موسوعة التفسير

سورةُ المُرسَلاتِ
الآيات (8-15)

ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ

غريب الكلمات:

طُمِسَتْ: أي: مُحِيَ نُورُها، والطَّمْسُ: إزالةُ الأثَرِ بالمَحْوِ، وأصلُ (طمس): يدُلُّ على مَحوِ الشَّيءِ ومَسْحِه [41] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/424)، ((المفردات)) للراغب (ص: 524)، ((تفسير البغوي)) (8/304)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 350). .
نُسِفَتْ: أي: قُلِعَتْ وأُزِيلَتْ، وأصلُ (نسف): يدُلُّ على كَشْفِ شَيءٍ [42] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/419)، ((المفردات)) للراغب (ص: 802)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 916). .
أُقِّتَتْ: أي: جُمِعَتْ لمِيقاتِ يومٍ مَعلومٍ. أو: جُعِلَ لها وَقتٌ مُنتَظَرٌ فجاء وحانَ، وأصلُ (وقت): يدُلُّ على حَدِّ شَيءٍ في زَمانٍ وغَيرِه [43] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 506)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/131)، ((تفسير ابن عطية)) (5/418)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 433)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 442)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 160). .
وَيْلٌ: أي: عَذابٌ وهَلاكٌ. وقيلَ: وَيلٌ: وادٍ في جَهنَّمَ [44] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/593)، ((المفردات)) للراغب (ص: 888)، ((تفسير القرطبي)) (11/277)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 945). قال الراغب: (ومَن قال: وَيْلٌ: وادٍ في جَهنَّمَ، فإنَّه لم يُرِدْ أنَّ وَيْلًا في اللُّغةِ هو موضوعٌ لهذا، وإنَّما أراد: مَن قال اللهُ تعالى ذلك فيه فقد استحَقَّ مَقَرًّا من النَّارِ، وثَبَت ذلك له). ((المفردات)) (ص: 888). ويُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 4). وقال ابنُ عطيَّة: (الوَيلُ في كلامِ العَرَبِ: المصائِبُ والحُزنُ والشِّدَّةُ مِن هذه المعاني، وهي لفظةٌ تُستعمَلُ في الدُّعاءِ على الإنسانِ). ((تفسير ابن عطية)) (5/81). وقال الشنقيطي: (الأظهرُ أنَّ لفظةَ وَيْلٌ كلمةُ عَذابٍ وهلاكٍ، وأنَّها مَصدرٌ لا فِعلَ له مِن لَفظِه، وأنَّ المسَوِّغَ للابتِداءِ بها -مع أنَّها نَكِرةٌ- كَونُها في مَعرِضِ الدُّعاءِ عليهم بالهَلاكِ). ((أضواء البيان)) (7/190). .

المعنى الإجمالي:

يقولُ تعالى مبيِّنًا أحوالَ القيامةِ: فإذا ذَهَب ضَوءُ النُّجومِ، وإذا فُتِحَت السَّماءُ، وإذا قُلِعَت الجِبالُ وتفَتَّتَت فصارتْ هَباءً، وإذا جُمِعَ رُسُلُ اللهِ في الوَقتِ المحَدَّدِ؛ وَقَعَ ما تُوْعَدون.
لأيِّ يَومٍ أُجِّلَ اجتِماعُ الرُّسُلِ؟ ليَومِ الفَصلِ، الَّذي يَفصِلُ فيه اللهُ تعالى بيْنَ عِبادِه. وما أعلَمَك -يا محمَّدُ- ما يومُ الفَصْلِ؟
ثمَّ يقولُ تعالى مُهدِّدًا ومتوعِّدًا: عَذابٌ وهَلاكٌ يومَ القيامةِ للمُكَذِّبينَ بالحَقِّ.

