موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ الخامِسُ: حَرفُ الفاءِ


حَرفٌ مُهمَلٌ غَيرُ عامِلٍ.
وتَأتي على أوجُهٍ:
1- تكونُ عاطِفةً: وتكونُ من الحُروفِ التي تُشْرِكُ في الإعرابِ والحُكمِ، وتُفيدُ ثَلاثة أُمُورٍ:
(أ) التَّرْتِيبُ، وهو نَوْعانِ: تَرْتِيبٌ في المَعْنى بأنْ يكون المَعْطُوفُ بها لاحقًا مُتَّصِلًا بِلا مُهلةٍ، كَقَوْلِه تعالَى: الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ [الانفطار: 7]، وتَرتيبٌ فِي الذِّكرِ، وهوَ عَطفٌ مُفَصَّلٍ على مُجمَلٍ، كَقَولِه تعالَى: وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي [هود: 45] الآيةَ [46] ينظر: ((شرح ابن الناظم على الألفية)) (ص: 373)، ((همع الهوامع)) للسيوطي (3/192)، ((حاشية الصبان على الأشموني)) (3/141)، ((معاني النحو)) للسامرائي (3/231). .
(ب) التَّعقيبُ، وهوَ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِه؛ نَحْوُ: تزَوَّج زيدٌ فوُلِد لَهُ، ونَحْوُ: قام زيدٌ فعَمْرٌو، فدَلَّت الفاءُ على أنَّ قِيامَ عَمرٍو بعْدَ زَيدٍ بلا مُهلةٍ. وتكونُ بِمَعْنى (ثُمَّ)، كَقَوْلِه تعالَى: ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا [المؤمنون: 14] [47] ينظر: ((شرح التسهيل)) لابن مالك (3/354)، ((ارتشاف الضرب)) لأبي حيان (4/1988)، ((توضيح المقاصد والمسالك)) للمرادي (2/998)، ((المساعد على ابن عقيل)) (2/448)، ((تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد)) لناظر الجيش (7/3437)، ((همع الهوامع)) للسيوطي (3/196). ، وَبِمَعْنى الواو [48] ينظر: ((مغني اللبيب)) (ص:215)، ((المقاصد الشافية في شرح الخلاصة الكافية)) للشاطبي (5/82)، ((المقاصد النحوية في شرح شواهد الألفية)) للعيني (4/1901). ، كَقَوْلِ امْرِئِ القَيْسِ:
قِفا نَبْكِ من ذِكْرى حَبيبٍ ومَنْزِلِ... بِسِقْطِ اللِّوَى بَين الدُّخُولِ فحَوْمَلِ [49] يُنظر: ((ديوان امرئ القيس)) (ص:21).
(ج) السَّبَبِيَّةُ، وَذَلِكَ غالِبٌ فِي العاطِفةِ جملةً أَو صِفةً. فَعَطْفُ الجُمَلِ نَحْوُ قَولِه تعالَى: فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ [القصص: 15] [50] ينظر: ((شرح التسهيل)) لابن مالك (3/352)، ((شرح الأشموني)) (2/364)، ((التصريح بمضمون التوضيح)) لخالد الأزهري (2/160)، ((همع الهوامع)) للسيوطي (3/192)، ((معاني النحو)) للسامرائي (3/235). . وَيُنصَبُ بَعْدَها الفِعْلُ المُضارعُ إذا وَقع بعد نَفيٍ أَو طَلَبٍ مَحْضَين،ِ بـ(أن) المضْمَرةِ؛ نَحْوُ قَولِه تعالَى: لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا [فاطر: 36] ، وَعطْفُ الصِّفةِ كَقَوْلِه تعالَى: ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ [الواقعة: 51 - 54] [51] ينظر: ((شرح الكافية الشافية)) لابن مالك (3/1543)، ((شرح التسهيل)) لابن مالك (4/30)، ((شرح ابن الناظم على الألفية)) (ص:482)، ((توضيح المقاصد والمسالك)) للمرادي (3/1252)، ((التصريح بمضمون التوضيح)) لخالد الأزهري (2/160)، ((تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد)) لناظر الجيش (8/4192)، ((حاشية الصبان على الأشموني)) (3/137). .
2- وَتَكونُ فِي جملةِ الشَّرْطِ، ومعناها الرَّبطُ، وتُلازِمُها السَّببيَّةُ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الشَّرْطَ والجَوابَ يَكُونانِ فِي المُسْتَقْبَلِ بتأثيرِ أَداةِ الشَّرْطِ، فإذا كانَ الجَوابُ دالًّا على الواقِعِ وَجَبت الفاءُ، كَقَوْلِه تعالَى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الأنعام: 17] . وَكَذَلِكَ إذا كانَ دالًّا على الِاسْتِقْبالِ من غيرِ تَأْثِيرِ أَداةِ الشَّرْطِ، كَقَوْلِه تعالَى: وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ [آل عمران: 115] ، وَقَولِه تعالَى مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة: 54] ، وَقَولِه تعالَى: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ [آل عمران: 28] ، وَقَولِه تعالَى: إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران: 31] [52] ينظر: ((شرح التسهيل)) لابن مالك (4/76)، ((شرح ابن الناظم على الألفية)) (ص:499)، ((ارتشاف الضرب)) لأبي حيان (4/1873)، ((المقاصد الشافية في شرح الخلاصة الكافية)) للشاطبي (6/142). .
3- أن تكونَ زائِدةً، وهي على ضَربينِ:
أحَدُهما: الفاءُ الدَّاخِلةُ على خَبَرِ المبتدأِ إذا تضَمَّن معنى الشَّرطِ؛ نَحْوُ: الذي يأتي فله دِرهَمٌ. فهذه الفاءُ شبيهةٌ بفاءِ جَوابِ الشَّرطِ؛ لأنَّها دخلت لتُفيدَ التَّنصيصَ على أنَّ الخَبَرَ مُستَحَقٌّ بالصِّلةِ المذكورةِ، ولو حُذِفَت لاحتَمَل كونُ الخَبَرِ مُستَحَقًّا بغَيْرِها.
ثانيهما: أن تكونَ دالَّةً على التوكيدِ فِي الكَلامِ، كقَوْلِه تعالَى: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ [الجمعة: 8] ، وقَولِك: كُلُّ رَجُلٍ يدْخُلُ الدَّارَ أَو فِي الدَّارِ فَلهُ دِرْهَمٌ، وفي التَّنْزِيلِ العَزِيزِ: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر: 4] ، وَنَحْوُ: وَأَنت فَرَعاكَ اللهُ [53] يُنظر: ((الأصول في النحو)) لابن السراج (2/168)، ((اللباب في علل البناء والإعراب)) للعكبري (1/421)، ((شرح المفصل)) لابن يعيش (1/253)، ((شرح الكافية الشافية)) لابن مالك (3/1256). .

انظر أيضا: