موسوعة التفسير

سورةُ المُؤْمِنونَ
الآيات (12-16)

ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ

غريب الكلمات:

سُلَالَةٍ: أي: ما يُسَلُّ مِن كُلِّ تُربةٍ، والسُّلالةُ: فُعالةٌ مِن السَّلِّ، وهو استخراجُ الشَّيءِ مِن الشَّيءِ، ومنه قولُهم: سلَلْتُ الشَّعرَ من العَجينِ فانسَلَّ [103] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 296)، ((تفسير ابن جرير)) (17/18)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 277)، ((البسيط)) للواحدي (15/533)، ((المفردات)) للراغب (ص: 418)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 249)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 519). .
نُطْفَةً: النُّطفةُ: هي المنيُّ [104] وقال الشنقيطي: (النُّطْفة مختلِطةٌ مِن ماءِ الرَّجلِ وماءِ المرأةِ). ((أضواء البيان)) (4/266). وذكَر الدليلَ على ذلك، فقال: (بدليلِ قولِه تعالَى: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ [الإنسان: 2] ، أي: أخلاطٍ مِنْ ماءِ الرَّجلِ وماءِ المرأةِ). ((أضواء البيان)) (2/330). ، وقيل: الماءُ الصَّافي، وقيل: الماءُ القليلُ، وأصلُ (نطف): يدُلُّ على نَدوةٍ وبَلَلٍ [105] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/440)، ((المفردات)) للراغب (ص: 811)، ((تفسير القرطبي)) (12/6)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 300). .
قَرَارٍ مَكِينٍ: أي: مُستَقَرٍّ حصينٍ، وهو الرَّحِمُ، وأصلُ (قرر): يدلُّ على تمكُّنٍ، والمكينُ: المُتمكِّنُ [106] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/594)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/7)، ((تفسير ابن عطية)) (4/138)، ((تفسير ابن كثير)) (8/299)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 740). .
عَلَقَةً: العَلَقةُ: الدَّمُ الجامِدُ، وأصلُ (علق): يدُلُّ على تعلُّقِ شَيءٍ بشَيءٍ [107] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/21)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/125)، ((تفسير القرطبي)) (12/6)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 300). .
مُضْغَةً: المُضْغةُ: القِطعةُ الصَّغيرةُ مِن اللَّحمِ قَدْرَ ما يُمضَغُ، وأصلُها: مِن المَضْغِ [108] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 444)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/330)، ((المفردات)) للراغب (ص: 770)، ((تفسير القرطبي)) (12/6)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 300). .

المعنى الإجمالي:

يخبِرُ اللهُ تعالى أنه خلَق آدَمَ مِن طينٍ مأخوذٍ مِن جَميعِ الأرضِ، ثمَّ جعل سبحانه وتعالى ابنَ آدم نطفةً تَستَقِرُّ محفوظةً في رحمِ المرأةِ، ثمَّ صَيَّر اللهُ تعالى النُّطفةَ قِطعةَ دَمٍ، فجعَلها قِطعةَ لَحمٍ صغيرةٍ، فجعَلها عِظامًا مختلفةً، وشَكَّلها ذاتَ رأسٍ ويدينِ ورِجلَينِ، ثم ألبس تلك العِظامَ لَحمًا، ثمَّ أنشَأه خَلقًا آخَرَ بأن نفخَ فيه الرُّوحَ، فتبارَكَ اللهُ الذي أحسَنَ وأتقنَ كُلَّ شَيءٍ خَلَقَه!
ثمَّ يُذكِّرُ الله البشرَ أنَّهم بعدَ ذلك سيموتونَ، ثمَّ بعدَ موتِهم سيُبْعثونَ يومَ القيامةِ مِن قُبورِهم؛ للحِسابِ والجَزاءِ.

تفسير الآيات:

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12).
مُناسَبةُ الآيةِ لما قَبلَها:
لَمَّا أمَرَ اللهُ سبحانه بالعباداتِ في الآيةِ المتقَدِّمةِ، والاشتغالُ بعبادةِ الله لا يَصِحُّ إلَّا بعد معرفةِ الإلهِ الخالقِ؛ لا جرَمَ عقَّبَها بذِكرِ ما يدُلُّ على وجودِه، واتِّصافِه بصفاتِ الجلالِ والوحدانيَّةِ [109] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (23/264). .
وأيضًا لَمَّا ذكر اللهُ تعالى أنَّ المتَّصفينَ بتلك الأوصافِ الجليلةِ هم يَرِثونَ الفِردَوسَ، فتضَمَّنَ ذلك المعادَ الأُخرويَّ- ذكَرَ النشأةَ الأولى؛ ليستَدِلَّ بها على صِحَّةِ النشأةِ الآخرةِ [110] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/550). .
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12).
أي: ولقد خلَق اللهُ تعالَى آدَمَ عليه السلامُ مِن طينٍ أُخِذ مِن جميعِ الأرضِ [111] يُنظر: ((تفسير الرسعني)) (5/106)، ((تفسير العليمي)) (4/460)، ((تفسير السعدي)) (ص: 548). وممن اختار أنَّ المرادَ بالإنسانِ: آدمُ: مقاتلُ بنُ سليمان، ويحيى بن سلام، والزجَّاج، والسمرقندي، والقصَّاب، وابن أبي زمنين، وابن كثير، وابن القيم، والعُليمي، والسعدي، وابنُ عثيمين. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/153)، ((تفسير يحيى بن سلام)) (1/394)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (4/8)، ((تفسير السمرقندي)) (2/475)، ((النكت الدالة على البيان)) للقصاب (2/345)، ((تفسير ابن أبي زمنين)) (3/196)، ((تفسير ابن كثير)) (5/465)، ((التبيان في أقسام القرآن)) لابن القيم (ص: 263)، ((هداية الحيارى)) لابن القيم (2/582)، ((تفسير العليمي)) (4/460)، ((تفسير السعدي)) (ص: 548)، ((تفسير ابن عثيمين: الحجرات - الحديد)) (ص: 272). قال ابن كثير: (وقال قتادَةُ: استُلَّ آدمُ مِنَ الطِّينِ. وهذا أظهرُ في المعنَى، وأقربُ إِلى السِّياقِ، فإنَّ آدَمَ عليه السَّلامُ خُلِق مِن طينٍ لازِبٍ، وهو الصَّلصالُ مِنَ الحمَأِ المسنونِ، وذلك مخلوقٌ مِنَ التُّرابِ، كما قالَ تعالَى: وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ [الروم: 20] ). ((تفسير ابن كثير)) (5/465). وقال ابنُ عاشور في معنى السُّلالةِ بِناءً على هذا القولِ: (السُّلالةُ: الطِّينَةُ الخاصَّةُ الَّتي كَوَّن اللَّهُ منها آدمَ، وهي الصَّلْصالُ الَّذي مَيَّزَه مِنَ الطِّينِ في مبدأِ الخليقةِ، فتلك الطِّينةُ مسلولةٌ سَلًّا خاصًّا مِنَ الطِّينِ ليتكَوَّنَ منها حَيٌّ). ((تفسير ابن عاشور)) (18/23). وقيل: المرادُ بالإنسانِ: ابنُ آدمَ. وممن اختار هذا القولَ: ابنُ جريرٍ، والثعلبي، والسمعاني، والواحدي، والبغوي، والخازن، والشوكاني. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/19)، ((تفسير الثعلبي)) (7/42)، ((تفسير السمعاني)) (3/466)، ((الوسيط)) للواحدي (3/285)، ((تفسير البغوي)) (3/361)، ((تفسير الخازن)) (3/269)، ((تفسير الشوكاني)) (3/564). قال ابنُ الجوزي: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فيه قولان: أحدُهما: أنَّه آدمُ عليه السَّلامُ، وإنَّما قيل: مِنْ سُلَالَةٍ؛ لأنَّه استُلَّ مِن كُلِّ الأرضِ. هذا مذهبُ سلمانَ الفارسيِّ، وابنِ عبَّاسٍ في روايةٍ، وقتادةَ. والثاني: أنَّه ابنُ آدم، والسُّلالةُ: النُّطفةُ استُلَّت من الطينِ، والطينُ: آدمُ عليه السلامُ. قاله أبو صالحٍ عن ابن عباسٍ. قال الزجَّاج: والسُّلالةُ: فُعالةٌ، وهي القليلُ مما يَنسَلُّ). ((تفسير ابن الجوزي)) (3/257). وقال السمعاني: (وقولُه: مِنْ طِينٍ الطينُ هاهُنا هو آدمُ، وعليه الأكثرونَ). ((تفسير السمعاني)) (3/466). وقال ابن جُزي: (ويحتملُ عندي أن يرادَ بالإنسانِ الجنسُ الذي يعُمُّ آدمَ وذريتَه، فأجمَلَ ذِكرَ الإنسانِ أوَّلًا، ثم فصَّلَه بعد ذلك إلى الخِلقةِ المختصَّةِ بآدمَ: وهي من طينٍ، وإلى الخِلقةِ المختصَّةِ بذريَّتِه، وهي النطفةُ). ((تفسير ابن جزي)) (2/49). وقولُه: مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (مِن) الأولى ابتدائيَّةٌ متعلِّقةٌ بالخَلقِ، و(مِنْ) الثانية بيانيَّةٌ متعلِّقةٌ بمحذوفٍ وقَعَ صفةً لسُلالة، أي: خلقناهُ مِن سُلالةٍ كائنةٍ مِن طينٍ. ويجوزُ أنْ تتعلَّق بسُلالة على أنَّها بمعنى مسلولةٍ؛ فهي ابتدائيَّةٌ كالأُولى. يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/178)، ((تفسير البيضاوي)) (4/83)، ((تفسير أبي حيان)) (7/550، 551)، ((تفسير أبي السعود)) (6/126). .
كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ [الحج: 5] .
وقال سُبحانَه: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ [السجدة: 7، 8].
وعن أبي موسى الأشعريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ اللهَ تعالى خلَقَ آدَمَ مِن قَبضَةٍ قبَضَها مِن جَميعِ الأرضِ، فجاء بنو آدَمَ على قَدْرِ الأرضِ [112] على قَدْرِ الأرضِ، أي: مَبْلَغِها من الألوانِ والطِّباعِ. يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (1/176). ، فجاء منهم الأحمَرُ والأبيَضُ، والأسْوَدُ وبيْنَ ذلك، والسَّهلُ والحَزْنُ [113] والسَّهلُ، أي: اللَّيِّنُ. والحَزْنُ، أي: الغَليظُ. يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (1/176). ، والخَبيثُ والطَّيِّبُ)) [114] أخرجه أبو داود (4693)، والترمذي (2955)، وأحمد (19642). قال الترمذي: (حسَنٌ صحيح)، وصحَّحه ابنُ العربي في ((عارضة الأحوذي)) (6/74)، وابنُ دقيقِ العيدِ في ((الاقتراح)) (ص126)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4693). .
ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13).
أي: ثمَّ جعَلْنا ابنَ آدمَ [115] على القولِ بأنَّ المرادَ بالإنسانِ آدمُ: فالمرادُ بقولِه: جَعَلْنَاه بنو آدمَ، (ويكونُ الضميرُ يعودُ على غيرِ مَن ذُكِرَ أوَّلًا، ولكن يفسِّره سياقُ الكلامِ، وإن أراد بالإنسانِ ابنَ آدم فيستقيمُ عودُ الضمير عليه، ويكون معنى خَلْقِه مِن سُلالَةٍ مِن طِينٍ: أي: خلْقِ أصلِه، وهو أبوه آدمُ). ((تفسير ابن جزي)) (2/49). وقال القصَّاب: (ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً الهاء: غيرُ راجعةٍ إلى آدمَ، بل راجعةٌ على ولدِه؛ لأنَّهم شاركوه باسم الإنسيَّةِ، وهي عمومٌ منهم، إلَّا عيسى صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فإنَّه غيرُ مجعولٍ نطفةً، بل مخلوقٌ بقدرةِ الربِّ في بطن أمِّه، وحواءُ خارجةٌ مِن الطينِ والنُّطفةِ معًا؛ لأنَّ خَلْقَها بعدَ خلقِ آدمَ، وبعدَ نفْخِ الرُّوحِ فيه مِن ضِلَعٍ مِن أضلاعِه، والضِّلَعُ حينئذٍ عظمٌ). ((النكت الدالة على البيان)) (2/345). نُطفةً [116] قال الشنقيطي: (خُلِقَ الإنسانُ مِن نطفةٍ، وهي مَنيُّ الرجلِ ومَنيُّ المرأةِ... وقال صاحبُ «الدر المنثور» بعد ذكرِ بعض الرواياتِ في تفسير الأمشاجِ بالأخلاطِ مِن ماء الرجلِ وماء المرأةِ: وأخرج الطستي عن ابنِ عباسٍ: أنَّ نافِعَ بنَ الأزرق، قال: أخبِرْني عن قوله: مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ قال: اختلاطُ ماءِ الرجلِ وماء المرأةِ إذا وقع في الرحمِ... إذا عرَفتَ معنى ذلك، فاعلمْ أنَّه تعالى بيَّنَ أنَّ ذلك الماءَ الذي هو النطفةُ: منه ما هو خارجٌ مِن الصُّلبِ، وهو ماءُ الرجلِ، ومنه ما هو خارجٌ مِن الترائبُ، وهو: ماءُ المرأةِ، وذلك في قولِه جلَّ وعلا: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ [الطارق: 5 - 7]؛ لأنَّ المرادَ بالصُّلبِ: صُلبُ الرجلِ، وهو ظهرُه، والمرادَ بالترائبِ: ترائبُ المرأةِ، وهي موضِعُ القِلادةِ منها... فقولُه هنا: مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ يدُلُّ على أنَّ الأمشاجَ هي الأخلاطُ المذكورةُ). ((أضواء البيان)) (2/330). ، مُستَقِرَّةً محفوظةً في رَحِمِ المرأةِ [117] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/20)، ((تفسير السعدي)) (ص: 548)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/23)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/322، 323). قال الشنقيطي: (القرارُ هنا: مكانُ الاستقرارِ، والمكينُ: المتمكِّنُ، وُصِفَ القرارُ به؛ لتمكُّنِه في نفْسِه، بحيث لا يَعرِضُ له اختلالٌ، أو لتمكُّنِ مَن يحُلُّ فيه، قاله أبو حيانَ في «البحر». وقال الزمخشري: القرارُ: المستقَرُّ، والمراد به: الرَّحِمُ، وصِفَت بالمكانةِ التي هي صفةُ المستقِرِّ فيها، أو بمكانتِها في نفْسِها؛ لأنَّها مَكُنَت بحيث هي وأُحرِزت). ((أضواء البيان)) (5/324). ويُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/178)، ((تفسير أبي حيان)) (7/551). وقال البقاعي: (فِي قَرَارٍ أي: مِن الصُّلبِ والترائبِ ثمَّ الرَّحمِ). ((نظم الدرر)) (13/115). .
كما قال سُبحانَه: أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ  [المرسلات: 20- 22] .
ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14).
ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً.
أي: ثمَّ صيَّرْنا النُّطْفةَ قِطعةَ دَمٍ تعْلَقُ في الرَّحمِ [118] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/21)، ((تفسير ابن كثير)) (5/466)، ((تفسير السعدي)) (ص: 548). .
فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً.
أي: فجعَلْنا قِطعةَ الدَّمِ قِطعةَ لَحمٍ صَغيرةً، لا شَكلَ فيها ولا تَخطيطَ [119] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/21)، ((تفسير ابن كثير)) (5/466)، ((تفسير السعدي)) (ص: 548). .
كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ [الحج: 5] .
وعن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: حَدَّثَنا رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهو الصَّادِقُ المَصدوقُ، قال: ((إنَّ أحَدَكم يُجمَعُ خَلقُه في بَطنِ أمِّه أربعينَ يَومًا، ثمَّ يكونُ عَلَقةً مِثلَ ذلك، ثمَّ يكونُ مُضغةً مِثلَ ذلك )) [120] رواه البخاري (3208) واللفظ له، ومسلم (2643). .
فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا.
أي: فجعَلْنا قِطعةَ اللَّحمِ عِظامًا مُختَلِفةً، شَكَّلْناها ذاتَ رأسٍ ويدينِ ورِجلَينِ [121] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/21)، ((تفسير ابن كثير)) (5/466)، ((تفسير السعدي)) (ص: 548). .
فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا.
أي: فألبَسْنا تلك العِظامَ لَحمًا [122] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/21)، ((تفسير ابن كثير)) (5/466)، ((تفسير السعدي)) (ص: 548). .
ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ.
أي: ثمَّ نفَخْنا فيه الرُّوحَ، فتحَوَّلَ إنسانًا حَيًّا، وبشَرًا سَوِيًّا [123] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/21، 24)، ((تفسير ابن كثير)) (5/466، 467)، ((تفسير السعدي)) (ص: 548)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/325). .
فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ.
أي: فتعاظَمَ وكثُرَ خَيرُ اللهِ أتقنِ الصَّانِعينَ، الذي أتْقَنَ كلَّ شَيءٍ خلَقَه [124] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (4/138)، ((تفسير القرطبي)) (12/110)، ((تفسير ابن كثير)) (5/468)، ((تفسير السعدي)) (ص: 548). قال الراغب: (كلُّ موضعٍ ذُكِرَ فيه لفظُ «تبارك» فهو تنبيهٌ على اختِصاصِه تعالى بالخَيراتِ المذكورةِ مع ذِكرِ «تبارك»). ((المفردات)) (ص: 120).           وقال ابنُ جُزي: (أي: أحسنُ الخالقينَ خَلقًا، فحُذِف التمييزُ؛ لدَلالةِ الكلامِ عليه. وفسَّرَ بعضُهم الْخَالِقِينَ بالمقَدِّرينَ؛ فرارًا مِن وصفِ المخلوقِ بأنَّه خالقٌ، ولا يجِبُ أن يُنفَى عن المخلوقِ أنَّه خالقٌ بمعنى صانعٍ، كقولِه: وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ [المائدة: 110]، وإنما الذي يجبُ أن يُنفَى عنه: معنى الاختراعِ والإيجادِ مِن العدَمِ؛ فهذا هو الذي انفردَ الله به). ((تفسير ابن جزي)) (2/49). ويُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (3/258)، ((شفاء العليل)) لابن القيم (ص: 131، 132). !
كما قال تعالى: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ [السجدة: 7].
وعن عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ الله عنه، عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أنَّه كان إذا سجَدَ قال: ((اللهمَّ لك سجَدْتُ، وبك آمَنْتُ، ولك أسلَمْتُ، سَجَد وَجْهي للَّذي خلقَه وصَوَّره، وشقَّ سَمْعَه وبصَرَه، تبارك اللهُ أحسَنُ الخالقِينَ )) [125] رواه مسلم (771). .
ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15).
أي: ثمَّ إنَّكم -أيُّها النَّاسُ- بعد أنْ خلَقْناكم وأحيَيناكم ستَموتونَ، فتَعودونَ تُرابًا كما كُنتُم [126] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/26)، ((تفسير القرطبي)) (12/111)، ((تفسير ابن كثير)) (5/469)، ((تفسير السعدي)) (ص: 549). .
كما قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران: 185] .
ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16).
أي: ثمَّ إنَّكم -أيُّها النَّاسُ- ستُبعَثونَ يومَ القيامةِ مِنَ التُّرابِ؛ للحِسابِ والجَزاءِ [127] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/26)، ((تفسير القرطبي)) (12/111)، ((تفسير ابن كثير)) (5/469)، ((تفسير السعدي)) (ص: 549). .
كما قال تعالى: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [القيامة: 36 - 40] .

الفوائد التربوية:

قَولُ الله تعالى: ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ فيه تنبيهٌ للإنسانِ أن يكون الموتُ نُصبَ عينَيه، ولا يَغفُلَ عن ترَقُّبِه؛ فإنَّ مآلَه إليه، لأنَّ الإنسانَ في الحياةِ الدُّنيا يسعَى فيها غايةَ السَّعيِ، ويَكِدُّ ويجمَعُ حتى كأنَّه مُخلَّدٌ فيها، فنبَّه بذِكرِ الموتِ مؤكِّدًا مبالِغًا فيه؛ لِيُقصِرَ، ولِيَعلَمَ أنَّ آخِرَه إلى الفناءِ، فيعمَلَ لدارِ البقاءِ [128] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/553). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قَولُ الله تعالى: ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فيه ردٌّ على مَن زعَمَ أنَّ الإنسانَ هو الرُّوحُ فقط، وقد بيَّن تعالى أنَّ الإنسانَ مركَّبٌ مِن هذه الأشياءِ. وفيه ردٌّ أيضًا على الفلاسِفةِ في زَعمِهم أنَّ الإنسانَ شَيءٌ لا ينقَسِمُ [129] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/551). .
2- قال الله تعالى: ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً مِن إعجازِ القُرآنِ العِلميِّ تسميةُ هذا الكائِنِ باسمِ العَلَقةِ؛ فإنَّه وَضعٌ بديعٌ لهذا الاسمِ؛ إذ قد ثبت في عِلمِ التَّشريحِ أنَّ هذا الجزءَ الذي استحالت إليه النُّطفةُ هو كائنٌ له قوَّةُ امتصاصِ القُوَّةِ مِن دَمِ الأمِّ؛ بسبَبِ التِصاقِه بعروقٍ في الرَّحِمِ تدفَعُ إليه قُوَّةَ الدَّمِ [130] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/23، 24). .
3- إن قيل: كيف الجمعُ بينَ قَولِه: أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، وقَولِه: هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ [فاطر: 3] ؟
فالجوابُ: أنَّ الخَلقَ يكونُ بمعنى الإيجادِ، ولا مُوجِدَ سِوى اللهِ، ويكونُ بمعنى التَّقديرِ، كقولِ زُهَيرٍ [131] يُنظر: ((ديوان زهير بن أبي سلمى)) (ص: 56). :
وبعضُ القَومِ يَخلُقُ ثمَّ لا يَفري [132] الخَلقُ: التَّقديرُ. والفَرْيُ: القَطعُ على وَجهِ الإصلاحِ، ولا يَفْرِي: أي: لا يَقطَعُ. يُنظر: ((غريب الحديث)) للقاسم بن سلام (4/216)، ((جمهرة اللغة)) لابن دريد (1/619). .
 فهذا المرادُ هاهنا: أنَّ بني آدَمَ قد يصوِّرونَ ويُقَدِّرونَ ويَصنَعونَ الشَّيءَ؛ فاللهُ خَيرُ المصوِّرينَ والمقَدِّرينَ. وقال الأخفَشُ: الخالقونَ هاهنا هم الصَّانِعونَ، فاللهُ خيرُ الخالِقينَ [133] يُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (3/258). .
4- قَولُ الله تعالى: ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ فيه سؤالٌ: قد يُفهَمُ مِن هذه الآيةِ نفيُ عذابِ القبرِ؛ لأنَّه لم يَذكُرْ بينَ الأمْرينِ الإحياءَ في القبرِ والإماتةَ؟
الجوابُ مِن وجوهٍ:
الوجه الأول: أنَّه ليس في ذِكرِ الحياتينِ نفيُ الثالثةِ.
الوجه الثاني: أنَّ الغرضَ ذِكرُ هذه الأجناسِ الثلاثةِ -الإنشاءُ والإماتةُ والإعادةُ-، والذي تُرِكَ ذِكرُه فهو مِن جنسِ الإعادةِ [134] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (23/267). .
الوجه الثالث: أنَّه عيَّن البعثَ الأكبرَ التامَّ الذي هو محطُّ الثوابِ والعقابِ؛ لأنَّ مَن أقرَّ به أقرَّ بما هو دونَه مِن الحياةِ في القبرِ وغيرِها [135] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (13/118). .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ شُروعٌ في بَيانِ مَبدأِ خَلْقِ الإنسانِ، وتَقلُّبِه في أطوارِ الخِلْقةِ، وأدوارِ الفِطْرةِ بَيانًا إجْماليًّا [136] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/125). . والواوُ في وَلَقَدْ عاطفةٌ غرَضًا على غرَضٍ، ويُسمَّى عطْفَ القِصَّةِ على القِصَّةِ، فالجُملةُ استئنافٌ؛ لأنَّها عَطْفٌ على جُملةِ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون: 1] الَّتي هي ابتدائيَّةٌ، وهذا شُروعٌ في الاستدلالِ على انفرادِ اللهِ تعالى بالخلْقِ وبَعظيمِ القُدرةِ الَّتي لا يُشارِكُه فيها غيرُه، وعلى أنَّ الإنسانَ مَربوبٌ للهِ تعالى وَحْدَه، والاعتبارِ بما في خَلْقِ الإنسانِ وغَيرِه مِن دلائلِ القُدرةِ ومِن عَظيمِ النِّعمةِ؛ فالمَقصودُ منه إبطالُ الشِّركِ، ويَتضمَّنُ ذلك امتنانًا على النَّاسِ بأنَّه أخرَجَهم مِن مَهانةِ العدَمِ إلى شَرفِ الوُجودِ؛ وذلك كلُّه لِيَظهَرَ الفَرقُ بين فَريقِ المُؤمِنينَ الَّذين جَرَوا في إيمانِهم على ما يَلِيقُ بالاعترافِ بذلك، وبينَ فَريقِ المُشرِكين الَّذين سَلَكوا طَريقًا غيرَ بَيِّنَةٍ، فحادُوا عن مُقْتَضى الشُّكْرِ بالشِّركِ [137] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/21، 22). .
- وفي قولِه: وَلَقَدْ خَلَقْنَا تأْكيدُ الخَبرِ بلامِ القَسمِ وحَرْفِ التَّحقيقِ (قد)، وهو مُراعًى فيه التَّعريضُ بالمُشرِكين المُنزَّلينَ مَنزِلةَ مَن يُنكِرُ هذا الخَبرَ؛ لِعَدمِ جَرْيِهم على مُوجَبِ العلْمِ [138] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/22). .
2- قوله تعالى: ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ
- قولُه: ثُمَّ جَعَلْنَاهُ ...، أي: وَضْعَناها فيه؛ حِفْظًا لها؛ ولذلك غُيِّرَ في الآيةِ التَّعبيرُ عن فِعْلِ الخَلْقِ إلى فِعْلِ الجَعْلِ المُتعدِّي بـ (في) بمعنى الوَضْعِ [139] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/23). .
- وثُمَّ للتَّرتيبِ الرُّتْبِيِّ؛ لأنَّ ذلك الجعلَ أعظمُ مِنْ خلقِ السُّلالَةِ [140] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/23). .
- والضَّميرُ في قولِه: جَعَلْنَاهُ عائدٌ على ابنِ آدَمَ وإنْ كان لم يُذْكَرْ؛ لِشُهرةِ الأمْرِ، أو على حَذْفِ مُضافٍ، أي: ثُمَّ جعَلْنا نَسْلَه؛ ففيه إيجازٌ بالحَذفِ [141] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/83)، ((تفسير أبي حيان)) (7/550). .
