موسوعة التفسير

سورةُ غافِرٍ
الآيات (18-20)

ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ

غريب الكلمات:

الْآَزِفَةِ: أي: القيامةِ، سُمِّيت بذلك لِقُربِها، وأصلُ (أزف): يدُلُّ على الدُّنُوِّ والمُقارَبةِ [322] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 386)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 82)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/94)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 334)، ((تفسير القرطبي)) (15/302)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 367). .
الْحَنَاجِرِ: أي: الحُلُوقِ، جمعُ حَنْجَرةٍ: وهي آخرُ الحَلْقِ ممَّا يَلِي الفَمَ، أو: طرَفُ المَرِيءِ ممَّا يَلي الفَمَ، وترَاه ناتِئًا مِنْ خَارِجِ الحَلْقِ [323] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 348)، ((تفسير ابن جرير)) (20/301)، ((التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد)) لابن عبد البر (23/325)، ((المفردات)) للراغب (ص: 260)، ((مطالع الأنوار على صحاح الآثار)) لابن قُرْقُول (2/315)، ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (1/449)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 339). .
كَاظِمِينَ: أي: مَكروبينَ مُمتَلِئينَ خَوفًا وحُزنًا، والكَظْمُ: ترَدُّدُ الغَيظِ والخَوفِ والحُزنِ في القَلبِ حتَّى يَضيقَ به، وأصلُ (كظم): يدُلُّ على إمساكٍ وجَمعٍ للشَّيءِ [324] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/184)، ((تفسير البغوي)) (4/109)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 334)، ((تفسير ابن كثير)) (7/137). .
حَمِيمٍ: أي: قَريبٍ مُشفِقٍ، وأصلُ (حمم) هنا: يدُلُّ على دُنُوٍّ [325] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 187)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/23)، ((المفردات)) للراغب (ص: 255)، ((تفسير القرطبي)) (15/303)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 426). .
شَفِيعٍ: أي: شافعٍ، فعيلٌ بمعنى فاعلٍ، والشَّفاعةُ: الانضِمامُ إلى آخَرَ نُصرةً له، وسُؤالًا عنه، والشَّفعُ: ضَمُّ الشَّيءِ إلى مِثلِه، وأصلُ (شفع): يدُلُّ على مُقارَنةِ الشَّيئَينِ [326] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 290)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/201)، ((المفردات)) للراغب (ص: 457)، ((العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير)) (1/306). قال الشنقيطي: (وأصلُ الشَّفاعةِ مُشتقَّةٌ مِن الشَّفعِ، والشَّفعُ ضِدُّ الوترِ، وإنَّما قيل للشَّفيعِ: شفيعٌ؛ لأنَّ صاحِبَ الحاجةِ كان فردًا في حاجتِه، فلمَّا جاء إلى مَن يَشفَعُ له شَفَعَه، فصارا اثنَينِ في حاجتِه). ((العذب النمير)) (1/306). .
خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ: أي: خِيانَتَها، وهي مُسارَقةُ النَّظَرِ إلى ما لا يَحِلُّ، وأصلُ (خون): يدُلُّ على تَنَقُّصٍ، وذلك نُقصانُ الوَفاءِ [327] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 386)، ((تفسير ابن جرير)) (20/304)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/231)، ((تفسير البغوي)) (4/109)، ((تفسير القرطبي)) (15/303). .

 المعنى الإجمالي:

يأمُرُ اللهُ تعالى نبيَّه صلَّى الله عليه وسلَّم أنْ يُحذِّرَ النَّاسَ مِن أهوالِ يومِ القيامةِ، فيقولُ: وخَوِّفِ النَّاسَ -يا مُحمَّدُ- وحَذِّرْهم مِن يومِ القيامةِ وما فيه مِن أهوالٍ، حينَ تَبلُغُ قُلوبُ العِبادِ حناجِرَهم؛ مِن شِدَّةِ خَوفِهم، فلا يَقدِرونَ على الكَلامِ، ليس للظَّالِمينَ يومَ القيامةِ قَريبٌ مُحِبٌّ أو مُشفِقٌ، وليس لهم شَفيعٌ تُقبَلُ شَفاعتُه فيهم.
ثمَّ يقولُ تعالى مؤكِّدًا سَعةَ عِلمِه سبحانَه، وإحاطتَه بكلِّ شَيءٍ: يَعلَمُ اللهُ خيانةَ أعيُنِ عِبادِه، وما تَنطوي عليه صُدورُهم.
ثمَّ يُبيِّنُ تعالى أنَّ الحُكمَ الحقَّ في هذا اليومِ مَرجِعُه إليه وحْدَه، فيقولُ: واللهُ يَحكُمُ بيْنَ عِبادِه بالعَدلِ التَّامِّ. والَّذينَ يَدْعوهم المُشرِكونَ مِن دُونِ اللهِ لا يَحكُمونَ بشَيءٍ، إنَّ اللهَ هو السَّميعُ البَصيرُ.

تفسير الآيات:

وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآَزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18).
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآَزِفَةِ.
