المَسألةُ الثَّالِثةُ: أقسامُ مَفهومِ المُخالَفةِ
أوَّلًا: مَفهومُ اللَّقَبِوهو تَعليقُ الحُكمِ بالِاسمِ العَلَمِ -نَحوُ: قامَ زَيدٌ-، أو باسِمِ نَوعٍ، نَحوُ: في الغَنَمِ زَكاةٌ. فلا يَدُلُّ على نَفيِ الحُكمِ عَمَّا عَداه
.
قال الكورانيُّ: (هو عِبارة عَمَّا يُفهَمُ مِن تَعليقِ الحُكمِ بالِاسمِ الخالي عن مَعنى الوصفيَّة، عَلَمًا كان أو غَيرَهـ)
.
وسُمِّيَ بمَفهومِ اللَّقَبِ؛ لأنَّ الحُكمَ فيه مُقَيَّدٌ باللَّقَبِ، ومَعنى اللَّقَبِ: اسمُ عَلَمٍ، واسمُ جِنسٍ
.
مِثالُه في اسمِ عَلَمٍ: قَولُك: زَيدٌ قائِمٌ، مَفهومُه: أنَّ غَيرَ زَيدٍ لَم يَقُمْ.
ومِثالُه في اسمِ الجِنسِ: قَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((الذَّهَبُ بالذَّهَبِ، والفِضَّةُ بالفِضَّةِ، والبُرُّ بالبُرِّ، والشَّعيرُ بالشَّعيرِ، والتَّمرُ بالتَّمرِ، والمِلحُ بالمِلحِ: رِبًا إلَّا هاءَ وهاءَ))
. مَفهومُه: لا رِبًا في غَيرِها مِن سائِرِ الأجناسِ
.
ثانيًا: مَفهومُ الصِّفةِوهو أن يَخُصَّ بَعضَ الأوصافِ التي تَطرَأُ وتَزولُ بالحُكمِ
.
مِثالُه: حَديثُ:
((وفي صَدَقةِ الغَنَمِ في سائِمَتِها...))
. مَفهومُه: أنَّ ما ليس بسائِمةٍ لا يَجِبُ فيها الزَّكاةُ
.
والتَّقييدُ بالصِّفةِ له فوائِدُ، منها
:1- أنَّ اللَّفظَ لَو أُطلِقَ في بَعضِ المَواضِعِ لَتَوهَّمَ مُتَوهِّمٌ أنَّ الصِّفةَ خارِجةٌ عنه، فتُذكَرُ الصِّفةُ لإزالةِ هذا الإيهامِ، وهذا مِثلُ قَولِ اللهِ تعالى:
وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ [الإسراء: 31] ؛ فإنَّه لَو أطلَقَ لَكان يَجوزُ أن يَتَوهَّمَ به مُتَوهِّمٌ أنَّه لَم يُرِدْ عِندَ خَشيةِ الإملاقِ، فذَكَر اللهُ تعالى خَشيةَ الإملاقِ ليَدفَعَ هذا الإيهامَ، وهذا غَرَضٌ صحيحٌ.
2- أن تَكونَ البَلوى قد وقَعَت بالصِّفةِ المَذكورةِ، وما عَداها لَم يَشتَبِهْ على النَّاسِ، فيُقَيِّدُ اللهُ تعالى الخِطابَ بالصِّفةِ لاختِصاصِ البَلوى بها، وهذا أيضًا مِثلُ قَولِ اللهِ تعالى:
وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ.
3- أن يَكونَ غَرَضُ الشَّارِعِ أن يُعلَمَ حُكمُ المَنصوصِ بالنَّصِّ، ويُعرَفَ حُكمُ ما عَداه بالقياسِ أو بدَليلٍ، وهذا غَيرُ مُمتَنِعٍ، كما لَم يَمتَنِعْ أن يُعرَفَ حُكمُ الأجناسِ السِّتَّةِ في الرِّبا بالنَّصِّ، ويُعرَفَ حُكمُ ما عَداها بالقياسِ عليها. وفى تَعريضِ المُجتَهدِ للِاجتِهادِ تَعريضُه للثَّوابِ، وهو نَفعٌ عَظيمٌ، وغَرَضٌ صحيحٌ.
ثالِثًا: مَفهومُ الشَّرطِوهو أن يَكونَ الحُكمُ على الشَّيءِ مُقَيَّدًا بالشَّرطِ
.
ومِثالُه: قَولُ اللهِ تعالى:
وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ [الطلاق: 6] ؛ فإنَّه يُفيدُ انتِفاءَ وُجوبِ الإنفاقِ عِندَ انتِفاءِ الحَملِ.
وكقَولِنا: مَن تَطَهَّر صَحَّت صَلاتُه؛ فإنَّه يَدُلُّ بالِالتِزامِ على أنَّ مَن لَم يَتَطَهَّرْ لا تَصِحُّ صَلاتُه
.
رابِعًا: مَفهومُ العَدَدِوهو تَعليقُ الحُكمِ بعَدَدٍ مَخصوصٍ، وذلك بأن يَخُصَّ نَوعًا مِنَ العَدَدِ بحُكمٍ؛ فإنَّه يَدُلُّ على انتِفاءِ الحُكمِ فيما عَدا ذلك العَدَدَ، زائِدًا كان أو ناقِصًا
.
وتَخصيصُ مِقدارِ مِنَ العَدَدِ بحُكمٍ، كَتَخصيصِ صِفةٍ مِنَ الصِّفاتِ بحُكمٍ؛ فالأوَّلُ مِن بابِ الكَمِّ، والثَّاني مِن بابِ الكَيفِ
.
ومِثالُه: تَخصيصُ حَدِّ القَذفِ بثَمانينَ في قَولِ اللهِ تعالى:
فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً [النور: 4] ، فيُفهَمُ منه نَفيُ الزَّائِدِ والنَّاقِصِ
.
وكقَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لا تُحَرِّمُ المَصَّةُ ولا المَصَّتانِ))
، فيَدُلُّ على: أنَّ ما زادَ على الاثنَينِ بخِلافِهما
.
وتَحقيقُ الكَلامِ في مَفهومِ العَدَدِ: أنَّ الحُكمَ إذا قُيِّدَ بعَدَدٍ مَخصوصٍ: فمِنه ما يَدُلُّ على ثُبوتِ الحُكمِ فيما زادَ على ذلك العَدَدِ بطَريقِ الأَولى، ولا يَدُلُّ على ثُبوتِه فيما نَقَصَ عنه، ومِنه ما هو بضِدِّ ذلك.
فمِثالُ الأوَّلِ: قَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((إذا بَلَغَ الماءُ قُلَّتَينِ لَم يَحمِلِ الخَبَثَ))
؛ فإنَّه يَدُلُّ بطَريقِ الأَولى على أنَّ ما زادَ على القُلَّتَينِ لا يَحمِلُ الخَبَثَ، ولَم يَدُلَّ على ذلك فيما دونَ القُلَّتَينِ.
ومِثالُ الثَّاني: إذا قيلَ: اجلِدوا الزَّانيَ مِائةَ جَلدةٍ؛ فإنَّه يَدُلُّ بطَريقِ الأَولى على وُجوبِ جَلدِه تِسعينَ وما قَبلَها مِن مَقاديرِ العَدَدِ؛ لدُخولِه في المِائةِ بالتَّضَمُّنِ، ولَم يَدُلَّ على الزِّيادةِ على المِائةِ.
وعلى ذلك فما لَم يَدُلَّ عليه التَّقييدُ بطَريقِ الأَولى، كالنَّاقِصِ عنِ القُلَّتَينِ، والزَّائِدِ عن مِائةِ سَوطٍ: هو مَحَلُّ النِّزاعِ في مَفهومِ العَدَدِ؛ لأنَّ ما يُفهَمُ بطَريقِ الأَولى يَكونُ مِن بابِ مَفهومِ الموافَقةِ، فلا يَتَّجِهُ فيه الخِلافُ
.
خامِسًا: مَفهومُ الغايةِوهو مَدُّ الحُكمِ إلى غايةٍ بصَريحِ الكَلامِ بصيغةِ "إلى" أو "حتَّى"، فيُفيدُ أنَّ حُكمَ ما بَعدَ الغايةِ يُخالِفُ ما قَبلَها؛ لأنَّ غايةَ الشَّيءِ مُنتَهاه ومُنقَطَعُه، فإذا انتَهى وانقَطَعَ لَم يَكُنْ بَعدَه إلَّا ضِدُّه
.
ومِثالُه: قَولُ اللهِ تعالى:
فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة: 230] مَفهومُه أنَّها إذا نَكَحَت زَوجًا غَيرَه حَلَّت.
وكقَولِ اللهِ تعالى:
قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة: 29] ، فمَفهومُه أنَّهم لا يُقتَلونَ بَعدَ إعطاءِ الجِزيةِ
.
سادِسًا: مَفهومُ الحَصرِ (حَقيقَتُه وأقسامُه وأدَواتُهـ)1- حَقيقةُ مَفهومِ الحَصرِ:هو انتِقاءُ الحُكمِ المَحصورِ عن غَيرِ ما حُصِرَ فيه، وثُبوتُ نَقيضِه له
.
وسُمِّيَ بمَفهومِ الحَصرِ؛ لأنَّ الحُكمَ مَحصورٌ فيه في شَيءٍ دونَ غَيرِه
.
مِثالُه:
إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة: 5] ؛ فإنَّ الحَصرَ المَدلولَ عليه بتَقديمِ المَعمولِ يُفهَمُ منه عَدَمُ عِبادةٍ سِواه جَلَّ وعَلا
.
2- أقسامُ مَفهومِ الحَصرِ:يَنقَسِمُ مَفهومُ الحَصرِ باعتِباراتٍ
:
إمَّا باعتِبارِ المَوصوفِ والصِّفةِ، وإمَّا باعتِبارِ العُمومِ والخُصوصِ، وإمَّا باعتِبارِ حَصرِ الأوَّلِ في الثَّاني، وعَكسِه.
أوَّلًا: أقسامُه باعتِبارِ المَوصوفِ والصِّفةِيَنقَسِمُ مَفهومُ الحَصرِ بهذا الاعتِبارِ إلى قِسمَينِ:
القِسمُ الأوَّلُ: حَصرُ المَوصوفِ في الصِّفةِمِثالُه: إنَّما زيدٌ عالِمٌ، أي: زيدٌ مَحصورٌ في هذه الصِّفةِ، وهيَ: اتِّصافُه بالعِلمِ إذا أُريدَ أنَّه لا يَتَّصِفُ بغَيرِ تلك الصِّفةِ، فلا يَكادُ يوجَدُ؛ لتَعَذُّرِ الإحاطةِ بصِفاتِ الشَّيءِ.
ومِثالُه أيضًا: زيدٌ صَديقي؛ لأنَّه حَصرَ زيدًا في صَداقَتِك، فلا يُصادِقُ غَيرَك، وأنتَ يَجوزُ أن تُصادِقَ غَيرَه؛ لأنَّك غَيرُ مَحصورٍ في صَداقَتِه.
القِسمُ الثَّاني: حَصرُ الصِّفةِ في مَوصوفِهامِثالُه: قَولُ اللهِ تعالى:
إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر: 28] يَقتَضي حَصرَ خَشيةِ اللهِ تعالى في العُلَماءِ، فلا يَخشاه غَيرُهم، ويَجوزُ أن يَخشَوا غَيرَه تعالى بمُقتَضى دَلالةِ هذا اللَّفظِ.
ومِثالُه أيضًا: قَولُك: صَديقي زَيدٌ؛ لأنَّه حُصِرَت صَداقَتُك في زَيدٍ، فلا تُصادِقُ غَيرَه، وهو يَجوزُ أن يُصادِقَ غَيرَك؛ لأنَّه غَيرُ مُنحَصِرٍ في صَداقَتِك، على عَكسِ الأوَّلِ الذي هو حَصرُ المَوصوفِ في الصِّفةِ.
