدَّلالةِ:في قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((ثُمَّ اركَعْ حَتَّى تَطمَئِنَّ راكِعًا)) وقَولِه:
((ثُمَّ ارفَعْ حَتَّى تَطمَئِنَّ جالِسًا))؛ حَيثُ دَلَّ أنَّ الطُّمَأنينةَ شَرطٌ في الرُّكوعِ والسُّجودِ؛ لأنَّه قَبلَ ذلك في حُكمِ مَن لَم يَركَعْ ولَم يَسجُدْ
[6101] يُنظر: ((عيون الأدلة)) لابن القصار (4/356)، ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (1/262). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.تَندَرِجُ تحتَ هذه القاعِدةِ بعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- الطَّهارةُ شَرطٌ في صِحَّةِ الصَّلاةِ، والصَّلاةُ بدونِ شَرطِها فاسِدةٌ وغَيرُ مَأمورٍ بها، فلا تَبقى الصَّلاةُ بدونِ شَرطِها
[6102] يُنظر: ((شرح التلقين)) للمازري (1/651)، ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (2/183). .
2- إذا استَدبَرَ المُصَلِّي القِبلةَ بَطَلَت صَلاتُه، كما لَو أحدَثَ؛ إذِ المَشروطُ يَفوتُ بفَواتِ شَرطِه
[6103] يُنظر: ((كفاية الأخيار)) للحصني (ص: 121). .
3- إذا نَوى الصَّائِمُ الإفطارَ أفطَرَ؛ لأنَّ الصَّومَ عِبادةٌ مِن شَرطِها النِّيَّةُ، فإذا نَوى الخُروجَ مِنها فسَدَت كالصَّلاةِ، وهذا لأنَّ الأصلَ اعتِبارُ النِّيَّةِ في جَميعِه؛ لأنَّ كُلَّ عِبادةٍ يُشتَرَطُ لَها النِّيَّةُ يُشتَرَطُ استِصحابُها، فإذا قَطَعَها في أثنائِه خَلا ذلك الجُزءُ عَنِ النِّيَّةِ، ففَسَدَ الكُلُّ لفَواتِ الشَّرطِ
[6104] يُنظر: ((شرح المقنع)) للبهاء المقدسي (2/205)، ((الممتع)) لابن المنجى (1/336). .