أي: وخَوِّفِ النَّاسَ [328] ممَّن اختارَ المعنَى المذْكورَ: ابنُ عطيَّةَ، والشَّوكانيُّ، والشِّنقيطي، وعبارةُ ابنِ عطيَّةَ (العالَم)، وعبارةُ الشَّوكاني (العِباد). يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (4/552)، ((تفسير الشوكاني)) (4/557)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/422). وقال ابن جرير: (وأنْذِرْ يا محمَّدُ مُشْركي قَومِكَ). ((تفسير ابن جرير)) (20/300). وممَّن اختار أنَّ المُرادَ: أهلُ مكَّةَ: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، والواحديُّ. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/709)، ((الوسيط)) للواحدي (4/8). -يا مُحمَّدُ- وحَذِّرْهم مِن يَومِ القيامةِ وما فيه مِن أهوالٍ [329] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/300)، ((تفسير القرطبي)) (15/302)، ((تفسير السعدي)) (ص: 735)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/113)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (6/380). .
كما قال تعالى: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ [الأنبياء: 1] .
وقال سُبحانَه: أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ [النجم: 57، 58].
إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ.
أي: حينَ تَبلُغُ قُلوبُ العِبادِ حَناجِرَهم؛ مِن شِدَّةِ خَوفِهم، فعَلِقَت فيها، فلا تَخرُجُ مِن أبدانِهم فيَموتوا، ولا تَرجِعُ إلى مَواضِعِها، قد امتلأَتْ خَوفًا وغَمًّا ورُعبًا، فلا يَقدِرونَ على الكَلامِ [330] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/301)، ((الوسيط)) للواحدي (4/8)، ((تفسير ابن كثير)) (7/137)، ((تفسير السعدي)) (ص: 735)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/114)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (6/381، 382). وقيل: إنَّ المرادَ بكَونِ القلوبِ لَدى الحناجرِ: بيانُ شِدَّةِ الهَولِ، وفظاعةِ الأمرِ؛ وعليه فالآيةُ كقولِه تعالَى: وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا [الأحزاب: 10، 11]، وهو زِلزالُ خَوفٍ وفزَعٍ، لا زِلزالُ حركةِ الأرضِ. يُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (6/381). وهذه الحالُ قيل: إنَّها عامَّةٌ للمؤمنينَ وللكافِرين، لكنْ لا يَلْحَقُ المؤمنينَ شَرٌّ مِن ذلك اليَومِ. واختار ذلك ابنُ عثيمين. يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 182). وقيل: قولُه: مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ تَخصيصٌ لِقَولِه سُبحانَه: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآَزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ، فدلَّ على أنَّ الفَزَعَ إنَّما هو للكُفَّارِ، فالظَّالِمون همُ الكافِرونَ في هذا الموضِعِ. واختاره القَصَّابُ. يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقصاب (4/41). .
مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ.
أي: ليس للَّذين ظَلَموا أنفُسَهم بالشِّركِ يومَ القيامةِ قَريبٌ أو صاحِبٌ مُحِبٌّ مُشفِقٌ يَدفَعُ عنهم عذابَ اللهِ، وليس لهم شَفيعٌ يَشفَعُ لهم عندَ اللهِ؛ فيُجابَ فيما سألَ، وتُقبَلَ شَفاعتُه فيهم [331] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/302)، ((تفسير القرطبي)) (15/303)، ((تفسير ابن كثير)) (7/137)، ((تفسير السعدي)) (ص: 735)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/114). قال الماوَرْدي: (وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ أي: يُجابُ إلى الشَّفاعةِ، وسُمِّيت الإجابةُ طاعةً؛ لموافَقتِها إرادةَ المُجابِ). ((تفسير الماوردي)) (5/149). .
كما قال تعالى حاكيًا عن أهلِ النَّارِ قَولَهم: فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ [الشعراء: 100، 101].
وقال سُبحانَه: فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ [الحاقة: 35].
وقال عزَّ وجَلَّ: وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا * يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ [المعارج: 10 - 14] .
يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19).
مناسبة الآية لما قبلها:
لَمَّا أمَرَ بإنذارِه يومَ الآزفةِ، وما يَعرِضُ فيه مِن شِدَّةِ الكَرْبِ والغَمِّ، وأنَّ الظَّالمَ لا يَجِدُ مَن يَحمِيه مِن ذلك، ولا مَن يَشفَعُ له؛ ذكَرَ اطِّلاعَه تعالى على جَميعِ ما يَصدُرُ مِن العبدِ، وأنَّه مُجازًى بما عَمِلَ؛ لِيَكونَ على حذَرٍ مِن ذلك اليومِ إذا علِمَ أنَّ اللهَ مُطَّلِعٌ على أعمالِه [332] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/247). .
وأيضًا بعدَ أنْ أيْأَسَهم اللهُ تعالى مِن شَفيعٍ يَسعَى لهم في عدَمِ المُؤاخَذةِ بذُنوبِهم؛ أيأَسَهم مِن أن يَتوهَّموا أنَّهم يَستَطيعونَ إخفاءَ شَيءٍ مِن نيَّاتِهم، أو أدنَى حَركاتِ أعمالِهم على ربِّهم [333] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/115). .
وأيضًا لَمَّا كانت الشَّفاعةُ إنَّما تَقَعُ وتَنفَعُ بشَرطِ بَراءةِ المشفوعِ له مِن الذَّنْبِ؛ إمَّا بالاعتِرافِ بما نُسِبَ إليه والإقلاعِ عنه، وإمَّا بالاعتذارِ عنه، وكان ذلك إنَّما يجري عندَ المخلوقينَ على الظَّاهِرِ؛ ولذلك كانوا رُبَّما وقَع لهم الغَلَطُ فيمَن لو عَلِموا باطِنَه لَما قَبِلوا الشَّفاعةَ فيه- عَلَّل تعالى ما تقَدَّمَ بعِلْمِه أنَّ المشفوعَ له ليس بأهلٍ لِقَبولِ الشَّفاعةِ فيه؛ لإحاطةِ عِلْمِه، فقال [334] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (17/32). :
يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ.
أي: يَعلَمُ اللهُ خيانةَ الأعيُنِ [335] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/303)، ((تفسير ابن عطية)) (4/553)، ((تفسير ابن كثير)) (7/137)، ((تفسير السعدي)) (ص: 735). والخائنةُ: مصدرٌ كالخيانةِ، أو اسمُ فاعلٍ فيكونُ مِن بابِ إضافةِ الصِّفةِ لمَوصوفِها، أي: الأعْيُنَ الخائنةَ، أو تكونُ صِفةً لِمَوصوفٍ محذوفٍ دَلَّ عليه الأعينُ، أي: يَعلَمُ نظرةَ الأعيُنِ الخائنةِ. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (4/553)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/116)، ((تفسير ابن عثيمين)) (ص: 185). قال ابنُ الجوزي: (للمُفَسِّرينَ فيها أربعةُ أقوالٍ؛ أحدُها: أنَّه الرَّجُلُ يكونُ في القَومِ، فتَمُرُّ به المرأةُ فيُريهم أنَّه يَغُضُّ بَصَرَه، فإذا رأى منهم غَفلةً لَحَظَ إليها، فإنْ خاف أن يَفطِنوا له غَضَّ بصَرَه. قاله ابنُ عبَّاسٍ. والثَّاني: أنَّه نظَرُ العَينِ إلى ما نُهيَ عنه. قاله مُجاهِدٌ. والثَّالثُ: الغَمزُ بالعَينِ. قاله الضَّحَّاكُ والسُّدِّيُّ. قال قَتادةُ: هو الغَمزُ بالعَينِ فيما لا يُحِبُّه اللهُ ولا يَرضاه. والرَّابعُ: النَّظرةُ بعدَ النَّظرةِ). ((تفسير ابن الجوزي)) (4/33). ممَّن اختار أنَّ خائنةَ الأعيُنِ هي مُسارَقتُها النَّظرَ إلى ما لا يحلُّ: الواحديُّ، والسمعاني، والبغوي، والزمخشري، والخازن، والعُليمي، والشوكاني، والسعدي. يُنظر: ((الوجيز)) للواحدي (ص: 943)، ((تفسير السمعاني)) (5/13)، ((تفسير البغوي)) (4/109)، ((تفسير الزمخشري)) (4/159)، ((تفسير الخازن)) (4/71)، ((تفسير العليمي)) (6/106)، ((تفسير الشوكاني)) (4/557)، ((تفسير السعدي)) (ص: 735). وممَّن اختار أنَّها الغمزةُ فيما لا يحلُّ بالعَينِ، والنَّظرةُ في المعصيةِ: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/709). وممَّن اختار أنَّها: النَّظرُ إلى المُحرَّماتِ: الكرمانيُّ، وهو ظاهرُ اختيارِ الشِّنقيطيِّ. يُنظر: ((تفسير الكرماني)) (2/1028)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/509). قال ابن عاشور: (ومعنَى: خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ: خيانةَ النَّظَرِ، أي: مُسارَقَةَ النَّظرِ لشيءٍ بحضرةِ مَن لا يُحِبُّ النَّظرَ إِليه... والمرادُ بـ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ: النَّظرةُ المقصودُ منها إشعارُ المنظورِ إليه بما يَسوءُ غيرَه الحاضرَ؛ استِهزاءً به، أو إغراءً به). ((تفسير ابن عاشور)) (24/116). وقال ابن عطيَّة: (وهذه الآيةُ عبارةٌ عن عِلمِ الله تعالى بجميعِ الخَفيَّاتِ، فمِن ذلك كسرُ الجفونِ والغمزُ بالعَينِ أو النَّظرةُ الَّتي تُفهِمُ معنًى، أو يُريدُ بها صاحبُها معنًى، ومِن هذا قولُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم حينَ جاءه عبدُ الله بنُ أبي سَرْحٍ لِيُسْلِمَ بعدَ رِدَّتِه بشَفاعةِ عُثمانَ، فتَلَكَّأ عليه رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ثمَّ بايَعه، ثمَّ قال عليه السَّلامُ لأصحابِه: هلَّا قام إليه رجُلٌ حينَ تلكَّأتُ عليه فضرَب عُنُقَه؟ فقالوا: يا رسولَ الله، ألَا أَوْمَأْتَ إلينا؟ فقال عليه السَّلامُ: ما يَنبغي لِنَبيٍّ أن تكونَ له خائنةُ الأعيُنِ [أبو داود (2683، 4359)، والنسائي (4067)]). ((تفسير ابن عطية)) (4/553). وقال الألوسي: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ أي: النَّظرةَ الخائنةَ؛ كالنَّظرةِ إلى غيرِ المَحْرَمِ، واستِراقِ النَّظرِ إليه، وغيرِ ذلك). ((تفسير الألوسي)) (12/313). .
كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء: 1].
وقال سُبحانَه: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور: 30] .
وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ.
مناسبتها لما قبلها:
لَمَّا ذكَرَ أخفى أفعالِ الظَّاهِرِ؛ أتْبَعَه أخفَى ما في الباطِنِ، فقال [336] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (17/33). :
وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ.
أي: ويَعلَمُ اللهُ ما تَنطوي عليه صُدورُهم مِنَ الضَّمائِرِ [337] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/303)، ((تفسير ابن كثير)) (7/137)، ((تفسير السعدي)) (ص: 735)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/116). قولُه تعالى: وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ فيه ثلاثةُ تأويلاتٍ؛ أحدُها: الوَسوسةُ، قاله السُّدِّيُّ. الثَّاني: ما تُضمِرُه عندَما ترَى امرأةً إذا أنت قدرْتَ عليها أتَزْني بها أم لا، قاله ابنُ عبَّاسٍ. الثَّالثُ: ما يُسِرُّه الإنسانُ مِن أمانةٍ أو خيانةٍ. يُنظر: ((تفسير الماوردي)) (5/150). .
وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20).
وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ.
أي: واللهُ يَحكُمُ بيْنَ عِبادِه بالعَدلِ التَّامِّ، ومِن ذلك مُجازاتُه لكُلِّ مَن غَضَّ بَصَرَه وأخفَى الخَيرَ، أو خانت عَينُه وأضمَرَ الشَّرَّ [338] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/303)، ((تفسير القرطبي)) (15/303)، ((تفسير ابن كثير)) (7/138)، ((تفسير الشوكاني)) (4/557). .
كما قال الله تعالى: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [النجم: 31] .
وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ.
أي: والَّذين يَدْعوهم المُشرِكونَ مِن دُونِ اللهِ لا يَحكُمونَ بشَيءٍ؛ فهم لا يَعلَمونَ شَيئًا، ولا يَملِكونَ شَيئًا، ولا يَقدِرونَ على شَيءٍ [339] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/304)، ((تفسير القرطبي)) (15/303)، ((تفسير ابن كثير)) (7/138)، ((تفسير السعدي)) (ص: 735). .
كما قال تعالى: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر: 13، 14].
إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ
أي: إنَّ اللهَ هو السَّميعُ لكُلِّ صَوتٍ، البَصيرُ بكُلِّ شَيءٍ [340] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/304)، ((تفسير ابن كثير)) (7/138)، ((تفسير السعدي)) (ص: 735). .

الفوائد التربوية:

1- قال عزَّ وجَلَّ: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآَزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ * يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ قال في أوَّلِ هاتَينِ الآيتَينِ: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآَزِفَةِ، ثمَّ وصَفَها بهذه الأوصافِ المقتَضيةِ للاستِعدادِ لذلك اليَومِ العَظيمِ؛ لاشتِمالِها على التَّرغيبِ والتَّرهيبِ [341] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 735). .
2- يَنبغي للدَّاعيةِ أنْ يكونَ مُخَوِّفًا أحيانًا، ومُبَشِّرًا أحيانًا؛ مِن أجْلِ أنْ يُحَرِّكَ القلوبَ، ويَنبغي في الإنذارِ أنْ يُذَكِّرَ الدَّاعيةُ النَّاسَ أحوالَ يومِ القيامةِ وأهوالَها؛ قال تعالى: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآَزِفَةِ [342] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 182). ، أي: أنذِرْهم يومَ القيامةِ، بمعنى: خَوِّفْهم إيَّاه، وهدِّدْهم بما فيه مِن الأهوالِ العِظامِ؛ لِيَستعِدُّوا لذلك في الدُّنيا بالإيمانِ والطاعةِ [343] يُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (6/380). .
3- قولُه تعالى: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ يُخبِرُ تعالَى عن عِلمِه التَّامِّ المُحيطِ بجميعِ الأشياءِ؛ جليلِها وحقيرِها، صغيرِها وكبيرِها، دقيقِها ولطيفِها؛ لِيَحذَرَ النَّاسُ عِلمَه فيهم، فيَسْتَحْيوا مِن اللهِ حَقَّ الحَياءِ، ويَتَّقوه حقَّ تَقْواه، ويُراقِبوه مُراقبةَ مَن يَعلَمُ أنَّه يَراه؛ فإنَّه تعالَى يَعلَمُ العَينَ الخائنةَ وإنْ أبدَتْ أمانةً، ويَعلَمُ ما تَنطوي عليه خبايا الصُّدورِ مِن الضَّمائرِ والسَّرائرِ [344] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (7/137). .
4- قولُه تعالى: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ فيه ذَمُّ النَّظَرِ إلى ما لا يَجوزُ [345] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 226). ، والزَّجْرُ عن ذلك، وتهديدُ مَن لم يَمتثِلْه، ولم يَغُضَّ بَصَرَه عن الحرامِ، فقد أمَر الله تعالى بغضِّ البصرِ فقال: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور: 30] ، وقال: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [346] يُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/509). [النور: 31] .