- قولُه: فِي قَرَارٍ مَكِينٍ المكينُ، أي: الثابِتُ في المكانِ بحيث لا يُقْلَعُ مِن مكانِه؛ فمُقْتَضى الظَّاهرِ أنْ يُوصَفَ بالمَكينِ الشَّيءُ الحالُّ في المكانِ الثَّابتِ فيه، وقد وقَعَ هنا وَصْفًا لنَفْسِ المكانِ الَّذي استقرَّتْ فيه النُّطفةُ؛ للمُبالَغةِ، وحَقيقتُه: مَكينٌ حالُه [142] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/83)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/23). . وأيضًا عُبِّرَ عن الرَّحمِ بالقَرارِ الَّذي هو مَصدرٌ؛ مُبالَغةً [143] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/83)، ((تفسير أبي السعود)) (6/126). .
3- قولُه تعالى: ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ فيه اخْتِلافُ حُروفِ العَطْفِ (ثمَّ - الفاء)؛ لِتَفاوُتِ الاستحالاتِ [144] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/83)، ((تفسير أبي السعود)) (6/126). . وعُطِفَ جَعْلُ العَلَقةِ مُضغةً بالفاءِ؛ لأنَّ الانتقالَ مِن العَلقةِ إلى المُضْغةِ يُشْبِهُ تَعقيبَ شَيءٍ عن شَيءٍ؛ إذِ اللَّحمُ والدَّمُ الجامِدُ مُتقارِبانِ، فتَطوُّرُهما قَريبٌ، وإنْ كان مُكْثُ كلِّ طَورٍ مُدَّةً طويلةً [145] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/24). . وجُمِعَ (عظام)؛ لاختلافِها في الهيئةِ والصَّلابةِ [146] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/83)، ((تفسير أبي السعود)) (6/126). .
- وعُطِفَ بـ ثُمَّ في قولِه: ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ؛ لكَمالِ التَّفاوُتِ بين الخَلْقينِ [147] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/126)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/24). .
- قولُه: فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ اعتراضٌ تَذييليٌّ مُقرِّرٌ لمَضمونِ ما قبْلَه؛ لأنَّ (تبارَكَ) لمَّا حُذِفَ مُتعلِّقُه كان عامًّا، فيَشمَلُ عَظمةَ الخيرِ في الخَلْقِ وفي غَيرِه. وكذلك حَذْفُ مُتعلِّقِ (الخالقينَ) يَعُمُّ خَلْقَ الإنسانِ، وخلْقَ غيرِه كالجبالِ والسَّمواتِ. والفاءُ في فَتَبَارَكَ ... تَفريعٌ على حِكايةِ هذا الخَلْقِ العجيبِ بإنشاءِ الثَّناءِ على اللهِ بأنَّه أحسَنُ الخالِقِينَ [148] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/127)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/25). .
- وأيضًا في قولِه: فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ الْتِفاتٌ إلى الاسمِ الجليلِ؛ لتَربيةِ المَهابَةِ، وإدخالِ الرَّوعةِ، والإشعارِ بأنَّ ما ذُكِرَ مِن الأفاعيلِ العجيبةِ مِن أحكامِ الأُلوهيَّةِ، وللإيذانِ بأنَّ حَقَّ كلِّ مَن سمِعَ ما فُصِّلَ مِن آثارِ قُدرتِه عَزَّ وعَلا أو لَاحَظَهُ: أنْ يُسارِعَ إلى التَّكلُّمِ به؛ إجلالًا وإعظامًا لشُؤونِه تعالى [149] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/126). .
- وأيضًا في قوله: فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ما يُعرَفُ بـ «ائتِلافِ الفاصِلةِ» [150] ائتلافُ الفاصلةِ أو التمكينُ: هو أن يُمَهَّدَ قبلَ الفاصلةِ تمهيدٌ تأتي به الفاصلةُ مُمَكَّنةً في مكانها، مُستقرَّةً في قرارِها، مُطمئِنَّةً في موضعها، غيرَ نافرةٍ ولا قَلِقةٍ، مُتعلِّقًا معناها بمعنى الكلامِ كلِّه تَعلُّقًا تامًّا، بحيثُ لو طُرِحتْ لاختلَّ المعنى، واضطرَب الفَهمُ. يُنظر: ((البرهان في علوم القرآن)) للزركشي (1/79)، ((مفاتيح التفسير)) للخطيب (1/18). .
قولُه تعالى: ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ إدماجٌ [151] الإدماجُ لُغةً: الإدخالُ؛ يُقال: أدْمَجَ الشيءَ في ثَوبٍ، إذا لَفَّه فيه. واصطلاحًا: أنْ يُدمِجَ المتكلِّمُ غرضًا في غَرضٍ، أو بديعًا في بديعٍ بحَيثُ لا يَظهرُ في الكلامِ إلَّا أحدُ الغرَضينِ أو أحدُ البَديعينِ، بمعنى: أن يَجعل المتكلِّمُ الكلامَ الذي سِيق لمعنًى -مِن مَدحٍ أو غيرِه- مُتضمِّنًا معنًى آخَرَ؛ كقولِه تعالى: لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ [القصص: 70] ؛ فهذا مِن إدماجِ غرَضٍ في غَرَضٍ؛ فإنَّ الغرَضَ منها تَفرُّدُه تعالى بوصْفِ الحمدِ، وأُدمِجَ فيه الإشارةُ إلى البعثِ والجزاءِ. وقيل: أُدمِجتِ المبالَغةُ في المطابقةِ؛ لأنَّ انفرادَه بالحمدِ في الآخِرَةِ -وهي الوقتُ الذي لا يُحمَدُ فيه سِواه- مبالغةٌ في الوَصفِ بالانفرادِ بالحَمْدِ. يُنظر: ((الإتقان)) للسيوطي (3/298)، ((علوم البلاغة البيان المعاني البديع)) للمراغي (ص: 344)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن حَبَنَّكَة الميداني (2/427). في أثناءِ تَعدادِ الدَّلائلِ على تَفرُّدِ اللهِ بالخَلْقِ على اختلافِ أصنافِ المخلوقاتِ؛ لِقَصدِ إبطالِ الشِّركِ. و(ثمَّ) للتَّرتيبِ الرُّتبيِّ؛ لأنَّ أهميَّةَ التَّذكيرِ بالموتِ في هذا المَقامِ أقْوى مِن أهميَّةِ ذِكْرِ الخَلقِ؛ لأنَّ الإخبارَ عن مَوتِهم تَوطِئةٌ للجُملةِ بَعْدَه -وهي قولُه: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ- وهو المقصودُ. وهذه الجُملةُ لها حُكْمُ الجُملةِ الابتدائيَّةِ، وهي مُعترِضةٌ بين الَّتي قبْلَها وبين جُملةِ: وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ [المؤمنون: 17] . ولِكَونِ (ثمَّ) لم تُفِدْ مُهلةً في الزَّمانِ هنا، صُرِّحَ بالمُهلةِ في قولِه: بَعْدِ ذَلِكَ [152] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/26). .
- وقيل: لَمَّا كانت إماتةُ ما صار هكذا -بعد القوَّةِ العظيمةِ والإدراكِ التامِّ- من الغرائبِ، وكان وجودُها فيه وتَكرارُها عليه في كلِّ وقتٍ قد صيَّرها أمرًا مألوفًا، وشيئًا ظاهرًا مكشوفًا، وكان عُتُوُّ الإنسانِ على خالِقِه وتمرُّدُه ومخالفتُه لأمرِه -نسيانًا لهذا المألوفِ- كالإنكارِ له؛ أشار إلى ذلك بقولِه تعالى مُسبِّبًا مبالغًا في التأكيدِ: ثُمَّ إِنَّكُمْ، ولَمَّا كان الممكِنُ ليس له مِن ذاتِه إلا العَدَمُ، نزع الجارَّ فقال: بَعْدَ ذَلِكَ أي: الأمرِ العظيمِ مِن الوصفِ بالحياةِ والمدِّ في العمُرِ في آجالٍ مُتفاوتةٍ لَمَيِّتُونَ [153] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (13/117). .
- قولُه: لَمَيِّتُونَ أي: لَصائِرونَ إلى الموتِ لا مَحالةَ؛ كما يُؤْذِنُ به اسميَّةُ الجُملةِ، و(إنَّ)، واللَّامُ، وصيغةُ النَّعتِ (مَيِّت) الدَّالَّةُ على الثُّبوتِ دونَ الحُدوثِ الذي تُفيدُه صيغةُ الفاعِلِ (مائِت) [154] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/84)، ((تفسير أبي السعود)) (6/127)، ((تفسير الألوسي)) (18/17). ؛ ففي قولِه: ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ بُولِغَ في تأْكيدِ ذلك بـ (إنَّ) وباللَّامِ؛ تَنبيهًا للإنسانِ أنْ يكونَ الموتُ نُصْبَ عَينَيه، ولم تُؤكَّدْ جُملةُ البَعثِ إلَّا بـ (إنَّ)؛ لأنَّه أُبرِزَ في صورةِ المقطوعِ به الَّذي لا يُمكِنُ فيه نِزاعٌ، ولا يَقْبَلُ إنكارًا، وأنَّه حَتْمٌ لا بُدَّ مِن كِيانِه، فلم يُحتَجْ إلى تَوكيدٍ ثانٍ [155] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/553). .
- وقيل: أُكِّدَ هذا الخبرُ بـ (إنَّ) واللَّامِ مع كَونِهم لا يَرتابونَ فيه؛ لأنَّهم لمَّا أعْرَضُوا عن التَّدبيرِ فيما بعْدَ هذه الحياةِ، كانوا بمَنزِلةِ مَن يُنكِرونَ أنَّهم يَموتونَ، وتَوكيدُ خَبرِ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ؛ لأنَّهم يُنكِرونَ البَعثَ، ويكونُ ما ذُكِرَ قبْلَه مِن الخَلْقِ الأوَّلِ دَليلًا على إمكانِ الخَلْقِ الثَّاني؛ فلم يُحتَجْ إلى تَقويةِ التَّأكيدِ بأكثَرَ مِن حَرفِ التَّأكيدِ وإنْ كان إنكارُهم البعثَ قَوِيًّا [156] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/26). . وقيل: لم يُخْلِه عن التأكيدِ؛ لكونِه على خلافِ العادةِ [157] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (13/118). .
- وقيل: أُكِّدَ قولُه: ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ باللَّامِ دونَ قولِه بَعْدَه: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ، مع أنَّ المذكورينَ يُنكِرون البعثَ دونَ الموتِ؛ لأنَّه لمَّا كان العَطفُ بـ (ثُمَّ) المُحتاجُ إليه هنا يَقْتَضي الاشتراكَ في الحُكْمِ، أغْنَى به عن التَّأكيدِ باللَّامِ [158] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 388). .
وقيل: لأنَّ المقصودَ بذِكرِ الموتِ والبعثِ هو الإخبارُ بالجزاءِ والمَعادِ، وأوَّلُ ذلك هو الموتُ؛ فنبَّه على الإيمانِ بالمعادِ والاستعدادِ لِما بعد الموتِ، وهو إنَّما قال تُبْعَثُونَ فقط، ولم يقُلْ (تُجازَون)، لكن قد عُلِمَ أنَّ البعثَ للجزاءِ، وأيضًا ففيه تنبيهٌ على قهرِ الإنسانِ وإذلالِه [159] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (16/278). .
