موسوعة التفسير

سورةُ الرُّومِ
الآيات (11-16)

ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ

غَريبُ الكَلِماتِ:

يُبْلِسُ: أي: يَيأسُ، وتَنقَطِعُ حُجَّتُه، وأصلُ (بلس): يدُلُّ على يأسٍ [126] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/468)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/300)، ((المفردات)) للراغب (ص: 143)، ((تفسير ابن كثير)) (6/306)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 989). .
رَوْضَةٍ: الرَّوضةُ: هي البُستانُ الَّذي هو فِي غايةِ النَّضارةِ والحُسنِ، والمرادُ بها الجنَّةُ، والرَّوضةُ: كلُّ أرضٍ ذاتِ نباتٍ وماءٍ، وأصلُ (روض): يدُلُّ على اتِّساعٍ [127] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/470)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/459)، ((تفسير السمعاني)) (4/200)، ((المفردات)) للراغب (ص: 372)، ((تفسير الرسعني)) (6/13)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 465). .
يُحْبَرُونَ: أي: يُسَرُّونَ ويُنعَّمونَ، والحَبْرةُ: السُّرورُ، وأصلُ (حبر): يدُلُّ على الأثَرِ في حُسنٍ وبَهاءٍ [128] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 340)، ((تفسير ابن جرير)) (18/472)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 536)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/127)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 291)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 333)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 989). .

المعنى الإجماليُّ:

يُبيِّنُ الله تعالى ما يدُلُّ على قُدرتِه، ويذكرُ أحوالَ الناسِ وأقسامَهم يومَ القيامةِ، فيقولُ: اللهُ وَحْدَه يبدأُ إنشاءَ الخَلقِ مِن العَدَمِ، ثمَّ يُعيدُه فيُحييه مرَّةً ثانيةً بعدَ فَنائِه، ثمَّ يَرجِعُ الخَلقُ جميعًا إليه وحْدَه يومَ القيامةِ.
ثمَّ يبيِّنُ حالَ المجرمينَ فيقولُ: ويومَ القيامةِ يَيئسُ المُشرِكونَ مِن رحمةِ اللهِ، وتَنقَطِعُ حُجَّتُهم ويَندَمونَ، ولم يكُنْ لهم ممَّا أشرَكوه مِن دُونِه سُبحانَه شُفَعاءُ يَشفَعونَ لهم يومَ القيامةِ، وكَفَر هؤلاء المُشرِكونَ بمَن اتَّخذُوهم شُرَكاءَ لله تعالى.
ثمَّ يَذكُرُ اللهُ تعالى تفَرُّقَ النَّاسِ يومَ القيامةِ وكيفيَّةَ هذا التَّفرُّقِ، فيقولُ: ويومَ القيامةِ يَتفرَّقُ الخَلقُ بيْنَ أهلِ إيمانٍ باللهِ، وأهلِ كُفرٍ به؛ فأمَّا الَّذين آمَنوا وعَمِلوا الأعمالَ الصَّالحاتِ فهم في رياضِ الجنَّةِ يُنَعَّمونَ ويُسَرُّونَ، وأمَّا الَّذين كَفَروا وكذَّبوا بآياتِ اللهِ وأنكَروا البَعثَ بعدَ الموتِ للحِسابِ والجَزاءِ، فأولئك في عذابِ اللهِ مُحضَرونَ.

تَفسيرُ الآياتِ:

اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (11).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا ذكَرَ اللهُ تعالى أنَّ عاقِبةَ الكافِرينَ إلى الجَحيمِ، وكان في ذلك إشارةٌ إلى الإعادةِ والحَشرِ؛ لم يَترُكْه دَعوى بلا بَيِّنةٍ [129] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (25/84). .
وأيضًا لَمَّا كان حاصِلُ ما مضَى أنَّه سُبحانَه وتعالى قادِرٌ على الإعادةِ، كما قَدَر على الابتداءِ، وكان للتَّصريحِ مع النَّفْسِ حالةٌ ليست لِغَيرِه- قال ذاكِرًا نتيجةَ ما مضى ومُحَصِّلَه؛ تصريحًا بالمقصودِ، وتلخيصًا للدَّليلِ [130] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/54). :
اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ.
أي: اللهُ وحْدَه الَّذي يَبدأُ إنشاءَ جميعِ المَخلوقاتِ مِن العَدَمِ، ثمَّ يُعيدُها فيُحييها مرَّةً ثانيةً بعدَ فَنائِها [131] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/467)، ((تفسير ابن كثير)) (6/306)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/54)، ((تفسير السعدي)) (ص: 638)، ((تفسير ابن عثيمين - سورة الروم)) (ص: 68، 69). .
ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.
أي: ثمَّ تُردُّونَ يومَ القيامةِ إلى الله وحْدَه، فيُجازيكم بأعمالِكم [132] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/467)، ((تفسير ابن كثير)) (6/306)، ((تفسير السعدي)) (ص: 638). .
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا ذكرَ اللهُ تعالى الرُّجوعَ؛ أتْبَعَه ببَعضِ أحوالِه، بقَولِه تعالى [133] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/54). :
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12).
أي: ويومَ القيامةِ يَيئَسُ المُشرِكونَ مِن رَحمةِ اللهِ، وتَنقَطِعُ حُجَّتُهم ويَندَمونَ [134] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/468)، ((معاني القرآن)) للزجاج (4/179)، ((تفسير ابن كثير)) (6/306)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/54)، ((تفسير السعدي)) (ص: 638)، ((تفسير ابن عثيمين - سورة الروم)) (ص: 72، 73). .
وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ (13).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّه ذكَرَ أحدَ أسبابِ الإبلاسِ وأعظَمَها حينَئذٍ، وهو أنَّهم لم يَجِدوا شُفَعاءَ مِن آلهتِهم الَّتي أشرَكوا بها، وكانوا يحسَبونَها شُفَعاءَ عندَ اللهِ [135] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/62). .
وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ .
أي: ولم يكُنْ للمُشرِكينَ مِن معبوداتِهم الباطلةِ -الَّتي جعَلوها شُرَكاءَ للهِ- شُفَعاءُ يَشفَعونَ لهم في الآخِرةِ، فيَجلِبونَ لهم نَفعًا، أو يَدفَعونَ عنهم ضُرًّا [136] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (4/200)، ((تفسير القرطبي)) (14/11)، ((تفسير ابن كثير)) (6/306)، ((تفسير السعدي)) (ص: 638)، ((تفسير ابن عثيمين - سورة الروم)) (ص: 74، 75). ممَّن ذهب إلى أنَّ معنى شُركائِهم: مَعبوداتُهم الَّتي اتَّخَذوها شُركاءَ لله في عبادتِه: السمعانيُّ، والقرطبي، وابن كثير، والسعدي، وابن عثيمين. يُنظر: المصادر السابقة. وقيل: معنى شركائِهم: الَّذين كانوا يتَّبِعونَهم على ما دَعَوْهم إليه مِن الضَّلالةِ، فيُشاركونَهم في الكفرِ بالله، والمُعاوَنةِ على أذى رُسُلِه. وممَّن ذهَب إلى هذا المعنى: ابنُ جرير، ومكِّي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/469)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (9/5665). .
كما قال تعالى: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ [القصص: 62] .
وقال سُبحانَه: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ [الأنعام: 94] .
وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ.
أي: ويَكفُرُ أولئك المُشرِكونَ بمَنِ اتَّخَذوهم شُرَكاءَ للهِ تعالى [137] يُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (3/430)، ((تفسير القرطبي)) (14/11)، ((تفسير ابن كثير)) (6/306)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/56)، ((تفسير السعدي)) (ص: 638). مِمَّن قال بأنَّ المرادَ: كُفرُ المشركينَ بآلهتِهم المزعومةِ وتبرُّؤُهم منهم: السمعانيُّ، وابن عطية، والرسعني، والبقاعي، والشوكاني، والقاسمي. يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (4/200)، ((تفسير ابن عطية)) (4/331)، ((تفسير الرسعني)) (6/12)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/56)، ((تفسير الشوكاني)) (4/251)، ((تفسير القاسمي)) (8/7). ومِمَّن قال بأنَّ المرادَ: كُفرُ معبوداتِهم بهم: ابنُ كثير. يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (6/306). قال القرطبي: وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ قالوا: ليسوا بآلِهةٍ، فتَبرَّؤُوا منها، وتبَرَّأَتْ منهم). ((تفسير القرطبي)) (14/11). ويُنظر: ((تفسير البغوي)) (3/572). وقال السعديُّ: (تبرَّأ المشركون ممَّن أشرَكوهم مع الله، وتبرَّأ المعبودون وقالوا: تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ [القصص: 63] ، والْتَعَنوا وابتعَدوا). ((تفسير السعدي)) (ص: 638). وقال ابن عثيمين: (المعبودون يَكفرون، والعابِدون أيضًا يَكفرون؛ كلٌّ منهم يَكفُرُ ببعضٍ). ((تفسير ابن عثيمين - سورة الروم)) (ص: 75). .
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّ اللهَ تعالى بيَّن أمرًا آخَرَ يكونُ في يومِ القيامةِ، وهو الافتِراقُ، فكأنَّ هذه الحالةَ مُتَرتِّبةٌ على الإبلاسِ [138] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (25/85). .
وأيضًا لَمَّا ذكَرَ اللهُ تعالى إبلاسَ المُشرِكينَ المُشعِرَ بتوقُّعِهم السُّوءَ والعذابَ؛ أعقَبَ بتَفصيلِ أحوالِ النَّاسِ يومَئذٍ، مع بيانِ مَغَبَّةِ إبلاسِ الفَريقِ الكافِرينَ [139] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/63). .
 وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14).
أي: ويَومَ القيامةِ يتفرَّقُ الخَلقُ بيْنَ مُؤمِنينَ وكافِرينَ [140] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/469)، ((تفسير القرطبي)) (14/11)، ((تفسير ابن كثير)) (6/307)، ((تفسير ابن عثيمين - سورة الروم)) (ص: 77). .
?فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15).
أي: فأمَّا الَّذين آمَنوا بما وجَبَ عليهم الإيمانُ به، وعَمِلوا الأعمالَ الصَّالحاتِ بإخلاصٍ لله تعالى ومُتابَعةٍ لِشَرعِه؛ فهُم في بساتينَ مُشتَمِلةٍ على المياهِ والأزهارِ، والأشجارِ والنَّباتاتِ البَهيجةِ، والرَّوائحِ الطَّيِّبةِ والمَناظِرِ الجميلةِ: يُسَرُّون فيها سُرورًا شديدًا، يَظهَرُ أثرُه وحُسْنُه عليهم [141] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/470)، ((تفسير القرطبي)) (14/12، 13)، ((روضة المحبين)) لابن القيم (ص: 249)، ((تفسير ابن كثير)) (6/307)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/58، 59)، ((تفسير السعدي)) (ص: 638)، ((تفسير ابن عاشور)) (21/64)، ((تفسير ابن عثيمين - سورة الروم)) (ص: 78-80). .
وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16).
أي: وأمَّا الَّذين كَفَروا وكذَّبوا بآياتِ اللهِ، وأنكَروا البَعثَ بعدَ الموتِ للحِسابِ والجزاءِ: فأولئك يُؤتَى بهم إلى النَّارِ، فيَبقَونَ فيها، لا يَغيبُ عنهم عذابُها [142] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/473)، ((تفسير ابن عطية)) (4/332)، ((تفسير القرطبي)) (14/14)، ((تفسير السعدي)) (ص: 638)، ((تفسير ابن عاشور)) (21/64). قال الماوَرْدي: (قوله تعالى: فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ فيه خمسةُ تأويلاتٍ؛ أحدُها: مُدْخَلون، قاله يحيى بنُ سلَّام. الثَّاني: نازِلون، ومنه قولُه: إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ [البقرة: 180] و [المائدة: 106] ، أي: نزَل به. الثَّالثُ: مُقيمون، قاله ابنُ شجرة. الرابعُ: مُعَذَّبون. الخامسُ: مَجموعون. ومعاني هذه التَّأويلاتِ مُتقارِبةٌ). ((تفسير الماوردي)) (4/302). ويُنظر: ((تفسير يحيى بن سلام)) (2/648). وقال ابن عاشور: (ومُحْضَرُونَ يجوزُ أنْ يكونَ مِن الإحضارِ، أي: جَعْلِ الشَّيءِ حاضِرًا، أي: لا يَغيبونَ عنه، أي: لا يَخرُجونَ منه...، ويجوزُ أنْ يكونَ مُحْضَرُونَ بمعنَى: مَأْتِيٌّ بهم إلى العذابِ، فقد كَثُر في القرآنِ استعمالُ مُحْضَرٍ ونحوِه بمعنَى مُعاقَبٍ؛ قال تعالى: وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ [الصافات: 158] ). ((تفسير ابن عاشور)) (21/64). وممَّن ذهَب في الجملةِ إلى أنَّ المعنى: أنَّهم حاضِرون العذابَ، مُقيمون فيه، لا يَغيبون عنه: الزمخشريُّ، وابن عطية، وابن الجوزي، والقرطبي، والنسفي، وأبو السعود، والعُلَيمي، والشوكاني، والألوسي، والقاسمي. يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/471)، ((تفسير ابن عطية)) (4/332)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/419)، ((تفسير القرطبي)) (14/14)، ((تفسير النسفي)) (2/694)، ((تفسير أبي السعود)) (7/54)، ((تفسير العليمي)) (5/275)، ((تفسير الشوكاني)) (4/252)، ((تفسير الألوسي)) (11/28)، ((تفسير القاسمي)) (8/7). وقال ابن جرير: (مُحْضَرُونَ قد أحْضَرهم اللهُ إِيَّاها، فجَمَعهم فيها لِيَذوقوا العذابَ الَّذي كانوا به في الدُّنيا يُكَذِّبونَ). ((تفسير ابن جرير)) (18/473). ويُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - سورة الروم)) (ص: 82). وقال البِقاعي: (مُحْضَرُونَ مِن أيِّ محضَرٍ كان، بالسَّوقِ الحَثيثِ، والزَّجرِ العنيفِ، فإذا وصَلوا إلى مقَرِّه وُكِّل بهم مَن يُديمُ كَوْنَهم كذلك -لإفادةِ الجملةِ الاسميَّةِ الدَّوامَ-، فلا يَغيبون عنه، ولا يُخفَّفُ عنهم). ((نظم الدرر)) (15/59). .
كما قال تعالى: وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ [سبأ: 38] .

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائِفُ:

1- في قَولِه تعالى: اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ دَلالةٌ على أنَّ البعثَ ليس ابتِداءَ خَلقٍ، ولكِنَّه إعادةٌ، خلافًا لِمَن قال: «إنَّ البعثَ ابتِداءُ خَلقٍ»؛ فقَولُه تعالى: ثُمَّ يُعِيدُهُ الضَّميرُ يعودُ إلى الخَلقِ المُبتدَأِ، ولو كانتِ الإعادةُ ابتِداءَ خَلقٍ جديدٍ لكان يُعذِّبُ مَن لم يَعمَلْ، ويُنَعِّمُ مَن لم يعمَلْ، ولكِنَّ البعثَ إعادةٌ لِمَا سَبقَ [143] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الرُّوم)) (ص: 70). .
2- قَولُ الله تعالى: وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ ذكَرَ في المؤمِنِ العَمَلَ الصَّالحَ، ولم يذكُرْ في الكافِرِ العَمَلَ السَّيِّئَ؛ لأنَّ العَمَلَ الصَّالحَ مُعتَبَرٌ مع الإيمانِ، وأمَّا الكافِرُ فهو في الدَّرَكاتِ بمُجَرَّدِ كُفرِه، فلو قال: (والذين كفَروا وعَمِلوا السَّيِّئاتِ في العذابِ مُحضَرونَ)، لكان العذابُ لِمن يَصدُرُ منه المجموعُ [144] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (25/85). .

بلاغةُ الآياتِ:

1- قَولُه تعالى: اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ استِئنافٌ ابتدائيٌّ، وهو شُروعٌ فيما أُقِيمَت عليه هذه السُّورةُ مِن بسْطِ دَلائلِ انفِرادِ اللهِ تعالى بالتَّصرُّفِ في النَّاسِ؛ بإيجادِهم وإعدامِهم، وبإمدادِهم وأطْوارِ حَياتِهم؛ لإبطالِ أنْ يكونَ لِشُركائِهم شَيءٌ مِن التَّصرُّفِ في ذلك؛ فهي دَلائلُ ساطعةٌ على ثُبوتِ الوَحدانيَّةِ الَّتي عَمُوا عنها؛ فقولُه: اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ استِدلالٌ بما لا يَسَعُهم إلَّا الاعترافُ به، وهو بَدْءُ الخلْقِ؛ إذ لا يُنازِعون في أنَّ اللهَ وحْدَه هو خالقُ الخلْقِ؛ ولذلك قال اللهُ تعالى: أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ [الرعد: 16] الآيةَ. وحسَّنَ مَوقعَ الاستئنافِ وُرودُه بعدَ ذِكْرِ أُمَمٍ غابرةٍ وأُمَمٍ حاضرةٍ خلَفَ بعضُها بعضًا، وإذ كان ذلك مِثالًا لإعادةِ الأشخاصِ بعْدَ فَنائِها، وذِكْرِ عاقبةِ مَصيرِ المُكذِّبينَ للرُّسلِ في العاجلةِ؛ ناسَبَ في مَقامِ الاعتبارِ أنْ يُقامَ لهم الاستِدلالُ على إمكانِ البَعثِ؛ لِيَقَعَ ذِكْرُ ما يَعقُبُه مِن الجزاءِ مَوقِعَ الإقناعِ لهم [145] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/60 - 61). وذكَر ابنُ عاشورٍ: أنَّ هذه السُّورةَ اشتمَلَتْ على آياتٍ فصَّلَت دَلائلَ إبطالِ دِينِ الشِّركِ على أربعةِ استئنافاتٍ مُتماثِلةِ الأُسلوبِ، ابتُدِئَ كلُّ واحدٍ منها باسمِ الجلالةِ مُجْرًى عليه إخبارٌ عن حقائقَ لا قِبَلَ لهم بدَحْضِها؛ لأنَّهم لا يَسَعُهم إلَّا الإقرارُ ببَعضِها أو العجْزُ عن نقْضِ دَليلِها؛ فالاستئنافُ الأوَّلُ المَبْدوءُ بقولِه: اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ، والثَّاني المَبْدوءُ بقولِه: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ [الروم: 40] ، والثَّالثُ المَبْدوءُ بقولِه: اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ [الروم: 48] ، والرَّابعُ المَبْدوءُ بقولِه: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ [الروم: 54] . يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/61). .
- قولُه: اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ تَقديمُ اسمِ الجَلالةِ على المُسنَدِ الفِعليِّ لمُجرَّدِ التَّقَوِّي [146] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/61). .
- قولُه: ثُمَّ يُعِيدُهُ إدْماجٌ [147] الإدماجُ: هو أنْ يُدمِجَ المتكلِّمُ غرضًا في غَرضٍ، أو بديعًا في بديعٍ بحَيثُ لا يَظهرُ في الكلامِ إلَّا أحدُ الغرَضينِ أو أحدُ البَديعينِ؛ فهو مِن أفانينِ البَلاغةِ، ويكونُ مرادُ البليغِ غَرَضينِ فيُقرنُ الغرضَ المَسوقَ له الكلامُ بالغرضِ الثَّاني، وفيه تَظهرُ مَقدرةُ البليغِ؛ إذ يأتي بذلك الاقترانِ بدونِ خروجٍ عن غَرَضِه المَسوقِ له الكلامُ، ولا تَكلُّفٍ، بمعنى: أن يَجعلَ المتكلِّمُ الكلامَ الَّذي سِيق لمعنًى -مِن مَدحٍ أو غيرِه- مُتضَمِّنًا معنًى آخَرَ، كقولِه تعالى: لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ [القصص: 70] ؛ فهذا مِن إدماجِ غرَضٍ في غَرَضٍ؛ فإنَّ الغرَضَ منها تَفرُّدُه تعالى بوصْفِ الحمدِ، وأُدمِجَ فيه الإشارةُ إلى البعثِ والجزاءِ. وقيل: أُدمِجَتِ المُبالَغةُ في المُطابَقةِ؛ لأنَّ انفِرادَه بالحمدِ في الآخِرةِ -وهي الوقتُ الَّذي لا يُحمَدُ فيه سِواه- مبالَغةٌ في الوَصفِ بالانفرادِ بالحَمدِ. يُنظر: ((الإتقان)) للسيوطي (3/298)، ((تفسير ابن عاشور)) (1/339)، ((علوم البلاغة: البيان المعاني البديع)) للمراغي (ص: 344)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن حَبَنَّكَة الميداني (2/427). ؛ لأنَّه إذا سُلِّمَ له بَدْءُ الخَلْقِ، كان تَسليمُ إعادتِه أَولى وأجدَرَ [148] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/61). .
- (ثمَّ) في قولِه: ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ للتَّراخي الرُّتبيِّ -كما هو شأْنُها في عطْفِ الجُمَلِ-؛ وذلك أنَّ شأْنَ الإرجاعِ إلى اللهِ أعظَمُ مِن إعادةِ الخلْقِ؛ إذ هو المَقصدُ مِن الإعادةِ ومِن بَدْءِ الخَلْقِ [149] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/61). .
- قولُه: ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ مُقْتضَى الظَّاهرِ الغَيبةُ، لكنَّه عدَلَ عنه إلى خِطابِ المشركينَ؛ لِمُكافَحتِهم بالوعيدِ، ومُواجهتِهم بالتَّهديدِ، والمُبالَغةِ في إيهامِ أنَّه مَخصوصٌ بهم. وتَقديمُ إِلَيْهِ؛ للتَّخصيصِ [150] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/203)، ((تفسير أبي السعود)) (7/53)، ((حاشية الشهاب على البيضاوي)) (7/114)، ((تفسير ابن عاشور)) (21/61). .
2- قَولُه تعالى: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ
- قولُه: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ عطْفٌ على جُملةِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [الروم: 11] ؛ تَبْيينًا لحالِ المُشركينَ في وقْتِ ذلك الإرجاعِ، وكان مُقْتضى الظَّاهرِ أنْ يُقال: ويومئَذٍ يُبلِسُ المُجرِمون، أو يومَئذٍ تُبْلِسون، أي: ويومَ تُرجَعون إليه يُبلِسُ المُجرِمون؛ فعُدِلَ عن تَقديرِ الجُملةِ المُضافِ إليها (يوم) الَّتي يدُلُّ عليها إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [الروم: 11] ، بذِكْرِ جُملةٍ أُخرى هي في مَعناها؛ لِتَزيدَ الإرجاعَ بَيانًا أنَّه إرجاعُ النَّاسِ إليه يومَ تقومُ السَّاعةُ؛ فهو إطنابٌ لأجْلِ البَيانِ، وزِيادةِ التَّهويلِ؛ لِمَا يَقْتَضِيه إسنادُ القيامِ إلى السَّاعةِ مِن المُباغَتةِ والرُّعبِ. ويدُلُّ لهذا القصْدِ تَكريرُ هذا الظَّرفِ في الآيةِ بعْدَها بهذا الإطنابِ [151] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/62). .
