موسوعة التفسير

سورةُ المُرسَلاتِ
الآيات (41-45)

ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ

المعنى الإجمالي:

يقولُ تعالى مبيِّنًا حُسنَ عاقِبةِ المتَّقينَ يومَ القيامةِ: إنَّ المتَّقِينَ يتنَعَّمونَ في ظِلالِ الجنَّةِ، وعُيونِها الجاريةِ، وفَواكِهِها الكثيرةِ مِمَّا تَشتَهيه أنفُسُهم، ويُقالُ لهم: كُلُوا واشرَبوا بلا أذًى ولا تنغيصٍ؛ بسَبَبِ ما كُنتُم تَعمَلونَه في الدُّنيا مِن الأعمالِ الصَّالِحةِ، وذلك جَزاؤُنا لكُلِّ مَن أحسَنَ العمَلَ في الدُّنيا.
ثمَّ يقولُ تعالى مُهدِّدًا ومتوعِّدًا: عَذابٌ وهَلاكٌ يومَ القيامةِ للمُكَذِّبينَ بالحَقِّ.

تفسير الآيات:

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
بعدَ أن بيَّن سُبحانَه ما يحلُّ بالكُفَّارِ مِن الخِزيِ والنَّكالِ يومَ القيامةِ؛ أعْقَبَه بذِكرِ ما يكونُ للمُؤمنينَ مِن السَّعادةِ والكرامةِ حينَئذٍ [199] يُنظر: ((تفسير المراغي)) (29/188). ويُنظر أيضًا: ((تفسير الرازي)) (30/779)، ((تفسير السعدي)) (ص: 905). .
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41).
أي: إنَّ الَّذين اتَّقَوا سَخَطَ اللهِ وعَذابَه بامتِثالِ أمْرِه واجتِنابِ نَهْيِه: يتنَعَّمونَ في ظِلالِ الجنَّةِ، فلا حَرَّ ولا بَرْدَ فيها يُؤذِيهم، ولهم فيها عُيونٌ جاريةٌ [200] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/611)، ((تفسير ابن كثير)) (8/301)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/182)، ((تفسير الألوسي)) (15/197)، ((تفسير السعدي)) (ص: 905)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/443). قال الألوسي: (ظِلَالٍ جمعُ ظِلٍّ، ضِدُّ الضِّحِّ، وهو أعَمُّ مِن الفَيْءِ، فإنَّه يُقالُ: ظِلُّ اللَّيلِ، وظِلُّ الجنَّةِ، ويُقالُ لِكُلِّ مَوضِعٍ لم تَصِلْ إليه الشَّمسُ: ظِلٌّ، ولا يُقالُ الفَيْءُ إلَّا لِما زالَ عنه الشَّمسُ، ويُعبَّرُ به أيضًا عن الرَّفاهةِ، وعن العِزَّةِ والمَناعةِ، وعن هذا المعنى حمَل الرَّاغبُ ما في الآيةِ، والمُتبادرُ منه ما هو المعروفُ، ويؤيِّدُه ما تقدَّم في المُقابِلِ: انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ [المرسلات: 30] إلخ ... وأيًّا ما كان فالمرادُ مِن قولِه تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ * وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ أنَّهم مُستَقِرُّونَ في فُنونِ التَّرفُّهِ، وأنواعِ التَّنعُّمِ). ((تفسير الألوسي)) (15/197). ويُنظر: ((المفردات في غريب القرآن)) للراغب (ص: 535). وقال الشوكاني: (والمُرادُ بالعُيونِ: الأنهارُ). ((تفسير الشوكاني)) (5/435). .
كما قال تعالى: وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا [النساء: 57] .
وقال سُبحانَه: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا [الرعد: 35] .
وقال عزَّ وجلَّ: إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ [يس: 55، 56].
وقال تبارك وتعالى: وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا [الإنسان: 14].
وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا ذَكَر العُيونَ؛ أتْبَعَها ما يَنشَأُ عنها [201] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/183). .
وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42).
أي: ولهم في الجَنَّةِ فَواكِهُ مِمَّا تَشتَهيه أنفُسُهم [202] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/611)، ((تفسير القرطبي)) (19/67)، ((تفسير ابن كثير)) (8/301)، ((تفسير الألوسي)) (15/197)، ((تفسير السعدي)) (ص: 905). قال ابن جرير: (وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ يَأْكُلونَ مِنها كُلَّما اشْتَهَوْا لا يَخافونَ ضُرَّها، ولا عاقِبَةَ مَكْروهِها). ((تفسير ابن جرير)) (23/611). وقال الشوكاني: (والمرادُ... بالفَواكِهِ: ما يُتَفَكَّهُ به مِمَّا تَطْلُبُه أنفُسُهم، وتَسْتَدْعِيه شَهَواتُهم). ((تفسير الشوكاني)) (5/435). .
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43).
أي: يُقالُ لأهلِ الجنَّةِ إكرامًا لهم: كُلُوا مِن فَواكِهِ الجنَّةِ واشرَبوا مِن عُيُونِها بلا أذًى ولا تَنغيصٍ فيما تأكُلونَ وتَشرَبونَ، وذلك جزاءٌ لكم بسَبَبِ ما كُنتُم تَعمَلونَه في الدُّنيا مِن الأعمالِ الصَّالِحةِ [203] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/611، 612)، ((تفسير ابن كثير)) (8/301)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/183)، ((تفسير السعدي)) (ص: 905)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/443، 444). .
قال تعالى: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الزخرف: 72] .
وقال سُبحانَه: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ [الحاقة: 24] .
إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44).
أي: وذلك جَزاؤُنا لِكُلِّ مَن أحسَنَ العَمَلَ في الدُّنيا [204] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/612)، ((تفسير القرطبي)) (19/168)، ((تفسير ابن كثير)) (8/301)، ((تفسير الشوكاني)) (5/435)، ((تفسير السعدي)) (ص: 905). .
قال تعالى: إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف: 56] .
وقال سُبحانَه: إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا [الكهف: 30] .
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (45).
أي: عَذابٌ وهَلاكٌ وخِزْيٌ يومَ القيامةِ للمُكَذِّبينَ بالحَقِّ [205] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/612)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/184). .

الفوائد التربوية:

قَولُ اللهِ تعالى: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فيه النَّصُّ على أنَّ عَمَلَهم في الدُّنيا سبَبٌ في تمتُّعِهم بنعيمِ الجَنَّةِ في الآخِرةِ، ومِثلُه قَولُه تعالى: وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [206] يُنظر: ((تتمة أضواء البيان)) لعطية سالم (8/403). [الأعراف: 43] .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قَولُ اللهِ تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ * وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فيه أنَّه تعالى لَمَّا بَعَث الكُفَّارَ إلى ظِلٍّ ذي ثَلاثِ شُعَبٍ أعَدَّ في مقابَلتِه للمُؤمِنينَ ثلاثةَ أنواعٍ مِنَ النِّعمةِ؛ أوَّلُها: قَولُه تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ، كأنَّه قيل: ظِلالُهم ما كانت ظليلةً، وما كانت مُغْنِيةً عن اللَّهَبِ والعَطَشِ، أمَّا المتَّقونَ فظِلالُهم ظليلةٌ، وفيها عُيونٌ عَذْبةٌ مُغْنِيةٌ لهم عن العَطَشِ، وحاجِزةٌ بيْنَهم وبيْنَ اللَّهَبِ، ومعَهم الفواكِهُ الَّتي يَشتَهونَها ويتَمَنَّونَها، ولَمَّا قال للكُفَّارِ: انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ، قال للمُتَّقِينَ: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا [207] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (30/780). .
2- قَولُه تعالى: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ سؤالٌ: أنَّ اللهَ تعالى جَعَل ذلك بسَبَبِ العَمَلِ، والرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((لا يَدخُلُ أحدٌ منكم الجنَّةَ بعَمَلِه)) [208] أخرجه البخاريُّ (5673)، ومسلمٌ (2816)، وأحمدُ (7473) واللَّفظُ له مِن حديثِ أبي هُرَيرةَ رضيَ الله عنه. ؟
الجوابُ: أنْ يُقالَ: «الباءُ» تأتي للسَّبَبيَّةِ، وتأتي للبَدَليَّةِ، فإذا قيل: دَخَلَ الرَّجُلُ الجنَّةَ بعمَلِه؛ فالمعنى: السَّببيَّةُ، وإذا قال: لن يَدخُلَ الجنَّةَ أحدٌ بعَمَلِه؛ فالمعنى: البَدَليَّةُ، وهذا مَثَلٌ يُبيِّنُ هذا: بِعْتُك الثَّوبَ بدِرْهَمٍ؛ فالباءُ للبدَليَّةِ، لأنَّ الدِّرهمَ صار عِوضًا عن الثَّوبِ، وإذا قلتُ: أَدَّبْتُ الولدَ بعَبَثِه؛ هذه للسَّببيَّةِ، إذن: كُلُّنا لن يَدخُلَ الجنَّةَ بعمَلِه؛ لأنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالى لو حاسَبَنا على عمَلِنا ما قابَلَ عمَلُنا نِعمةً واحدةً مِن نِعَمِ اللهِ تعالى! فالنَّفَسُ الآنَ، الَّذي هو مِن ضرورةِ الحياةِ؛ يَخرُجُ منك ويَدخُلُ بدون تَعَبٍ، وبدونِ مشَقَّةٍ، وكم يَتَنَفَّسُ الإنسانُ في الدَّقيقةِ؟! فلو أنَّنا حُوسِبْنا على أعمالِنا بالمُعاوَضةِ والمُبادَلةِ لَكانت نعمةٌ واحدةٌ تَستَوعِبُ جميعَ العملِ! لذلك نقولُ: إنَّ الباءَ في قولِه: بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ للسَّببيَّةِ، وليست للبدليَّةِ [209] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين: الحجرات - الحديد)) (ص: 185). .
3- قولُه تعالى: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ في الدُّنيا مِن الأعمالِ الصَّالحةِ، وذلك مِن إكرامِهم؛ بأنْ جَعَل ذلك الإنعامَ حَقًّا لهم [210] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/444). .
4- في قَولِه تعالى: إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إثباتُ القياسِ، يعني: مِثلَ هذا الجزاءِ نَجْزي كُلَّ مُحْسِنٍ [211] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصافات)) (ص: 189). .
5- في قَولِه تعالى: إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ أنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالى يُرَتِّبُ الجزاءَ والعقوبةَ والثَّناءَ والقَدْحَ على الأوصافِ، لا على الأشخاصِ؛ لأنَّه هنا عَلَّقَ الجزاءَ على الإحسانِ؛ ولهذا لَمْ يأتِ شيءٌ مِن أحكامِ اللهِ سُبحانَه وتعالى مُقَيَّدًا بشَخصٍ لشَخصِه أبدًا، حتَّى خصائصُ الرُّسُلِ ليست مِن بابِ خصائصِ الأشخاصِ، لكنْ مِن بابِ خصائصِ الأوصافِ؛ لأنَّ فيهم وصفًا زائدًا على غيرِهم، وهو وَصفُ النُّبُوَّةِ والرِّسالةِ؛ فخُصُّوا ببعضِ الأحكامِ المُناسِبةِ لِمَقامِهم، أمَّا أنْ يُخَصَّ شخصٌ بعَيْنِه؛ لأنَّه فُلانُ بنُ فُلانٍ مَثلًا، فهذا لا يوجَدُ في الشَّريعةِ؛ لأنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالى يُرَتِّبُ الأحكامَ ويُعَلِّقُها على الأوصافِ، لا على الأشخاصِ [212] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصافات)) (ص: 189). .
6- في قَولِه تعالى: إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ أنَّ الجزاءَ مِن جِنسِ العمَلِ؛ فكما أحْسَنَ في عبادةِ اللهِ أحْسَنَ اللهُ إليه، وقد قال اللهُ عزَّ وجلَّ في سورةِ (الرَّحمنِ): هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ [الرحمن: 60]، يعني: ما جزاءُ الإحسانِ إلَّا الإحسانُ، وبهذا يَتَبيَّنُ لك كمالُ فَضْلِ اللهِ عزَّ وجلَّ؛ فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ هو الَّذي أَحْسَنَ إليك أوَّلًا بتوفيقِك للطَّاعاتِ والإحسانِ، ثُمَّ أَحْسَنَ إليك ثانيًا بالجزاءِ عليه [213] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصافات)) (ص: 253). .

بلاغة الآيات:

