موسوعة التفسير

سورةُ طه
الآيات (83-89)

ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ

غريب الكلمات:

عَلَى أَثَرِي: أي: بالقربِ مني، وموالُونَ لي في الوُصولِ، ويأتونَ خَلْفي، والأثَرُ: ما يترُكُه الماشي على الأرضِ مِن عَلاماتِ قَدَمٍ أو حافِرٍ أو خُفٍّ، وأصلُ (أثر): يدلُّ على رَسمِ الشَّيءِ الباقي [734] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/54، 53)، ((تفسير السمعاني)) (3/346)، ((المفردات)) للراغب (ص: 62)، ((تفسير الرسعني)) (4/549)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/278). .
وَعَجِلْتُ: العَجَلَةُ: طَلَبُ الشَّيءِ، وتحرِّيه قبل أوانِه، وهي خلافُ البُطءِ. وأصلُه: يدلُّ على إسراعٍ [735] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/237)، ((المفردات)) للراغب (ص: 548)، ((تفسير القرطبي)) (11/233). .
بِمَلْكِنَا: أي: بِطاقَتِنا، واختيارِنا، وقُدرتِنا، وأصلُ (ملك): يدُلُّ على قُوَّةٍ في الشَّيءِ [736] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 281)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/351)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 231)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 882). .
أَوْزَارًا: أَي: أثقالًا وأحمالًا، والوِزْرُ: الثِّقلُ، ويُعبَّرُ به أيضًا عن الإثمِ، وأصلُ (وزر) هنا: الثقلُ في الشيءِ [737] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 152، 281)، ((تفسير ابن جرير)) (16/135)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 57)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/108)، ((المفردات)) للراغب (ص: 867). .
زِينَةِ الْقَوْمِ: أي: حُلِيِّ آلِ فِرعَونَ، وأصلُ (زين): يدُلُّ على حُسنِ الشَّيءِ وتَحسينِه [738] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 281)، ((تفسير ابن جرير)) (16/135)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 57)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/41)، ((تفسير القرطبي)) (11/235). .
خُوَارٌ: الخُوارُ: صَوتُ البَقَرِ، وأصلُ (خور): يدُلُّ على صَوْتٍ [739] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/447)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/227)، ((المفردات)) للراغب (ص: 302)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 118)، ((تفسير ابن كثير)) (3/475). .

المعنى الإجمالي:

 يخبرُ الله تعالى عن فتنةِ قومِ موسَى عليه السلامُ، وإضلالِ السامريِّ لهم، بعدَ أنْ ذهَب موسَى عليه السلامُ لمناجاةِ ربِّه، فيقول تعالى: وأيُّ شَيءٍ أعجَلَك عن قَومِك -يا موسى- فسبقتَهم إلى الطُّورِ؟ قال: إنَّهم خلفي سوف يَلحَقونَ بي، وسبقتُهم إليك -يا ربِّي- مُسارعةً في رِضاك! قال الله لموسى: فإنَّا قد ابتَلَينا قَومَك بعدَ فِراقِك لهم بعبادةِ العِجلِ، وأَضَلَّهم السَّامريُّ، الذي أخرجَ لهم العِجلَ، ودعاهم إلى عبادتِه فأطاعوه.
ثمَّ يخبرُ الله تعالى عن رجوعِ موسَى عليه السلام إلى قومِه، وما قاله لهم، فيقول تعالى: فرجَعَ موسى إلى قَومِه غَضبانَ عليهم حزينًا، وقال لهم: يا قومِ، ألم يَعِدْكم ربُّكم وعدًا حَسَنًا، كإنزالِ التَّوراةِ، والنَّصرِ على أعدائِكم، وغيرِ ذلك؟! أفطال عليكم العَهدُ واستبطأتُم الوَعدَ؟! بل أردتُم بفِعلِكم هذا أن يَحِلَّ عليكم غَضَبٌ مِن رَبِّكم، فعَبدتُم العِجلَ، وتركتُم الالتزامَ بأوامري!
ثمَّ يحكي الله سبحانَه عمَّا اعتذروا به مِن اعتذاراتٍ واهيةٍ، وتبريراتٍ سخيفةٍ، فيقول تعالى: قالوا: يا موسى، ما أخلَفْنا مَوعِدَك باختيارِنا، ولكنَّا حُمِّلْنا أثقالًا مِن حُلِيِّ قَومِ فِرعَونَ، فألقَيناها في النَّارِ، فكذلك ألقى السَّامريُّ ما كان في يَدِه، فأخرَجَ السَّامريُّ لبني إسرائيلَ مِن الحُلِيِّ عِجلًا جَسَدًا يخورُ خُوارَ البَقَرِ، فقال السَّامِريُّ والمفتونونَ به منهم: هذا هو إلهُكم وإلهُ موسى، نَسِيَه موسى وغَفَل عنه هنا. أفلا يرى الذين عَبَدوا العِجلَ أنَّه لا يُكَلِّمُهم، ولا يرُدُّ عليهم جَوابًا، ولا يَقدِرُ على دَفعِ ضَرٍّ عنهم، أو جَلبِ نَفعٍ لهم؟!

تفسير الآيات:

وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83).
أي: وأيُّ شَيءٍ حَمَلَك -يا موسى- على أن تَسبِقَ قَومَك إلى الطُّورِ، ولم تَصبِرْ حتى تقْدَمَ معهم [740] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/129)، ((تفسير القرطبي)) (11/232)، ((تفسير السعدي)) (ص: 511). قال ابن عاشور: (الذي يُؤخَذُ مِن كَلامِ المفَسِّرينَ وتُشيرُ إليه الآيةُ: أنَّ موسى تعجَّلَ مُفارقةَ قَومِه ليحضُرَ إلى المناجاةِ قبلَ الإبَّانِ الذي عَيَّنَه الله له؛ اجتهادًا منه، ورغبةً في تلقِّي الشريعةِ حَسَبما وعده الله قبل أن يحيطَ بنو إسرائيلَ بجَبَلِ الطورِ، ولم يراعِ في ذلك إلا السَّبقَ إلى ما فيه خيرٌ لِنَفسِه ولقومِه، فلامه الله على أن غَفَل عن مراعاةِ ما يحفُّ بذلك من ابتعادِه عن قَومِه قبل أن يوصِيَهم الله بالمحافظةِ على العَهدِ، ويحَذِّرَهم مكرَ مَن يتوسَّمُ فيه مَكرًا). ((تفسير ابن عاشور)) (16/277). ؟!
قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84).
قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي.
أي: قال موسى: هم قادِمونَ مِن ورائي، وسيلحَقونَ بي [741] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/129)، ((تفسير ابن كثير)) (5/309)، ((تفسير السعدي)) (ص: 511). وقال ابنُ عاشور: (قولُه هنا: هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي يدُلُّ على أنَّهم كانوا سائرينَ خَلفَه، وأنَّه سَبَقَهم إلى المناجاةِ). ((تفسير ابن عاشور)) (16/278). .
وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى.
أي: وسبقتُ قومي إلى الطورِ -يا ربِّ- مسارعةً في طَلَبِ رِضاك [742] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/129)، ((تفسير القرطبي)) (11/233)، ((تفسير السعدي)) (ص: 511)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/278). .
قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85).
قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ.
أي: قال الله لموسى: فإنَّا قد ابتَلَينا قَومَك مِن بَعدِ فِراقِك لهم بعبادةِ العِجلِ [743] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/130)، ((تفسير القرطبي)) (11/233)، ((تفسير السعدي)) (ص: 511). قال ابن عطية: (أعلَمه الله تعالى أنَّه قد فتَن بني إسرائيلَ، أي: اختبرهم بما صنَعه السامريُّ. ويحتملُ أن يريدَ: ألقيناهم في فتنةٍ، أي: في ميلٍ مع الشهواتِ، ووقوعٍ في اختلافِ كلمةٍ). ((تفسير ابن عطية)) (4/57). وقال ابن عاشور: (إسنادُ الفَتنِ إلى الله تعالى باعتبارِ أنَّه مُقَدِّرُه وخالقُ أسبابِه البعيدةِ. وأما إسنادُه الحقيقي فهو الذي في قولِه: وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ؛ لأنه السَّبَبُ المباشِرُ لضَلالِهم المسَبِّبِ لفِتنتِهم). ((تفسير ابن عاشور)) (16/279). !
وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ.
أي: وأضلَّ قومَك السَّامريُّ [744] السامري هو الرجلُ الذي كان سببًا في ضلالِ بنى إسرائيلَ، قيل: كان مِن بني إسرائيلَ، وقيل: لم يكنْ منهم، وقد اختُلف في اسمِه، وفي سببِ تسميتِه بالسامريِّ، وذُكِرتْ في نشأتِه قصةٌ، قال القاسمي: (وقد قال بالظنِّ مَن ادَّعَى تسميتَه، أو حاوَل تعيينَه). يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (1/143)، (4/61)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/173)، ((تفسير القاسمي)) (7/141)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/279-281). الذي أخرجَ لهم العِجلَ، ودعاهم إلى عبادتِه فأطاعوه [745] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/130)، ((تفسير ابن كثير)) (5/309)، ((تفسير السعدي)) (ص: 511). .
فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86).
فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا.
أي: فانصرفَ موسى من الطُّورِ إلى قَومِه بني إسرائيلَ في حالِ غَضَبٍ شَديدٍ منهم، وحُزنٍ على ما أحدَثوه مِن ضَلالٍ وكُفرٍ في غيابِه [746] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/131)، ((تفسير ابن جزي)) (2/12)، ((تفسير السعدي)) (ص: 511). وممَّن فسَّر الأسَفَ هنا بالحزنِ: ابنُ جريرٍ، والسمعاني، والبغوي، وابنُ عطيةَ، والخازنُ، والفيروزابادي، والقاسمي، وابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/131)، ((تفسير السمعاني)) (3/347)، ((تفسير البغوي)) (3/271)، ((تفسير ابن عطية)) (4/58)، ((تفسير الخازن)) (3/210)، ((بصائر ذوي التمييز)) للفيروزابادي (2/185)، ((تفسير القاسمي)) (7/141)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/281). ونسَب الرازي للأكثرينَ أن المعنى: حُزْنًا وجَزَعًا. يُنظر: ((تفسير الرازي)) (22/87). قال ابنُ عطية: (رجَع موسى إلى قومِه غَضبانَ أسِفًا عليهم؛ مِن حيثُ له قُدرةٌ على تغييرِ مُنكَرِهم. أسِفًا، أي: حَزينًا؛ مِن حيثُ عَلِمَ أنَّه موضِعُ عُقوبةٍ لا يَدَ له بدَفعِها، والأسَفُ في كلامِ العَرَبِ متى كان مِن ذي قُدرةٍ على مَن دُونَه، فهو غَضَبٌ، ومتى كان من الأقَلِّ على الأقوى فهو حُزنٌ، وتأمَّلْ ذلك فهو مطَّرِدٌ إن شاء اللهُ عزَّ وجلَّ). ((تفسير ابن عطية)) (4/58). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السلفِ: ابنُ عباسٍ، والسُّدِّي، وقتادةُ، ومجاهدٌ، والحسنُ، ومالكُ بنُ دينارٍ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/450)، ((تفسير ابن أبي حاتم)) (5/1569)، ((تفسير ابن الجوزي)) (2/156). وقيل: الأسَفُ هنا هو شِدَّةُ الغَضَبِ. وممَّن اختار ذلك: الرسعني، والقرطبي، وابنُ كثير، والعليمي، والشوكاني، والشنقيطي. يُنظر: ((تفسير الرسعني)) (2/264)، ((تفسير القرطبي)) (7/286)، ((تفسير ابن كثير)) (5/310)، ((تفسير العليمي)) (4/316)، ((تفسير الشوكاني)) (3/448)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/79)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (4/178). وممَّن قال بنحوِ هذا القولِ مِن السلفِ: أبو الدرداءِ، فقال: الأسفُ منزلةٌ وراءَ الغضبِ أشدُّ مِن ذلك. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/450). قال الواحدي: (والقولانِ مُتقارِبانِ؛ لأنَّ الغَضَبَ مِن الحُزنِ، والحُزنَ مِنَ الغَضَبِ؛ فإذا جاءك ما تكرهُ ممَّن هو دونَك غَضِبتَ، وإذا جاءك ممَّن هو فوقك حَزِنتَ، يُسمَّى أحدُهما: حُزنًا، والآخَرُ: غَضَبًا، وأصلُهما أن يُصيبَك ما تكرهُ). ((البسيط)) (9/366). وقال الراغب: (الأَسَفُ: الحزن والغضب معًا، وقد يقال لكل واحدٍ منهما على الانفراد). ((المفردات في غريب القرآن)) (ص: 75). .
قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا.
أي: قال موسى: يا قومِ، ألم يَعِدْكم رَبُّكم وَعدًا حَسَنًا بحُصولِ الخَيرِ لكم في الدُّنيا والآخرةِ، كإنزالِ التَّوراةِ، والنَّصرِ على أعدائِكم، وغيرِ ذلك مِن أياديه عِندَكم، ووَعَدَكم مَغفِرةَ ذُنوبِكم، ودُخولَ الجَنَّةِ إن أطعتُموه [747] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (4/58)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/171)، ((تفسير القرطبي)) (11/234)، ((تفسير ابن كثير)) (5/310)، ((تفسير السعدي)) (ص: 511)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/282). ؟
أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ.
أي: فهل طال عليكم انتِظارُ ما وعَدَكم اللهُ، ونَسِيتُم نِعَمَه عليكم؟! فإنَّ زَمَنَ ذلك لم يَبعُدْ حتَّى تيأسوا مِن الوفاءِ، وتَكفُروا وتَعبُدوا غيرَه، وتكونَ لكم شُبهةُ عُذرٍ في الإعراضِ عن عبادةِ اللهِ [748] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/132)، ((تفسير ابن كثير)) (5/310)، ((تفسير الألوسي)) (8/555)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/282، 283). وممَّن قال بالمعنى المذكور هنا لطولِ العهد في الجملةِ: ابنُ كثير، والألوسي، وابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (5/310)، ((تفسير الألوسي)) (8/555)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/282). وقيل: المراد: أَفَطَالَت عليكم مدة مفارقتي إياكم؟ وممَّن قال بذلك: الواحدي، والزمخشري، وابن الجوزي. يُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (3/217)، ((تفسير الزمخشري)) (3/82)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/171). قال السعدي: (أي: المدة، فتطاولتُم غَيبتي وهي مدةٌ قصيرة؟ هذا قولُ كثيرٍ مِن المفسِّرينَ، ويحتملُ أن معناه: أفطال عليكم عَهدُ النبُوَّة والرسالة، فلم يكن لكم بالنبُوَّة عِلمٌ ولا أثَرٌ، واندرست آثارُها، فلم تَقِفوا منها على خبرٍ، فانمحت آثارُها لبُعدِ العَهدِ بها، فعبدتُم غيرَ الله؛ لغلبة الجَهلِ، وعَدَمِ العلم بآثار الرسالة؟ أي: ليس الأمرُ كذلك، بل النبوةُ بين أظهُرِكم، والعِلمُ قائِمٌ، والعُذرُ غيرُ مَقبولٍ!). ((تفسير السعدي)) (ص: 511). .
أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي.
أي: بل [749] ممن قال بأن «أم» هاهنا بمعنى «بل»، وهي للإضرابِ عن الكلامِ الأوَّلِ، وعدولٌ إلى الثاني: ابنُ كثيرٍ، وابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (5/310)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/283). ويُنظر أيضًا: ((تفسير السعدي)) (ص: 511). وقال الشنقيطي: (قوله: أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ قال بعضُ العلماءِ: «أم» هنا هي المنقطعةُ، والمعنى: بل أردتُم أن يحلَّ عليكم غضبٌ مِن ربِّكم، ومعنى إرادتهم حلولَ الغضبِ: أنهم فعلوا ما يستوجبُ غضبَ ربِّهم بإرادتِهم. فكأنهم أرادوا الغضبَ لمَّا أرادوا سببَه، وهو الكفرُ بعبادةِ العجلِ). ((أضواء البيان)) (4/81). أردتُم أن يجِبَ عليكم غضَبٌ مِنَ الله، فتَستَحِقُّوه؛ لِتَركِكم اتِّباعي إلى الطُّورِ، وعُكوفِكم على عبادةِ العِجلِ مِن بَعدِي [750] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/132)، ((تفسير القرطبي)) (11/234)، ((تفسير ابن كثير)) (5/310)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/81). !
قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87).
قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا.
أي: قال بنو إسرائيلَ لِموسى: ما أخلَفْنا ما عَهِدتَ إلينا بإرادتِنا واختيارِنا، ولم نكنْ نَملِكُ أمْرَنا [751] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/132-135)، ((تفسير ابن كثير)) (5/310)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/328)، ((تفسير السعدي)) (ص: 511)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/284). قال ابنُ جرير: (اختَلَفَ أيضًا أهلُ التأويلِ في تأويلِه، فقال بعضُهم: معناه: ما أخلَفْنا مَوعِدَك بأمْرِنا... وقال آخرون: معناه: بطاقتِنا... وقال آخرون: معناه: ما أخلَفْنا مَوعِدَك بهَوانا، ولكِنَّا لم نملِكْ أنفُسَنا... وكل هذه الأقوال الثلاثةِ في ذلك متقارباتُ المعنى؛ لأنَّ مَن لم يَملِكْ نَفسَه لِغَلَبةِ هواه على ما أُمِرَ، فإنَّه لا يمتَنِعُ في اللغةِ أن يقولَ: فعَلَ فلانٌ هذا الأمرَ وهو لا يملِكُ نَفسَه وفِعلَه، وهو لا يضبِطُها وفِعلَه، وهو لا يطيقُ تَرْكَه). ((تفسير ابن جرير)) (16/133-135). وقال الشنقيطي: (المعنى: ما أخلفنا موعدَك بأن ملكنا أمرَنا، فلو ملكنا أمرَنا ما أخلفنا موعدَك. وهو اعتذارٌ منهم بأنهم ما أخلفوا الموعدَ باختيارِهم، ولكنهم مغلوبون على أمرِهم مِن جهةِ السامريِّ وكيدِه! وهو اعتذارٌ باردٌ ساقطٌ). ((أضواء البيان)) (4/81). .
وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا.
أي: ولكِنَّا حُمِّلْنا [752] قال الأزهري: (قرأ أبو عمرو وأبو بكرٍ عن عاصمٍ وحمزةَ والكسائي: حَمَلْنَا مفتوحةَ الحاءِ والميمَ خفيفةً. وقرأ الباقون: حُمِّلْنَا بضمِّ الحاءِ وتشديدِ الميمِ... قال أبو منصورٍ: هما -كما قال أبو عمرو- سواء في مرجعِ المعنى إليه). ((معاني القراءات)) (2/157، 158). وذكَر ابنُ جريرٍ أنَّه على قراءةِ: حُمِّلْنَا بضمِّ الحاءِ وتشديدِ الميمِ، فالمعنى أنَّ موسى يحمِّلُهم ذلك. وعلى قراءةِ حَمَلْنَا بتخفيفِ الحاءِ والميمِ وفتحِهما، بمعنى أنهم حملوا ذلك مِن غيرِ أن يكلفَهم حملَه أحدٌ، ثم قال: (والقولُ عندي في تأويل ذلك أنَّهما قراءتان مشهورتانِ متقاربتا المعنَى؛ لأنَّ القومَ حملوا، وأنَّ موسَى قد أمرهم بحملِه). ((تفسير ابن جرير)) (16/137-138). مِن حُلِيِّ آلِ فِرعَون، فألقَيناها في النَّارِ [753] يُنظر: ((معاني القرآن)) للفراء (2/189)، ((تفسير ابن جرير)) (16/135، 136، 138)، ((تفسير ابن كثير)) (5/310)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/285)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/83). قال ابن جُزَي: (وزينةُ القَومِ هي: حُلِيُّ القِبطِ قَومِ فِرعَونَ، كان بنو إسرائيلَ قد استعاروه منهم قبلَ هلاكِهم. وقيل: أخذوه بعد هلاكِهم). ((تفسير ابن جزي)) (2/12). وقال القرطبي: (وسُمِّيَت أوزارًا بسَبَبِ أنَّها كانت آثامًا، أي: لم يحِلَّ لهم أخذُها ولم تحِلَّ لهم الغنائِمُ، وأيضًا فالأوزارُ هي الأثقالُ في اللغةِ. فَقَذَفْنَاهَا أي: ثَقُل علينا حَملُ ما كان معنا من الحُليِّ فقَذَفناه في النَّارِ لِيَذوبَ، أي: طرَحْناه فيها. وقيل: طرَحْناه إلى السامريِّ لترجِعَ فترى فيها رأيَك). ((تفسير القرطبي)) (11/235). وقال ابنُ كثير: (فَقَذَفْنَاهَا أي: ألقَيناها عنَّا... وحاصِلُ ما اعتذر به هؤلاء الجَهَلةُ أنَّهم تورَّعوا عن زينةِ القِبطِ فألقَوها عنهم، وعَبَدوا العِجلَ! فتوَرَّعوا عن الحقيرِ وفعلوا الأمرَ الكبيرَ!). ((تفسير ابن كثير)) (5/310-311). وقال الشنقيطي: (أظهَرُ الأقوالِ عندي في ذلك: هو أنَّهم جعلوا جميعَ الحُلِيِّ في النارِ ليذوبَ فيصيرَ قطعةً واحدة؛ لأنَّ ذلك أسهَلُ لحِفظِه حتى يرى نبيُّ الله موسى فيه رأيَه، والسَّامريُّ يريدُ تدبيرَ خطَّةٍ لم يطَّلِعوا عليها). ((أضواء البيان)) (4/83). .
فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ.
أي: فكما قَذَفْنا نحن تلك الأثقالَ مِن الحُلِيِّ، ألقَى السَّامِريُّ أيضًا ما كان في يَدِه [754] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/138)، ((تفسير ابن عطية)) (4/59)، ((تفسير الرازي)) (22/89)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/286). قال ابن الجوزي: (قوله تعالى: فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ فيه قولان: أحدهما: أنَّه ألقَى حُلِيًّا كما ألقَوا. والثاني: ألقَى ما كان مِن ترابِ حافِرِ فَرَسِ جبريلَ). ((تفسير ابن الجوزي)) (3/172). ويُنظر: ((تفسير النسفي)) (2/379). وممن قال بالقولِ الأوَّلِ: الزجَّاج، والواحدي، والخازنُ، والعليمي، وابنُ عاشور. يُنظر: ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (2/377)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 702)، ((تفسير الخازن)) (3/210)، ((تفسير العليمي)) (4/317)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/285). وممن قال بالقولِ الثاني: ابنُ جريرٍ، والزمخشري، والرسعني، والسعدي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/138)، ((تفسير الزمخشري)) (3/82)، ((تفسير الرسعني)) (4/555)، ((تفسير السعدي)) (ص: 511). قال ابنُ جُزَي: (كان السَّامِريُّ قد رأى جبريلَ عليه السَّلامُ، فأخذ مِن وَطءِ فَرَسِه قَبضةً مِن تُرابٍ، وألقى اللهُ في نَفسِه أنَّه إذا جعَلَها على شَيءٍ مواتٍ صار حيوانًا، فألقاها على العِجلِ فخار العِجلُ، أي: صاح صِياحَ العُجولِ، فالمعنى: أنَّهم قالوا: كما ألقَينا الحُلِيَّ في الحُفرةِ ألقى السَّامريُّ قَبضةَ التُّرابِ). ((تفسير ابن جزي)) (2/12). .
فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88).
فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ.
أي: فأخرَجَ السَّامِريُّ لبني إسرائيلَ مِن الحُلِيِّ التي قَذَفوها في النَّارِ عِجلًا جسدًا، له صوتُ البَقَرِ [755] يُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (2/155)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (5/218، 219)، ((تفسير الشوكاني)) (3/449)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/286). وممن اختار أنَّ العجلَ لم تكُنْ له روحٌ: ابنُ الأنباري -كما حكاه عنه ابنُ الجوزي- واختاره أيضًا: السجستاني، والزجاج، وابنُ الجوزي، وابنُ عطية، وابنُ تيمية، وابنُ عاشور. يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 346)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (2/377)، ((تفسير ابن الجوزي)) (2/155)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (5/218، 219)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/286). قال ابنُ الجوزي: (قال ابنُ الأنباري: ذِكرُ الجسَدِ دَلالةٌ على عدَمِ الرُّوحِ منه، وأنَّ شَخصَه شَخصُ مِثالٍ وصورةٍ، غيرُ مُنضَمٍّ إليهما روحٌ ولا نَفْسٌ). ((تفسير ابن الجوزي)) (2/155). وهو ظاهرُ اختيارِ ابنِ كثيرٍ، فقد قال: (فلمَّا ألقاها فيه خار كما يخورُ العجلُ الحقيقيُّ). ((البداية والنهاية)) (2/147). وقال ابنُ تيمية: (ليس المرادُ مِن العجلِ أن له بدنًا مثل بدَنِ الآدميين، ولا بدنًا كأبدانِ البَقِرِ؛ فإنَّ العجلَ لم يكنْ كذلك... والمقصودُ: أنَّ ما أخرجَه كان جسَدًا مُصمَتًا لا رُوحَ فيه حتى تَبيَّن نَقصُه، وأنَّه كان مَسلوبَ الحياةِ والحَركةِ). ((مجموع الفتاوى)) (5/218، 219). وقال ابن عاشور: (والجَسَدُ: الجسمُ ذو الأعضاءِ، سواءٌ كان حيًّا أم لا؛ لِقَولِه تعالى: وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا [ص: 34] . قيل: هو شِقُّ طِفلٍ ولدَتْه إحدى نسائِه، كما ورد في الحديثِ. قال الزجاجُ: الجسدُ هو الذي لا يعقلُ ولا يميزُ، إنما هو الجثةُ، أي: أخرج لهم صورةَ عجلٍ مجسدةً بشكلِه وقوائمِه وجوانبِه، وليس مجردَ صورةٍ منقوشةٍ على طبقٍ مِن فضةٍ أو ذهبٍ). ((تفسير ابن عاشور)) (16/286). قال ابن الجوزي: (وكان مجاهدٌ يقولُ: خوارُه حفيفُ الريحِ فيه. وهذا يدلُّ على أنَّه لم يكنْ فيه روحٌ). ((تفسير ابن الجوزي)) (2/155). وذهب الواحدي والشنقيطي إلى أنَّ العجلَ صار جسدًا ذا لحم ودمٍ، وعزاه الواحدي إلى أكثرِ أهلِ التفسيرِ. يُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (2/411)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 703)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/79). قال السمعاني: (واخْتلفُوا في الخوارِ: فالأكثرونَ أنَّه صَوتُ عجلٍ حَيٍّ، وهو قولُ ابنِ عَبَّاسٍ، والحسنِ، وقتادةَ، وجماعةٍ). ((تفسير السمعاني)) (3/349). وقال الشنقيطي: (قال بعضُ العُلَماءِ: جعَلَ الله بقدرتِه ذلك الحليَّ المصوغَ جَسدًا مِن لحمٍ ودمٍ، وهذا هو ظاهِرُ قَولِه عِجْلًا جَسَدًا. وقال بعضُ العلماءِ: لم تكنْ تلك الصورةُ لحمًا ولا دمًا، ولكن إذا دخلَتْ فيها الرِّيحُ صَوَّتَت كخُوار العِجلِ. والأوَّلُ أقرب لظاهِرِ الآية، والله تعالى قادرٌ على أن يجعَلَ الجَمادَ لَحمًا ودَمًا، كما جعل آدَمَ لحمًا ودمًا، وكان طينًا). ((أضواء البيان)) (4/79). .
كما قال تعالى: وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ [الأعراف: 148] .
فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ.
أي: فقالوا [756] قيل: الضميرُ في (قالوا) يعودُ إلى السامري ومَن تابَعه ووافَقه ممن افتتَن بالعجلِ. وممن اختاره الواحدي، والرسعني، والقرطبي، والخازنُ، والعليمي، والشوكاني، يُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (3/218)، ((تفسير الرسعني)) (4/555)، ((تفسير القرطبي)) (11/236)، ((تفسير الخازن)) (3/210)، ((تفسير العليمي)) (4/318)، ((تفسير الشوكاني)) (3/449). وقيل: الضميرُ يعودُ إلى قومِ موسى الذين عبدوا العجلَ، وافتتنوا به. وممن اختاره: ابنُ جرير، وابنُ كثير. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/140)، ((تفسير ابن كثير)) (5/311). : هذا العِجلُ هو معبودُكم ومعبودُ موسى الذي غَفَل عنه موسى هاهنا، وذهبَ إلى الجبلِ ليطلُبَه [757] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/140، 143)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 703)، ((إغاثة اللهفان)) لابن القيم (2/300، 301)، ((تفسير ابن كثير)) (5/311)، ((تفسير القاسمي)) (7/142). وممن ذهَب إلى أنَّ الضميرَ في (نَسِيَ) يعودُ إلى موسى: مقاتلُ بنُ سليمانَ، وابنُ جريرٍ، والرازي، والقرطبي، والشوكاني، والقاسمي. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/38)، ((تفسير ابن جرير)) (16/143)، ((تفسير الرازي)) (22/90)، ((تفسير القرطبي)) (11/236)، ((تفسير الشوكاني)) (3/449)، ((تفسير القاسمي)) (7/142). وممن قال بهذا القولِ مِن السلفِ: ابنُ عباسٍ في روايةٍ عنه، وقتادةُ، ومجاهدٌ، والسُّدِّي، وابنُ زيدٍ، والضحَّاك. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/141). وعزا الرازي القولَ بأنَّ معنَى الآيةِ: أنَّ هذا إلهُكم وإلهُ مُوسَى، فنَسِي مُوسى أنَّ هذا هو الإلهُ، فذَهَب يطلُبُه في موضعٍ آخَرَ- إلى الأكثرينَ. يُنظر: ((تفسير الرازي)) (22/90). وقيل: المعنى: فنسِي موسى أن يخبرَكم أنَّ هذا إِلهُه. وقيل غير ذلك. يُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (3/172). وقيل: الضميرُ يعودُ إلى السامري. واستظْهَر هذا القولَ أبو حيان. يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/369). وممن قال بهذا القولِ مِن السلفِ: ابنُ عباسٍ في روايةٍ عنه. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/141). !
قالَ اللَّهُ تعالَى رَدًّا عليهم، وتقريعًا لهم، وبيانًا لفضيحَتِهم، وسَخافةِ عقولِهِم فيما ذَهَبوا إليه [758] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (5/311). :
أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89).
أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا.
أي: أفلا يرى الذين عبدوا العِجلَ أنَّه لا يكَلِّمُهم، ولا يرُدُّ عليهم إنْ كَلَّموه [759] يُنظر: ((تفسير يحيى بن سلام)) (1/273)، ((تفسير ابن جرير)) (16/143)، ((مدارج السالكين)) لابن القيم (1/50)، ((تفسير ابن كثير)) (5/311)، ((تفسير السعدي)) (ص: 511)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/288)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/84). ؟!
كما قال تعالى: أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ [الأعراف: 148] .
وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا.
أي: وأنَّه لا يَقدِرُ على ضَرِّهم بشَيءٍ، ولا على نَفعِهم بشَيءٍ في الدُّنيا ولا في الآخِرةِ؟ فكيف يكونُ إلهًا مَن تلك صِفاتُه [760] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/143)، ((تفسير الماوردي)) (3/419)، ((تفسير ابن كثير)) (5/311). ؟!

الفوائد التربوية:

قولُه تعالى: وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى يحتمِلُ أنَّ الله تعالى أراد بسُؤالِ موسى عليه السلامُ عن سبَبِ العجلةِ -وهو أعلَمُ-: أنْ يُعلِّمَ مُوسى أدَبَ السَّفرِ، وهو أنَّه يَنْبغي تأخيرُ رئيسِ القومِ عنهم في المَسيرِ؛ ليكونَ نظَرُه مُحيطًا بطائفتِه، ونافِذًا فيهم، ومُهيمِنًا عليهم. وهذا المعنى لا يحصُلُ في تقدُّمِه عليهم، ألَا تَرى اللهَ عَزَّ وجَلَّ كيف علَّمَ هذا الأدبَ لُوطًا، فقال: وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ [الحجر: 65] ، فأمَرَه أنْ يكونَ أخِيرَهم. على أنَّ مُوسى عليه السَّلامُ إنَّما أغفَلَ هذا الأمْرَ؛ مُبادَرةً إلى رِضَا اللهِ عَزَّ وجَلَّ، ومُسارَعةً إلى الميعادِ، وذلك شأْنُ الموعودِ بما يسُرُّه؛ يَوَدُّ لو رُكِّبَ إليه أجنحةُ الطَّيرِ، ولا أسَرَّ من مُواعدةِ اللهِ تعالى له صلَّى الله عليه وسلَّم [761] يُنظر: ((حاشية ابن المنير على الكشاف)) (1/1551). . وممَّا أفادَهُ السُّؤالُ أيضًا: تَعريفُ المسؤولِ بما يَجهَلُه من أُمورٍ، وقد أراد سُبحانَه تَعريفَه بفِتْنةِ قومِه؛ ووُقوعِهم في عِبادةِ العجْلِ [762] يُنظر: ((إعراب القرآن وبيانه)) (6/230). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- لَمَّا استدعى الله تعالى موسى عليه السَّلامُ لِمُناجاتِه وكلامِه؛ أسرَعَ إليه، فقال له ربُّه: وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى فدَلَّ على أنَّ المسارعةَ إلى مناجاةِ اللهِ تُوجِبُ رِضاه، وهذا دليلٌ حَسَنٌ على فَضلِ الصَّلاةِ في أوَّلِ أوقاتِها [763] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن رجب (4/232). ، وكذلك المبادرةُ إلى أعمالِ البرِّ.
2- قَولُ موسى عليه السلام فيما يحكيه الله عنه: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى، فيه سؤالٌ: أنه قال: وَعَجِلْتُ والعجلةُ مذمومةٌ؟
والجواب: أنَّها ممدوحةٌ إذا كانت في الدينِ؛ قال تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ [764] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (22/85). [آل عمران: 133] .
3- قَولُ اللهِ تعالى: فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ، فيه سؤال: كيف كان رجوعُ قومِ موسى وهم مِن العقلاءِ المكلَّفين عن الدينِ الحقِّ دفعةً واحدةً إلى عبادة عجلٍ يُعرفُ فسادُها بالضرورةِ؟
والجوابُ من أوجهٍ:
الوجه الأول: أنَّ هذا غيرُ ممتنعٍ في حقِّ البُلْهِ مِن الناس [765] يُنظر: ((تفسير الشربيني)) (2/479). .
الوجه الثاني: أنهم اغتروا بما موَّه لهم مِن أنَّه إلههم المنشودُ مِن كثرةِ ما سمعوا مِن رسولِهم أنَّ الله معهم أو أمامهم، ومما جاش في خواطرِهم مِن الطمعِ في رؤيتِه تعالى [766] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/284). .
الوجه الثالث: أنَّه لما رأوا ما صاغه السامريُّ في صورةِ معبودٍ كانوا قد عرفوه من قبلُ، ورأوه يزيدُ عليه بأنَّ له خوارًا، رسَخ في أوهامِهم الفاسدةِ أنَّ ذلك هو الإلهُ الحقيقيُّ؛ لأنَّهم رأوه مِن ذهبٍ أو فضةٍ، فتوهموا أنَّه أفضلُ مِن العجلِ الذي عرفوه مِن قبلُ [767] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/287). .
الوجه الرابع: أنَّ الاستعبادَ الطويلَ، والذلَّ الطويل في ظلِّ الفِرعَونية الوثنيةِ، كان قد أفسد طبيعةَ القومِ، وأضعَف استعدادَهم لاحتمالِ التكاليفِ والصبرِ عليها، والوفاءِ بالعهدِ والثباتِ عليه، وترَك في كِيانِهم النفسيِّ خلخلةً واستعدادًا للانقيادِ والتقليدِ المريح، فما يكادُ موسى يتركُهم في رعايةِ هارونَ، ويبعدُ عنهم قليلًا، حتى تتخلخلَ عقيدتُهم كلُّها، وتنهارَ أمامَ أولِ اختبارٍ.
4- في قَولِه تعالى: أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا جعَلَ امتناعَ صِفةِ الكَلامِ والتَّكليمِ، وعَدَمَ مِلكِ الضَّرِّ والنَّفعِ دَليلًا على عَدَمِ الإلهيَّةِ، وهذا دليلٌ عقليٌّ سَمعيٌّ على أنَّ الإلهَ لا بُدَّ أن يُكَلَّمَ ويتكَلَّمَ، ويَملِكَ لعابِدِه الضَّرَّ والنَّفعَ، وإلَّا لم يكن إلهًا [768] يُنظر: ((الصواعق المرسلة)) لابن القيم (3/915). ، فالإلهُ لا بدَّ أن يكونَ موصوفًا بهذه الصفاتِ [769] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (22/90). .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالى: وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى سُؤالٌ عن سبَبِ العَجلةِ، وأجاب بقولِه: هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى؛ لأنَّ قولَه: وَمَا أَعْجَلَكَ تضمَّنَ تأخُّرَ قومِه عنه، فأجاب مُشيرًا إليهم -لقُربِهم منه- أنَّهم على أثَرِه، جائينَ للموعدِ، وذلك على ما كان عهِدَ إليهم أنْ يَجِيئوا للموعدِ. ثمَّ ذكَرَ السَّببَ الَّذي حمَلَه على العجلةِ، وهو ما تضمَّنَه قولُه: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى، من طلَبِه رِضَا اللهِ تعالى في السَّبقِ إلى ما وعَدَهُ ربُّه [770] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/366). .
- شَبَّه الجائِيَ المُوالِيَ بالَّذي يَمْشي على علاماتِ أقدامِ مَن مَشى قبْلَه قبْلَ أنْ يتغيَّرَ ذلك الأثَرُ بأقدامٍ أُخرى، ووجْهُ الشَّبهِ: هو مُوالاتُه، وأنَّه لم يَسْبِقْه غيرُه. والمعنى: هم أولاءِ سائرونَ على مواقعِ أقْدامي، أي: مُوالونَ لي في الوُصولِ [771] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/278). .
- وزِيادةُ رَبِّ في قولِه: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ؛ لمَزيدِ الضَّراعةِ والابتهالِ؛ رغبةً في قَبولِ العُذْرِ [772] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/33- 34). .
2- قولُه تعالى: قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ استئنافٌ مَبْنِيٌّ على سُؤالٍ نشَأَ من حِكايةِ اعتذارِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وهو السِّرُّ في وُرودِه على صِيغَةِ الغائبِ قَالَ، لا أنَّه الْتِفاتٌ منَ التَّكلُّمِ إلى الغَيبةِ؛ لأنَّ المُقدَّرَ فيما سبَقَ من الموضعينِ على صِيغَةِ التَّكلُّمِ؛ كأنَّه قِيلَ من جِهَةِ السَّامعينَ: فماذا قال له ربُّه حينئذٍ؟ فقيل: قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ [773] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/34). .
- والفاءُ في فَإِنَّا لتَرتيبِ الإخبارِ بما ذُكِرَ من الابتلاءِ على إخبارِ مُوسى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بعَجَلتِه؛ لِمَا بينهما من المُناسَبةِ المُصحِّحةِ للانتقالِ مِن أحدِهما إلى الآخرِ، من حيث إنَّ مَدارَ الابتلاءِ المذكورِ عجَلةُ القومِ [774] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/34). .
- وقولُه: فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ فيه ضَرْبٌ من المَلامِ على التَّعجُّلِ بأنَّه تسبَّبَ عليه حُدوثُ فِتْنةٍ في قومِه؛ لِيُعْلِمَه ألَّا يَتجاوزَ ما وُقِّتَ له، ولو كان لرَغبةٍ في الازديادِ مِن الخيرِ [775] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/278). .
3- قوله تعالى: فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي
- قولُه: قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ ... استئنافٌ مَبْنِيٌّ على سُؤالٍ ناشئٍ من حِكايةِ رُجوعِه كذلك؛ كأنَّه قِيلَ: فماذا فعَلَ بهم؟ فقيل: قال... [776] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/35). .
- وافتتاحُ الخِطابِ بـ يَا قَوْمِ تَمهيدٌ للَّومِ؛ لأنَّ انجرارَ الأذى للرَّجلِ مِن قومِه أحَقُّ في تَوجيهِ المَلامِ عليهم، وذلك قولُه: فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي [777] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/282). .
- قولُه: أَلَمْ يَعِدْكُمْ همزةُ الاستفهامِ لإنكارِ عدَمِ الوعدِ ونفْيِه، وتَقريرِ وُجودِه على أبلَغِ وجْهٍ وآكَدِه، أي: وعَدَكم بحيثُ لا سَبيلَ لكم إلى إنكارِه [778] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/35). ؛ فالاستفهامُ في أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ إنكاريٌّ؛ نُزِّلوا مَنزِلةَ مَن زعَمَ أنَّ اللهَ لم يَعِدْهم وعْدًا حَسنًا؛ لأنَّهم أجْرَوا أعمالَهم على حالِ مَن يزعُمُ ذلك، فأنكَرَ عليهم زعْمَهم. ويجوزُ أنْ يكونَ الاستفهامُ تَقريريًّا، وشأْنُه أنْ يكونَ على فرْضِ النَّفيِ [779] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/282). .
- والاستفهامُ في قولِه: أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ مُفرَّعٌ على قولِه: أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ، وهو استفهامٌ إنكاريٌّ، أي: أوعَدَكُم ذلك، فطال زمانُ الإنجازِ، فأخطأْتُم بسبَبِه [780] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/35)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/282). ؟!
- قولُه: أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (أم) للإضرابِ الإبطاليِّ، والاستفهامُ المُقدَّرُ بعْدَ (أَمْ) إنكاريٌّ أيضًا؛ إذِ التَّقديرُ: بل أردْتُم أنْ يَحِلَّ عليكم غضَبٌ؛ فلا يكونُ كُفْرُكم إذنْ إلَّا إلقاءً بأنْفُسِكم في غضَبِ اللهِ، كحالِ مَن يُحِبُّ أنْ يَحِلَّ عليه غضَبٌ من اللهِ [781] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/283). .
- قولُه: فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي، أي: وَعْدَكم إيَّايَ بالثَّباتِ على ما أمرْتُكم به، إلى أنْ أرجِعَ مِن الميقاتِ، على إضافةِ المصدرِ إلى مَفعولِه؛ للقصْدِ إلى زِيادةِ تَقبيحِ حالِهم؛ فإنَّ إخلافَهم الوعدَ الجارِيَ فيما بينَهم وبينَه عليهِ السَّلامُ منْ حيثُ إضافتُه إليه عليه السَّلامُ: أشنَعُ منه مِن حيث إضافتُه إليهم. والفاءُ لتَرتيبِ ما بعْدَها على كلِّ واحدٍ من شِقَّيِ التَّرديدِ على سَبيلِ البدلِ؛ كأنَّه قيل: أنَسيتُمُ الوعْدَ بطُولِ العهْدِ، فأخلَفْتُموه خطَأً، أمْ أردتُمْ حُلولَ الغضبِ عليكم، فأخلَفْتُموه عَمْدًا [782] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/35). ؟!
4- قوله تعالى: قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ
- وقعَتْ جُملةُ قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا غيرَ مَعطوفةٍ؛ لأنَّها جرَتْ في المُحاوَرة ِجوابًا عن كلامِ مُوسى عليه السَّلامُ [783] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/283). .
- قولُه: قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ، أي: وعْدَنا إيَّاكَ الثَّابِتَ على ما أمرْتَنا به، وإيثارُه على أنْ يُقالَ: (مَوعدَنا) على إضافةِ المصدرِ إلى فاعِلِه؛ للقصْدِ إلى زِيادةِ تَقبيحِ حالِهم [784] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/35). .
- قولُه: وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ ... استدراكٌ عمَّا سبَقَ، واعتذارٌ عمَّا فَعَلوا ببَيانِ منشَأِ الخطَأِ [785] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/35). ، والاستدراكُ راجِعٌ إلى ما أفادهُ نفْيُ أنْ يكونَ إخلافُهم العهْدَ عن قصْدٍ للضَّلالِ، والجُملةُ الواقعةُ بعْدَه وقعَتْ بإيجازٍ عن حُصولِ المقصودِ من التَّنصُّلِ من تَبِعَةِ نَكْثِ العهْدِ. ومَحلُّ الاستدراكِ هو قولُه: فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى، وما قبْلَه تَمهيدٌ له؛ فعُطِفَتِ الجُمَلُ قبْلَه بحرْفِ الفاءِ، واعْتَذروا بأنَّهم غُلِبوا على رأْيِهم بتَضليلِ السَّامريِّ؛ فأُدْمِجَتْ في هذا الاعتذارِ الإشارةُ إلى قضيَّةِ صَوغِ العجْلِ الَّذي عَبَدوه [786] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/284). .
5- قولُه تعالى: فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ
- قولُه: فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فيه تأخيرُ المفعولِ عِجْلًا -مع كونِه مَفعولًا صَريحًا- عن الجارِّ والمجرورِ لَهُمْ؛ للاعتناءِ بالمُقدَّمِ، والتَّشويقِ إلى المُؤخَّرِ، مع ما فيه من نَوعِ طُولٍ يُخِلُّ تَقديمُه بتجاوُبِ أطرافِ النَّظمِ الكريمِ [787] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/36). .
- على القولِ بأنَّ الذي نَسِيَ هو السامريُّ فتَفريعُ فَنَسِيَ يحتملُ أنْ يكونَ تَفريعًا على فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ تَفريعَ عِلَّةٍ على مَعلولٍ؛ فالضَّميرُ عائدٌ إلى السَّامريِّ، أي: قال السَّامريُّ ذلك؛ لأنَّه نَسِيَ ما كان تلقَّاهُ من هَدْيٍ. أو تَفريعَ مَعلولٍ على عِلَّةٍ، أي: قال ذلك، فكان قولُه سببًا في نِسيانِه ما كان عليه مِن هَدْيٍ؛ إذ طبَعَ اللهُ على قلْبِه بقولِه ذلك، فحرَمَه التَّوفيقَ من بعْدُ [788] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/287). .
6- قولُه تعالى: أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا فيه الإتيانُ بهَمزةِ الإنكارِ داخِلةً على الفاءِ العاطفةِ، وهما يَستدعيانِ العطفَ على مُقدَّرٍ يَقْتضيه المَقامُ، وهو فِعلٌ يَصلُحُ أنْ يكونَ مَعطوفًا عليه لِمَا بعدَ الفاءِ، والتقديرُ: أَحُرِموا العَقلَ الهادي؛ فلا يَتفكَّرونَ، ولا يَنظُرونَ بنَظرِ البَصيرةِ أنَّ هذا المُتَّخذَ مِن هذه الأجرامِ لا يَصلُحُ للإلهيةِ، أم عَمُوا وصَمُّوا فلا يَهتدون إلى أنَّ الإلهَ ينبغي أنْ يكونَ سامعًا لدعاءِ عابدِه، عالِمًا بأفعالِه، دافعًا عنه المضارَّ، مُثيبًا ومعاقبًا؟! وهو إنكارٌ وتَقبيحٌ من جِهَتِه تعالى لحالِ الضَّالِّينَ والمُضلِّينَ جميعًا، وتَسفيهٌ لهم فيما أقْدَموا عليه مِن المُنكَرِ الَّذي لا يَشْتَبِهُ بُطلانُه واستحالتُه على أحدٍ، وهو اتِّخاذُه إلهًا [789] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (10/229))، ((تفسير أبي السعود)) (6/36). .
- وقيل: الرؤيةُ هنا في قوله: أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا ... بصريَّةٌ مُكنى بها، أو مُستعمَلةٌ في مُطلَقِ الإدراكِ، فآلتْ إلى معنى الاعتقادِ والعِلمِ، ولا سيَّما بالنِّسبةِ لجُملةِ وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا؛ فإنَّ ذلك لا يُرَى بالبصرِ، بخلافِ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا. والاستفهامُ في قولِه أيضًا: أَفَلَا يَرَوْنَ إنكاريٌّ؛ نُزِّلُوا مَنزِلةَ مَن لا يَرى العِجْلَ؛ لعدَمِ جَرْيِهم على مُوجِبِ البَصرِ؛ فأَنكَر عليهم عدَمَ رُؤيتِهم ذلك معَ ظُهورِه، أي: كيف يدَّعونَ الإلهيَّةَ للعِجْلِ، وهم يَرونَ أنَّه لا يَتكلَّمُ، ولا يَستطيعُ نفْعًا ولا ضَرًّا [790] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/288). ؟!
- قولُه: وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا قَدَّمَ الضَّرَّ على النَّفعِ؛ قطْعًا لعُذْرِهم في اعتقادِ إلهيَّتِه؛ لأنَّ عُذْرَ الخائفِ من الضَّرِّ أقْوى من عُذْرِ الرَّاغبِ في النَّفعِ [791] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/289). .