المَطلَبُ السَّابِعُ: الفَضيلةُ المُتَعَلِّقةُ بنَفسِ العِبادةِ أفضَلُ مِنَ الفَضيلةِ المُتَعَلِّقةِ بمَكانِها أو زَمانِها
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الفَضيلةُ المُتَعَلِّقةُ بنَفسِ العِبادةِ أفضَلُ مِنَ الفَضيلةِ المُتَعَلِّقةِ بمَكانِها أو زَمانِها"
[6105] يُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/210)، ((إعانة الطالبين)) للدمياطي (2/8). ، وصيغةِ: "الفَضيلةُ المُتَعَلِّقةُ بنَفسِ العِبادةِ أولى مِنَ الفَضيلةِ المُتَعَلِّقةِ بمَكانِها"
[6106] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/53)، ((التيسير)) للمناوي (1/186). ، وصيغةِ: "المُحافَظةُ على الفَضيلةِ المُتَعَلِّقةِ بالعِبادةِ أولى مِنَ المُحافَظةِ على الفَضيلةِ المُتَعَلِّقةِ بمَكانِها"
[6107] يُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/210)، ((فتاوى الرملي)) (1/252)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/467). ، وصيغةِ: "الفَضيلةُ المُتَعَلِّقةُ بنَفسِ العِبادةِ أولى بالمُحافَظةِ"
[6108] يُنظر: ((بداية المحتاج)) لابن قاضي شهبة (1/661). ، وصيغةِ: "الفَضيلةُ المُتَعَلِّقةُ بنَفسِ العِبادةِ أولى بالرِّعايةِ"
[6109] يُنظر: ((العزيز)) للرافعي (3/403). ، وصيغةِ: ""الفَضيلةُ المُتَعَلِّقةُ بنَفسِ العِبادةِ أولى"
[6110] يُنظر: ((النجم الوهاج)) للدميري (3/493). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.اشتَهَرَ استِعمالُ هذه القاعِدةِ عِندَ الشَّافِعيَّةِ، وهيَ تُفيدُ أنَّه إذا تَعارَضَ في حَقِّ المُكَلَّفِ عَمَلانِ: أحَدُهما يَتَعَلَّقُ فضلُه بذاتِ العِبادةِ، والآخَرُ يَتَعَلَّقُ فضلُه بمَكانِ العِبادةِ أو زَمانِها؛ فإنَّه يُقدَّمُ الفِعلُ المُتَعَلِّقُ بذاتِ العِبادةِ؛ لأنَّها الأصلُ، فالعَمَلُ الوارِدُ في نَفسِ العِبادةِ أفضَلُ مِنَ المَكانِ أوِ الزَّمانِ الذي ارتَبَطَت به العِبادةُ، فتَكونُ المُحافَظةُ على الفَضيلةِ المُتَعَلِّقةِ بنَفسِ العِبادةِ أولى
[6111] يُنظر: ((المنثور)) (3/53)، ((إعلام الساجد)) (ص: 100) كلاهما للزركشي، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 147)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/210)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (2/738)، ((الرسالة الندية)) لمصيلحي (ص: 103). .
قال النَّوويُّ: (قاعِدةٌ مُهمَّةٌ صَرَّحَ بها جَماعةٌ مِن أصحابِنا، وهيَ مَفهومةٌ مِن كَلامِ الباقينَ، وهيَ أنَّ المُحافَظةَ على فضيلةٍ تَتَعَلَّقُ بنَفسِ العِبادةِ أولى مِنَ المُحافَظةِ على فضيلةٍ تَتَعَلَّقُ بمَكانِ العِبادةِ)
[6112] ((المجموع)) (3/197). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ:
فعَن زَيدِ بنِ ثابِتٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اتَّخَذَ حُجرةً -قال: حَسِبتُ أنَّه قال:- مِن حَصيرٍ في رَمَضانَ، فصَلَّى فيها لَياليَ، فصَلَّى بصَلاتِه ناسٌ مِن أصحابِه، فلَمَّا عَلِمَ بهم جَعَلَ يَقعُدُ، فخَرَجَ إلَيهم فقال:
((قد عَرَفتُ الذي رَأيتُ مِن صَنيعِكُم، فصَلُّوا أيُّها النَّاسُ في بُيوتِكُم؛ فإنَّ أفضَلَ الصَّلاةِ صَلاةُ المَرءِ في بَيتِه إلَّا المَكتوبةَ )) [6113] أخرجه البخاري (731) واللفظ له، ومسلم (781). .
وَجهُ الدَّلالةِ:يَدُلُّ قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((فإنَّ أفضَلَ الصَّلاةِ صَلاةُ المَرءِ في بَيتِه إلَّا المَكتوبةَ )) على أنَّ الفَضيلةَ المُتَعَلِّقةَ بنَفسِ العِبادةِ أولى مِنَ الفَضيلةِ المُتَعَلِّقةِ بمَكانِها؛ إذِ النَّافِلةُ في البَيتِ فضيلةٌ تَتَعَلَّقُ بها؛ فإنَّه سَبَبٌ لتَمامِ الخُشوعِ والإخلاصِ؛ فلِذلك كانت صَلاتُه في بَيتِه أفضَلَ مِنها في مَسجِدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
[6114] يُنظر: ((التيسير)) للمناوي (1/186). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.تَندَرِجُ تحتَ هذه القاعِدةِ بعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- الصَّلاةُ في الصَّفِّ الأوَّلِ في المَسجِدِ النَّبَويِّ أفضَلُ مِنَ الصَّلاةِ في الرَّوضةِ الشَّريفةِ
[6115] يُنظر: ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (2/738). .
2- الصَّلاةُ في الدَّورِ الأسفَلِ مِنَ المَسجِدِ أفضَلُ مِنَ الصَّلاةِ في الدَّورِ العُلويِّ؛ لأنَّها أقرَبُ إلى الإمامِ، والدُّنوُّ مِنَ الإمامِ أفضَلُ مِنَ البُعدِ عَنه، لَكِن إذا اقتَرَنَ بالصَّلاةِ في الأعلى نَشاطُ الإنسانِ فنَشِطَ، ويَرى أنَّه يَخشَعُ أكثَرَ، فإنَّ هذا أفضَلُ؛ وذلك لأنَّ المُحافَظةَ على الفَضيلةِ المُتَعَلِّقةِ بالعِبادةِ أولى مِنَ المُحافَظةِ على الفَضيلةِ المُتَعَلِّقةِ بمَكانِها
[6116] يُنظر: ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (13/24). .
3- صَلاةُ الفَرضِ في كُلِّ المَساجِدِ أفضَلُ مِن غَيرِ المَسجِدِ، ولَكِن لَو كان هناكَ مَسجِدٌ ليس فيه جَماعةٌ، وهناكَ جَماعةٌ في غَيرِ مَسجِدٍ، فصَلاتُه مَعَ الجَماعةِ في غَيرِ المَسجِدِ أفضَلُ مِن صَلاتِه مُنفَرِدًا في المَسجِدِ
[6117] يُنظر: ((المجموع)) للنووي (3/197). ويُنظر أيضًا: ((العزيز)) للرافعي (3/403)، ((المنثور)) للزركشي (3/53)، ((بداية المحتاج)) لابن قاضي شهبة (1/661)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 147). .
4- القُربُ مِنَ الكَعبةِ في الطَّوافِ مُستَحَبٌّ للطَّائِفِ، والرَّمَلُ مُستَحَبٌّ، ولا نَظَرَ إلى كَثرةِ الخُطى لَو تَباعَدَ، فلَو تَعَذَّرَ الرَّمَلُ مَعَ القُربِ لزَحمةِ النَّاسِ فالبُعدُ عَنِ البَيتِ والمُحافَظةُ على الرَّمَلِ أولى؛ لأنَّ القُربَ فضيلةٌ تَتَعَلَّقُ بمَوضِعِ العِبادةِ، والرَّمَلَ فضيلةٌ تَتَعَلَّقُ بنَفسِ العِبادةِ، والفَضيلةُ المُتَعَلِّقةُ بنَفسِ العِبادةِ أولى بالرِّعايةِ
[6118] يُنظر: ((العزيز)) للرافعي (3/403)، ((النجم الوهاج)) للدميري (3/493)، ((بداية المحتاج)) لابن قاضي شهبة (1/661). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.استثناءاتٌ:يُستثنى من القاعِدةِ بعضُ الصُّوَرِ، منها:
1- الجَماعةُ القَليلةُ في المَسجِدِ القَريبِ -إذا خُشيَ التَّعطيلُ لَو لَم يَحضُرْ فيه- أفضَلُ مِنَ الكَثيرةِ في غَيرِه؛ فمَن بجِوارِه مَسجِدٌ تَتَعَطَّلُ الجَماعةُ فيه إذا صَلَّى في جَماعةٍ كَثيرةٍ في غَيرِه، فإنَّ إقامَتَها فيه أفضَلُ
[6119] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/54)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 147). .
2- إذا كان في حاشيةِ المَطافِ حَولَ الكَعبةِ نِساءٌ، ولَم يَأمَنِ الطَّائِفُ مُصادَمَتَهنَّ لَو تَباعَدَ مِن أجلِ الرَّمَلِ، فالقُربُ مِنَ البَيتِ والسَّكينةُ أولى مِنَ البُعدِ والرَّمَلِ؛ تَحَرُّزًا عَن مُصادَمَتِهنَّ ومُلامَسَتِهنَّ
[6120] يُنظر: ((العزيز)) للرافعي (3/404)، ((النجم الوهاج)) للدميري (3/493). .