موسوعة التفسير

سُورةُ النَّجْمِ
الآيات (56-62)

ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ

غريب الكلمات:

أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ: أي: قرُبَت ودَنَت القيامةُ، وسُمِّيت بذلك؛ لِقُربِها، وأصلُ (أزف): يدُلُّ على الدُّنُوِّ والمُقارَبةِ [554] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 430)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 82)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/94)، ((المفردات)) للراغب (ص: 75). .
سَامِدُونَ: أي: لاهُونَ غافِلونَ مُعرِضونَ، وأصلُ (سمد): يدُلُّ على مُضِيٍّ قُدُمًا مِن غَيرِ تَعريجٍ؛ لأنَّ اللَّاهيَ يَمضي في أَمرِه غَيرَ مُعَرِّجٍ ولا مُتمَكِّثٍ [555] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 430)، ((تفسير ابن جرير)) (22/98)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 269)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/100)، ((البسيط)) للواحدي (21/85)، ((المفردات)) للراغب (ص: 424، 425). .

المعنى الإجمالي:

يقرِّرُ الله تعالى رسالةَ نبيِّه ويحذِّرُ مِن اقتِرابِ السَّاعةِ، فيقولُ: هذا رَسولُ اللهِ محمَّدٌ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- نَذيرٌ للنَّاسِ مِن جِنْسِ مَن سَبَق مِن الرُّسُلِ.
قَرُبَت ودَنَت القيامةُ، ليس لها مِن دونِ اللهِ تعالى كاشِفٌ لوَقتِها، أو قادِرٌ على دَفعِ شَدائِدِها وأهوالِها.
ثمَّ يقولُ تعالى مُتوعِّدًا المنكِرينَ لرسالةِ نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم، المعرِضينَ عن القرآنِ: أفمِنْ هذا القُرآنِ تَعجَبونَ -أيُّها المُشرِكونَ-؟! وتَضحَكونَ مِنَ القُرآنِ استِهزاءً، ولا تَبكُونَ، وأنتم غافِلونَ لاهُون.
ثمَّ يختمُ الله تعالى هذه السُّورةَ الكريمةَ آمرًا لعبادِه بالسُّجودِ له والعبادةِ، فيقولُ: فاسجُدوا للهِ وَحْدَه، واعبُدوه!

تفسير الآيات:

هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا تَمَّ الكلامُ على هذا المِنهاجِ البَديعِ، والنَّمَطِ الرَّفيعِ، في حُسنِ البَيانِ للمَواعِظِ والشَّرعِ، والقَصَصِ القَديمةِ، والإنذارِ العَظيمِ التَّامِّ على وَجهٍ مُعجِزٍ مِن وُجوهٍ شَتَّى- أنتَجَ قَولَه مُرَغِّبًا مُرَهِّبًا خاتِمًا السُّورةَ بما بدأ هنا به مِن ذِكْرِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [556] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/81). :
هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56).
أي: هذا الرَّسولُ محمَّدٌ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- نَذيرٌ للنَّاسِ مِن جِنْسِ مَن سَبَق مِن الرُّسُلِ [557] يُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (4/205)، ((تفسير ابن عطية)) (5/209)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (8/209)، ((تفسير ابن كثير)) (7/468)، ((تفسير الشوكاني)) (5/141، 142)، ((تفسير السعدي)) (ص: 823)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 255). قال الماوَرْدي: (فيه قَولانِ؛ أحَدُهما: أنَّ مُحمَّدًا نذيرٌ بالحَقِّ، الذي أنذَرَ به الأنبياءُ قَبْلَه. قاله ابنُ جُرَيجٍ. الثَّاني: أنَّ القُرآنَ نَذيرٌ بما أنذَرَت به الكُتُبُ الأُولى. قاله قَتادةُ. ويحتَمِلُ قولًا ثالثًا: أنَّ هلاكَ مَن تقَدَّم ذِكرُه مِن الأُمَمِ الأُولى نذيرٌ لكم). ((تفسير الماوردي)) (5/406). وممَّن قال بأنَّ المرادَ بـ هَذَا نَذِيرٌ: محمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فهو مِن جِنسِ الرُّسُلِ قَبْلَه: الواحدي، ومال إليه ابنُ عطيَّةَ، وذهب إليه ابنُ كثير، والبِقاعي، والشوكاني، والسعدي، وابن عثيمين. يُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (4/205)، ((تفسير ابن عطية (5/209)، ((تفسير ابن كثير)) (7/468)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/81)، ((تفسير الشوكاني)) (5/141)، ((تفسير السعدي)) (ص: 823)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 255). وممَّن قال بهذا القَولِ مِنَ السَّلَفِ: قَتادةُ في روايةٍ عنه، وابنُ جُرَيج. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/93)، ((تفسير الماوردي)) (5/406). قال ابنُ عطيَّةَ: (الأشبَهُ أن تكونَ الإشارةُ إلى محمَّدٍ). ((تفسير ابن عطية (5/209). وقال ابنُ تيميَّةَ: (هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى قيل: محمَّدٌ. وقيل: القُرآنُ. وهما مُتلازِمانِ، يقولُ: هذا نذيرٌ أنذَرَ بما أنذَرَت به الرُّسُلُ والكُتُبُ الأُولى. وقَولُه: مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى أي: مِن جِنسِها). ((مجموع الفتاوى)) (8/209). وقيل: المعنى: هذا المذكورُ في صُحُفِ إبراهيمَ وموسى نذيرٌ مِنَ النُّذُرِ الأُولى الَّتي جاءت الأُمَمَ قَبْلَكم كما جاءَتكم. وممَّن ذهب إلى هذا المعنى: ابنُ جرير. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/94). ويُنظر أيضًا: ((تفسير ابن عاشور)) (27/157، 158). وممَّن قال بهذا القَولِ مِنَ السَّلَفِ: أبو مالكٍ الغِفاريُّ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/94)، ((الدر المنثور)) للسيوطي (7/666). .
كما قال الله تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [الفرقان: 1] .
أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ (57).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا ذَكَر إهلاكَ مَن تقَدَّمَ ذِكرُه، وذَكَر قَولَه: هَذَا نَذِيرٌ؛ ذكَرَ أنَّ الَّذي أنذَرَ به قَريبُ الوُقوعِ، فقال [558] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/28). :
أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ (57).
أي: قَرُبَت ودَنَت القيامةُ القَريبةُ مِنكم، أيُّها النَّاسُ [559] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/94)، ((تفسير القرطبي)) (17/122)، ((تفسير ابن كثير)) (7/468)، ((تفسير السعدي)) (ص: 823)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 255). قال ابنُ عطية: (الآزِفةُ: عِبارةٌ عن القيامةِ بإجماعٍ مِنَ المفَسِّرينَ). ((تفسير ابن عطية)) (5/209). وقال ابنُ عاشور: (المعنى: هذا نذيرٌ بآزفةٍ قَرُبَت). ((تفسير ابن عاشور)) (27/158). !
كما قال الله تبارك وتعالى: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ [الأنبياء: 1] .
وقال سُبحانَه: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآَزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ [غافر: 18] .
وقال سُبحانَه: وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ [الشورى: 17] .
وقال عزَّ وجَلَّ: إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا [المعارج: 6، 7].
لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا ضاق الخِناقُ مِن ذِكرِها على هذا الوَجهِ، تشَوَّفَ السَّامِعُ إلى دَفعِها؛ فاستأنَفَ قَولَه [560] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/82). :
لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58).
أي: لا يَدفَعُها مِن دونِ اللهِ أحَدٌ، ولا يَطَّلِعُ على عِلْمِها سِواه [561] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (7/468). قال الواحدي: (ومعنى الكشفِ في اللُّغةِ: رفْعُ الشَّيءِ عمَّا يُواريه، والمعنى على هذا القولِ: أنَّ القيامةَ إذا غَشِيَتِ الخلْقَ بشَدائدِها وأهوالِها لم يَكشِفْها أحدٌ مِن آلهتِهم، أي: أنَّها لا تُنجيهم منها... والكاشفةُ على هذا القولِ نعتُ مؤنَّثٍ محذوفٍ، على تقديرِ: نفْسٌ كاشِفةٌ، أو جماعةٌ كاشفةٌ، وهذا معنَى قولِ قَتادةَ: ليس لها مِن دونِ الله رادٌّ. ويجوزُ أن تكونَ الكاشِفةُ مَصدرًا، كالخائنةِ والعاقِبةِ والعافيةِ، فإذا قدَّرْتَها مصدرًا كان المعنى: ليس لها مِن دونِ الله كشْفٌ، أي: لا يَكشِفُ عنها غيرُه، بمعنَى: لا يُبديها ولا يُظهِرُها ولا يُزيلُ عنها ما يَستُرُها، وهو معنَى قولِ مُقاتِلٍ: لا يَكشِفُها أحدٌ إلَّا الله، قال: يعني: السَّاعةَ اللهُ الَّذي يَكشِفُها... وهذا القولُ اختيارُ الزَّجَّاجِ والفَرَّاءِ، وهو قولُ الكلبيِّ، قال: ليس لها مَن يَكشِفُ عن عِلمِها إلَّا اللهُ، وإذا كشَف عن عِلمِها فقد كشَف عنها). ((البسيط)) (21/82). ويُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/168). ممَّن اختار القولَ الأوَّلَ، أي: أنَّ المرادَ: لا يَكشِفُها إذا غَشِيتْ، ولا يَقدِرُ على دفْعِ شَدائدِها وأهوالِها إلَّا اللهُ: الماوَرْديُّ، والواحدي، وابن الجوزي، والشوكاني. يُنظر: ((تفسير الماوردي)) (5/407)، ((الوسيط)) للواحدي (4/205)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 378)، ((تفسير الشوكاني)) (5/142). وممَّن قال بهذا القَولِ مِنَ السَّلَفِ: عَطاءٌ، وقَتادةُ، والضَّحَّاكُ. يُنظر: ((تفسير البغوي)) (4/ 318)، ((تفسير ابن الجوزي)) (4/194). وممَّن اختار القَولَ الثَّانيَ -أي: أنَّ المرادَ: ليس للقيامةِ مُظهِرٌ لعِلمِ وَقتِها ومتى تكونُ غَيرُ اللهِ تعالى، ولا يَكشِفُ عنها ولا يُظهِرُها إلَّا اللهُ-: الفَرَّاءُ، وابنُ قُتَيْبةَ، والزَّجَّاجُ، والسمرقندي، والبغوي، والخازن، والقاسمي. يُنظر: ((معاني القرآن)) للفراء (3/103)، ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 430)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (5/78)، ((تفسير السمرقندي)) (3/367)، ((تفسير البغوي)) (4/318)، ((تفسير الخازن)) (4/215)، ((تفسير القاسمي)) (9/84). وممَّن جمَع بيْنَ المعنَيَينِ: ابنُ كثير. يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (7/468). وقال ابن جرير: (ليس تَنكَشِفُ فتَقومَ إلَّا بإقامةِ اللهِ إيَّاها وكَشْفِها، دونَ مَن سِواه مِن خَلْقِه؛ لأنَّه لم يُطلِعْ عليها مَلَكًا مُقَرَّبًا، ولا نَبيًّا مُرسَلًا). ((تفسير ابن جرير)) (22/95، 96). وقال القرطبي: (لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ أي: ليس لها مِن دُونِ اللهِ مَن يُؤَخِّرُها أو يُقَدِّمُها). ((تفسير القرطبي)) (17/122). قال ابن جُزَي: (كَاشِفَةٌ يحتمِلُ لفظُه ثلاثةَ أوجُهٍ: أن يكونَ مَصدرًا كالعافيةِ، أي: ليس لها كشْفٌ. وأن يكونَ بمعنَى كاشِفٍ والتَّاءُ للمُبالَغةِ، كعلَّامةٍ. وأن يكونَ صِفةً لِمَحذوفٍ تقديرُه: نفْسٌ كاشِفةٌ، أو جماعةٌ كاشِفةٌ. ويحتملُ معناه وجْهَينِ: أحدُهما: أن يكونَ مِن الكَشفِ بمعنَى: الإزالةِ، أي: ليس لها مَن يُزيلُها إذا وقعَتْ. والآخَرُ: أن يكونَ بمعنى الاطِّلاعِ، أي: ليس لها مَن يَعلَمُ وقتَها إلَّا اللهُ). ((تفسير ابن جزي)) (2/321). .
كما قال تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ [الأعراف: 187].
أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا أفهَمَ هذا أنَّ اللهَ تعالى يَكشِفُ كُرَبَها عمَّن يُريدُ مِن عِبادِه، ويُثَقِّلُه على مَن يَشاءُ، ويَكشِفُ عِلْمَها بإقامتِها، ولا حِيلةَ لِغَيرِه في شَيءٍ مِن ذلك بوَجهٍ- سَبَّبَ عنه وعمَّا تقَدَّمَه مِنَ الإنذارِ قَولَه مُنكِرًا مُوَبِّخًا [562] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/82). :
أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59).
أي: أفمِن هذا القُرآنِ تَعجَبونَ، أيُّها المُشرِكونَ [563] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/96)، ((الوسيط)) للواحدي (4/205)، ((تفسير القرطبي)) (17/122)، ((تفسير ابن كثير)) (7/468)، ((تفسير السعدي)) (ص: 823)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 257). ؟!
قال تعالى: أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص: 5] .
وقال سُبحانَه: بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ [ق: 2] .
وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60).
أي: وتَضحَكونَ مِنَ القُرآنِ استِهزاءً، ولا تَبكُونَ انزِجارًا وخَوفًا [564] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/96)، ((الوسيط)) للواحدي (4/205)، ((تفسير القرطبي)) (17/122)، ((تفسير ابن كثير)) (7/468)، ((تفسير السعدي)) (ص: 823)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 258). ؟!
وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61).
أي: وأنتم غافِلونَ لاهُون [565] يُنظر: ((معاني القرآن)) للفراء (3/103)، ((تفسير ابن جرير)) (22/96)، ((تفسير ابن عطية)) (5/210)، ((تفسير القرطبي)) (17/123)، ((تفسير السعدي)) (ص: 823)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 258). قال السَّمينُ الحلبي: (قوله: وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ: هذه الجُملةُ تحتَمِلُ أن تكونَ مُستأنَفةً؛ أخبَرَ اللهُ تعالى عنهم بذلك، وتحتَمِلُ أن تكونَ حالًا، أي: انتفى عنكم التَّباكي حالَ كَونِكم سَامِدُونَ). ((الدر المصون)) (10/116). وقال ابن الجوزي: (وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ فيه خمسةُ أقوالٍ: أحدُها: لاهُون، رواه العَوْفيُّ عن ابنِ عبَّاسٍ، وبه قال الفرَّاءُ والزَّجَّاجُ. قال أبو عُبَيْدةَ: يقالُ: دَعْ عنك سُمودَك، أي: لَهْوَك. والثَّاني: مُعْرِضون، قاله مجاهِدٌ. والثَّالثُ: أنَّه الغِناءُ، وهي لغةٌ يمانيةٌ، يقولون: اسْمُدْ لنا، أي: تَغَنَّ لنا، رواه عِكْرِمةُ عن ابنِ عبَّاسٍ. وقال عِكْرِمةُ: هو الغِناءُ بالحِمْيَريَّةِ. والرَّابعُ: غافِلونَ، قاله قَتادةُ. والخامسُ: أَشِرون بَطِرون، قاله الضَّحَّاكُ). ((تفسير ابن الجوزي)) (4/195). ويُنظر: ((معاني القرآن)) للفرَّاء (3/103)، ((مجاز القرآن)) لأبي عبيدة (2/239)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (5/78). وممَّن اختار أنَّ المرادَ: لاهون غافِلون: ابنُ جرير، والسمعانيُّ، والبغوي، والرَّسْعَني، وابنُ جُزَي، والعُلَيمي، والقاسمي، والسعدي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/96)، ((تفسير السمعاني)) (5/305)، ((تفسير البغوي)) (4/319)، ((تفسير الرسعني)) (7/502)، ((تفسير ابن جزي)) (2/321)، ((تفسير العليمي)) (6/455)، ((تفسير القاسمي)) (9/84)، ((تفسير السعدي)) (ص: 823). وقال ابن عثيمين: (الصَّوابُ أنَّ المرادَ: غافِلون عنه بالغناءِ وغيرِه ممَّا تتَلهَّون به؛ حتَّى لا تَسمَعوا كلامَ الله عزَّ وجلَّ). ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 258). وقال الزمخشري: (وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ شامِخون مُبَرْطِمُون [البَرْطَمة: الانتِفاخُ مِن الغضَبِ]). ((تفسير الزمخشري)) (4/430). ويُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (15/115). وقال ابن عاشور: (سَامِدُونَ: مِن السُّمودِ، وهو ما في المرءِ مِن الإعجابِ بالنَّفْسِ، يقالُ: سَمَدَ البَعيرُ، إذا رفَع رأسَه في سَيرِه، مُثِّل به حالُ المُتكبِّرِ المُعرِضِ عن النُّصحِ، المُعجَبِ بما هو فيه بحالِ البَعيرِ في نشاطِه). ((تفسير ابن عاشور)) (27/160). وقال البِقاعي: (سَامِدُونَ أي: دائِبون في العملِ، جاهِدون في العمل؛ فإنَّ الأمرَ جِدٌّ، فالدَّأبُ في العملِ والجِدُّ فيه حينَئذٍ علَّةٌ للبُكاءِ، فكأنَّه قيل: ولا تَدأبون في العملِ فتَبكون؛ وإنَّما قلتُ ذلك لأنَّ «سَمَد» معناه: دأبَ في العملِ، ورفَع رأسَه تكبُّرًا وعلا). ((نظم الدرر)) (19/83). .
قال تعالى: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ [الأنبياء: 1 - 3].
فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62).
أي: فاسجُدوا للهِ وَحْدَه خاضِعينَ له، واعبُدوه وَحْدَه مُخلِصينَ له [566] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/102)، ((تفسير ابن كثير)) (7/468)، ((تفسير السعدي)) (ص: 823)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 258، 259). قال السَّمْعاني: (وقَولُه: فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا حمَل بعضُهم هذا على الصَّلَواتِ الخَمْسِ. وقيل: إنَّ الآيةَ نزلتْ بمَكَّةَ قبْلَ فرضِ الصَّلَواتِ الخَمسِ، والسُّورةُ مكِّيَّةٌ، فعلى هذا معناه: فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا أي: اخضَعوا لله ووَحِّدوا. ويُقالُ: المُرادُ منه أصلُ السُّجودِ، والمرادُ مِن العبادةِ هي الطَّاعةُ. وهو مَوضِعُ سُجُودٍ عِندَ أكثَرِ الفُقهاءِ إلَّا مالك). ((تفسير السمعاني)) (5/305). وقال القرطبي: (قوله تعالى: فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا قيل: المرادُ به: سُجودُ تِلاوةِ القرآنِ. وهو قولُ ابنِ مسعودٍ. وبه قال أبو حنيفةَ والشَّافِعيُّ... وقيل: المرادُ: سُجودُ الفرضِ في الصَّلاةِ، وهو قولُ ابنِ عُمرَ، كان لا يَراها مِن عَزائمِ السُّجودِ. وبه قال مالكٌ... والأوَّلُ أصَحُّ). ((تفسير القرطبي)) (17/124). .

الفوائد التربوية:

1- في قَولِه تعالى: أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ ذَمُّ المعرِضِينَ عن سَماعِ القُرآنِ، المتعوِّضِينَ عنه بسَماعِ الغِناءِ، كما هو حالُ السَّمَّاعاتِيَّةِ المُؤْثِرِينَ لسَماعِ المُكاءِ والتَّصْديةِ على سَماعِ القُرآنِ، المتعوِّضِينَ عنه بسَماعِ الغِناءِ، وهو نَظيرُ الَّذين أضاعوا الصَّلاةَ واتَّبَعوا الشَّهَواتِ [567] يُنظر: ((الكلام على مسألة السماع)) لابن القيم (ص: 131). !
2- في قَولِه تعالى: أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ... استِحبابُ البُكاءِ عندَ قِراءةِ القُرآنِ وسَماعِه، وذَمُّ الضَّحِكِ والغِناءِ، واللَّهوِ واللَّعِبِ والغَفلةِ [568] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/29)، ((الإكليل في استنباط التنزيل)) للسيوطي (ص: 251). !

الفوائد العلمية واللطائف:

1- في قَولِه تعالى: هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى لم يَقُلْ: «بشيرٌ»؛ لأنَّ المقامَ لا يَقتَضي إلَّا ذِكْرَ الإنذارِ؛ إذْ إِنَّ اللهَ تعالى تَحَدَّثَ مِن أوَّلِ السُّورة إلى آخِرِها عن قُرَيشٍ، وتَكذيبِها للرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وعبادتِها للأصنامِ، فيقولُ: محمَّدٌ صلَّى الله عليه وسلَّم نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى، أي: مِن الرُّسُلِ السَّابِقينَ، وكما أنَّ الَّذين كَذَّبوا الرُّسُلَ حَلَّ بهمُ العِقابُ والنَّكالُ، فأنتم -أيُّها المكَذِّبونَ- لِرَسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يُوشِكُ أنْ يَحُلَّ بكم النَّكالُ والعُقوبةُ؛ لأنَّ محمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم مِثلُ غَيرِه نَذيرٌ مِن النُّذُرِ، فإذا كان نَذيرًا مِن النُّذُرِ فإنَّ مَن كَذَّبَه سوف يَقَعُ به مِثلُ ما وَقَعَ بالأُمَمِ السَّابقةِ [569] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 255). .
2- في قَولِه تعالى: أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ التَّنبيهُ على قُربِ المُنذَرِ به، وهو مِن كَمالِ الإنذارِ؛ للبِدارِ بتجَنُّبِ الوُقوعِ فيما يُنذَرُ به [570] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/158). .
3- في قَولِه تعالى: فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا الأمرُ بالسُّجودِ لله تعالى خُصوصًا؛ لِيَدُلَّ ذلك على فَضلِه، وأنَّه سِرُّ العِبادةِ ولُبُّها؛ فإنَّ لُبَّها الخُشوعُ للهِ والخُضوعُ له؛ والسُّجودُ هو أعظَمُ حالةٍ يَخضَعُ بها العَبدُ؛ فإنَّه يُخضِعُ قَلبَه وبَدَنَه، ويَجعَلُ أشرَفَ أعضائِه على الأرضِ المَهينةِ مَوضِعَ وَطءِ الأقدامِ [571] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 823). !
4- في قَولِه تعالى: فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا أنَّ السُّجودَ يُطلَقُ على الصَّلاةِ كلِّها [572] يُنظر: ((فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام)) لابن عثيمين (1/434). . وذلك على قولٍ في تفسيرِ الآيةِ.

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالَى: هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى استِئنافٌ ابتدائيٌّ، أو فَذْلَكةٌ [573] الفَذْلكةُ: مِن فَذْلَكَ حِسابَه فَذْلَكةً، أي: أَنْهاهُ وفَرَغ منه، وذكَر مُجمَلَ ما فُصِّل أوَّلًا وخُلاصتَه. و(الفَذْلَكةُ) كلمةٌ منحوتةٌ كـ (البَسملة) و(الحَوقلة)، مِن قولِهم: (فذَلِكَ كذَا وكذَا عددًا). ويُرادُ بالفَذْلَكةِ النَّتيجةُ لِمَا سبَق مِن الكلامِ، والتَّفريعُ عليه، ومنها فَذْلَكةُ الحسابِ، أي: مُجمَلُ تفاصيلِه، وإنهاؤُه، والفراغُ منه، كقولِه تعالى: تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ بعْدَ قولِه: فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة: 196] . يُنظر: ((تاج العروس)) للزَّبِيدي (27/293)، ((كناشة النوادر)) لعبد السلام هارون (ص: 17)، ((مفاتيح التفسير)) لأحمد سعد الخطيب (ص: 638، 639). لِما تَقدَّمَ على اختِلافِ الاعتِبارَينِ في مَرجِعِ اسمِ الإشارةِ؛ فإنْ جُعِلَ اسمُ الإشارةِ راجعًا إلى القُرآنِ؛ فإنَّه لحُضورِه في الأذهانِ يُنزَّلُ مَنزِلةَ شَيءٍ مَحسوسٍ حاضرٍ بحيث يُشارُ إليه، فالكلامُ انتِقالٌ اقتضابيٌّ تَنهيةً لِما قبْلَه، وابتِداءً لِما بعْدَ اسمِ الإشارةِ، على أُسلوبِ قولِه تعالى: هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ [إبراهيم: 52] . والكلامُ مُوجَّهٌ إلى المُخاطَبينَ بمُعظَمِ ما في هذه السُّورةِ؛ فلذلك اقتُصِرَ على وصْفِ الكَلامِ بأنَّه نذيرٌ، دونَ أنْ يقولَ: نَذيرٌ وبَشيرٌ. وإنْ جُعِلَ اسمُ الإشارةِ عائدًا إلى ما تَقدَّمَ مِن أوَّلِ السُّورة بتأْويلِه بالمذْكورِ، أو إلى ما لمْ يُنبَّأْ به الَّذي تَولَّى وأعْطى قليلًا، ابتِداءً مِن قولِه: أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى [النجم: 36] إلى هنا؛ فتَكونُ الإشارةُ إلى الكَلامِ المُتقدِّمِ تَنزيلًا لحُضورِه في السَّمعِ مَنزِلةَ حُضورِه في المُشاهَدةِ بحيث يُشارُ إليه [574] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/157). .
وعلى أنَّ الإشارةَ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فيكونُ افتتَحَ أوَّلَ السُّورة بِه، واختَتمَ آخِرَها به [575] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/167). .
- وتَنوينُ نَذِيرٌ للتَّفخيمِ [576] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/165). .
- و(مِنْ) مُتعلِّقةٌ بمَحْذوفٍ هو نَعتٌ لـ نَذِيرٌ، مُقرِّرٌ له، ومُتضمِّنٌ للوعيدِ، أي: هذا القرآنُ الَّذي تُشاهِدونَه نذيرٌ مِن قَبيلِ الإنذاراتِ المُتقدِّمةِ الَّتي سمِعْتُم عاقبتَها، أو هذا الرَّسولُ مُنذِرٌ مِن جِنسِ المُنذِرينَ الأوَّلينَ، والْأُولَى على تأويلِ الجَماعةِ؛ لمُراعاةِ الفواصلِ [577] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/165). .
2- قولُه تعالَى: أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ تَتنزَّلُ هذه الجُملةُ مِن الَّتي قبْلَها مَنزِلةَ البَيانِ للإنذارِ الَّذي تَضمَّنَه قولُه: هَذَا نَذِيرٌ [النجم: 56] ؛ فالمعْنى: هذا نَذيرٌ بآزِفةٍ قرُبَتْ [578] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/158). .
- وقولُه: أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ أي: دنَتِ القيامةُ، عُبِّرَ عنها بلفْظِ الماضي؛ لقُرْبِها، وضِيقِ وقْتِها [579] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (15/114). .
- وجِيءَ لفِعلِ أَزِفَتِ بفاعِلٍ مِن مادَّةِ الفِعلِ؛ للتَّهويلِ على السَّامعِ؛ لتَذهَبَ النَّفْسُ كلَّ مذهبٍ مُمْكنٍ في تَعيينِ هذه الحادثةِ الَّتي أزِفَتْ، ومَعلومٌ أنَّها مِن الأُمورِ المَكروهةِ؛ لوُرودِ ذِكْرِها عقِبَ ذِكرِ الإنذارِ [580] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/158). .
- والتَّأنيثُ في الْآَزِفَةُ بتَأويلِ الوَقْعةِ، أو الحادثةِ، كما يُقالُ: نزَلَتْ به نازِلةٌ، أو وقعَتِ الواقعةُ، وغشِيَتْه غاشيةٌ، والعرَبُ يَستعمِلون التَّأنيثَ دَلالةً على المُبالَغةِ في النَّوعِ [581] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/158، 159). .
- والتَّعريفُ في الْآَزِفَةُ تَعريفُ الجِنسِ، وفيه زِيادةُ تَهويلٍ بتَمْييزِ هذا الجِنسِ مِن بيْنِ الأجناسِ؛ لأنَّ في استِحضارِه زِيادةَ تَهويلٍ؛ لأنَّه حَقيقٌ بالتَّدبُّرِ في المَخلَصِ منه [582] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/159). .
3- قولُه تعالَى: لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ مُستأنَفٌ بَيانيٌّ، أو صِفةٌ للآزِفةِ، وكَاشِفَةٌ يَجوزُ أنْ يكونَ مَصدرًا بوزْنِ فاعِلةٍ، كالعافيةِ، وخائنةِ الأعيُنِ، والمعْنى: ليس لها كشْفٌ. ويجوزُ أنْ يكونَ كَاشِفَةٌ اسمَ فاعلٍ، قُرِنَ بهاءِ التَّأنيثِ للمُبالَغةِ، مِثلُ راويةٍ، وباقِعةٍ، ودَاهيةٍ، أي: ليس لها كاشفٌ قويُّ الكشْفِ، فضْلًا عمَّن دونَه [583] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/28)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/159). .
- و(مِنْ) في قولِه: مِنْ دُونِ اللَّهِ صِلةٌ؛ للتَّوكيدِ [584] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/159). .
- والكشْفُ يَجوزُ أنْ يكونَ بمعْنى التَّعريةِ مُرادٌ به الإزالةُ، وذلك ضِدُّ ما يُقالُ: غَشِيَه الضُّرُّ؛ فالمعْنى: لا يَستطيعُ أحدٌ إزالةَ وَعيدِها غيرُ اللهِ، وقد أخبَرَ بأنَّها واقِعةٌ بقولِه: لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ كِنايةً عن تَحقُّقِ وُقوعِها [585] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/159). .
- وفي قولِه: لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ ما يُعرَفُ في البَلاغةِ بالتَّمثيلِ؛ فقد أُخرِجَ الكلامُ مُخرَجَ المثَلِ السَّائرِ يُتمثَّلُ به في الوقائعِ [586] يُنظر: ((إعراب القرآن)) لدرويش (9/370). .
4- قولُه تعالَى: أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ تَفريعٌ على هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى [النجم: 56] وما عُطِف عليه وبُيِّن به مِن بَيانٍ أو صِفةٍ، فُرِّعَ عليه استِفهامُ إنكارٍ وتَوبيخٍ [587] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/166)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/160). .
- ومعْنى العجَبِ هنا الاستِبعادُ والإحالةُ، أو كِنايةٌ عن الإنكارِ [588] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/160). .
- وتَقديمُ المجْرورِ أَفَمِنْ؛ للقصْرِ، أي: هذا الحديثُ ليس أهلًا لِأنْ تُقابِلوه بالضَّحِكِ والاستِهزاءِ والتَّكذيبِ، ولا لِئلَّا يَتوبَ سامِعُه، أي: لو قابلْتُم بفِعلِكم كلامًا غيرَه، لَكان لكم شُبْهةٌ في فِعلِكم، فأمَّا مُقابلتُكم هذا الحديثَ بما فَعَلْتُم فلا عُذْرَ لكمْ فيها [589] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/161). .
5- قوله تعالى: وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ الجُملةُ حالٌ مِنْ فاعلِ وَلَا تَبْكُونَ، وهي قَيدٌ للنَّفْيِ، والإنكارُ مُتوجِّهٌ إلى نفْيِ البُكاءِ ووُجودِ السُّمودِ. وقيل: هي حالٌ مِنْ فاعلِ وَلَا تَبْكُونَ خَلا أنَّ مَضمونَها -على أنَّها بمعْنى: خاشِعونَ جامِدونَ، مِن السُّمودِ بمَعْنى الجُمودِ والخُشوعِ- قَيْدٌ للمَنْفيِّ، والإنكارُ واردٌ على نَفْيِ البُكاءِ والسُّمودِ معًا [590] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/166). .
- في قَولِه تعالى: وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ ذُكِرَ (سامِد) باسمِ الفاعِلِ -دونَ الضَّحِكِ والعَجَبِ-؛ لأنَّ الغَفلةَ دائِمةٌ، وأمَّا الضَّحِكُ والعَجَبُ فهُما أمْرانِ يَتجَدَّدانِ ويَعدَمانِ [591] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (29/287). .
6- قولُه تعالَى: فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا تَفريعٌ على الإنكارِ والتَّوبيخِ المُفرَّعَينِ على الإنذارِ بالوعيدِ، فُرِّعَ عليه أمْرُهم بالسُّجودِ للهِ؛ لأنَّ ذلك التَّوبيخَ مِن شأْنِه أنْ يَعْمُقَ في قُلوبِهم، فيَكُفَّهم عمَّا همْ فيه مِن البطَرِ والاستِخفافِ بالدَّاعي إلى اللهِ [592] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/161). .
- وأيضًا قولُه: فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا لتَرتيبِ الأمْرِ أو مُوجِبِه على ما تَقرَّرَ مِن بُطلانِ مُقابَلةِ القُرآنِ بالإنكارِ والاستِهزاءِ، ووُجوبِ تَلقِّيه بالإيمانِ مع كَمالِ الخضوعِ والخُشوعِ، أي: وإذا كانَ الأمرُ كذلِكَ فاسْجُدوا للهِ الَّذي أنزَلَه واعْبُدوا [593] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/166). .
- والسُّجودُ يَجوزُ أنْ يكونَ المُرادُ به سُجودَ الصَّلاةِ، ويكونَ الأمرُ به كِنايةً عن الأمْرِ بأنْ يُسلِموا؛ فإنَّ الصَّلاةَ شِعارُ الإسلامِ [594] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/161). .
وقيل: يَحتمِلُ أنْ يكونَ الأمرُ عامًّا، ويَحتمِلُ أنْ يكونَ الْتِفاتًا؛ فيكونَ كأنَّه قال: أيُّها المؤمنونَ اسجُدوا شُكرًا على الهدايةِ، واشتِغلوا بالعِبادةِ [595] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (29/287). .
- وعُطِفَ على الأمْرِ بالسُّجودِ أمْرُهم بعِبادةِ اللهِ؛ لأنَّهم إذا خَضَعوا له حَقَّ الخُضوعِ، عَبَدوه وتَرَكوا عِبادةَ الأصنامِ، وقد كان المشرِكون يَعبُدون الأصنامَ بالطَّوافِ حوْلَها ومُعرِضين عن عِبادةِ اللهِ؛ فقَدْ عَمَدوا إلى الكعْبةِ فوَضَعوا فيها الأصنامَ؛ لِيَكونَ طَوافُهم بالكعْبةِ طَوافًا بما فيها مِن الأصنامِ [596] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/161). .
- ولم يقُلْ: (اعبُدوا الله)؛ إمَّا لِكَونِه معلومًا، وإمَّا لأنَّ العِبادةَ في الحَقيقةِ لا تَكونُ إلَّا للهِ، فقال: وَاعْبُدُوا، أي: ائتُوا بالمأمورِ، ولا تَعبُدوا غيرَ اللهِ؛ لأنَّها ليستْ بعِبادةٍ [597] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (29/287). .