- قولُه تعالَى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ * وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ كَلامٌ مُستأنَفٌ مَسوقٌ لذِكرِ أحوالِ المؤمِنينَ على سَبيلِ الإيجازِ، بعْدَ أنْ ذَكَر أحوالَ الكُفَّارِ على سَبيلِ الإطنابِ، فانتُقِلَ إلى ذِكرِ نَعيمِ المؤمنينَ المُتَّقينَ؛ تَنْويهًا بشَأنِهم، وتَعريضًا بتَرغيبِ المُشرِكينَ المَوجودينَ في الإقلاعِ عنه؛ ليَنالوا كَرامةَ المُتَّقينَ [214] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/379)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/443)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (10/344). .
ويَجوزُ أنْ يكونَ هذا خِتامَ الكَلامِ الَّذي هو تَقريعٌ للمُشرِكين، حُكِيَ لهم فيه نَعيمُ المُؤمنينَ الَّذي لا يُشاهِدُه المشرِكون؛ لبُعدِهم عن مَكانِه، فيُحكَى لهم يَومَئذٍ فيما يُقالُ لهم؛ ليَكونَ ذلك أشدَّ حَسرةً عليهم، وتَنْديمًا لهم على ما فرَّطوا فيه ممَّا بادَرَ إليه المُتَّقونَ المؤمِنونَ فَفازوا، فيَكونَ هذا مِن جُملةِ القولِ الَّذي حُذِفَ فِعلُه عندَ قولِه: انْطَلِقُوا [المرسلات: 29] إلخ [215] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/443). .
- وظِلالٌ: جمْعُ ظِلٍّ، وجُمِعَت الظِّلالُ هنا؛ لأنَّها ظِلالٌ كَثيرةٌ؛ لكَثرةِ شَجَرِ الجنَّةِ، وكَثرةِ المُستَظِلِّينَ بِظِلِّها، ولأنَّ لكلِّ واحدٍ منهم ظِلًّا يَتمتَّعُ فيه هو ومَن إليه، وذلك أوقَعُ في النَّعيمِ [216] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/443). .
- والتَّعريفُ في الْمُتَّقِينَ للاستِغراقِ؛ فلِكُلِّ واحدٍ مِن المُتَّقينَ كَونٌ في ظِلالٍ [217] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/443). .
- قولُه: مِمَّا يَشْتَهُونَ صِفةُ (فَوَاكِهَ)، قيل: جمَعَ قولُه: (فَوَاكِهَ) الفواكِهَ وغيرَها؛ فالتَّبعيضُ الَّذي دلَّ عليه حرْفُ (مِن) تَبعيضٌ مِن أصنافِ الشَّهواتِ، لا مِن أصنافِ الفَواكهِ، فأفاد أنَّ تلك الفَواكِهَ مَضمومةٌ إلى مَلاذَّ أُخرى ممَّا اشتَهَوهُ [218] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/443). .
- وجُملةُ كُلُوا وَاشْرَبُوا مَقولُ قولٍ مَحذوفٍ، وذلك المَحذوفُ في مَوقعِ الحالِ مِن الْمُتَّقِينَ، والتَّقديرُ: مَقولًا لهم: كُلوا واشْرَبوا [219] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/682)، ((تفسير البيضاوي)) (5/277)، ((تفسير أبي حيان)) (10/379)، ((تفسير أبي السعود)) (9/82)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/443)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (10/345). .
- والمَقصودُ مِن ذلك القولِ كَرامتُهم بعرْضِ تَناوُلِ النَّعيمِ عليهم، كما يَفعَلُه المُضِيفُ لضُيوفِه، فالأمْرُ في كُلُوا وَاشْرَبُوا مُستعمَلٌ في العرْضِ [220] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/443). .
- وقولُه: هَنِيئًا وصْفٌ لمَوصوفٍ غيرِ مَذكورٍ دلَّ عليه فِعلُ كُلُوا وَاشْرَبُوا، وذلك المَوصوفُ مَفعولٌ مُطلَقٌ مِن كُلُوا وَاشْرَبُوا، مُبيِّنٌ للنَّوعِ لقصْدِ الدُّعاءِ، مِثلُ: «سَقْيًا» و«رَعْيًا» في الدُّعاءِ بالخيرِ، و«تَبًّا» و«سُحْقًا» في ضِدِّه [221] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/444). .
- والباءُ في بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ للسَّببيَّةِ، أي: لإفادةِ تَسبُّبِ ما بعْدَها في وُقوعِ مُتعلَّقِه، أي: كُلوا واشْرَبوا بسَببِ ما كُنتم تَعمَلون في الدُّنيا مِن الأعمالِ الصَّالحةِ [222] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/444). .
