موسوعة الأخلاق والسلوك

سابعًا: صُورُ الصَّبرِ ومَجالاتُه


إنَّ صَورَ الصَّبرِ ومَجالاتِه كثيرةٌ في حَياةِ الإنسانِ، فلا يستَغني عنه أحَدٌ بحالٍ مِنَ الأحوالِ، يقولُ ابنُ القَيِّمِ: (إنَّ الإنسانَ لا يستَغني عنِ الصَّبرِ في حالٍ مِنَ الأحوالِ؛ فإنَّه بَينَ أمرٍ يجِبُ عليه امتِثالُه وتَنفيذُه، ونَهيٍ يجِبُ عليه اجتِنابُه وتَركُه، وقدَرٍ يجري عليه اتِّفاقًا، ونِعمةٍ يجِبُ عليه شُكرُ المُنعِمِ عليها، وإذا كانت هذه الأحوالُ لا تُفارِقُه فالصَّبرُ لازِمٌ له إلى المَماتِ، وكُلُّ ما يلقى العَبدُ في هذه الدَّارِ لا يخلو مِن نَوعَينِ: أحَدُهما: يوافِقُ هَواه ومُرادَه، والآخَرُ: يُخالفُه، وهو مُحتاجٌ إلى الصَّبرِ في كُلٍّ مِنهما) [5599] ((عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين)) لابن القيم (ص: 101). .
فمِن صُورِ الصَّبرِ:
1- الصَّبرُ على بَلاءِ الدُّنيا مِن آلامٍ وأمراضٍ وفِقدانٍ للأقارِبِ والأصدِقاءِ وفَقرٍ، قال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [البقرة: 155] .
2- الصَّبرُ عن شَهَواتِ النَّفسِ.
3- الصَّبرُ على الطَّاعةِ؛ قال تعالى: فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ [مريم: 65] ، وقال: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه: 132] .
4- الصَّبرُ في الدَّعوةِ إلى اللهِ وتَحمُّلُ مَشاقِّها، فقد تَجِدُ مِنَ النَّاسِ إعراضًا عن دَعوتِك، وقد تَجِدُ مِنهم أذًى قَولًا أو فِعلًا فلا بُدَّ مِنَ الصَّبرِ.
وقد قَرَنَ اللهُ تعالى الصَّبرَ في بَعضِ الآياتِ بالأذى الذي يحتاجُ تَحَمُّلُه إلى عَزيمةٍ وإرادةٍ، ومِن ذلك: وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا [إبراهيم: 12] ، وقَولُه: وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ [البقرة: 177] ، وقَولُه: وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ [الحج: 35] .
5- الصَّبرُ عِندَ مُلاقاةِ الأعداءِ والجِهادِ في سَبيلِ الله:
وقد قَرَنَ اللهُ تعالى في كِتابِه بَينَ ذِكرِ الجِهادِ وذِكرِ الصَّبرِ؛ لأنَّ في الجِهادِ مَشَقَّةً تَستَلزِمُ العَزيمةَ، ومِن ذلك قَولُه تعالى: وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا [البقرة: 250] ، وقَولُه: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [النحل: 110] ، وقَولُه عَزَّ وجَلَّ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْ [الأنفال: 65] .
وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أيُّها النَّاسُ، لا تَتَمَنَّوا لقاءَ العَدوِّ، وسَلوا اللهَ العافيةَ، فإذا لقيتُموهم فاصبِروا)) [5600] أخرجه البخاري (2966)، ومسلم (1742). .
6- الصَّبرُ على الزَّوجةِ والأولادِ.
7- الصَّبرُ على الإخوةِ في اللهِ.
8- الصَّبرُ على طَلَبِ العِلمِ؛ قال موسى عليه السَّلامُ للخَضِرِ لمَّا أرادَ أن يصحَبَه ليأخُذَ العِلمَ عليه: قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا [الكهف: 69] .
9- الصَّبرُ على أذى النَّاسِ.
ومِنَ المَجالاتِ التي ينبَغي للإنسانِ أن يضبِطَ نَفسَه عِندَها ويصبرَ عليها:
1- ضَبطُ النَّفسِ عنِ الضَّجَرِ والجَزَعِ عِندَ حُلولِ المَصائِب ومَسِّ المَكارِه.
2- ضَبطُ النَّفسِ عنِ السَّأمِ والمَللِ لدى القيامِ بأعمالٍ تَتَطَلَّبُ الدَّأبَ والمُثابَرةَ خِلالَ مُدَّةٍ مُناسِبةٍ.
3- ضَبطُ النَّفسِ عنِ العَجَلةِ والرُّعونةِ لدى تَحقيقِ مَطلبٍ مِنَ المَطالبِ المادِّيَّةِ أو المَعنَويَّةِ.
4- ضَبطُ النَّفسِ عنِ الغَضَبِ والطَّيشِ لدى مُثيراتِ عَوامِلِ الغَضَبِ في النَّفسِ.
5- ضَبطُ النَّفسِ عنِ الخَوفِ لدى مُثيراتِ الخَوفِ في النَّفسِ.
6- ضَبطُ النَّفسِ عنِ الطَّمَعِ لدى مُثيراتِ الطَّمَعِ فيها.
7- ضَبطُ النَّفسِ عنِ الاندِفاعِ وراءَ أهوائِها وشَهَواتِها وغَرائِزها.
8- ضَبطُ النَّفسِ لتَحَمُّلِ المَتاعِبِ والمَشَقَّاتِ والآلامِ الجَسَديَّةِ والنَّفسيَّةِ [5601] ملخص من كتاب ((الأخلاق الإسلامية)) لعبد الرحمن حبنكة الميداني (2/294). .

انظر أيضا: