موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ العِشرونَ: مَن شَرَعَ في عِبادةٍ لَزِمَه إتمامُها


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "مَن شَرَعَ في عِبادةٍ لَزِمَه إتمامُها" [6309] يُنظر: ((المنتقى)) للباجي (1/243). ، وصيغةِ: "مَن دَخَلَ في عَمَلِ قُربةٍ يَلزَمُه إتمامُه" [6310] يُنظر: ((المدخل)) لابن الحاج (3/255). ، وصيغةِ: "مَن دَخَلَ في عَمَلٍ وجَبَ عليه إتمامُه" [6311] يُنظر: ((المدخل)) لابن الحاج (3/255). ، وصيغةِ: "مَن شَرَعَ في عِبادةٍ وجَبَ عليه إتمامُها" [6312] يُنظر: ((مواهب الجليل)) لأحمد الشنقيطي (2/57). ، وصيغةِ: "الشُّروعُ في العِبادةِ التِزامٌ لها" [6313] يُنظر: ((شرح عمدة الفقهـ)) لابن تيمية (3/504). ، وصيغةِ: "الشُّروعُ مُلزِمٌ كالنَّذرِ" [6314] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (1/159)، ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (1/277)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/347)، ((الفروع)) لابن مفلح (2/401)، ((العناية)) للبابرتي (3/112)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (2/394)، ((النهر الفائق)) لسراج الدين ابن نجيم (2/41). ، وصيغةِ: "الشُّروعُ مُلزِمٌ للإتمامِ كالنَّذرِ موجِبٌ للأداءِ" [6315] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (3/70). ، وصيغةِ: "الشُّروعُ ‌مُوجِبٌ" [6316] يُنظر: ((حاشية السندي على سنن النسائي)) (1/227). ، وصيغةِ: "الذي يَشرَعُ في عِبادةٍ يَجِبُ عليه أن يَأتيَ بها وإلَّا يَكونُ مُبطِلًا لعَمَلِه" [6317] يُنظر: ((عمدة القاري)) للعيني (11/77). ، وصيغةِ: "مَن شَرَعَ في عِبادةٍ واجِبةٍ وجَبَ عليه إتمامُها إلَّا لعُذرٍ شَرعيٍّ يُبيحُ له قَطعَها" [6318] يُنظر: ((فتح ذي الجلال والإكرام)) لابن عثيمين (4/609). ، وصيغةِ: "مَن دَخَلَ في شَيءٍ مِن أعمالِ الطَّاعاتِ لَم يَقطَعْه حَتَّى يُتِمَّه على سُنَّتِه" [6319] يُنظر: ((تفسير الموطأ)) للقنازعي (2/673). ، وصيغةِ: "مَن شَرَعَ في عِبادةٍ تَلزَمُه بالشُّروعِ ثُمَّ أفسَدَها فعليه قَضاؤُها على الصِّفةِ التي أفسَدَها مَعَ الإمكانِ" [6320] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/20). ، وصيغةِ: "مَن شَرَعَ في عِبادةٍ تَلزَمُ بالشُّروعِ، ثُمَّ فسَدَت؛ فعليه قَضاؤُها على الصِّفةِ التي أفسَدَها، سَواءٌ كانت واجِبةً في الذِّمَّةِ على تلك الصِّفةِ أو دونَها" [6321] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (1/210). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ المُكَلَّفَ إذا شَرَعَ في عِبادةٍ لَزِمَه إتمامُها، ولَم يَجُزْ له الخُروجُ مِنها قَبلَ إتمامِها؛ لِما فيه مِن إبطالِها. فالإنسانُ إذا شَرَعَ في عِبادةٍ مِنَ العِباداتِ فلا يَنبَغي له أن يُبطِلَها إلَّا لضَرورةٍ تَلحَقُه بأن يَأتيَ سَبَبٌ مِنَ الأسبابِ التي تقتَضي ذلك، كَأن يُحدِثَ في الصَّلاةِ؛ فهَنا بَطَلَت صَلاتُه. وكَذلك مَن شَرَعَ في عِبادةٍ تَلزَمُ بالشُّروعِ، ثُمَّ فسَدَت؛ فعليه قَضاؤُها على الصِّفةِ التي أفسَدَها، سَواءٌ كانت واجِبةً في الذِّمَّةِ على تلك الصِّفةِ أو دونَها [6322] يُنظر: ((النوادر والزيادات)) لابن أبي زيد القيرواني (2/71)، ((المنتقى)) للباجي (1/243)، ((القواعد)) لابن رجب (1/210)، ((تفسير الحداد)) (6/43)، ((بغية المقتصد)) للوائلي (5/2323)، ((شرح تحفة أهل الطلب)) لعبدالكريم اللاحم (ص: 98). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقُرآنِ الكريمِ، والسُّنَّةِ:
1- مِنَ القُرآنِ:
- قال اللهُ تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للَّهِ [البقرة: 196] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الأمرَ بالإتمامِ يَقتَضي الشُّروعَ في العِبادةِ، ويَجِبُ الإتمامُ بَعدَ الشُّروعِ فيها ولَو كانتِ العِبادةُ مَندوبةً، فمَن دَخَلَ في شَيءٍ مِن أعمالِ الطَّاعاتِ لَم يَقطَعْه حَتَّى يُتِمَّه على سُنَّتِه [6323] يُنظر: ((تفسير الموطأ)) للقنازعي (2/673)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/374)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب)) (1/563)، ((التفسير المنير)) لوهبة الزحيلي (2/197). .
- وقال اللهُ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد: 33] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
تَدُلُّ الآيةُ -على أحَدِ الأقوالِ في مَعناها- على أنَّ مَن شَرَعَ في قُربةٍ نَحوَ الصَّلاةِ والصَّومِ والحَجِّ، لَم يَجُزْ له الخُروجُ مِنها قَبلَ إتمامِها؛ لِما فيه مِن إبطالِ عَمَلِها [6324] يُنظر: ((تفسير الحداد)) (6/43)، ((عمدة القاري)) للعيني (11/77). .
2- مِنَ السُّنَّةِ:
عَن طَلحةَ بنِ عُبَيدِ اللهِ، قال: جاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن أهلِ نَجدٍ ثائِرَ الرَّأسِ يُسمَعُ دَويُّ صَوتِه ولا يُفقَهُ ما يَقولُ: حَتَّى دَنا، فإذا هو يَسألُ عَنِ الإسلامِ، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «خَمسُ صَلَواتٍ في اليَومِ واللَّيلةِ» قال: هَل عليَّ غَيرُهنَّ؟ قال: «لا إلَّا أن تَطَوَّعَ» قال: وذَكَرَ له رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «صيامَ شَهرِ رَمَضانَ» قال: هَل عليَّ غَيرُه؟ قال: «لا إلَّا أن تَطَوَّعَ» قال: وذَكَرَ له رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الصَّدَقةَ. قال: فهَل عليَّ غَيرُها؟ قال: «لا إلَّا أن تَطَوَّعَ» فأدبَرَ الرَّجُلُ وهو يَقولُ: واللهِ لا أزيدُ على هذا ولا أنقُصُ، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أفلَحَ إن صَدَقَ» [6325] أخرجه البخاري (46) واللفظ له، ومسلم (11). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
استُدِلَّ بهذا الحَديثِ في قَولِه: ((إلَّا أن تَطَوَّعَ)) على أنَّ الشُّروعَ في التَّطَوُّعِ يوجِبُ إتمامَه تَمَسُّكًا بأنَّ الاستِثناءَ فيه مُتَّصِلٌ؛ لأنَّه نَفى وُجوبَ شَيءٍ آخَرَ إلَّا ما تَطَوَّعَ به، والاستِثناءُ مِنَ النَّفيِ إثباتٌ، ولا قائِلَ بوُجوبِ التَّطَوُّعِ، فيَتَعَيَّنُ أن يَكونَ المُرادُ إلَّا أن تَشرَعَ في تَطَوُّعٍ فيَلزَمَكَ إتمامُه [6326] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/ 107)، ((فتح الودود)) للسندي (1/261). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- إذا شَرَعَ الإنسانُ في صَومٍ واجِبٍ- كَقَضاءٍ، أو كَفَّارةِ يَمينٍ، وما أشبَهَ ذلك مِنَ الصِّيامِ الواجِبِ- فإنَّه يَلزَمُه إتمامُه، ولا يَجوزُ له أن يَقطَعَه إلَّا لعُذرٍ شَرعيٍّ [6327] يُنظر: ((ملخص فقه العبادات)) لمؤسسة الدرر السنية (ص: 536). .
2- ذَهَبَ بَعضُ العُلَماءِ إلى أنَّ مَن شَرَعَ في صَلاةِ العيدِ فلا يَنصَرِفُ قَبلَ الخُطبةِ؛ لأنَّ مَن دَخَلَ في عَمَلٍ وجَبَ عليه إتمامُه، فلا يَنصَرِفُ حَتَّى يَفرُغَ الإمامُ مِن خُطبَتِه، وإن كانت صَلاةُ العيدِ لَيسَت بواجِبةٍ، لَكِن لَمَّا شَرَعَ فيها لَزِمَه إتمامُها على سُنَّتِها، وذلك بسَماعِ الخُطبةِ بَعدَ الصَّلاةِ [6328] يُنظر: ((المدخل)) لابن الحاج (3/255). .
3- مَن أفسَدَ صَومًا مَنذورًا يَومَ الخَميسِ، فإنَّ الواجِبَ في الذِّمَّةِ صَومُ يَومِ الخَميسِ؛ لأنَّ مَن شَرَعَ في عِبادةٍ تَلزَمُ بالشُّروعِ ثُمَّ فسَدَت، فعليه قَضاؤُها على الصِّفةِ التي أفسَدَها، سَواءٌ كانت واجِبةً في الذِّمَّةِ على تلك الصِّفةِ أو دونَها [6329] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (1/210)، ((شرح تحفة أهل الطلب)) لعبدالكريم اللاحم (ص: 99). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استثناءاتٌ:
عِبارةُ ابنِ رَجَبٍ: (مَن شَرَعَ في عِبادةٍ تَلزَمُ بالشُّروعِ ثُمَّ فسَدَت، فعليه قَضاؤُها على الصِّفةِ التي أفسَدَها، سَواءٌ كانت واجِبةً في الذِّمَّةِ على تلك الصِّفةِ أو دونَها) [6330] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (1/210). فيها قَيدٌ، وهو: العِباداتُ التي تَلزَمُ بالشُّروعِ. فدَلَّ على أنَّ ثَمَّةَ عِباداتٍ لا تَلزَمُ بالشُّروعِ فتَكونُ مُستَثناةً مِنَ القاعِدةِ، ومِنها: النَّفلُ المُطلَقُ الذي لَم يُقَيَّدْ بتَعيينٍ ولا بنَذرٍ، كَمُطلَقِ الصَّومِ أوِ الصَّلاةِ النَّافِلةِ إذا شَرَعَ فيها ثُمَّ أحَبَّ أن يَقطَعَها أو يَقطَعَ عَدَدًا فيها، فلَه ذلك.

انظر أيضا: