موسوعة اللغة العربية

المَطْلَبُ الثَّالثُ: الاستثناءُ بـ(إلَّا)


للاستِثناءِ بـ(إلَّا) صُوَرٌ ثلاثٌ يأتي عليها:
1- التامُّ الموجَبُ.
2- التامُّ المنفِيُّ.
3- المفَرَّغُ (النَّاقِصُ).
الأوَّلُ: إذا كان تامًّا مُوجَبًا
معنى التَّامِّ: أن يكون المُسْتَثنى منه مذكورًا.
ومعنى الموجَبِ: أن يكونَ مُثبتًا (لم يُسْبَقْ بنفٍيٍ أو نهيٍ أو استفهامٍ).
حُكمُه:
حُكمُ الاستثناءِ من هذا النوعِ وُجوبُ نَصْبِه، سواءٌ أكان:
أ- مُتَّصِلًا، نَحوُ: قام القومُ إلَّا زيدًا.
(قام) فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على الفَتحِ.
(القوم) فاعِلٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
(إلا) أداةُ استثناءٍ حَرفٌ مَبْنيٌّ لا مَحَلَّ له مِنَ الإعرابِ.
(زيدًا) مُسْتَثنى منصوبٌ وجوبًا، وعَلامةُ نَصبِه الفَتحةُ الظَّاهِرةُ.
- ومنه قَولُه تعالى: فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ [البقرة: 249] ، فالمُسْتَثنى منه موجودٌ، وهو (واوُ الجماعةِ)، والمقصودُ: رُفقاءُ طالوتَ وداودَ.
ب- أمْ منقَطِعًا، نَحوُ: قام القومُ إلَّا حمارًا، فـ(حمارًا) مُسْتَثنى منصوبٌ.
ومنه قَولُه تعالى: فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ [الحجر: 30 - 31] .
الثاني: التامُّ المنفيُّ
وهو ما فَقَد الإيجابَ بالنَّفيِ أو شِبْهِه، ويُقصَدُ بـ(شِبْهِه) هنا: النَّهيُ والاستفهامُ الذي يتضَمَّنُ معنى النَّفيِ.
وفيه تفصيلٌ:
أ- إذا كان الاستثناءُ مُتَّصِلًا، وهو ما كان المُسْتَثنى من جِنسِ المُسْتَثنى منه، مِثلُ: ما قام القومُ إلَّا زيدٌ أو زيدًا.
حُكمُه:
الأرجَحُ أن يكونَ تابعًا على الإبدالِ، لا منصوبًا على الاستثناءِ، فنقول: ما قام القومُ إلَّا زيدٌ.
(ما قام) ما: نافيةٌ، قام: فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على الفَتحِ.
(القوم) فاعِلٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
(إلا) أداةُ استثناءٍ، حرف مَبْنيٌّ على السُّكونِ لا مَحَلَّ له مِنَ الإعرابِ.
(زيدٌ) بدَلٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
ويجوز النَّصْبُ، فنقولُ: ما قام القومُ إلَّا زيدًا.
ومنه قَولُه تعالى: مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ [النساء: 66] ، ويَصِحُّ: إلَّا قليلًا وهي قراءة ابن عامر. يُنظَر: ((السبعة في القراءات)) لابن مجاهد (ص: 235)، ((الحجة في القراءات السبع)) لابن خالويه (ص: 124). .
وقد يُفقَدُ الإيجابُ بالنَّهيِ، مِثْلُ قَولِه تعالى: وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ [هود: 81] ، بنَصْبِ (امرأتك) ورَفْعِها قرأ ابنُ كثيرٍ وأبو عمرو "امرأتُك" برفعِ التاءِ، وقرأ نافِعٌ وعاصِمٌ وابنُ عامرٍ والكسائيُّ امْرَأَتَكَ. يُنظَر: ((السبعة في القراءات)) لابن مجاهد (ص: 338)، ((المبسوط في القراءات العشر)) لابن مهران (ص: 241). .
وقد يُفقَد الإيجابُ كذلك بالاستفهامِ. تَقولُ: هلْ حضَر أحدٌ إلَّا عَلِيٌّ أو عَلِيًّا.
ومنه قَولُه تعالى: قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [الحجر: 56] ، فإنَّ القراءةَ فيه واحِدةٌ بالرَّفعِ، ولو قيل: إلَّا الضَّالِّينَ، جاز في اللُّغةِ العربيَّةِ، لكِنَّ القراءةَ سُنَّةٌ مُتَّبَعةٌ.
ب- إذا كان الاستثناءُ مُنقَطِعًا، وهو ما لم يكُنِ المُسْتَثنى من جِنسِ المُسْتَثنى منه، مِثالُه: ما قدِم القَومُ إلَّا حِمارًا، وما رجَع الجُنودُ إلَّا فَرَسًا.
حُكمُه:
فيه مَذهَبانِ:
الأوَّلُ: وجوبُ النَّصْبِ: وهو مَذهَبُ أهلِ الحِجازِ؛ ولهذا جاءت الآيةُ بالنَّصْبِ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ [النساء: 157] ؛ فما بَعْدَ (إلَّا) ليس من جِنسِ ما قَبْلَها؛ لأنَّ اتِّباعَ الظَّنِّ ليس من العِلمِ.
الثاني: جوازُ النَّصْبِ والإبدالِ: وهو الذي عليه بنو تميمٍ؛ ولهذا يَقْرَؤون تلك الآيةَ بالرَّفعِ والنَّصْبِ، وكذلك قَولهُ تعالى: وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى [الليل: 19، 20]؛ حيث يَقْرَؤون "ابتغاءَ" بالرَّفعِ والنَّصْبِ، ويقولون: ما في الدَّارِ أحدٌ إلَّا حمارٌ، على الإبدالِ كالاستثناءِ المُتَّصِلِ يُنظَر: ((شرح المفصل)) لابن يعيش (2/ 55)، ((ارتشاف الضَّرَب من لسان العرب)) لأبي حيان الأندلسي (3/ 1511). .
تقدُّمُ المُسْتَثنى على المُسْتَثنى منه في الأُسلوبِ التَّامِّ المَنفيِّ:
إذا تقدَّم المُسْتَثنى على المُسْتَثنى منه وَجَب نصْبُه، مُتَّصِلًا أو منقطعًا؛ لأنَّ الإتباعَ إنما يكونُ على البَدَليَّةِ، والتَّابِعُ لا يتقَدَّمُ على المتبوعِ.
مِثالُه قَولُ الشَّاعِرِ:
فَمَا لِي إلَّا آلَ أَحْمَدَ شِيعَةٌ
وَمَا لِي إِلَّا مَذْهَبَ الحَقِّ مَذْهَبُ
والشَّاهِدُ فيه: تقدُّم (آلَ أَحْمَدَ) وهو مُستَثنى، على المُسْتَثنى منه (شِيعَةٌ)، وكان ذلك في سياقِ النَّفيِ، وهو مُتَّصِلٌ، فوجب النَّصْبُ.
ما: حرفُ نفيٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ لا مَحَلَّ له مِنَ الإعرابِ.
لي: جارٌّ ومجرورٌ في مَحَلِّ رَفعٍ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ.
إلا: أداةُ استِثناءٍ، حَرفٌ مَبْنيٌّ على السُّكونِ لا مَحَلَّ له مِنَ الإعرابِ.
آلَ: مُسْتَثنى منصوبٌ وجوبًا، وعَلامةُ نَصبِه الفتحةُ.
أحمد: مُضافٌ إليه مَجرورٌ، وعَلامةُ جَرِّه الفتحةُ؛ لأنَّه ممنوعٌ من الصَّرفِ.
شيعةٌ: مُبتَدَأٌ مؤخَّرٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ يُنظَر: ((شرح ألفية ابن مالك)) لابن الناظم (ص: 218)، ((التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل)) لأبي حيان (8/ 250). .
الثَّالثُ: الاستِثناءُ المُفَرَّغُ
وهو الاستِثناءُ النَّاقِصُ المنفيُّ، أي: الذي حُذِفَ منه المُسْتَثنى منه، وكان الكلامُ مَنفِيًّا.
وهذا حُكمُ إعرابِه أن يُعرَبَ المُسْتَثنى حَسَبَ مَوقِعِه في الجُملةِ، فتكونُ (إلَّا) غيرَ عاملةٍ ولا مؤثِّرةٍ في الإعرابِ، ويتسَلَّطُ العاملُ قَبْلَها على المُستَثنى.
فيُرفَع إذا كان:
- خَبَرًا، مِثلُ: قوله تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ [آل عمران: 144]. ما: حَرفُ نَفيٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ لا مَحَلَّ له مِنَ الإعرابِ، محمَّدٌ: مُبتَدَأٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ، إلَّا: حَرفُ استثناءٍ مُلغًى مَبْنيٌّ على السُّكونِ، رسولٌ: خَبَرٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
- أو مُبتَدَأً مؤخَّرًا، مِثلُ قَولِه تعالى: وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [النور: 54] . ما: حرفُ نَفيٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ لا مَحَلَّ له مِنَ الإعرابِ، على الرَّسولِ: جارٌّ ومجرورٌ في مَحَلِّ رَفعٍ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، إلَّا: حَرفُ استثناءٍ مُلغًى مَبْنيٌّ على السُّكونِ، البلاغُ: مُبتَدَأٌ مؤخَّرٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
- أو فاعِلًا، مِثلُ: ما رَفَعَ شأنَ الأُمَمِ إلَّا العِلمُ والأخلاقُ. ما: حَرفُ نَفيٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ لا مَحَلَّ له مِنَ الإعرابِ، رفع: فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على الفَتحِ، شأنَ: مَفعولٌ به مَنصوبٌ، وعَلامةُ نَصبِه الفَتحةُ الظَّاهِرةُ، الأُمَمِ: مُضافٌ إليه مَجرورٌ، وعَلامةُ جَرِّه الكَسْرةُ الظَّاهِرةُ، إلَّا: حَرفُ استثناءٍ مُلغًى مَبْنيٌّ على السُّكونِ، العِلمُ: فاعِلٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
- أو نائِبَ فاعِلٍ، مِثلُ: لا يُسْتَذَلُّ إلَّا ضَعيفٌ...إلخ، لا: نافيةٌ مَبْنيَّةٌ على السُّكونِ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ، يُستذَلُّ: فِعلٌ مُضارعٌ مَرفوعٌ، مَبْنيٌّ للمَجهولِ، وعلامةُ رَفْعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ، إلَّا: أداةُ استِثناءٍ مُهمَلةٌ، حَرفٌ مَبْنيٌّ على السُّكونِ لا مَحَلَّ له مِنَ الإعرابِ، ضعيفٌ: نائِبُ فاعِلٍ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
ويُنصَبُ إذا كان:
- مفعولًا به، مِثلُ: ما قُلتُ إلَّا كَلِمةَ الحقِّ.
ما قُلتُ: ما: نافِيةٌ، قُلتُ: فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِه بتاءِ الفاعِل، والتاءُ: ضَميرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنيٌّ على الضَّمِّ في مَحَلِّ رَفعٍ فاعِلٌ.
إلا: أداةُ استِثناءٍ مُلغاةٌ.
كَلِمةَ: مَفعولٌ به مَنصوبٌ، وعَلامةُ نَصبِه الفتحةُ، وهو مُضافٌ.
الحَقِّ: مُضافٌ إليه مَجرورٌ، وعَلامةُ جَرِّه الكَسرةُ.
- حالًا، مِثلُ: لم يفتَحِ العربُ بلدًا إلَّا ناشِرين للحَضارةِ والعَدالةِ.
لم: حَرفُ قَلبٍ وجَزمٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ.
يَفتَح: فِعلٌ مُضارعٌ مجزوم بـ(لم)، وعَلامةُ جزمه السُّكونِ، وحُرِّك بالكَسْرِ مَنعًا مِن التِقاءِ السَّاكِنَينِ.
العَرَبُ: فاعِلٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
بلدًا: مَفعولٌ به مَنصوبٌ، وعَلامةُ نَصبِه الفَتحةُ الظَّاهِرةُ.
إلَّا: حَرفُ استثناءٍ مُلغًى مَبْنيٌّ على السُّكونِ.
ناشِرينَ: حالٌ منصوبةٌ، وعَلامةُ نَصبِها الياءُ؛ لأنَّها جَمعُ مُذَكَّرٍ سالِمٌ.
- مفعولًا لأجْلِه، مِثلُ: قَولِه تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء: 107] .
ما: حرفُ نفيٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ.
أرسَلْناك: أرسل: فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِه بـ"نا" الفاعِلين، و"نا" ضَميرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنيٌّ في مَحَلِّ رَفعٍ فاعِلٌ، والكافُ ضَميرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنيٌّ في مَحَلِّ نَصبٍ مَفعولٌ به.
إلَّا: حَرفُ استثناءٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ.
رحمةً: مَفعولٌ لأجْلِه منصوبٌ، وعَلامةُ نَصبِه الفتحةُ.
ويُجَرُّ بحَرفِ الجَرِّ، مِثلُ: لا تعتَمِدْ إلَّا على ذي ثِقَةٍ. ذي: اسمٌ مَجرورٌ بـ(على)، وعَلامةُ جَرِّه الياءُ؛ لأنَّه من الأسماءِ السِّتَّةِ يُنظَر: ((شرح الكافية لابن الحاجب)) لرضي الدين الإستراباذي (2/ 99)، ((أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك)) لابن هشام (2/ 222). .

انظر أيضا: