المَطلَبُ الثَّامِنُ: كُلُّ عِبادةٍ مُؤَقَّتةٍ فالأفضَلُ تَعجيلُها أوَّلَ الوقتِ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "كُلُّ عِبادةٍ مُؤَقَّتةٍ فالأفضَلُ تَعجيلُها أوَّلَ الوقتِ"
[6121] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 398)، ((التيسير)) للمناوي (1/73)، ((السراج المنير)) للعزيزي (1/90)، ((منتهى السؤل)) للحجي (3/67). ، وصيغةِ: "تَعجيلُ العِبادةِ في أوَّلِ وقتِها أفضَلُ عِندَ القُدرةِ"
[6122] يُنظر: ((بحر المذهب)) للروياني (3/406). ، وصيغةِ: ""تَعجيلُ الطَّاعاتِ أفضَلُ مِن تَأخيرِها ما لَم تَقُمِ الدَّلالةُ على فضيلةِ التَّأخيرِ""
[6123] يُنظر: ((أحكام القرآن)) للجصاص (1/111). ، وصيغةِ: "تَقديمُ العِبادةِ في أوَّلِ وقتِها أفضَلُ"
[6124] يُنظر: ((المهذب)) للشيرازي (1/370)، ((المجموع)) للنووي (7/185). ، وصيغةِ: "تَقديمُ العِباداتِ أوَّلَ وقتِها أفضَلُ مِن تَأخيرِها"
[6125] يُنظر: ((تفسير القاسمي)) (4/161). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ تَعجيلَ الطَّاعاتِ أفضَلُ مِن تَأخيرِها ما لَم تَقُمِ الدَّلالةُ على فضيلةِ التَّأخيرِ، فكُلُّ عِبادةٍ مُؤَقَّتةٍ بوقتٍ فالأفضَلُ تَعجيلُها أوَّلَ وقتِها عِندَ القُدرةِ، إذا تَيَقَّنَ المُكَلَّفُ أو غَلَبَ على ظَنِّه دُخولُ الوقتِ؛ وذلك لما يَعرِضُ للآدَميِّينَ مِنَ الأشغالِ والنِّسيانِ والعِلَلِ التي لا تَخفى
[6126] يُنظر: ((الرسالة)) للشافعي (ص: 289)، ((أحكام القرآن)) للجصاص (1/111)، ((بحر المذهب)) للروياني (3/406)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (2/31)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 398)، ((التيسير)) للمناوي (1/73). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقُرآنِ الكريمِ، والسُّنَّةِ، والإجماعِ:
1- مِنَ القُرآنِ:- قال اللهُ تعالى:
فاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [البقرة: 148] .
وَجهُ الدَّلالةِ:أمَرَ اللهُ تَعالى بالتَّسابُقِ في الخَيراتِ، فدَلَّ على أنَّ تَقديمَ العِباداتِ أوَّلَ وقتِها أفضَلُ مِن تَأخيرِها
[6127] يُنظر: ((تفسير القاسمي)) (4/161). .
- وقال اللهُ سُبحانَه:
حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ [البقرة: 238] .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ المُحافَظةَ على الشَّيءِ: تَعجيلُه؛ لأنَّ المُحافَظةَ لا تَحصُلُ إلَّا بالتَّعجيلِ، ليَأمَنَ الفَوتَ بالنِّسيانِ وسائِرِ الأشغالِ، فتَدُلُّ الآيةُ على أنَّ مَن قدَّمَ الصَّلاةَ في أوَّلِ وقتِها كان أولى بالمُحافَظةِ عليها مِمَّن أخَّرَها عَن أوَّلِ الوقتِ وعَرَّضَها بالتَّأخيرِ للنِّسيانِ، ولِكَثيرٍ مِمَّا يَعرِضُ مِنَ الأشغالِ التي تَحولُ بَينَ المَرءِ وبَينَ تَأديَتِها
[6128] يُنظر: ((أحكام القرآن للشافعي)) جمع البيهقي (1/59)، ((الرسالة)) للشافعي (ص: 289)، ((الأوسط)) لابن المنذر (3/50)، ((مفاتيح الغيب)) للرازي (4/115). .
- وقال اللهُ عزَّ وجَلَّ:
قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لتَرْضَى [طه: 84] .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ قَولَه:
وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لتَرْضَى يَدُلُّ على أنَّ تَعجيلَ العِبادةِ في أوَّلِ وقتِها سَبَبُ الرِّضوانِ
[6129] يُنظر: ((الغرة المنيفة)) للغزنوي (ص: 31). .
2- مِنَ السُّنَّةِ:- عَن عَبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سَألتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أيُّ العَمَلِ أفضَلُ؟ قال:
((الصَّلاةُ لوقتِها)) [6130] أخرجه البخاري (7534)، ومسلم (85) واللفظ له. .
وَجهُ الدَّلالةِ:يَدُلُّ الحَديثُ على استِحبابِ تَعجيلِ الصَّلاةِ في أوائِلِ أوقاتِها
[6131] يُنظر: ((الأوسط)) لابن المنذر (3/49). .
- وعَنِ المُغيرةِ بنِ شُعبةَ رضي اللهُ عنه أنَّه غَزا مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تَبوكَ. قال:
((فتَبَرَّزَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قِبَلَ الغائِطِ، فحَمَلتُ مَعَه إداوةً قَبلَ صَلاةِ الفَجرِ، فلَمَّا رَجَعَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلَيَّ أخَذتُ أُهريقُ على يَدَيه مِنَ الإداوةِ، وغَسَلَ يَدَيه ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ وجهَه. ثُمَّ ذَهَبَ يُخرِجُ جُبَّتَه عَن ذِراعَيه فضاقَ كُمُّ جُبَّتِه، فأدخَلَ يَدَيه في الجُبَّةِ حَتَّى أخرَجَ ذِراعَيه مِن أسفَلِ الجُبَّةِ وغَسَلَ ذِراعَيه إلى المِرفَقَينِ، ثُمَّ تَوضَّأ على خُفَّيه، ثُمَّ أقبَلَ. قال المُغيرةُ: فأقبَلتُ مَعَه حَتَّى نَجِدَ النَّاسَ قد قدَّموا عَبدَ الرَّحمَنِ بنَ عَوفٍ فصَلَّى لَهم، فأدرَكَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إحدى الرَّكعَتَينِ، فصَلَّى مَعَ النَّاسِ الرَّكعةَ الأُخرى، فلَمَّا سَلَّمَ عَبدُ الرَّحمَنِ بنُ عَوفٍ قامَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُتِمُّ صَلاتَه، فأفزَعَ ذلك المُسلِمينَ فأكثَروا التَّسبيحَ، فلَمَّا قَضى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صَلاتَه أقبَلَ عليهم ثُمَّ قال: «أحسَنتُم» أو قال: «قد أصَبتُم» يَغبِطُهم أن صَلَّوُا الصَّلاةَ لوقتِها )) [6132] أخرجه مسلم (274). .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَسَّنَ لَهم تَعجيلَهمُ الصَّلاةَ، وتَرْكَهمُ انتِظارَه حَتَّى غَبَطَهم به، يُرَغِّبُهم بذلك في تَعجيلِ الصَّلاةِ في أوَّلِ الوقتِ
[6133] يُنظر: ((الأوسط)) لابن المنذر (3/51). .
3- مِنَ الإجماعِ:فقد نَقَلَه ابنُ المُنذِرِ على بَعضِ صورِ المَسألةِ
[6134] قال: (أجمَعَ كُلُّ مَن نَحفَظُ عَنه مِن أهلِ العِلمِ على أنَّ تَعجيلَ صَلاةِ المَغرِبِ أفضَلُ مِن تَأخيرِها، وكَذلك الظُّهرُ في غَيرِ حالِ شِدَّةِ الحَرِّ، تَعجيلُها أفضَلُ). ((الأوسط)) (3/50). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.تَندَرِجُ تحتَ هذه القاعِدةِ بعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- ما كان مِنَ الفُروضِ الموقَّتةِ كالصَّلَواتِ الخَمسِ يُستَحَبُّ تَعجيلُها في أوَّلِ الوقتِ وإن جازَ تَأخيرُها إلى آخِرِه
[6135] يُنظر: ((سنن الترمذي)) (1/328)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (11/444)، ((بحر المذهب)) للروياني (1/437). .
2- الأفضَلُ أن يَصومَ المُسلِمُ السِّتَّةَ الأيَّامِ مُتَتابِعًا مِن أوَّلِ شَوَّالٍ بَعدَ يَومِ العيدِ؛ لأنَّ تَعجيلَ العِبادةِ أفضَلُ
[6136] يُنظر: ((التهذيب)) للبغوي (3/197). .
3- الأفضَلُ تَعجيلُ الزَّكاةِ والحَجِّ وسائِرِ الفُروضِ بَعدَ حُضورِ وقتِها ووُجودِ سَبَبِها؛ لأنَّ تَعجيلَ الطَّاعاتِ أفضَلُ مِن تَأخيرِها ما لَم تَقُمِ الدَّلالةُ على فضيلةِ التَّأخيرِ
[6137] يُنظر: ((أحكام القرآن)) للجصاص (1/111). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.استثناءاتٌ:يُستَثنى مِنَ القاعِدةِ بَعضُ الصُّورِ، مِنها: صَلاةُ الظُّهرِ في شِدَّةِ الحَرِّ؛ حَيثُ يُسَنُّ الإبرادُ، وصَلاةُ الضُّحى؛ فإنَّ أوَّلَ وقتِها طُلوعُ الشَّمسِ، ويُسَنُّ تَأخيرُها لرُبُعِ النَّهارِ، وصَلاةُ العيدَينِ يُسَنُّ تَأخيرُها لارتِفاعِ الشَّمسِ، وزَكاةُ الفِطرِ؛ فإنَّ أوَّلَ وقتِها غُروبُ شَمسِ لَيلةِ العيدِ، ويُسَنُّ تَأخيرُها ليَومِه، ورَميُ جَمرةِ العَقَبةِ، وطَوافُ الإفاضةِ، والحَلقُ، كُلُّها يَدخُلُ وقتُها بنِصفِ لَيلةِ النَّحرِ، ويُستَحَبُّ تَأخيرُها ليَومِ النَّحرِ
[6138] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 398)، ((التيسير)) للمناوي (1/73)، ((منتهى السول)) للَّحْجي (3/67). .