موسوعة التفسير

سورةُ القيامةِ
الآيات (1-6)

ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ

غريب الكلمات:

نُسَوِّيَ: أي: نُتقِنَها سَويَّةً، والتَّسويةُ: تَقويمُ الشَّيءِ، وإتقانُ الخَلْقِ، وقيل: نَجعَلَها شيئًا واحدًا، مُستويةً كخُفِّ البعيرِ ونحوِه، وأصْلُ (سوي): يدُلُّ على استِقامةٍ واعتِدالٍ بيْنَ شيئَيْنِ [4] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/471)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/112)، ((الغريبين في القرآن والحديث)) للهروي (3/958)، ((تفسير ابن عطية)) (5/402)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/341). .
 بَنَانَهُ: البَنانُ: الأصابِعُ أو أطرافهُا، وهو جَمعُ «بَنَانةٍ»، قيل: سُمِّيَت بَنانًا مِن قولِهم: أبَنَّ بالمكانِ: إذا أقامَ؛ فالبَنانُ به يُعتمَلُ كلُّ ما يكونُ للإقامةِ والحياةِ [5] يُنظر: ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (2/405)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 121)، ((تهذيب اللغة)) للأزهري (15/337)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/191)، ((المفردات)) للراغب (ص: 147)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/341). .
لِيَفْجُرَ: أي: يَعْصيَ ويُخالِفَ، والفُجُورُ: الانبِعاثُ في المعاصي، وأصلُ (فجر): يدُلُّ على تفَتُّحٍ في شَيءٍ [6] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/475)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 428)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 436)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/91). .

المعنى الإجمالي:

افتَتَح اللهُ تعالى هذه السُّورةَ الكريمةَ بالقَسَمِ بيَومِ القيامةِ الَّذي يقومُ النَّاسُ فيه للحِسابِ والجَزاءِ، والقَسَمِ بالنَّفْسِ الَّتي تَلُومُ صاحِبَها، ثمَّ قال تعالى: أيَظُنُّ الإنسانُ أنَّنا لن نَجمَعَ عِظامَه بعدَ تفَتُّتِها وتفَرُّقِها؛ لإحيائِه وبَعْثِه مِن قَبْرِه؟! بلى نحن نَقدِرُ على جَمعِ عِظامِه، ونَقدِرُ على ما هو أعظَمُ، وذلك بتسويةِ أصابِعِه بعدَ ما تفَرَّقَت وتفتَّتَت في التُّرابِ، فمَن قَدَر على جمعِ صِغارِ العِظامِ، كان على جَمعِ كِبارِها أقدَرَ!
بل يُريدُ الإنسانُ أن يَعصيَ في مُستَقبَلِ أيَّامِه، يَسألُ: متى يومُ القيامةِ؟

تفسير الآيات:

لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1).
أي: أُقسِمُ بيومِ القيامةِ الَّذي يقومُ النَّاسُ فيه للحِسابِ والجَزاءِ [7] يُنظر: ((معاني القرآن)) للزجاج (5/251)، ((تفسير السمعاني)) (6/101، 102)، ((تفسير ابن كثير)) (8/275)، ((تفسير السعدي)) (ص: 898). حكى الإجماعَ على أنَّ المعنى: أُقسِمُ بيومِ القيامةِ: الزَّجَّاجُ، والسمرقنديُّ، والواحديُّ. يُنظر: ((معاني القرآن)) للزجاج (5/251)، ((تفسير السمرقندي)) (3/520)، ((الوسيط)) للواحدي (4/390). ويُنظر أيضًا: ((تفسير ابن جرير)) (23/468). قال الزَّجَّاج: (لا اختِلافَ بيْن النَّاسِ أنَّ معناه: أُقسِمُ بيومِ القيامةِ، واختَلَفوا في تفسيرِ «لا»). ((معاني القرآن)) (5/251). ويُنظر: ((دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب)) للشنقيطي (ص: 248، 263). واختلَف المفسِّرونَ في «لا» المذكورةِ هنا قبلَ القَسَمِ؛ فقيل: هي نافيةٌ لكلامٍ محذوفٍ تقديرُه: ما الأمرُ كما تقولون -أيُّها النَّاسُ- مِن أنَّ اللهَ لا يَبعَثُ عِبادَه بعدَ مماتِهم أحياءً. وممَّن ذهب إلى هذا المعنى: الفَرَّاءُ، وابنُ جرير. يُنظر: ((معاني القرآن)) للفراء (3/207)، ((تفسير ابن جرير)) (23/468). قال ابن كثير: (المُقسَمُ عليه إذا كان مُنتفيًا، جاز الإتيانُ بـ «لا» قبْلَ القسَمِ لتأكيدِ النَّفيِ. والمقسومُ عليه هاهنا هو إثباتُ الميعادِ، والرَّدُّ على ما يَزعُمُه الجهلةُ مِن العبادِ مِن عدمِ بعثِ الأجسادِ). ((تفسير ابن كثير)) (8/275). وقيل: دخلت توكيدًا للكلامِ. وممَّن ذهب إلى هذا المعنى: الزمخشريُّ، والبيضاويُّ، وأبو السعود. يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/658)، ((تفسير البيضاوي)) (5/265)، ((تفسير أبي السعود)) (9/64). وقيل: «لا» هنا للتَّنبيهِ. وممَّن اختاره: ابنُ عثيمين. يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين: جزء عم)) (ص: 115). ويُنظر أيضًا: ((تفسير السمعاني)) (6/101). قال السعدي: (ليست لَا هاهنا نافيةً ولا زائدةً، وإنَّما أُتِيَ بها للاستِفتاحِ والاهتمامِ بما بعدَها، ولكثرةِ الإتيانِ بها مع اليمينِ لا يُستغرَبُ الاستفتاحُ بها، وإن لم تكُنْ في الأصل موضوعةً للاستفتاحِ، فالمقسَمُ به في هذا الموضِعِ هو المقسَمُ عليه، وهو البعثُ بعدَ الموتِ، وقيامُ النَّاسِ مِن قُبورِهم، ثمَّ وُقوفُهم يَنتظِرونَ ما يَحكُمُ به الرَّبُّ عليهم). ((تفسير السعدي)) (ص: 898). وقال الرازي: (لَا هاهنا لنَفْيِ القَسَمِ، كأنَّه قال: لا أُقسِمُ عليكم بذلك اليومِ وتلك النَّفْسِ، ولكنِّي أسألُك غيرَ مُقسِمٍ: أتحسَبُ أنَّا لا نَجمَعُ عِظامَك إذا تفَرَّقَت بالموتِ؟ فإن كنتَ تحسَبُ ذلك، فاعلَمْ أنَّا قادِرونَ على أن نفعلَ ذلك. وهذا القولُ اختيارُ أبي مسلمٍ، وهو الأصَحُّ). ((تفسير الرازي)) (30/720). وقال البِقاعي: (أشار سُبحانَه وتعالى إلى أنَّ الأمرَ قد صار غنيًّا عن الإقسامِ؛ لِما له مِن الظُّهورِ الَّذي لا يُنكِرُه إلَّا معانِدٌ، فقال مشيرًا إلى تعظيمِها، والتَّهويلِ في أمرِها، بذِكْرِها، وإثباتِ أمْرِها بعدَمِ الإقسامِ، أو تأكيدِه: لَا أُقْسِمُ أي: لا أُوقِعُ الإقسامَ، أو أُوقِعُه مُؤَكَّدًا بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ على وُجودِ يومِ القيامةِ، أو بسبَبِ وُجودِه). ((نظم الدرر)) (21/84). ويُنظر في الخلافِ في (لا) المذكورةِ قبلَ القَسَمِ: ((البرهان في علوم القرآن)) للزركشي (3/80)، ((الإتقان في علوم القرآن)) للسيوطي (2/271). .
كما قال تعالى: أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين: 4 - 6] .
وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2).
أي: وأُقسِمُ بالنَّفْسِ الَّتي تَلُومُ صاحِبَها [8] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/469، 470)، ((الروح)) لابن القيم (ص: 225، 226)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/86)، ((تفسير السعدي)) (ص: 898). قال ابنُ جرير: (إنَّ الجميعَ مِن الحُجَّةِ مُجْمِعونَ على أنَّ قَولَه: لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ قَسَمٌ، فكذلك قَولُه: وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ، إلَّا أن تأتيَ حُجَّةٌ تدُلُّ على أنَّ أحَدَهما قَسَمٌ، والآخَرَ خَبَرٌ). ((تفسير ابن جرير)) (23/468). وقال ابنُ عطيَّة: (جمهورُ المتأَوِّلينَ على أنَّ اللهَ تعالى أقسَمَ بالأمْرَينِ). ((تفسير ابن عطية)) (5/402). وقال الماوَرْدي: (وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ فيه وجْهانِ؛ أحَدُهما: أنَّه تعالى أقسَمَ بالنَّفْسِ اللَّوَّامةِ كما أقسَمَ بيومِ القيامةِ، فيَكونانِ قَسَمَينِ. قاله قَتادةُ. الثَّاني: أنَّه أقسَمَ بيومِ القيامةِ، ولم يُقسِمْ بالنَّفْسِ اللَّوَّامةِ. قاله الحسَنُ. ويكونُ تقديرُ الكلامِ: أُقسِمُ بيومِ القيامةِ، ولا أُقسِمُ بالنَّفْسِ اللَّوَّامةِ). ((تفسير الماوردي)) (6/151). وقال البِقاعي: (لا أُقسِمُ على ذلك بهذا الَّذي هو مِن أدَلِّ الأمورِ على عَظَمتِه سُبحانَه؛ فإنَّ الأمرَ في ذلك غَنِيٌّ عن القَسَمِ). ((نظم الدرر)) (21/87). وأمَّا جوابُ القَسَمِ فقيل: هو ما دَلَّ عليه قَولُه تعالى: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ، وهو: لَتُبعَثُنَّ. وممَّن ذهب إلى هذا: الزمخشريُّ. يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/659). ويُنظر أيضًا: ((تفسير ابن كثير)) (8/275). وقال أبو حيَّان: (قولُ مَن قال: جوابُ القسَمِ هو: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ [القيامة: 3] ، وما رُويَ عن الحسَنِ أنَّ الجوابَ: بَلَى قَادِرِينَ [القيامة: 4]، وما قيل: إنَّ «لا» في القَسَمَينِ لِنَفْيِهما، أي: لا أُقسِمُ على شَيءٍ، وأنَّ التَّقديرَ: ولكنِّي أسألُك أَيَحْسَبُ الإنسانُ؟ أقوالٌ لا تَصلُحُ أن تُرَدَّ، بل تُطرَحُ ولا يُسَوَّدُ بها الورَقُ، ولولا أنَّهم سرَدوها في الكتبِ لم أُنَبِّهْ عليها). ((تفسير أبي حيان)) (10/344). وقال ابنُ القيِّم في جوابِ القسَمِ: (يجوزُ أن يكونَ مِمَّا حُذِفَ لدَلالةِ السِّياقِ عليه، والعِلمِ به، ويجوزُ أن يكونَ مِن القَسَمِ المقصودِ به التَّنبيهُ على دَلالةِ المُقسَمِ به، وكَونِه آيةً، ولم يَقصِدْ به مُقسَمًا عليه مُعَيَّنًا، فكأنَّه يقولُ: أذكُرُ يومَ القيامةِ والنَّفْسَ اللَّوَّامةَ مُقسِمًا بها؛ لكَونِها مِن آياتِنا، وأدِلَّةِ ربُوبيَّتِنا). ((التبيان في أقسام القرآن)) (ص: 147). واختُلِف في المرادِ بالنَّفْسِ اللَّوَّامةِ؛ فقيل: هي النَّفْسُ المؤمِنةُ، تَلومُ نَفْسَها في الدُّنيا وتُحاسِبُها. وممَّن ذهب إلى هذا المعنى في الجملةِ: السمعانيُّ، والقرطبيُّ، وابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (6/102)، ((تفسير القرطبي)) (19/92)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/338، 339). وقيل: المرادُ: النَّفسُ المتَّقِيَةُ الَّتي تَلومُ صاحِبَها يومَ القيامةِ على تقصيرِها في التَّقْوى. وممَّن ذهب إلى هذا المعنى: الزمخشريُّ. يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/659). ومِنهم مَن خَصَّص النَّفْسَ هنا بالكافِرةِ، وبوُقوعِ ذلك في الآخِرةِ. وممَّن ذهب إليه: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/509). ومِنهم مَن عَمَّم، فأدخَل في ذلك كلَّ نَفْسٍ، ولكِنْ خَصَّص بوُقوعِ ذلك في الآخِرةِ. كـ: الزَّجَّاج، والواحدي. يُنظر: ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (5/251)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 1153). وقال ابنُ تيميَّةَ: (وقد قيل: إنَّ النَّفْسَ تكونُ لَوَّامةً وغَيرَ لَوَّامةٍ، وليس كذلك. بل نَفْسُ كُلِّ إنسانٍ لَوَّامةٌ؛ فإنَّه ليس بَشَرٌ إلَّا يَلومُ نَفْسَه ويَندَمُ؛ إمَّا في الدُّنيا، وإمَّا في الآخرةِ). ((مجموع الفتاوى)) (4/264). وقال العُلَيمي: (والنَّفْسُ في الآيةِ اسمُ جنسٍ لِنُفوسِ البشَرِ). ((تفسير العليمي)) (7/219). وقال السمرقنديُّ: (هي نفْسُ ابنِ آدَمَ، يَلومُ نفْسَه، كما رُويَ عن ابنِ عبَّاسٍ وعن عُمَرَ رضيَ الله عنهم: ما مِن نَفْسٍ بَرَّةٍ وفاجِرةٍ إلَّا تَلومُ نفْسَها؛ إن كانت مُحْسِنةً تقولُ: يا لَيْتَني زِدْتُ إحسانًا، وإن كانت سَيِّئةً تقولُ: يا لَيْتَني ترَكْتُ). ((تفسير السمرقندي)) (3/520). وقال السعدي: (وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ وهي جميعُ النُّفوسِ الخَيِّرةِ والفاجِرةِ، سُمِّيَت لَوَّامةً؛ لكثرةِ ترَدُّدِها وتلَوُّمِها، وعدَمِ ثبوتِها على حالةٍ مِن أحوالِها، ولأنَّها عندَ الموتِ تَلومُ صاحِبَها على ما عَمِلَتْ، بل نفْسُ المؤمنِ تَلومُ صاحِبَها في الدُّنيا على ما حصَل منه؛ مِن تفريطٍ، أو تقصيرٍ في حقٍّ مِنَ الحقوقِ، أو غفلةٍ؛ فجَمَع بيْن الإقسامِ بالجزاءِ، وعلى الجزاءِ، وبيْن مُستَحِقِّ الجزاءِ). ((تفسير السعدي)) (ص: 898). وقال البِقاعي: (اللَّوَّامَةِ أي: الَّتي تَلومُ صاحِبَها، وهي خَيِّرةٌ وشِرِّيرةٌ؛ فالخَيِّرةُ تكونُ سببًا للنَّجاةِ فيه، والأُخرى تكون سببًا للهلاكِ فيه، فإنْ لامَتْ على الشَّرِّ أو على التَّهاوُنِ بالخَيرِ أنجَتْ، وإن لامتْ على ضِدِّ ذلك أهلَكَت، وكيفما كانت لا بُدَّ أن تَلومَ، وهي بيْن الأمَّارةِ والمُطمَئِنَّةِ، فما غلَب عليها منهما كانت في حَيِّزِه). ((نظم الدرر)) (21/86). ويُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/402)، ((تفسير السعدي)) (ص: 898). وقال البِقاعي أيضًا: (واللَّوَّامةُ يَشتَدُّ لَومُها في ذلك اليَومِ على عَدَمِ الخيرِ، أو عَدَمِ الزِّيادةِ منه). ((نظم الدرر)) (21/87). وقال ابن جرير: (اختَلَف أهلُ التَّأويلِ في تأويلِ قولِه: اللَّوَّامَةِ؛ فقال بعضُهم: معناه: ولا أُقْسِمُ بالنَّفْسِ الَّتي تَلومُ على الخَيرِ والشَّرِّ... وقال آخَرونَ: بل معنَى ذلك: أنَّها تَلومُ على ما فاتَ وتَندَمُ... وقال آخَرونَ: بل اللَّوَّامةُ: الفاجِرةُ... وقال آخَرونَ: بل هي المَذْمومةُ... وهذه الأقوالُ الَّتي ذَكَرْناها عمَّنْ ذَكَرْناها عنه وإنِ اختَلَفَتْ بها ألفاظُ قائِليها، فمُتَقارِباتُ المعاني. وأشْبَهُ القولِ في ذلك بظاهِرِ التَّنْزيلِ أنَّها تَلومُ صاحِبَها على الخَيرِ والشَّرِّ، وتَندَمُ على ما فات). ((تفسير ابن جرير)) (23/469-471). وقال الشوكاني: (ومعنى النَّفْسِ اللَّوَّامةِ: النَّفسُ الَّتي تَلومُ صاحِبَها على تقصيرِه، أو تَلومُ جميعَ النُّفوسِ على تقصيرِها). ((تفسير الشوكاني)) (5/403). .
أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3).
أي: أيَظُنُّ الإنسانُ أنَّنا لن نَجمَعَ عِظامَه الباليَةَ، فتَعودَ كما كانت بعدَ تمَزُّقِها وتفَتُّتِها وتفَرُّقِها؛ لإحيائِه وبَعْثِه مِن قَبْرِه [9] يُنظر: ((تأويل مشكل القرآن)) لابن قتيبة (ص: 206)، ((تفسير ابن جرير)) (23/471)، ((تفسير ابن عطية)) (5/402)، ((تفسير ابن كثير)) (8/276)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/87)، ((تفسير السعدي)) (ص: 898). ؟!
كما قال الله تبارك وتعالى: وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا [الإسراء: 49].
وقال سُبحانَه: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [يس: 78، 79].
وقال عزَّ وجلَّ: وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ [الواقعة: 47، 48].
بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4).
أي: نحن نَقدِرُ على جَمعِ عِظامِه، ونَقدِرُ على ما هو أعظَمُ، وذلك بتسويةِ أصابِعِه مع أنَّ عِظامَها أكثَرُ العِظامِ تفَرُّقًا، وأصغَرُها وأدَقُّها أجزاءً، فنَرُدُّها ونُؤَلِّفُ بيْنَها كما كانت في حياةِ صاحِبِها، بعد ما تفَرَّقَت وتفتَّتَت في التُّرابِ، فمَن قَدَر على جمعِ صِغارِ العِظامِ، كان على جَمعِ كِبارِها أقدَرَ [10] يُنظر: ((تأويل مشكل القرآن)) لابن قتيبة (ص: 206، 207)، ((معاني القرآن)) للزجاج (5/251)، ((تفسير ابن عطية)) (5/402)، ((تفسير القرطبي)) (19/94)، ((تفسير أبي حيان)) (10/345)، ((التبيان في أقسام القرآن)) لابن القيم (ص: 104)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/88، 89). وممَّن ذهب في الجملةِ إلى هذا المعنى المذكورِ: ابنُ قُتَيْبةَ، والزَّجَّاجُ، واختاره ابنُ عطيَّة، والقرطبيُّ، واستظهره أبو حيَّان، ورجَّحه ابنُ القيِّم، وذهب إليه البِقاعي. يُنظر: المصادر السابقة. ويُنظر أيضًا: ((تفسير ابن كثير)) (8/276). قال السعدي: (استبعَدَ مِن جَهلِه وعُدوانِه قُدرةَ الله على خَلْقِ عِظامِه الَّتي هي عِمادُ البَدَنِ، فرَدَّ عليه بقَولِه تعالى: بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ، أي: أطرافَ أصابعِه وعِظامِه، المُستلزِم ذلك لخَلْقِ جميعِ أجزاءِ البدَنِ؛ لأنَّها إذا وُجِدَت الأنامِلُ والبَنانُ، فقد تمَّت خِلقةُ الجسَدِ). ((تفسير السعدي)) (ص: 898). وقد اكتشف العلماءُ أنَّ لكلِّ إنسانٍ في أطرافِ أصابِعِه بَصماتٍ تُميِّزُه عن غيرِه، وتختلِفُ مِن شخصٍ لآخَرَ، وهي الخطوطُ الدقيقةُ الموجودةُ فيها. يُنظر: ((فوائد المجاميع)) للمعلمي (24/75). وقيل: المرادُ بتَسويةِ بَنانِه: جَعْلُ أصابعِ يَدَيه وقدَمَيه في الدُّنيا شيئًا واحدًا مِثلَ خُفِّ البعيرِ، أو حافِرِ الحِمارِ. وممَّن ذهب إلى هذا القولِ: ابنُ جرير، والواحديُّ، ونسَبَه ابنُ عطيَّةَ وغيرُه إلى جمهورِ المفسِّرينَ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/471)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 1153)، ((تفسير ابن عطية)) (5/402). قال ابنُ جرير: (فكان لا يأخُذُ ما يأكُلُ إلَّا بفِيه كسائِرِ البهائِمِ، ولكِنَّه فَرَّق أصابِعَ يَدَيه يأخُذُ بها ويتناوَلُ، ويَقبِضُ إذا شاء ويَبسُطُ، فحَسَّن خَلْقَه). ((تفسير ابن جرير)) (23/471). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ: ابنُ عبَّاسٍ، وعِكْرِمةُ، ومجاهدٌ، وقَتادةُ، والضَّحَّاكُ، والحسَنُ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/471)، ((تفسير ابن كثير)) (8/276). !
بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5).
أي: بل يريدُ الإنسانُ أنْ يَعصيَ اللهَ في مُستقبَلِ أيَّامِه وطوالَ عُمُرِه، دونَ أن يَتوبَ [11] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/474)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (5/252)، ((تفسير ابن عطية)) (5/402)، ((التبيان في أقسام القرآن)) لابن القيم (ص: 149)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/90)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/342). ممَّن ذهب إلى هذا المعنى المذكورِ: ابنُ جرير، والزَّجَّاجُ، وابن عطية، وابن القيم، والبِقاعي، وجوَّزه ابنُ عاشور. يُنظر: المصادر السابقة. وممَّن قال بنحوِ هذا القولِ مِن السَّلفِ: ابنُ عبَّاسٍ في روايةٍ عنه، ومجاهدٌ، وعِكْرِمةُ، وسعيدُ بنُ جُبَيْرٍ، والضَّحَّاكُ، والحسَنُ، والسُّدِّيُّ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/475)، ((تفسير ابن كثير)) (8/276). وقيل: المرادُ: أنَّ الإنسانَ يريدُ أن يُكذِّبَ بما أمامَه مِن البعثِ ويومِ القيامةِ. واستحسن هذا المعنى: ابنُ قُتَيْبةَ، وجوَّزه الزَّجَّاجُ، وابنُ القيِّمِ وذكر أنَّه قولٌ قويٌّ، واستظهره ابنُ كثير، وذهب إليه السعديُّ. يُنظر: ((تأويل مشكل القرآن)) لابن قتيبة (ص: 207، 208)، ((معاني القرآن)) للزجاج (5/252)، ((التبيان في أقسام القرآن)) لابن القيم (ص: 150، 151)، ((تفسير ابن كثير)) (8/276)، ((تفسير السعدي)) (ص: 898). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ: ابنُ عبَّاسٍ في روايةٍ عنه، وابنُ زَيدٍ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/477)، ((تفسير ابن كثير)) (8/276). قال ابن جُزَي: (وفي معنى أَمَامَهُ ثلاثةُ أقوالٍ: أحدُها: أنَّه عبارةٌ عمَّا يستقبلُ مِن الزَّمانِ، أي: يَفجُرَ بقيَّةَ عُمُرِه. الثَّاني: أنَّه عبارةٌ عن اتِّباعِ أغراضِه وشَهَواتِه، يُقالُ: مشى فُلانٌ قُدَّامَه، إذا لم يَرجِعْ عن شَيءٍ يُريدُه. والضَّميرُ على هذَينِ القولَينِ يعودُ على الإنسانِ. الثَّالثُ: أنَّ الضَّميرَ يعودُ على يومِ القيامةِ، والمعنى: يريدُ الإنسانُ أن يَفجُرَ قبلَ يومِ القيامةِ). ((تفسير ابن جزي)) (2/432). .
يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6).
أي: يَسألُ هذا الإنسانُ: متى يومُ القيامةِ [12] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/477)، ((الوسيط)) للواحدي (4/391)، ((تفسير ابن عطية)) (5/403)، ((تفسير ابن كثير)) (8/276، 277). قيل: المعنى: يَسألُ ابنُ آدَمَ السَّائِرُ في معصيةِ اللهِ قُدُمًا: متى يومُ القيامةِ؟ تسويفًا منه للتَّوبةِ. وممَّن ذهب إلى هذا المعنى: ابنُ جرير، ومكِّيٌّ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/477)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (12/7863). وقيل المراد: سؤالُ الكافِرِ عن موعِدِ يومِ القيامةِ على جهةِ التَّكذيبِ والاستبعادِ والاستهزاءِ. وممَّن ذهب إلى هذا المعنى في الجملةِ: ابنُ عطيَّة، وأبو حيَّان، وابنُ كثير. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/403)، ((تفسير أبي حيان)) (10/345)، ((تفسير ابن كثير)) (8/277). ؟
كما قال تعالى: وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [يونس: 48].
وقال سُبحانَه: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا [النازعات: 42 - 44] .

الفوائد التربوية:

1- قَولُ اللهِ تعالى: وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ فيه أنَّ كُلَّ نَفْسٍ مُتوسِّطةٍ ليست بمُطمَئِنَّةٍ ولا أمَّارةٍ بالسُّوءِ، فإنَّها لَوَّامةٌ في الطَّرَفينِ؛ مرَّةً تَلومُ على تَركِ الطَّاعةِ، ومرَّةً تَلومُ على فَوتِ ما تَشتهي، فإذا اطمأَنَّت خلَصَت وصَفَت [13] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/343). . وذلك على قولٍ في التَّفسيرِ.
2- في قَولِه تعالى: لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ جَمَعَ سُبحانَه في القَسَمِ بيْن مَحَلِّ الجزاءِ -وهو يومُ القيامةِ-، ومَحَلِّ الكَسْبِ -وهو النَّفْسُ اللَّوَّامةُ-، ونَبَّهَ سُبحانَه بكَونِها لَوَّامةً على شِدَّةِ حاجتِها وفاقتِها وضَرورتِها إلى مَن يُعَرِّفُها الخَيرَ والشَّرَّ، ويَدُلُّها عليه، ويُرْشِدُها إليه، ويُلْهِمُها إيَّاه، فيَجْعَلُها مُريدةً للخَيرِ مُؤْثِرةً له، كارِهةً للشَّرِّ مُجانِبةً له؛ لِتَخْلُصَ مِن اللَّومِ ومِن شَرِّ ما تَلُومُ عليه، ولأنَّها مُتَلَوِّمةٌ مُتَرَدِّدةٌ لا تَثْبُتُ على حالٍ واحدةٍ، فهي مُحتاجةٌ إلى مَن يُعَرِّفُها ما هو أنفَعُ لها في مَعاشِها ومَعادِها، فتُؤْثِرُه وتَلُومُ نفْسَها عليه إذا فاتَها، فتَتُوبُ منه إنْ كانت سعيدةً، ولِتَقومَ عليها حُجَّةُ عَدْلِه، فيَكونَ لَومُها في القيامةِ لنَفْسِها عليه لومًا بحقٍّ قد أَعْذَرَ اللهُ خالقُها وفاطرُها إليها فيه، ففي صِفةِ اللَّومِ تنبيهٌ على ضرورتِها إلى التَّصديقِ بالرِّسالةِ والقرآنِ، وأنَّها لا غِنَى لها عن ذلك، ولا صلاحَ ولا فلاحَ بدونِه البَتَّةَ، ولَمَّا كان يومُ مَعادِها هو مَحَلَّ ظهورِ هذا اللَّومِ، وتَرَتُّبِ أَثَرِه عليه؛ قَرَنَ بينهما في الذِّكْرِ [14] يُنظر: ((التبيان في أقسام القرآن)) لابن القيم (ص: 17). .
3- قَولُ اللهِ تعالى: بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ فيه تنبيهٌ على التَّأمُّلِ في لُطفِ تَفصيلِ الأنامِلِ، وبَديعِ صُنْعِها؛ الموجِبِ للقَطعِ بأنَّ صانِعَها قادِرٌ على كُلِّ ما يُريدُ [15] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/89). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قَولُ اللهِ تعالى: لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ألَا يُعارِضُ إقسامَه تعالى به في قَولِه: وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ [البروج: 2] ؟
الجوابُ مِن وَجهَينِ:
الوجهُ الأوَّلُ: أنَّ (لا) نافيةٌ لكلامِ الكُفَّارِ.
الوجهُ الثَّاني: أنَّها صِلةٌ، وذلك على عادة العرب؛ فإنَّها رُبَّما لَفَظَتْ (لا) مِن غيرِ قصدِ معناها الأصليِّ، بل لِمُجَرَّدِ تقويةِ الكلامِ وتوكيدِه [16] يُنظر: ((دفع إيهام الاضطراب)) للشنقيطي (ص: 248، 263). .
2- في ذِكْرِ البَنَانِ في قَولِه تعالى: بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ لطيفةٌ، وهي أنَّها أطرافُه، وآخِرُ ما يَتِمُّ به خَلْقُه، فمَن قَدَرَ على جَمْعِ أطرافِه وآخِرِ ما يَتِمُّ به خَلْقُه -مع دِقَّتِها وصِغَرِها ولطافتِها- فهو على ما دونَ ذلك أَقْدَرُ؛ فالقومُ لَمَّا استبعَدوا جَمْعَ العظامِ بعدَ الفناءِ والإرمامِ، قيل: إنَّا نَجْمَعُ ونُسَوِّي أكثرَها تفرُّقًا وأَدَقَّها أجزاءً، وآخِرَ أطرافِ البدنِ، وهي عظامُ الأناملِ ومَفاصِلُها [17] يُنظر: ((التبيان في أقسام القرآن)) لابن القيم (ص: 148). .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالَى: لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ
- افتِتاحُ السُّورةِ بالقسَمِ مُؤذِنٌ بأنَّ ما سيُذكَرُ بعْدَه أمْرٌ مُهِمٌّ؛ لتَستشرِفَ به نفْسُ السَّامعِ [18] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/337). .
- وكَوْنُ القسَمِ بيومِ القِيامةِ بَراعةُ استِهلالٍ؛ لأنَّ غرَضَ السُّورةِ وصْفُ يومِ القِيامةِ. وفيه أيضًا كونُ المقسَمِ به يومَ القِيامةِ، وهو المقسَمُ على أحوالِه؛ تَنبيهًا على زِيادةِ مَكانتِه عندَ المقسِمِ [19] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/337). .
- وصِيغةُ لَا أُقْسِمُ صِيغةُ قسَمٍ، أُدخِلَ حرْفُ النَّفيِ على فِعلِ أُقْسِمُ؛ لقصْدِ المبالَغةِ في تَحقيقِ حُرمةِ المقسَمِ به إعظامًا له، بحيث يُوهِمُ للسَّامعِ أنَّ المُتكلِّمَ يَهُمُّ أنْ يُقسِمَ به، ثمَّ يَترُكُ القسَمَ مَخافةَ الحِنثِ بالمقسَمِ به، فيقولُ: لا أُقسِمُ به، أي: ولا أُقسِمُ بأعزَّ منه عِندي، وذلك كِنايةٌ عن تأكيدِ القسَمِ [20] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/338). . وذلك على قولٍ.
- وقيل: (لا) للنَّفيِ، والمعْنى في ذلك أنَّه لا يُقسِمُ بالشَّيءِ إلَّا إعظامًا له، فكأنَّه بإدخالِ حرْفِ النَّفيِ يقولُ: إنَّ إعْظامي له بإقْسامي به كَلا إعظامٍ، يعْني أنَّه يَستأهِلُ فوقَ ذلك [21] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/658، 659)، ((تفسير البيضاوي)) (5/265)، ((تفسير أبي حيان)) (10/343)، ((تفسير أبي السعود)) (9/64)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/339)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (10/295، 296). . أو يُقالُ: كأنَّه تعالَى يقولُ: لا أُقسِمُ بهذه الأشياءِ على إثباتِ هذا المطلوبِ؛ فإنَّه أعظَمُ وأجَلُّ مِن أنْ يُقسَمَ عليه بهذه الأشياءِ، والغرَضُ تَعظيمُ المُقسَمِ عليه. أو يُقالُ: لا أُقسِمُ بهذه الأشياءِ على إثباتِ هذا المطلوبِ؛ فإنَّه أظهَرُ وأجْلى أنْ تُحاوِلَ إثباتَه بمِثلِ هذا القسَمِ [22] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (16/154). .
- وفيه مُحسِّنٌ بَديعيٌّ مِن قَبيلِ ما يُسمَّى تَأكيدَ المدْحِ بما يُشبِهُ الذَّمَّ [23] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/338). .
- والقسَمُ بيومِ القِيامةِ باعتبارِه ظَرفًا لِما يَجْري فيه مِن عدْلِ اللهِ وإفاضةِ فضْلِه، وما يَحضُرُه مِن الملائكةِ والنُّفوسِ المبارَكةِ [24] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/343)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/338). .
- وفي الإقسامِ على تَحقُّقِ البعثِ بيومِ القِيامةِ مِن الجَزالةِ ما لا مَزيدَ عليهِ [25] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/64). .
- وأيضًا في قولِه: لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ما يُعرَفُ في البَلاغةِ بصِحَّةِ الأقسامِ، أو التَّناسُبِ بيْن المعاني [26] التَّقسيمُ أو صحَّةُ الأقسامِ: هو عبارةٌ عن استيفاءِ المتكلِّمِ جميعَ أقسامِ المعنى الَّذي هو آخِذٌ فيه، بحيث لا يُغادِرُ منه شيئًا، مِثلُ قولِه تعالى: وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا [يونس: 12] ، فقولُه: دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا استوفى جميعَ الهيئاتِ الَّتي يكونُ عليها الإنسانُ. وفي قولِه: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا [الرعد: 12] ، استوفى قِسمَيْ رؤيةِ البَرقِ؛ إذ ليس فيها إلَّا الخَوفُ مِنَ الصَّواعقِ والطَّمعُ في الأمطارِ، ولا ثالثَ لهذين القِسْمَينِ. يُنظر: ((تحرير التحبير)) لابن أبي الإصبع (ص: 173)، ((نهاية الأرب)) للنويري (7/136)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (4/214). والتَّناسُبُ بيْنَ المعاني -وسمَّاهُ بعضُهم: صحَّةَ التَّفسيرِ والتَّبيينِ-: هو أن يأتيَ المتكلِّمُ في أوَّلِ كلامِه بمعنًى لا يستقِلُّ الفَهمُ بمعرفةِ فَحْواهُ؛ إمَّا أن يكونَ مُجمَلًا يحتاجُ الى تفصيلٍ، أو موَجَّهًا يفتقرُ إلى توجيهٍ، أو محتملًا يحتاجُ المرادُ منه إلى ترجيحٍ لا يحصُلُ إلَّا بتفسيرِه وتبيينِه. يُنظر: ((الصناعتين)) لأبي هلال العسكري (ص: 345)، ((تحرير التحبير)) لابن أبي الإصبع (ص: 185)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (6/631) و(8/197، 198). ، وهذه الآيةُ تُعَدُّ مِن مَحاسِنِ التَّقسيمِ؛ لتَناسُبِ الأمْرَينِ المقسَمِ بهما؛ فقدْ أقسَمَ بيَومِ البَعثِ أوَّلًا، ثمَّ أقسَمَ بالنُّفوسِ المَجْزيَّةِ فيه على حَقيقةِ البَعثِ والجَزاءِ، فسُبحانَ المتكلِّمِ بهذا الكلامِ [27] يُنظر: ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/300). !
- وجَوابُ القسَمِ محذوفٌ يدُلُّ عليه يومُ القِيامةِ المُقسَمُ به وما بَعْدَه مِن قولِه أَيَحْسَبُ ... الآيةَ، وتقديرُه: لَتُبعَثُنَّ، فيُؤخَذُ الجوابُ مِن قولِه: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ؛ لأنَّه دَليلُ الجوابِ، وهو لَنَجمَعَنَّ عِظامَكم ولنَبْعثَنَّكم لِلحِسابِ [28] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/659)، ((تفسير أبي حيان)) (10/343)، ((تفسير أبي السعود)) (9/64)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/338، 339)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (10/ 296). . وذلك على قولٍ.
- وعُطِفَ قولُه: وَلَا أُقْسِمُ تَأكيدًا للجُملةِ المعطوفِ عليها [29] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/338). .
- وتَعريفُ النَّفْسِ في قولِه: وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ تَعريفُ الجِنسِ، أي: الأنفُسُ اللَّوَّامةُ، قيل: المرادُ نُفوسُ المؤمنينَ [30] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/343)، ((تفسير أبي السعود)) (9/64)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/338). ، ومُناسَبةُ القسَمِ بها مع يومِ القيامةِ أنَّها النُّفوسُ ذاتُ الفَوزِ في ذلك اليومِ [31] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/339). . وقيل: المناسَبةُ بيْنَ القسَمينِ مِن حيثُ أحوالُ النَّفسِ مِن سَعادتِها وشَقاوتِها، وظُهورُ ذلك في يومِ القِيامةِ [32] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/343). . أو ضَمَّ النَّفسَ اللَّوَّامةِ إلى يومِ القِيامةِ؛ لأنَّ المقصودَ مِن إقامتِها مُجازاتُها [33] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/265). ويُنظر أيضًا: ((تفسير أبي السعود)) (9/64)، ((تفسير الألوسي)) (15/151). .
- ووصْفُ اللَّوَّامةِ مُبالَغةٌ؛ لأنَّها تُكثِرُ لَومَ صاحبِها [34] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/338). .
2- قولُه تعالَى: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ
- قولُه: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ الاستِفهامُ للتَّقريرِ والتَّوبيخِ، ولإنكارِ الواقعِ واستِقباحِه؛ حيث يُنكِرُ الإنسانُ قُدرةَ اللهِ تعالَى على إعادةِ المعدومِ [35] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/344)، ((تفسير أبي السعود)) (9/64)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/339)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (10/296). !
- وتَعريفُ الإنسانِ في قولِه: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ تَعريفُ الجِنسِ، ووُقوعُه في سِياقِ الإنكارِ الَّذي هو في معْنى النَّفيِ يَقْتضي العُمومَ، وهو عُمومٌ عُرفيٌّ مَنظورٌ فيه إلى غالِبِ النَّاسِ يَومَئذٍ؛ إذ كان المؤمِنون قليلًا؛ فالمعنى: أيحسَبُ الإنسانُ الكافرُ المكذِّبُ بالبَعثِ [36] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/344)، ((تفسير أبي السعود)) (9/64)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/339). . وإسنادُ الفِعلِ إلى جِنسِ الإنسانِ؛ لأنَّ فيهم مَن يَحسَبُ، وقيل غيرُ ذلك [37] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/265). .
- والهَمزةُ في قولِه: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ لإنكارِ الواقعِ واستِقباحِه [38] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/64)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/339). .
- وجِيءَ بحرْفِ (لن) الدَّالِّ على تَأكيدِ النَّفيِ، لحِكايةِ اعتِقادِ المشْرِكين استِحالةَ جمْعِ العِظامِ بعْدَ رِمامِها وتَشتُّتِها [39] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/339). .
- والعِظامُ هنا: كِنايةٌ عن الجسَدِ كلِّه، وإنَّما خُصَّت بالذِّكرِ لحِكايةِ أقوالِهِم، مِثلِ: مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ [يس: 78] ؛ فهم احتَجُّوا باستِحالةِ قَبولِ العِظامِ للإعادةِ بعْدَ البِلى، على أنَّ استِحالةَ إعادةِ اللَّحمِ والعصَبِ والفؤادِ بالأَولى، فإثباتُ إعادةِ العِظامِ اقْتَضى أنَّ إعادةَ بَقيَّةِ الجسْمِ مُساوٍ لإعادةِ العَظْمِ، وفي ذلك كِفايةٌ مِن الاستِدلالِ مع الإيجازِ [40] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/340). .
وأيضًا ذِكرُ العِظامِ، وإنْ كان المعنى إعادةَ الإنسانِ وجمْعَ أجزائِه المتفرِّقةِ؛ لأنَّ العِظامَ هي قالَبُ الخلْقِ [41] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/344، 345). .
- قولُه: بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ بَلَى حرْفُ إبطالٍ للنَّفيِ الَّذي دلَّ عليه أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ؛ فمَعْناهُ: بلْ تُجمَعُ عِظامُه [42] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/340). .
- وقَادِرِينَ حالٌ مُقرِّرةٌ لِما أُوجِبَ بعْدَ النَّفيِ: إمَّا مُكمِّلةٌ له على سَبيلِ التَّرقِّي، أي: نَجمَعُ العِظامَ قادِرينَ على تَأليفِ جَميعِها، وإعادتِها إلى التَّركيبِ الأوَّلِ إلى أنْ نُسوِّيَ بَنانَه، أو واردةٌ مُبالَغةً، أي: فكيف بكِبارِ العِظامِ؟ أو مُوبِّخةٌ، أي: نَجعَلها مُستويةً كخُفِّ البَعيرِ، وحافِرِ الحِمارِ، على أُسلوبِ قولِه تعالَى: قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ [الصافات: 18] ، في جَوابِ قولِه: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا [الصافات: 16] الآيةَ [43] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/659)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (16/158)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/340). .
- ويَجوزُ أنْ يكونَ بَلَى إبطالًا للنَّفيَينِ: النَّفيِ الَّذي أفادَه الاستِفهامُ الإنكاريُّ مِن قولِه: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ [القيامة: 3] ، والنَّفيِ الَّذي في مَفعولِ (يَحسَبُ)، وهو إبطالٌ بزَجْرٍ، أي: بلْ لِيَحسَبْنا قادِرِين؛ لأنَّ مُفادَ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ ألَّا نَقدِرَ على جمْعِ عِظامِه، فيكونُ قَادِرِينَ مَفعولًا ثانيًا لـ (يَحسَبْنا) المقدَّرِ [44] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/340). .
- وعُدِلَ في مُتعلقِ قَادِرِينَ عن أنْ يُقالَ: قادِرِين على جمْعِ عِظامِه إلى بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ [القيامة: 4] ؛ لأنَّه أوفَرُ معنًى، وأوفَقُ بإرادةِ إجمالِ كَيفيَّةِ البَعثِ والإعادةِ، ولمُراعاةِ هذه المعاني عُدِل عن رفْعِ (قادِرون)، بتَقديرِ: نحْنُ قادِرون، فلمْ يُقرَأْ بالرَّفعِ [45] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/340). .
- والتَّسويةُ: تَقويمُ الشَّيءِ وإتقانُ الخلْقِ، وأُرِيدَ بالتَّسويةِ إعادةُ خلْقِ البَنانِ مُقوَّمةً مُتقَنةً؛ فالتَّسويةُ كِنايةٌ عن الخلْقِ؛ لأنَّها تَستلزِمُه؛ فإنَّه ما سُوِّيَ إلَّا وقد أُعِيدَ خلْقُه [46] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/341). .
- والبَنانُ: أصابعُ اليَدينِ والرِّجلينِ، أو أطرافُ تلك الأصابعِ، وإذ كانتْ هي أصغَرَ الأعضاءِ الواقعةِ في نِهايةِ الجسَدِ كانتْ تَسويتُها كِنايةً عن تَسويةِ جَميعِ الجَسدِ؛ لظُهورِ أنَّ تَسويةَ أطرافِ الجسَدِ تَقْتضي تَسويةَ ما قبْلَها [47] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/341). .
3- قولُه تعالَى: بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ بَلْ إضرابٌ انتقاليٌّ مِن كَلامٍ إلى كَلامٍ مِن غيرِ إبطالٍ، وإلى ذِكرِ حالٍ آخَرَ مِن أحوالِ فُجورِهم؛ فمَوقعُ الجُملةِ بعْدَ بَلْ بمَنزلةِ الاستِئنافِ الابتدائيِّ؛ للمُناسَبةِ بيْنَ معْنى الجُملتَينِ، أي: لَمَّا دُعُوا إلى الإقلاعِ عن الإشراكِ وما يَسْتدعِيه مِن الآثامِ، وأُنْذِروا بالعِقابِ عليه يومَ القِيامةِ؛ كانوا مُصمِّمينَ على الاسترسالِ في الكُفْرِ [48] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/345)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/341)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (10/297). ويُنظر أيضًا: ((تفسير الألوسي)) (15/153). .
- قولُه: يُرِيدُ الْإِنْسَانُ يَجوزُ أنْ يكونَ إخبارًا عمَّا في نُفوسِ أهْلِ الشِّركِ مِن مَحبَّةِ الاسترسالِ فيما همْ عليه مِن الفِسقِ والفُجورِ، ويجوزُ أنْ يكونَ استفهامًا إنكاريًّا مُوافقًا لسِياقِ ما قبْلَه مِن قولِه: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ [49] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/342). [القيامة: 3] .
- ومَفعولُ يُرِيدُ مَحذوفٌ يدُلُّ عليه التَّعليلُ في لِيَفْجُرَ، والمعْنى: بلْ يُريدُ الإنسانُ الثَّباتَ والدَّيمومةَ على ما هو عليه مِن عدَمِ التَّقيُّدِ بقَيدِ الإيمانِ؛ ليَسترسِلَ على فُجورِه، ويَدومَ على غيِّهِ [50] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/345)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (10/297). .
- وأُعِيدَ لَفظُ الْإِنْسَانُ إظهارًا في مَقامِ الإضمارِ؛ لأنَّ المَقامَ لتَقريعِه، والتَّعجيبِ مِن ضَلالِه، وكُرِّرَ لَفظُ الإنسانِ في هذه السُّورةِ خمْسَ مرَّاتٍ لذلك، مع زِيادةِ ما في تَكرُّرِه في المرَّةِ الثَّانيةِ والمرَّتينِ الرَّابعةِ والخامسةِ مِن خُصوصيَّةٍ؛ لِتَكونَ تلك الجُمَلُ الثَّلاثُ الَّتي ورَدَ ذِكرُه فيها مُستقِلَّةً بمُفادِها [51] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/342). .
4- قولُه تعالَى: يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَجوزُ أنْ تكونَ هذه الجُملةُ مُتَّصِلةً بالَّتي قبْلَها على أنَّها بدَلُ اشتِمالٍ منها؛ لأنَّ إرادةَ الإنسانِ الاستِرسالَ على الفُجورِ يَشتمِلُ على التَّهكُّمِ بيَومِ البعثِ، أو على أنَّها بدَلٌ مُطابقٌ على تَفسيرِ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ [القيامة: 5] بالتَّكذيبِ بيَومِ البَعثِ. ويَجوزُ أنْ تكونَ مُستأنَفةً للتَّعجيبِ مِن حالِ سُؤالِهم عن وقْتِ يومِ القيامةِ، وهو سُؤالُ استِهزاءٍ لاعتِقادِهم استحالةَ وُقوعِه [52] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/343). . ويجوزُ أنْ تكونَ الجملةُ استئنافًا بيانيًّا جيء به تعليلًا لإرادةِ الدَّوامِ على الفجورِ، فكأنَّه قيل: لِمَ يريدُ الدَّوامَ على الفُجورِ؟ قيل: لأنَّه أنكَر البعثَ واستهزَأ به. وقيل غير ذلك [53] يُنظر: ((حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي)) (8/280)، ((تفسير الألوسي)) (15/153). .