- وجُملةُ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ يَجوزُ أنْ تكونَ ممَّا يُقالُ للمُتَّقينَ بعْدَ أنْ قِيل لهم: كُلُوا وَاشْرَبُوا ... إلخ، مَسوقةً إليهم مَساقَ زِيادةِ الكرامةِ بالثَّناءِ عليهم، أي: هذا النَّعيمُ الَّذي أنْعَمْتُ به عليكم هو سُنَّتُنا في جَزاءِ المُحسنينَ، فإذْ قدْ كُنتُم مِن المُحسِنينَ فذلك جَزاءٌ لكم نِلْتُموه بأنَّكم مِن أصحابِ الحقِّ في مِثلِه، ففي هذا هَزٌّ مِن أعطافِ المُنعَمِ عليهم، والمعْنى عليه: أنَّ هذه الجُملةَ تُقالُ لكلِّ مُتَّقٍ منْهم، أو لكلِّ جَماعةٍ منهم مُجتَمِعةٍ على نَعيمِ الجنَّةِ، ولِيَعلَموا أيضًا أنَّ أمْثالَهم في الجنَّاتِ الأُخرى لهم مِن الجَزاءِ مِثلُ ما هم يُنعَّمونَ به. ويجوزُ أنْ تكونَ الجُملةُ مُوَجَّهةً إلى المُكذِّبينَ الموجودينَ بعْدَ أنْ وُصِفَ لهم ما يُنعَّمُ به المُتَّقونَ إثْرَ قولِه: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ إلخ، قُصِدَ منها التَّعريضُ بأنَّ حِرمانَهم مِن مِثلِ ذلك النَّعيمِ همُ الَّذين قَضَوا به على أنفُسِهم؛ إذْ أبَوْا أنْ يَكونوا مِن المُحسِنينَ، تَكملةً لتَنديمِهم وتَحسيرِهم الَّذي بُودِئوا به مِن قولِه: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ إلى آخِرِه، أي: إنَّا كذلك نَجْزي المُحسنينَ، دونَ أمْثالِكم المُسيئينَ [223] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/444). .
- ومَوقعُ هذه الجُملةِ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ مَوقعُ التَّعليلِ لِما قبْلَها، ومِن أجْلِ الإشعارِ بهذا التَّعليلِ افتُتِحَت بحَرْفِ (إنَّ)، مع خُلوِّ المَقامِ عن التَّردُّدِ في الخبَرِ؛ إذ المَوقفُ يَومَئذٍ مَوقِفُ الصِّدقِ والحقيقةِ؛ فلذلك كانت (إنَّ) مُتمَحِّضةً لإفادةِ الاهتِمامِ بالخبَرِ، وحِينَئذٍ تَصيرُ مُغْنِيةً غَناءَ فاءِ التَّسبُّبِ، وتُفيدُ مُفادَ التَّعليلِ والرَّبْطِ. وأيضًا الجُملةُ تُفيدُ معْنى التَّذييلِ بما اشتَمَلَت عليه مِن شِبهِ عُمومِ كَذَلِكَ، ومِن عُمومِ المُحسِنينَ؛ فاجتَمَعَ فيها التَّعليلُ والتَّذييلُ [224] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/444، 445). .
- قولُه: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ هي على الوجْهِ الأوَّلِ في جُملةِ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ [المرسلات: 41] -وهو كَونُها ممَّا يُقالُ للمُتَّقينَ بعْدَ أنْ قِيل لهم: كُلوا واشْرَبوا... إلخ، مَسوقةً إليهم مَساقَ زِيادةِ الكرامةِ بالثَّناءِ عليهم- تَكريرٌ لنَظائرِها، واليومُ المضافُ إلى (إذ) ذاتِ تَنوينِ العِوَضِ هو يومُ صُدورِ تلك المَقالةِ، وأمَّا على الوجْهِ الثَّاني في جُملةِ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ ... [المرسلات: 41] إلخ -وهو كَونُها مُوَجَّهةً إلى المُكذِّبينَ الموجودينَ بعْدَ أنْ وُصِفَ لهم ما يُنعَّمُ به المُتَّقونَ- فهي مُتَّصِلةٌ بتلك الجُملةِ؛ لِمُقابَلةِ ذِكرِ نَعيمِ المؤمنينَ المُطنَبِ في وَصْفِه، بذِكرِ ضِدِّه للمُشرِكينَ بإيجازٍ حاصلٍ مِن كَلمةِ (وَيْل)؛ لتَحصُلَ مُقابَلةُ الشَّيءِ بضِدِّه، ولِتَكونَ هذه الجُملةُ تَأكيدًا لنَظائرِها، واليومُ المضافُ إلى (إذ) يومٌ غيرُ مَذكورٍ، ولكنَّه ممَّا يَقْتَضيهِ كَونُ المُتَّقينَ في ظِلالٍ وعُيونٍ وفَواكِهَ؛ لِيُعلَمَ بأنَّ ذلك يكونُ لهم في يومِ القيامةِ [225] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/445). .