- وقيل: دخَلَتِ اللَّامُ في قولِه: لَمَيِّتُونَ، ولم تَدخُلْ في تُبْعَثُونَ؛ لأنَّ اللَّامَ مُخلِّصةٌ المُضارِعَ للحالِ غالبًا، فلا تُجامِعُ يومَ القيامةِ؛ لأنَّ إعمالَ تُبْعَثُونَ في الظَّرفِ المُستقبَلِ تُخلِّصُه للاستقبالِ، فتُنافي الحالَ [160] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/553). .
- قولُه: ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ... فيه نَقْلُ الكلامِ مِن الغَيبةِ إلى الخِطابِ على طَريقةِ الالتفاتِ، ونُكْتَتُه هنا: أنَّ المقصودَ التَّذكيرُ بالموتِ وما بَعْدَه على وَجْهِ التَّعريضِ بالتَّخويفِ، وإنَّما يُناسِبُه الخِطابُ [161] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/26). .
- وقولُه: ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ ... فيه التَّعبيرُ باسمِ الإشارةِ ذَلِكَ، وما فيه مِن مَعْنى البُعدِ المُشعرِ بعُلُوِّ رُتبةِ المُشارِ إليه، وبُعْدِ مَنزِلَتِه في الفَضلِ والكَمالِ، وكونِه بذلك مُمْتازًا، مُنزَّلًا مَنزِلةَ الأُمورِ الحِسِّيَّةِ [162] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/127). .
4- قوله تعالى: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ
- الآياتُ: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ إلى قولِه: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ فيها مِن فُنونِ البلاغةِ: ما يُعرَفُ بالمُخالَفةِ في حُروفِ العطفِ؛ ففي حُروفِ العطفِ المُتتابِعةِ في هذه الآياتِ أسرارٌ لَطيفةُ المأْخَذِ، دَقيقةُ المعنى؛ فقد ذكَرَ تعالى تَفاصيلَ حالِ المخلوقِ في تَنقُّلِه؛ فبدَأَ بالخلْقِ الأوَّلِ وهو خلْقُ آدَمَ من طِينٍ، ولمَّا عطَفَ عليه الخلْقَ الثَّاني -الَّذي هو خلْقُ النَّسلِ- عطَفَه بـ (ثُم)؛ لِمَا بينهما مِن التَّراخي، وحيث صار إلى التَّقديرِ الَّذي يَتبَعُ بعْضُه بعضًا مِن غيرِ تراخٍ عطَفَه بالفاءِ، ولمَّا انتهَى إلى جَعْلِه ذَكَرًا أو أُنْثى -وهو آخِرُ الخَلْقِ- عطَفَه بـ (ثمَّ)، ومعلومٌ أنَّ الزَّمنَ الَّذي تَصيرُ فيه النُّطفةُ عَلَقةً طويلٌ، ولكنَّ الحالتينِ مُتَّصلتانِ؛ فأحيانًا يُنظَرُ إلى طُولِ الزَّمانِ، فيُعطَفُ بـ (ثمَّ)، وأحيانًا يُنظَرُ إلى اتِّصالِ الحالينِ ثانيهما بأوَّلِهما مِن غيرِ فاصِلٍ بيْنهما بغَيرِهما، فيُعطَفُ بالفاءِ. وأيضًا صَيرورةُ التُّرابِ نُطفةً أمْرٌ مُستبعَدٌ في ظاهِرِ الحالِ، ومِثلُ ذلك صَيرورةُ النُّطفةِ عَلَقةً؛ لاختِلافِ إحداهما عن الأُخرى اختلافًا ظاهرًا، ولكنْ صَيرورةُ العَلَقةِ مُضْغةً لا غرابةَ فيه؛ لِتَقارُبِهما؛ فلهذا الوَجْهِ عُطِفَ في قولِه تعالى: فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ [الحج: 5] بـ (ثمَّ)، وأمَّا في آيةِ (المُؤمِنون): فلُوحِظَتْ أطوارُ الخلْقِ وتباعُدُ الأوقاتِ بيْن كلِّ طَورينِ؛ فاختلافُ العواطفِ بالفاءِ و(ثمَّ) لِتَفاوُتِ الاستحالاتِ، يعني: أنَّ بعضَها مُستبعَدٌ حُصولُه ممَّا قبْلَه وهو المعطوفُ بـ (ثمَّ)؛ فجُعِلَ الاستبعادُ عقْلًا أو رُتبةً بمَنزِلةِ التَّراخي والبُعْدِ الحِسِّيِّ؛ لأنَّ حُصولَ النُّطفةِ مِن أجزاءٍ تُرابيَّةٍ غريبٌ جدًّا، وكذا جَعْلُ النُّطفةِ البيضاءِ ماءً أحمَرَ، بخِلافِ جَعْلِ الدَّمِ لَحْمًا مُشابِهًا له في اللَّونِ والصُّورةِ، وكذا تَصلِيبُها حتَّى تَصيرَ عَظْمًا؛ لأنَّه قد يَحصُلُ ذلك بالمُكْثِ فيما يُشاهَدُ، وكذا مَدُّ لَحْمِ المُضغةِ عليه لِيَسْتُرَه، وذلك يَقْتَضي عَطْفَ الجميعِ بـ (ثمَّ) إنْ نُظِرَ لآخِرِ المُدَّةِ وأوَّلِها، ويَقْتَضي العطْفَ بالفاءِ إنْ نُظِرَ لآخِرِها فقطْ [163] يُنظر: ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (6/499، 500). .