5- كلُّ عمَلٍ لا يحِلُّ فهو خيانةٌ، وإن كان بأدنَى إشارةٍ، وقد نبَّه الله على هذا بقولِه: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ، وهي مُسارَقةُ النَّظرُ إلى ما لا يحلُّ، والإشارةُ بطَرْفِ العَينِ فيما يَحرُمُ، فحقٌّ على المسلمِ أن يَحذَرَ مِن الخيانةِ دقيقِها وجليلِها، وخصوصًا ما اتَّصل بالنَّاسِ منها، ويَتنبَّهَ مِن أقلِّ كلمةٍ، وأدنَى إشارةٍ توقِعُه في خطرِها [347] يُنظر: ((تفسير ابن باديس)) (ص: 352). .
6- قَولُ الله تعالى: وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ يُوجِبُ عَظيمَ الخَوفِ؛ لأنَّ الحاكِمَ إذا كان عالِمًا بجَميعِ الأحوالِ، لا يَقضي إلَّا بالحَقِّ فيما دَقَّ وجَلَّ؛ خافه الخَلْقُ غايةً [348] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/248). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قال الله تعالى: مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ لا حُجَّةَ للمُعتَزِلةِ بهذه الآيةِ على نَفْيِ الشَّفاعةِ عن المُذنِبينَ؛ فإنَّ اللهَ تعالى نفَى أن يَحصُلَ للظَّالِمينَ شَفيعٌ يُطاعُ، وهذا لا يدُلُّ على نفْيِ الشَّفيعِ، كقَولِك: (ما عندي كتابٌ يُباعُ)، فهذا يَقتضي نفْيَ كِتابٍ يُباعُ، ولا يَقتَضي نفْيَ الكِتابِ؛ فهذا يَنفي أنَّ لهم شَفيعًا يُطيعُه اللهُ تعالى؛ لأنَّه ليس في الوُجودِ أحَدٌ أعلى حالًا مِن اللهِ تعالى حتَّى يقالَ إنَّ اللهَ يُطيعُه مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ [يونس: 3] .
وأيضًا فلَفظُ الظَّالِمينَ إمَّا أن يُفيدَ الاستِغراقَ، وإمَّا ألَّا يُفيدَ: فإنْ أفاد الاستِغراقَ كان المرادُ مِن الظَّالِمينَ مَجموعَهم وجُملتَهم، ويَدخُلُ في مجموعِ هذا الكَلامِ الكُفَّارُ، وهذا المجموعُ ليس له شفيعٌ؛ لأنَّ بَعضَ هذا المجموعِ هم الكُفَّارُ، وليس لهم شَفيعٌ؛ فحينَئذٍ لا يكونُ لهذا المجموعِ شَفيعٌ، وإنْ لم يُفِدِ الاستِغراقَ كان المرادُ مِن الظَّالِمينَ بَعضَ مَن كان مَوصوفًا بهذه الصِّفةِ، فبعضُ الموصوفينَ بهذه الصِّفةِ ممَّنْ ليس لهم شفيعٌ هم الكفَّارُ.
وأيضًا فإنَّ المرادَ بالظَّالِمينَ في هذه الآيةِ هاهنا الكُفَّارُ؛ لأنَّها ورَدَت في زَجرِ الكُفَّارِ، قال تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] ؛ فوَجَب أن يكونَ مُختَصًّا بهم، فلا شَفاعةَ في حَقِّ الكُفَّارِ [349] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (27/503)، ((تفسير الشربيني)) (3/476). .
فإنْ قال قائِلٌ: الظُّلمُ أعَمُّ مِن الكُفرِ، فكيف فَسَّرتُم الظُّلمَ هنا بالكُفرِ؟
قُلْنا: لأنَّ اللهَ تعالى قال: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة: 254] ، ولأنَّ ما دونَ الكُفرِ مِن المعاصي تُمكِنُ فيه الشَّفاعةُ؛ فإنَّ الشَّفاعةَ ثابِتةٌ لأهلِ الكبائِرِ مِن هذه الأُمَّةِ [350] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 183). .
2- في قَولِه تعالى: مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ تحذيرُ هؤلاء الكُفَّارِ مِن ذلك اليومِ؛ فإنَّهم في الدُّنيا يَجِدونَ مَن يُناصِرُهم ويُواليهم، ويُساعِدُهم ويُعاوِنُهم، ولكنْ في الآخرةِ لا يَجِدونَ شَيئًا مِن ذلك [351] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 184). .
3- قولُه تعالى: وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ فيه جوازُ المقارَنةِ بيْنَ شيئَينِ لا يَشترِكانِ في المعنى؛ مِن أجْلِ إقامةِ الحُجَّةِ، فما قال سبحانه: (لا يَقضون بالحقِّ)، إنَّما قال: لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ، يعني: ليس لهم أيُّ حُكْمٍ، وليس لهم أيُّ سُلطةٍ [352] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النمل)) (ص: 341). .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالَى: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآَزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ مُعترِضٌ بيْن جُملةِ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [غافر: 17] وجُملةِ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ [غافر: 19] ، والمناسَبةُ أنَّ ذِكرَ الحسابِ به يَقْتضي التَّذكيرَ بالاستِعدادِ ليومِ الحِسابِ، وهو يومُ الآزفةِ [353] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/113). .
- والآزفةُ في قولِه: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآَزِفَةِ صِفةٌ لِمَحذوفٍ، تَقديرُه: يومَ السَّاعةِ الآزفةِ، أو الطَّامةِ الآزفةِ، ونحوَ هذا [354] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/157)، ((تفسير البيضاوي)) (5/54)، ((تفسير أبي حيان)) (9/246)، ((تفسير أبي السعود)) (7/272)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/113). .
- وقولُه: إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ يجوزُ أنْ يكونَ ذلك في يومِ القِيامةِ حَقيقةً، ويَبْقَون أحياءً معَ ذلك، بخِلافِ حالةِ الدُّنيا؛ فإنَّ مَنِ انتقَلَ قلْبُه إلى حَنْجرتِه مات، ويجوزُ أنْ يكونَ ذلك كِنايةً عمَّا يَبْلُغون إليه مِن شِدَّةِ الجزَعِ [355] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/157)، ((تفسير أبي حيان)) (9/245)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (8/471)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/114). .
- وإنَّما جمَعَ الكاظِمَ جمْعَ السَّلامةِ فقال: كَاظِمِينَ؛ لأنَّه وَصَفَ القُلوبَ بالكَظْمِ الَّذي هو مِن أفعالِ العُقلاءِ [356] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/157)، ((تفسير البيضاوي)) (5/54)، ((تفسير أبي حيان)) (9/246)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (8/471). .
- قولُه: مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ التَّعريفُ في (الظَّالِمين) للاستِغراقِ؛ لِيَعُمَّ كلَّ ظالمٍ، أي: مُشرِكٍ، فيَشملَ الظَّالِمينَ المُنْذَرين، ومَن مضَى مِن أمثالِهم، فيَكونَ بمَنزلةِ التَّذييلِ؛ ولذلك فليس ذِكرُ الظَّالِمينَ مِن الإظهارِ في مَقامِ الإضمارِ [357] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/114). .
- وقيل: إنْ كانت الضَّمائرُ للكُفَّارِ -وهو الظَّاهرُ- كان وَضْعُ (الظَّالِمين) مَوضِعَ ضَميرِهم؛ للدَّلالةِ على اختِصاصِ ذلك بهم، وللتَّسجيلِ عليهم بالظُّلمِ، وأنَّ العَذابَ لِظُلْمِهم [358] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/54)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (13/487)، ((تفسير أبي السعود)) (7/272). .
- ووَصْفُ شَفِيعٍ بجُملةِ يُطَاعُ وَصْفٌ كاشفٌ؛ إذ ليس المرادُ أنَّ لهم شُفعاءَ لا تُطاعُ شَفاعتُهم؛ لِظُهورِ قِلَّةِ جَدْوى ذلك، ولكنْ لَمَّا كان شأْنُ مَن يَتعرَّضُ للشَّفاعةِ أنْ يَثِقَ بطاعةِ المشفوعِ عِندَه له جِيءَ بهذا الوصْفِ. وأُتبِعَ شَفِيعٍ بوَصْفِ يُطَاعُ؛ لِتَلازُمِهما عُرْفًا؛ فهو مِن إيرادِ نفْيِ الصِّفةِ اللَّازمةِ للموصوفِ، والمقصودُ: نفْيُ الموصوفِ بضَرْبٍ مِن الكِنايةِ التَّلميحيَّةِ، والمعنى: أنَّ الشَّفيعَ إذا لم يُطَعْ فليس بشَفيعٍ، فنَفَى الصِّفةَ والمَوصوفَ، أي: لا شَفيعَ فيُطاع، واللهُ لا يَجتَرِئُ أحدٌ على الشَّفاعةِ عِندَه إلَّا إذا أذِنَ له، فلا يَشفَعُ عندَه إلَّا مَن يُطاعُ [359] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/158)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (13/488)، ((تفسير أبي حيان)) (9/247)، ((تفسير أبي السعود)) (7/272)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/115)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (8/470). .
2- قولُه تعالَى: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ
- يجوزُ أنْ تكونَ جُملةُ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ خَبرًا عن مُبتدأٍ مَحذوفٍ، هو ضَميرٌ عائدٌ إلى اسمِ الجَلالةِ مِن قولِه: إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [غافر: 17] ، ومجموعُ الظَّاهرِ والمقدَّرِ استِئنافٌ؛ للمُبالَغةِ في الإنذارِ؛ لأنَّهم إذا ذُكِّروا بأنَّ اللهَ يَعلَمُ الخَفايا، كان إنذارًا بالغًا يَقْتضي الحذَرَ مِن كلِّ اعتقادٍ أو عمَلٍ نَهاهم الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنه.
ويجوزُ أنْ تكونَ خبَرًا ثانيًا عن اسمِ (إنَّ) في قولِه: إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [غافر: 17] ، وما بيْنَهما اعتِراضٌ على كِلَا التَّقديرينِ [360] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/115). .
- وقيل: هو خبَرٌ آخَرُ لقولِه: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ [غافر: 13] ؛ للدَّلالةِ على أنَّه ما مِن خَفِيٍّ إلَّا وهو مُتعلَّقُ العِلمِ والجزاءِ [361] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/54)، ((تفسير أبي السعود)) (7/272). .
- فإنْ قيل: لم لا يُجعَلُ قولُه: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ عِلَّةً لقولِه: مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ، كما في قولِه تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ [البقرة: 255] ، فكأنَّه قِيل: ما للظَّالِمينَ مِن شَفيعٍ؛ لِمَا يَعلَمُ اللهُ منهم الخِيانةَ سِرًّا وعلانيةً، ظاهرًا وباطنًا؟
والجوابُ: أنَّه إذا جُعِل مِن الأخبارِ المستقِلَّةِ بالدَّلالةِ لإثباتِ وَصفِ العِلمِ، ويَتَّصلُ به حديثُ العدْلِ والقضاءِ الحقِّ، ويكونُ تَخلُّصًا إلى ذَمِّ آلهتِهم، ولا يَفوتُ تَعليلُ نفْيِ الشَّفاعةِ أيضًا على سَبيلِ الإدماجِ [362] الإدماجُ: أنْ يُدمِجَ المُتكلِّمُ غرَضًا في غرَضٍ، أو بديعًا في بديعٍ، بحَيثُ لا يَظهرُ في الكلامِ إلَّا أحدُ الغرَضينِ أو أحدُ البَديعَينِ، بمعنى: أن يَجعلَ المتكلِّمُ الكلامَ الَّذي سِيق لمعنًى -مِن مَدحٍ أو غيرِه- مُتضمنًا معنًى آخَرَ، كقولِه تعالى: لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ [القصص: 70] ؛ فهذا مِن إدماجِ غرَضٍ في غَرَضٍ؛ فإنَّ الغرَضَ منها تَفرُّدُه تعالى بوصْفِ الحَمدِ، وأُدمِجَ فيه الإشارةُ إلى البعثِ والجزاءِ. وقيل: أُدمِجتِ المُبالَغةُ في المُطابَقةِ؛ لأنَّ انفِرادَه بالحمدِ في الآخِرةِ -وهي الوقتُ الَّذي لا يُحمَدُ فيه سِواهُ- مُبالَغةٌ في الوَصفِ بالانفِرادِ بالحمدِ. يُنظر: ((التبيان في البيان)) للطِّيبي (ص: 225)، ((الإتقان)) للسيوطي (3/298)، ((علوم البلاغة البيان المعاني البديع)) للمراغي (ص: 344)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن حَبَنَّكَة الميداني (2/427). ؛ لاقتِرانِه به- كان أحسَنَ مِن تَعليقِه بنفْيِ الشَّفاعةِ وحْدَه [363] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (13/491). .
- وخَائِنَةَ الْأَعْيُنِ مَصدرٌ مُضافٌ إلى فاعِلِه؛ فالخائنةُ مَصدرٌ على وزْنِ اسمِ الفاعلِ، مِثلُ العافيةِ للمُعافاةِ، والعاقبةِ، والكاذبةِ. ويجوزُ إبقاءُ خَائِنَةَ على ظاهرِ اسمِ الفاعلِ؛ فيكونُ صِفةً لموصوفٍ مَحذوفٍ دلَّ عليه الْأَعْيُنِ، أي: يَعلَمُ نَظرةَ الأعيُنِ الخائنةِ [364] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/116). ، فجعَل النَّظرَ بمنزلةِ شَيءٍ يُسرَقُ مِن المنظورِ إليه، ولذا عبِّر فيه بالاستِراقِ. وقيل: هو وصْفٌ مُضافٌ إلى موصوفِه [365] يُنظر: ((تفسير الألوسي)) (12/313). .
- ولَمَّا كان السِّياقُ هنا للإبلاغِ في أنَّ عِلمَه تعالى مُحيطٌ بكُلِّ كُلِّيٍّ وجُزئيٍّ، فكان مِنَ المعلومِ أنَّ الحالَ يَقتَضي جمْعَ الكَثرةِ، وأنَّه ما عَدَل عنه إلى جمعِ القِلَّةِ إلَّا للإشارةِ إلى أنَّ عِلمَه تعالى بالكَثيرِ كعِلْمِه بالقَليلِ، الكُلُّ عليه هَيِّنٌ، فالكثيرُ عِندَه في ذلك قَليلٌ؛ فلذا قال: الْأَعْيُنِ [366] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (17/32). .
- و(مَا تُخْفِي الصُّدُورُ) هي النِّيَّاتُ والعزائمُ الَّتي يُضمِرُها صاحبُها في نفْسِه [367] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/116). ، وعبَّر عن القلوبِ بالصدورِ؛ لأنَّها مواضعُ القلوبِ [368] يُنظر: ((تفسير الماوردي)) (5/150). .
3- قولُه تعالَى: وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ
- قولُه: وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ، أي: والَّذي هذه صِفاتُه وأحوالُه لا يَقْضي إلَّا بالحقِّ والعدْلِ؛ لاستِغنائِه عن الظُّلْمِ، وآلهتُكم لا يَقْضون بشَيءٍ؛ فهذا تَهكُّمٌ بالأصنامِ وقدْحٌ فيهم؛ لأنَّ ما لا يُوصَفُ بالقُدرةِ لا يُقال فيه: يَقْضي، أو لا يَقْضي [369] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/159)، ((تفسير البيضاوي)) (5/54)، ((تفسير أبي السعود)) (7/272). ، فلم يَقُلْ سبحانه: (لا يَقضونَ بالباطلِ)، بل قال: لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ ليَشملَ الباطلَ وغيرَ الباطلِ، يعني: ليس لهم قضاءٌ إطلاقًا؛ لأنهم مَرْبوبون مَملوكونَ، فلا يَقضونَ بشيءٍ [370] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 255). . و(شيء) نكرةٌ في سياقِ النَّفيِ، فتَعُمُّ كلَّ شَيءٍ؛ فدلَّ على أنَّ هذه الأصنامَ لا تنفعُ عابديها إطلاقًا [371] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 189). .
- وكان مُقْتضى الظَّاهرِ أنْ يُؤتَى بجُملةِ يَقْضِي بِالْحَقِّ مَعطوفةً بالواوِ على جُملةِ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ [غافر: 19] ، فيُقال: (ويَقْضي بالحقِّ)، ولكنْ عُدِلَ عن ذلك فقال: وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ؛ لِما في الاسمِ العَلَمِ للهِ تعالى مِن الإشعارِ بما يَقْتضيهِ المُسمَّى به مِن صِفاتِ الكمالِ، الَّتي منها العدْلُ في القضاءِ، ولِيَحصُلَ مِن تَقديمِ المُسنَدِ إليه على المُسنَدِ الفِعليِّ تَقَوِّي المعنى، أي: أنَّ ذلك مِن القضاءِ بالحقِّ، والجُملةُ مِن تَمامِ الغرَضِ الَّذي سِيقَت إليه جملةُ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ [غافر: 19] ، وكِلْتاهما ناظرةٌ إلى قولِه: مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ [غافر: 18] ، أي: إنَّ ذلك مِن القضاءِ بالحقِّ [372] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/117). .
- وجُملةُ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ ناظرةٌ إلى جُملةِ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ [غافر: 18] ؛ فبَعْدَ أنْ نُفِيَ عن أصنامِهم الشَّفاعةُ، نُفِيَ عنها القضاءُ بشَيءٍ ما بالحقِّ أو بالباطلِ؛ وذلك إظهارٌ لِعَجْزِها. ولا تَحسبَنَّ جُملةَ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ مَسوقةً ضَميمةً إلى جُملةِ وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ؛ لِيُفيدَ مَجموعُ الجُملتَينِ قصْرَ القضاءِ بالحقِّ على اللهِ تعالى قَصرَ قلْبٍ [373] قصرُ القلبِ: هو أنْ يَقلِبَ المتكلِّمُ فيه حُكمَ السامعِ؛ كقولِك: ما شاعرٌ إلَّا زيدٌ، لِمَن يعتقِدُ أنَّ شاعرًا في قبيلةٍ معيَّنةٍ أو طرَفٍ معيَّنٍ، لكنَّه يقولُ: ما زيدٌ هناك بشاعرٍ. يُنظر: ((مفتاح العلوم)) للسكاكي (ص: 288). ويُنظر ما تقدم (ص: 91). ، أي: دونَ الأصنامِ؛ لأنَّ المنفيَّ عن آلهتِهم أعمُّ مِن المُثبَتِ للهِ تعالى، وليس مِثلُ ذلك ممَّا يُضادُّ صِيغةَ القصْرِ؛ فكَفَى في إفادتِه تَقديمُ المُسنَدِ إليه على الخبَرِ الفِعليِّ بحَمْلِه على إرادةِ الاختِصاصِ في قولِه: وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ؛ فالمرادُ مِن قولِه: وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ التَّذكيرُ بعَجْزِ الَّذين يَدْعونهم، وأنَّهم غيرُ أهلٍ للإلهيَّةِ، وهذه طريقةٌ في إثباتِ صِفةٍ لموصوفٍ، ثمَّ تعقيبُ ذلك بإظهارِ نَقيضِه فيما يُعَدُّ مُساويًا له [374] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/117، 118). .
- قولُه: وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ على قراءةِ تَدْعُونَ بالتَّاءِ [375] قرأ نافعٌ وابنُ عامرٍ بالتَّاءِ، والباقون بالياءِ. يُنظر: ((الحجة للقراء السبعة)) لأبي علي الفارسي (6/102)، ((النشر في القراءات العشر)) لابن الجزري (2/364). ، فيكون فيها التِفاتٌ؛ لِقَرْعِ أسماعِ المشركينَ بذلك. أو على إضمارِ (قُل)، أي: قُلْ لهم يا محمَّدُ [376] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/54)، ((تفسير أبي حيان)) (9/248)، ((تفسير أبي السعود)) (7/272)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/118). .
- وجُملةُ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ مُقرِّرةٌ لِجُمَلِ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ إلى قولِه: لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ [غافر: 19، 20]؛ فتَوسيطُ ضَميرِ الفصْلِ مُفيدٌ للقصْرِ، وهو تَعريضٌ بأنَّ آلهتَهم لا تَسمَعُ ولا تُبصِرُ، فكيف يَنسِبون إليها الإلهيَّةَ؟! وإثباتُ المُبالَغةِ في السَّمعِ والبصَرِ للهِ تعالى يُقرِّرُ معنى يَقْضِي بِالْحَقِّ، وتأْكيدُ الجُملةِ بحرْفِ التَّأكيدِ تَحقيقٌ للقَصْرِ [377] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/159)، ((تفسير البيضاوي)) (5/54)، ((تفسير أبي حيان)) (9/248)، ((تفسير أبي السعود)) (7/272)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/118). .