والفرقُ بَين الحصرينِ المَذكورينِ:أنَّ المَوصوفَ في القِسمِ الأوَّلِ ليس له إلَّا تلك الصِّفةَ، ولا يَمتَنِعُ أن يُشارِكَه فيها غَيرُه.
وأمَّا المَوصوفُ في القِسمِ الثَّاني فلا يَمتَنِعُ أن يوصَفَ بغَيرِ تلك الصِّفةِ، ويَمتَنِعُ أن يُشارِكَه فيها غَيرُه.
ثانيًا: أقسامُ مَفهومِ الحَصرِ باعتِبارِ عُمومِه وخُصوصِه:يَنقَسِمُ مَفهومُ الحَصرِ بهذا الاعتِبارِ إلى قِسمَينِ:
أحَدُهما: عامٌّ. والثَّاني: خاصٌّ.
وعلى تَقديرِ القِسمَينِ المَذكورَينِ، وهما: حَصرُ المَوصوفِ في الصِّفةِ، وحَصرُ الصِّفةِ في المَوصوفِ، قد يَكونُ الحَصرُ في التَّقديرَينِ عامًّا، وقد يَكونُ في التَّقديرَينِ خاصًّا.
الأوَّلُ: قد يَكونُ الحَصرُ عامًّا في مُتَعَلِّقِه، نَحوُ قَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((إنَّما الماءُ مِنَ الماءِ))
، وقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لا يَقبَلُ اللهُ صَلاةً بغَيرِ طُهورٍ))
، وقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((تَحريمُها التَّكبيرُ، وتَحليلُها التَّسليمُ))
.
فهذه الأمثِلةُ كُلُّها تَعُمُّ مُتَعَلِّقَها ولا تَخُصُّه.
الثَّاني: قد يَكونُ الحَصرُ خاصًّا ببَعضِ ما تعَلَّق به، ولا يَعُمُّ جَميعَ مُتَعَلِّقِه، نَحوُ: قَولُ اللهِ تعالى:
إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ [الرعد: 7] ؛ لأنَّ هذه الآيةَ الكَريمةَ تَقتَضي حَصرَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في صِفةٍ واحِدةٍ، وهيَ الإنذارُ خاصَّةً، مَعَ أنَّه عليه السَّلامُ مَوصوفٌ بغَيرِ هذه الصِّفةِ مِنَ البِشارةِ، والشَّجاعةِ، والعِلمِ، والحِلمِ، والصَّبرِ، والجودِ، والكَرَمِ، والزُّهدِ، والورَعِ، وغَيرِ ذلك مِن سائِرِ الأوصافِ الجَميلةِ.
لَكِنَّ هذا الحَصرَ المَذكورَ في هذه الآيةِ خاصٌّ في تَعَلُّقِه؛ لأنَّه مَخصوصٌ بطائِفةِ الكُفَّارِ دونَ غَيرِهم، فحَصرُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الإنذارِ إنَّما ذلك باعتِبارِ الكُفَّارِ دونَ غَيرِهم؛ فإنَّ حَظَّ الكُفَّارِ منه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ إنَّما هو الإنذارُ ليس إلَّا، ولا يوصَفُ بغَيرِ الإنذارِ باعتِبارِ الكُفَّارِ؛ لقَولِه تعالى:
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ [الرعد: 7] .
وإن لَم يُحمَلِ الحَصرُ في الآيةِ المَذكورةِ على الخُصوصِ بالكُفَّارِ، فيَلزَمُ مِن ذلك ألَّا يَتَّصِفَ النَّبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بالبِشارةِ، ولا بالعِلمِ، ولا بالشَّجاعةِ، ولا بالجودِ، ولا بالزُّهدِ، ولا بالعِلمِ، ولا بالصَّبرِ، ولا بغَيرِ ذلك مِنَ الأوصافِ الجَميلةِ، وذلك مُخالِفٌ للإجماعِ؛ فوجَبَ حَملُ الآيةِ على الخُصوصِ، وهو المَقصودُ.
ثالِثًا: أقسامُ مَفهومِ الحَصرِ باعتِبارِ حَصرِ الأوَّلِ في الثَّاني، وعَكسِه
فيَكونُ الثَّاني مَحصورًا في الأوَّلِ في شَيئَينِ، وهما: تَقديمُ المعمولاتِ، ودُخولُ لامِ التَّعريفِ في الخَبَرِ، ويَكونُ الأوَّلُ مَحصورًا في الثَّاني فيما سِوى ذلك.
3- أدَواتُ الحَصرِ:أدَواتُ الحَصرِ أربَعةٌ
:
1- إنَّما: مِثلُ قَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ))
، فحُصِرَ قَبولُ الأعمالِ بالنِّيَّةِ.
2- النَّفيُ قَبلَ إلَّا، نَحوُ قَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لا يَقبَلُ اللهُ صَلاةً إلَّا بطُهورٍ))
، وكقَولِك: ما قامَ إلَّا زَيدٌ، لَم يَقُمْ إلَّا زَيدٌ، ليس في الدَّارِ إلَّا زَيدٌ.
3- حَصرُ المُبتَدَأِ في الخَبَرِ، نَحوُ قَولِ اللهِ تعالى:
الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ [البقرة: 197] فيَنحَصِرُ ميقاتُ الحَجِّ الزَّمانيِّ في ثَلاثةِ أشهُرٍ. وقَولِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ:
((تَحريمُها التَّكبيرُ، وتَحليلُها التَّسليمُ))
، أي: أسبابُ الدُّخولِ في حُرُماتِ الصَّلاةِ مُنحَصِرةٌ في التَّكبيرِ، وأسبابُ الخُروجِ مِن حُرُماتِها مُنحَصِرةٌ في التَّسليمِ.
4- تَقديمُ المعمولاتِ في المَفاعيلِ والمَجروراتِ، نَحوُ قَولِ اللهِ تعالى:
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 5] ، أي: لا نَعبُدُ إلَّا إيَّاكَ، ولا نَستَعينُ إلَّا بك، وقَولِ اللهِ تعالى عنِ المَلائِكةِ:
وَهُمْ بِأَمْرِه يَعْمَلُونَ [الأنبياء: 27] ، أي: لا يَعمَلونَ إلَّا بأمرِه، وقَولِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ:
إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى [العلق: 8] ، أي: إلى رَبِّك المُنتَهى وإلى اللهِ تُرجَعُ الأُمورُ وَحدَه لا إلى غَيرِه، ونَحوِها مِنَ المَجروراتِ المُتَقدِّمةِ؛ فإنَّه يَدُلُّ على انحِصارِ تلك المَعاني في هذه المَجروراتِ.
سابِعًا: مَفهومُ الزَّمانِ والمَكانِ1- مَفهومُ الزَّمانِ:وهو: دَلالةُ اللَّفظِ الذي عُلِّقَ الحُكمُ فيه بزَمانٍ مُعيَّنٍ على ثُبوتِ نَقيضِ هذا الحُكمِ للمَسكوتِ عنه الذي انتَفى عنه ذلك الزَّمانُ
.
وهو في التَّحقيقِ داخِلٌ في مَفهومِ الصِّفةِ، باعتِبارِ مُتَعَلِّقِ الظَّرفِ المُقدَّرِ
.
وسُمِّي بمَفهومِ الزَّمانِ؛ لأنَّ الحُكمَ فيه مُعَلَّقٌ بزَمانٍ
.
مِثالُه: قَولُ اللهِ تعالى:
الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ [البقرة: 197] ، فاحتَجَّ به الشَّافِعيُّ على أنَّه لَو أحرَمَ بالحَجِّ في غَيرِ أشهُرِه لَم يَنعَقِدْ حَجًّا، ويَتَحَلَّلُ منه بعُمرةٍ
.
وكقَولِ القائِلِ: سافرتُ يَومَ الجُمُعةِ، مَفهومُه أنَّه لَم يُسافِرْ في غَيرِ يَومِ الجُمُعةِ؛ لأنَّ سَفَرَه مُقَيَّدٌ بزَمانٍ مَخصوصٍ استَقَرَّ فيه، وغَيرُ يَومِ الجُمُعةِ يَشمَلُ الأزمانَ إلى أقصى الأزَلِ، فهذا يَدُلُّ بدَلالةِ اللُّزومِ -التي هيَ دَلالةُ مَفهومٍ- على العُمومِ مَسلوبِ النِّهايةِ
.
2-مَفهومُ المَكانِ:وهو: دَلالةُ اللَّفظِ الذي عُلِّقَ الحُكمُ فيه بمَكانٍ مُعيَّنٍ على ثُبوتِ نَقيضِ هذا الحُكمِ للمَسكوتِ عنه الذي انتَفى عنه ذلك
.
وهو في التَّحقيقِ راجِعٌ إلى مَفهومِ الصِّفةِ، باعتِبارِ مُتَعَلِّقِ الظَّرفِ المُقدَّرِ
.
وسُمِّيَ بمَفهومِ المَكانِ؛ لأنَّ الحُكمَ فيه مُقَيَّدٌ بمَكانٍ
.
ومِثالُه: قَولُ اللهِ تعالى:
وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة: 187] .
فقدِ احتُجَّ به على أنَّه لا يَصِحُّ الاعتِكافُ في غَيرِ المَسجِدِ
.
وكقَولِ القائِلِ: جَلَستُ أمامَ زَيدٍ، فهو يَدُلُّ بمَفهومِه على أنَّه لَم يَجلِسْ في غَيرِ هذه البُقعةِ، فلَم يَجلِسْ وراءَ زَيدٍ ولا يَمينَه ولا شَمالَه؛ لأنَّ جُلوسَه مُقَيَّدٌ بمَكانٍ مَخصوصٍ واستَقَرَّ فيه، فيَشمَلُ مِنَ الأحيازِ ما لا يَتَناهى بدَلالةِ المَفهومِ، وهيَ دَلالةُ الالتِزامِ
.
ثامِنًا: مَفهومُ الحالِومَعناه: تَقييدُ الخِطابِ بالحالِ، مِثلُ: قَولِ اللهِ تعالى:
وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة: 187] ، والحالُ كالصِّفةِ في ثُبوتِ الحُكمِ بوُجودِها، وانتِفائِه بعَدَمِها، فيَكونُ نَصُّه مستعمَلًا في الإثباتِ، ودَليلُه مستعمَلًا في النَّفيِ، مِثلُ الصِّفةِ
.
تاسِعًا: مَفهومُ الاستِثناءِوهو يَدُلُّ على ثُبوتِ ضِدِّ الحُكمِ السَّابِقِ للمُستَثنى منه للمُستَثنى؛ فإن كانتِ القَضيَّةُ السَّابِقةُ نَفيًا كان المُستَثنى مُثبَتًا، أو إثباتًا كان مَنفيًّا
.
ومِثالُه: قَولُ اللهِ تعالى:
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد: 19] ، وقَولُ القائِلِ: لا فتى إلَّا عَمرٌو، ولا عالِمَ في البَلَدِ إلَّا زيدٌ
.
عاشِرًا: مَفهومُ التَّقسيمِويَكونُ إذا قَسمَ الاسمَ إلى قِسمَينِ، فأثبَتَ في قِسمٍ مِنهما حُكمًا؛ فإنَّه يَدُلُّ على انتِفائِه في الآخَرِ؛ إذ لَو عَمَّهما لَم يَكُنْ للتَّقسيمِ فائِدةٌ؛ لأنَّ تَقسيمَه إلى قِسمَينِ، وتَخصيصَ كُلِّ واحِدٍ بحُكمٍ يَدُلُّ على انتِفاءِ ذلك الحُكمِ عنِ القِسمِ الآخَرِ
.
مِثالُه: قَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((الأيِّمُ أحَقُّ بنَفسِها مِن وليِّها، والبِكرُ تُستَأذَنُ في نَفسِها))
.