تفسير الآيات:

فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8).
أي: فإذا ذَهَب ضَوءُ النُّجومِ [45] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/590، 591)، ((تفسير القرطبي)) (19/157)، ((تفسير ابن كثير)) (8/297)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/424). .
وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9).
أي: وإذا فُتِحَت السَّماءُ وانشَقَّت [46] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/591)، ((تفسير القرطبي)) (19/157)، ((تفسير ابن كثير)) (8/297). .
قال تعالى: وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ [الحاقة: 16] .
وقال سُبحانَه: وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا [النبأ: 19] .
وقال تبارك وتعالى: إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ [الانفطار: 1].
وقال عزَّ وجلَّ: إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ [الانشقاق: 1] .
وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10).
أي: وإذا قُلِعَت الجِبالُ، وتفَتَّتَتْ فصارَتْ هَباءً [47] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/591)، ((تفسير القرطبي)) (19/157)، ((تفسير ابن كثير)) (8/297)، ((تفسير السعدي)) (ص: 904)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/424). .
قال تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا [طه: 105 - 107] .
وقال سُبحانَه: وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا [الواقعة: 5، 6].
وقال عزَّ وجلَّ: وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا [المزمل: 14].
وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا ذَكَر اللهُ تعالى تغييرَ السَّماءِ والأرضِ؛ ذكَرَ ما فُعِلَ ذلك مِن أجْلِه، فقال [48] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/169). :
وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11).
أي: وإذا جُمِعَ رُسُلُ اللهِ في الوَقتِ الَّذي حُدِّدَ لذلك [49] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 506)، ((تفسير ابن جرير)) (23/590، 591)، ((تفسير السمعاني)) (6/127)، ((تفسير القرطبي)) (19/157)، ((تفسير الشوكاني)) (5/431)، ((تفسير السعدي)) (ص: 904). قال ابن عاشور: (لا خِلافَ في أنَّ أُقِّتَتْ مُشتَقٌّ مِنَ الوَقتِ). ((تفسير ابن عاشور)) (29/425). .
كما قال تعالى: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ [المائدة: 109] .
لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12).
أي: لأيِّ يومٍ أُخِّرت الرُّسلُ ، وضُرِب لهم الأجلُ لجمعِهم [50] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/593)، ((الوسيط)) للواحدي (4/ 408)، ((تفسير القرطبي)) (19/158)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/170)، ((تفسير السعدي)) (ص: 904). ؟
لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13).
أي: ليَومٍ يَفصِلُ فيه اللهُ تعالى بيْنَ عِبادِه، فيَحكُمُ بيْنَهم، ويُحاسِبُهم، ويُجازِي كُلًّا بما يَستَحِقُّ [51] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/593)، ((تفسير القرطبي)) (19/158)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/170)، ((تفسير السعدي)) (ص: 904). قال ابنُ عاشور: (الفَصلُ: تمييزُ الحَقِّ مِنَ الباطِلِ بالقَضاءِ والجَزاءِ؛ إذ بذلك يَزولُ الالتِباسُ والاشتِباهُ والتَّمويهُ الَّذي كان لأهلِ الضَّلالِ في الدُّنيا، فتتَّضِحُ الحقائِقُ على ما هي عليه في الواقِعِ). ((تفسير ابن عاشور)) (29/426). .
قال تعالى: هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ [المرسلات: 38] .
ثمَّ قال تعالى مُعَظِّمًا شَأنَ ذلك اليَومِ، ومُهَوِّلًا أمْرَه:
وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ (14).
أي: وأيُّ شَيءٍ أعلَمَك -يا محمَّدُ- ما يومُ الفَصْلِ [52] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/593)، ((الوسيط)) للواحدي (4/408)، ((تفسير القرطبي)) (19/158)، ((تفسير البيضاوي)) (5/275)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/170)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/427). ؟
قال الله سبحانه وتعالى: وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ [الانفطار: 17، 18].
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا هَوَّلَ أمْرَ يومِ القيامةِ؛ ذَكَر ما يَقَعُ فيه مِنَ الشِّدَّةِ على وَجهِ الإجمالِ، فقال [53] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/170). :
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15).
أي: عَذابٌ وهَلاكٌ وخِزْيٌ يومَ القيامةِ للمُكَذِّبينَ بالحَقِّ [54] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/418)، ((تفسير القرطبي)) (19/158)، ((تفسير ابن كثير)) (8/298)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/427، 428). .
قال تعالى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ [الذاريات: 60].

الفوائد التربوية:

في قَولِه تعالى: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ أنَّه في مَقامِ التَّرغيبِ أوِ التَّرهيبِ فإنَّه يَنبغي التَّكرارُ، حيثُ كُرِّرَتْ الآيةُ عِدَّةَ مرَّاتٍ؛ تحذيرًا وإنذارًا، ولكلِّ مَقامٍ مَقالٌ، والتَّكرارُ قد يكونُ مِن الرَّكاكةِ ومِن البُعْدِ عن البَلاغةِ، لكِنْ إذا كان في مَوضِعٍ يَحسُنُ فيه كان ذلك مِن البَلاغةِ [55] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصافات)) (ص: 257). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قَولُ اللهِ تعالى: لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ * لِيَوْمِ الْفَصْلِ انتَزَع النَّاسُ مِن هذه الآيةِ تأجيلَ القُضاةِ للخُصومِ في الحُكوماتِ؛ لِيَقَعَ فَصْلُ القَضاءِ عندَ تمامِ التَّأجيلِ [56] يُنظر: ((أحكام القرآن)) لابن الفرس (3/610). .
2- قَولُ اللهِ تعالى: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ جاء في هذه السُّورةِ بَعْدَ كُلِّ جُملةٍ؛ لأنَّ كُلَّ جُملةٍ منها فيها إخبارُ اللهِ تعالى عن أشياءَ مِن أحوالِ الآخِرةِ، وتقريراتٍ مِن أحوالِ الدُّنيا؛ فناسَبَ أن يَذكُرَ الوَعيدَ عَقِيبَ كُلِّ جملةٍ منها للمُكَذِّبِ، بالوَيلِ في يومِ الآخِرةِ [57] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/379، 380). .
وفيه وجْهٌ آخَرُ: أنَّه قد كُرِّرَت هذه الجُملةُ بعَدَدِ أجزاءِ طرَفِ القَسَمِ أو أجزاءِ الجوابِ؛ لِتَكونَ كُلُّ جملةٍ منها وعيدًا على التَّكذيبِ بواحدٍ مِن تلك الأجزاءِ [58] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/187). . وقيل: هو معَ كُلِّ آيةٍ كأنَّه مع سورةٍ مُفرَدةٍ، فلا تَكرارَ [59] يُنظر: ((جامع المسائل)) لابن تيمية (8/357). . فكلُّ آيةٍ مِن هذا الوعيدِ تَعودُ الى ما ذُكِر قبْلَها.

بلاغة الآيات :

1- فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ
- قولُه: فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ الفاءُ للتَّفريعِ على قولِه: إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ [المرسلات: 7] ؛ لأنَّه لَمَّا أفاد وُقوعَ البَعثِ، وكان المُخاطَبونَ يُنكِرونه ويَتعلَّلون بعدَمِ التَّعجيلِ بوُقوعِه؛ بيَّن لهم ما يَحصُلُ قبْلَه زِيادةً في تَهويلِه عليهم، والإنذارِ بأنَّه مُؤخَّرٌ إلى أنْ تَحصُلَ تلك الأحداثُ العظيمةُ، وذلك على أنَّ الخطابَ للمشركينَ، وفيه كِنايةٌ رَمزيَّةٌ على تَحقيقِ وُقوعِه؛ لأنَّ الإخبارَ عن أمَاراتِ حُلولِ ما يُوعَدون يَستلزِمُ التَّحذيرَ مِن التَّهاوُنِ به؛ ولذلك خُتِمَت هذه الأخبارُ بقولِه: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ [60] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/423، 424). [المرسلات: 19] .
- وفي جوابِ (إذا) في جُملةِ فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ قَولانِ؛ أحدُهما: أنَّه مَحذوفٌ، تَقديرُه: فإذا طُمِسَت النُّجومُ وَقَعَ ما تُوعَدون؛ لدَلالةِ قولِه: إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ [المرسلات: 7] . والثَّاني: أنَّه لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ، على إضمارِ القولِ، أي: يُقالُ: لأيِّ يومٍ أُجِّلتْ، فالفعلُ في الحقيقةِ هو الجوابُ، وقيل: جَوابُ (إِذَا) هذه الجملةُ: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ [61] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/275)، ((تفسير أبي حيان)) (10/375)، ((تفسير أبي السعود)) (9/78)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/427)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (10/333). .
- وكُرِّرت كَلمةُ (إذا) في أوائلِ الجُمَلِ المَعطوفةِ على هذه الجُملةِ بعْدَ حُروفِ العطْفِ، مع إغناءِ حرْفِ العطفِ عن إعادةِ (إذا) كما في قولِه: فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الْإِنْسَانُ الآيةَ [القيامة: 7 - 10] ؛ لإفادةِ الاهتِمامِ بمَضمونِ كلِّ جُملةٍ مِن هذه الجُمَلِ؛ ليَكونَ مَضمونُها مُستقِلًّا في جَعْلِه عَلامةً على وُقوعِ ما يُوعَدون [62] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/424). .
- وبِناءُ الأفعالِ في قولِه: فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ بصِيغةِ المَبنيِّ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فاعِلُه؛ لأنَّ المَقصودَ الاعتِبارُ بحُصولِ الفِعلِ، لا بتَعْيينِ فاعِلِه، على أنَّه مِن المَعلومِ أنَّ فاعِلَها هو اللهُ تعالَى؛ إذ لا يَقدِرُ عليه غيرُه [63] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/425). .
2- قوله تعالى: وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ * لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ * لِيَوْمِ الْفَصْلِ
- جُملةُ وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ عطْفٌ على الجُملَ الثَّلاثِ المُتقدِّمةِ، فهي تَقييدٌ لوقتٍ حادثٍ يَحصُلُ، وهي ممَّا جُعِلَ مَضمونُها علامةً على وُقوعِ ما يُوعَدون به، فيَلزَمُ أنْ يكونَ مَضمونُها مُستقبَلَ الحُصولِ [64] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/425). .
- قولُه: أُقِّتَتْ قدْ يكون بمعْنى: وُقِّت لها وقتٌ، على طَريقةِ الحذْفِ والإيصالِ [65] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/425). الحذفُ والإيصالُ: هو حذْفُ حرفِ الجرِّ لتضمُّنِ الفِعلِ معنى فِعلٍ مُتعَدٍّ، وهو ما يُعرَفُ عندَ النُّحاةِ بنزْعِ الخافِضِ، وهذا مِن أَسَدِّ وأَدمثِ مذاهبِ العربيَّةِ؛ وذلك أنَّه موضعٌ يَملِكُ فيه المعنى عِنانَ الكلامِ فيأخُذُه إليه، ويُصرِّفُه بحسَبِ ما يُؤثِرُه عليه، مِثلُ قولِه تعالَى: فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ [يس: 66] ؛ فتعديةُ فِعلِ الاستباقِ إليه على حذْفِ (إلى) بطريقةِ الحذفِ والإيصالِ، أو على تَضمينِ (استَبَقوا) معنى (ابْتَدَروا)، أي: ابتَدَروا الصِّراطَ مُتسابِقينَ، أي: مُسرِعينَ لِمَا دهمَهم؛ رجاءَ أن يَصِلوا إلى بُيوتِهم قبْلَ أنْ يَهلِكوا فلمْ يُبصِروا الطَّريقَ، ومِثلُ قولِه عزَّ اسمُه: وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا [الأعراف: 155] ، أي: مِن قومِه. يُنظر: ((المحتسب)) لابن جِنِّي (1/51)، ((الإيضاح)) للقزويني (2/173)، ((السماع والقياس)) لأحمد تَيْمور باشا (ص: 72)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/52) و(27/320). .
- وليس في اللَّفظِ بَيانُ أنَّه تحصيلٌ لوَقتِ أيِّ شيءٍ، وإنَّما لم يُبيِّنْ ذلك، ولم يُعَيِّنْ؛ مِن أجْلِ أن يَذهَبَ الوَهمُ إلى كُلِّ جانبٍ، فيَكونَ التَّهويلُ فيه أشَدَّ [66] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (30/769). .
- قولُه: وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ * لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ لَفظُ (أيّ) يَجوزُ أنْ تكونَ اسمَ استفهامٍ مُستعمَلٍ للتَّهويلِ، ويجوزُ أنْ تكونَ (أيّ) مَوصولةً دالَّةً على التَّعظيمِ والتَّهويلِ، وهو ما يُعبَّرُ عنه بالدَّالِّ على معْنى الكَمالِ، وتكونَ صِفةً لمَوصوفٍ مَحذوفٍ يدُلُّ عليه ما أُضِيفَت إليه (أيّ)، وتَقديرُه: ليَومٍ أيِّ يومٍ! أي: ليَومٍ عَظيمٍ، ويكونَ معْنى أُقِّتَتْ: حضَرَ مِيقاتُها الَّذي وُقِّت لها، ويكونَ اللَّامُ في قولِه: لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ لامَ التَّعليلِ، أي: جُمِعَت لأجْلِ اليومِ الَّذي أُجِّلَت إليه [67] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/678)، ((تفسير القرطبي)) (19/158)، ((تفسير البيضاوي)) (5/275)، ((تفسير أبي حيان)) (10/375)، ((تفسير أبي السعود)) (9/78)، ((تفسير السعدي)) (ص: 904)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/426)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (10/334). .
- وقد بُولِغ في تَهويلِه بإبهامِه أوَّلًا، ثمَّ ببيانِه بأنَّه يومُ الحُكمِ والقضاءِ، ثمَّ هوَّلَ شأنَه بأنَّك لم تُحِطْ عِلمًا بكُنْهِ ذلك [68] يُنظر: ((تفسير الكوراني)) (ص: 307). .
- وجُملةُ أُجِّلَتْ صِفةٌ لـ يَوْمٍ، وحُذِفَ العائدُ؛ لظُهورِه، أي: أُجِّلَت إليه [69] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/426). .
- قولُه: لِيَوْمِ الْفَصْلِ بَيانٌ ليومِ التَّأجيلِ، وهو الَّذي يُفصَلُ فيه بيْنَ الخلائقِ [70] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/678)، ((تفسير البيضاوي)) (5/275)، ((تفسير أبي حيان)) (10/375)، ((تفسير أبي السعود)) (9/78). . وهو بدَلٌ من لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ بإعادةِ الحرْفِ الَّذي جُرَّ به المُبدَلُ منه، أي: أُحضِرَت الرُّسلُ ليومٍ عَظيمٍ هو يومُ الفصْلِ. والمُبدَلُ منه والبدَلُ دَليلانِ على جَوابِ (إذا) مِن قولِه: فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ [المرسلات: 8] إلخ؛ إذ يُعلَمُ أنَّ المعْنى: إذا حصَلَ جَميعُ ما ذُكِرَ، فذلك وُقوعُ ما تُوعَدون [71] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/426). . وذلك على قولٍ.
3- قولُه: وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ أصلُ التَّركيبِ: وما أدْراكَ ما هو، وإنَّما أُظهِرَ في مَقامِ الإضْمارِ؛ لتَقويةِ استِحضارِ يومِ الفَصْلِ؛ قصْدًا لتَهويلِه، والاستِفهامانِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ مُستعمَلانِ في معْنى التَّهويلِ والتَّعجيبِ [72] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/427). .
- قولُه: وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ أيْ: أيُّ شَيءٍ جَعَلَك داريًا ما هُو؟! على أنَّ (مَا) الأُولى مُبتَدأٌ، و(أدراكَ) خبرُه، و(مَا) الثَّانيةَ خبَرٌ مقدَّمٌ، ويَوْمُ الْفَصْلِ مُبتدأٌ مؤخَّرٌ، لا بالعكسِ؛ لأنَّ مَحطَّ الفائدةِ بَيانُ كَونِ يومِ الفصلِ أمْرًا بَديعًا هائلًا، لا يُقادَرُ قَدْرُه، ولا يُكتَنُه كُنْهُه، كَما يُفيدُه خَبريَّةُ (ما)، لا بَيانُ كَونِ أمرٍ بَديعٍ مِن الأُمورِ يومَ الفصلِ كما يُفيدُه عكْسُه [73] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/78، 79)، ((تفسير الألوسي)) (15/192). .
4- قولُه: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ استِئنافٌ لقصْدِ تَهديدِ المشرِكين الَّذين يَسمَعون القرآنَ، وتَهويلِ يومِ الفصْلِ في نُفوسِهم ليَحذَروه، وهو متَّصِلٌ في المعْنى بجُملةِ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ [المرسلات: 7] اتِّصالَ أجزاءِ النَّظمِ، فمَوقعُ جُملةِ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ابتِداءُ الكلامِ، ومَوقعُ جُملةِ فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ [المرسلات: 8] التَّأخُّرُ، وإنَّما قُدِّمَت لتُؤذِنَ بمعْنى الشَّرطِ. وقدْ حصَلَ مِن تَغييرِ النَّظمِ -على هذا الوجْهِ- أنْ صارتْ جُملةُ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ بمَنزِلةِ التَّذييلِ، فحصَلَ في هذا النَّظمِ أُسلوبٌ رائعٌ، ومَعانٍ بدائعُ. وقيل: هذه الجُملةُ جوابُ (إذا)، أي: يَتعلَّقُ (إذا) بالاستقرارِ الَّذي في الخبَرِ، وهو لِلْمُكَذِّبِينَ، والتَّقديرُ: إذا حصَلَ كذا وكذا حلَّ الويلُ للمُكذِّبينَ، وهو كالبَيانِ لقولِه: إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ، فيَحصُلُ تَأكيدُ الوعيدِ، وعلى الوجْهِ الأوَّلِ يكونُ المرادُ بالمكذِّبينَ الَّذين كذَّبوا بالقُرآنِ، وعلى الوجْهِ الثَّاني في معْنى الجُملةِ: جَميعَ الَّذين كذَّبوا الرُّسلَ وما جاؤوهم به، وبذلك العُمومِ أفادَتِ الجُملةُ مُفادَ التَّذييلِ، ويَشملُ ذلك المشرِكين الَّذين كذَّبوا بالقرآنِ والبعثِ؛ إذْ هم المَقصودُ مِن هذه المواعظِ، وهم الموَجَّهُ إليهم هذا الكلامُ، فخُوطِبوا بقولِه: إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ [74] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/427، 428). .
- قولُه: وَيْلٌ في الأصلِ مَصدرٌ مَنصوبٌ سادٌّ مَسدَّ فِعلِه، لكنْ عُدلَ به إلى الرَّفعِ للدَّلالةِ على ثَباتِ الهَلاكِ ودَوامِه للمَدْعوِّ عليهِ [75] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/678)، ((تفسير البيضاوي)) (5/275)، ((تفسير أبي السعود)) (8/79). .