- والمُجرِمون: المُشرِكون، وهمُ الَّذين أُجْرِيَت عليهم ضَمائرُ الغَيبةِ وضمائرُ الخِطابِ؛ بقرينةِ قولِه: وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ، والإظهارُ في مَقامِ الإضمارِ؛ لإجراءِ وصْفِ الإجرامِ عليهم. ووُصِفوا بالإجرامِ؛ لتَحقيرِ دِينِ الشِّركِ، وأنَّه مُشتمِلٌ على إجرامٍ كبيرٍ [152] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (12/219)، ((تفسير ابن عاشور)) (21/62). .
3- قَولُه تعالى: وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ
– قولُه: وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ فيه نفْيُ فِعلِ (يكُن) بـ (لمْ) الَّتي تُخَلِّصُ المُضارعَ للمُضِيِّ؛ للإشارةِ إلى تَحقيقِ حُصولِ هذا النَّفيِ [153] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/203)، ((تفسير ابن عاشور)) (21/63). .
- ومُقابَلةُ ضَميرِ الجمْعِ بصِيغةِ جمْعِ الشُّركاءِ في قولِه: وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ مِن بابِ التَّوزيعِ، أي: لم يكُنْ لأحدٍ مِن المُجرِمين أحَدٌ شَفيعٌ فضْلًا عن عِدَّةِ شُفعاءَ، وكذلك قولُه: وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ؛ لأنَّ المرادَ أنَّهم يَكفُرون بهم يومَ تقومُ السَّاعةُ [154] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/53)، ((تفسير ابن عاشور)) (21/63). .
- قولُه: وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ معناه: ويكونُ عندَ مُعاينَتِهم أمْرَ اللهِ، وفسادَ حالِ الأصنامِ، عبَّرَ بالماضي؛ لِتَيقُّنِ الأمْرِ، وصِحَّةِ وُقوعِه [155] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/379)، ((تفسير أبي السعود)) (7/53). .
4- قَولُه تعالى: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ
- قولُه: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أُعِيدَ؛ لِتَهويلِه، وتَفظيعِ ما يقَعُ فيه [156] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/53)، ((تفسير ابن عاشور)) (21/63). ، فقيامُ الساعةِ أمرٌ هائلٌ؛ فكرَّره تأكيدًا للتخويفِ [157] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (25/85). .
- قولُه: يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ تَهْويلٌ له إثْرَ تَهويلٍ [158] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/53). ، وكرَّرَ يَوْمَئِذٍ؛ لِتأْكيدِ حَقيقةِ الظَّرفيَّةِ [159] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/63). .
- والتَّفرُّقُ: انقسامُ الجمْعِ، وتشتُّتُ أجزاءِ الكلِّ، وقد كُنِّيَ به هنا في قولِه يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ عن التَّباعُدِ؛ لأنَّ التَّفرُّقَ يُلازِمُه التَّباعدُ عُرْفًا. وقد فُصِّلَ التَّفرُّقُ هنا بقولِه: فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ... إلى آخِرِه [160] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/64). .
5- قَولُه تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ تَفصيلٌ وبَيانٌ لأحوالِ ذَيْنِكَ الفَريقينِ [161] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (12/222)، ((تفسير أبي السعود)) (7/53). .
- وبدأ بذِكرِ حالِ الَّذين آمَنوا، مع أنَّ الموضِعَ مَوضِعُ ذِكرِ المُجرِمينَ؛ لأنَّ المؤمِنَ يُوصَلُ إليه الثَّوابُ قبْلَ أن يُوصَلَ إلى الكافِرِ العِقابُ؛ حتَّى يرى ويَتحَقَّقَ أنَّ المؤمِنَ وَصَل إلى الثَّوابِ، فيَكونَ أنكَى، ولو أُدخِلَ الكافِرُ النَّارَ أوَّلًا لكان يَظُنُّ أنَّ الكُلَّ في العذابِ مُشتَرِكونَ؛ فقدَّم ذلك زيادةً في إيلامِهم [162] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (25/85). .
- قولُه: فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ إنَّما خَصَّ جلَّ ثناؤُه ذِكْرَ الرَّوضةِ في هذا الموضعِ؛ لأنَّه لم يكُنْ عندَ الطَّرفينِ أحسَنُ مَنظرًا، ولا أطيَبُ نَشْرًا مِن الرِّياضِ [163] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/470)، ((تفسير ابن عطية)) (4/332). .
- وجاء لَفظُ رَوْضَةٍ مُنكَّرًا، والتَّنكيرُ لإبهامِ أمْرِها وتَفخيمِه [164] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/471)، ((تفسير أبي حيان)) (8/380)، ((تفسير أبي السعود)) (7/53). .
- وجاء يُحْبَرُونَ بالفِعلِ المُضارعِ؛ لاستِعمالِه للتَّجدُّدِ؛ لأنَّهم كلَّ ساعةٍ يأْتِيهم ما يُسَرُّون به مِن مُتجدِّداتِ الملاذِّ وأنواعِها المُختلِفةِ [165] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/380). .
6- قَولُه تعالى: وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ
- قولُه: وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ صرَّحَ بذلك مع اندارجِه في تَكذيبِ الآياتِ؛ للاعتِناءِ بأمْرِه [166] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/54). .
- وقولُه: فَأُولَئِكَ إشارةٌ إلى المَوصولِ، باعتبارِ اتِّصافِه بما في حيِّزِ الصِّلةِ مِن الكُفْرِ والتَّكذيبِ بآياتِه تعالى وبِلقاءِ الآخِرةِ؛ للإيذانِ بكَمالِ تَميُّزِهم بذلكَ عن غيرِهم، وانتظامِهم في سلْكِ المُشاهَداتِ، وما فيهِ مِن معنَى البُعدِ مع قُرْبِ العهْدِ بالمُشارِ إليهِ؛ للإشعارِ ببُعدِ مَنزلتِهم في الشَّرِّ [167] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/54)، ((تفسير ابن عاشور)) (21/64). .
- وجاء مُحْضَرُونَ باسمِ الفاعلِ في قولِه: فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ؛ لاستعمالِه للثُّبوتِ، فهمْ إذا دَخَلوا العذابَ يَبْقَون فيه مُحضَرينَ، فهو وصْفٌ لازِمٌ لهم [168] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/380). .
- وأيضًا مُحْضَرُونَ يَجوزُ أنْ يكونَ مِن الإحضارِ، أي: جعْلِ الشَّيءِ حاضرًا، أي: لا يَغِيبون عنه، أي: لا يَخرُجون منه، وهو يُفِيدُ التَّأبيدَ بطريقِ الكِنايةِ؛ لأنَّه لَمَّا ذُكِرَ بعدَ قولِه: فِي الْعَذَابِ، ناسَبَ ألَّا يكونَ المقصودُ مِن وصْفِهم بالمُحضَرينَ أنَّهم كائِنون في العذابِ؛ لئلَّا يكونَ مُجرَّدَ تأْكيدٍ بمَدلولِ (في) الظَّرفيَّةِ؛ فإنَّ التَّأسيسَ أوقَعُ مِن التَّأكيدِ. ويجوزُ أنْ يكونَ مُحْضَرُونَ بمعنى: مأْتيٌّ بهم إلى العذابِ؛ فقد كَثُرَ في القرآنِ استعمالُ (مُحضَرٍ) ونحوِه بمعنى مُعاقَبٍ؛ قال تعالى: وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ [169] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/64). [الصافات: 158] .