موسوعة التفسير

سورةُ الرَّعدِ
الآيات (41-43)

ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ

غريب الكلمات:

أَطْرَافِهَا: أي: جَوانِبِها ونَواحيها، وأصلُ (طرف): يدُلُّ على حَدِّ الشَّيءِ وحَرْفِه [616] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/576)، ((تهذيب اللغة)) للأزهري (13/219)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/447)، ((المفردات)) للراغب (ص: 302)، ((تفسير الألوسي)) (7/163). .
لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ: أي: لا رادَّ لحكمِه، ولا يتعَقَّبُه أحَدٌ بتغييرٍ ولا نَقضٍ، والمُعَقِّبُ: الذي يَتْبَعُ الشَّيءَ فيَستَدرِكُه، وأصلُ (عقب): يدلُّ على تأخيرِ شَيءٍ، وإتيانِه بعد غَيرِه [617] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 229)، ((تفسير ابن جرير)) (13/580)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 442)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/77)، ((المفردات)) للراغب (ص: 575). .

المعنى الإجمالي:

يقولُ الله تعالى: أوَلم يَرَ هؤلاءِ الكُفَّارُ  أن الله ينصُرُ المُسلِمينَ، ويفتَحُ لهم ديارَ المُشرِكينَ أرضًا بعدَ أرضٍ، واللهُ سُبحانَه يحكُمُ ويقضي في خَلقِه بما يشاءُ لا  نقضَ لحُكمِه ولا تغييرَ، وهو سبحانه سريعُ الحِسابِ.
وقد مكرَ الذين مِن قَبلِ مُشرِكي العرَبِ برُسُلِهم، وكفروا بهم، وأرادوا إخراجَهم مِن بلادِهم، فمكَرَ اللهُ بهم، وانتَقم منهم، فلِلَّه المكرُ كلُّه، فأسبابُه بِيَدِه، يعلَمُ ما تعملُ كُلُّ نفسٍ مِن خَيرٍ أو شَرٍّ، وسيُجازيها على ما عمِلت، وسيعلَمُ الكُفَّارُ- يوم القيامة لِمَن تكونُ عاقِبةُ الدار الآخرة.
ويقولُ الذين كفروا لك- يا محمَّدُ-: لستَ رَسولًا مِن عندِ اللهِ، قُلْ لهم: يكفيني اللهُ شاهدًا بصِدقي وكَذِبِكم، ومَن عِندَه عِلمُ التَّوراةِ والإنجيلِ مِن اليهودِ والنَّصارى، فإنَّهم يشهدونَ لي أنِّي رسولٌ مِن عندِ اللهِ.

تفسير الآيات:

أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا وعَدَ اللهُ تعالى رسولَه بأنْ يُريَه بعضَ ما وُعِدوه أو يتوفَّاه قبلَ ذلك؛ بيَّنَ في هذه الآيةِ أنَّ آثارَ حُصولِ تلك المواعيدِ وعلاماتِها قد ظهَرَت وقَوِيَت، فقال تعالى [618] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (19/53). :
أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا.
أي: أوَلم يَنظُرِ الكُفَّارُ أنَّا ننصُرُ المُسلِمينَ، ونفتَحُ لهم ديارَ المُشرِكينَ أرضًا بعدَ أرضٍ، فنَنقُصُ دارَ الكُفَّارِ، ونَزيدُ في دارِ الإسلامِ؟ أفلا يعتَبِرونَ بذلك فيخافونَ ظُهورَهم على أرضِهم، وقَهرِهم إيَّاهم [619] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/579)، ((معاني القرآن)) للزجاج (3/151)، ((تفسير البغوي)) (3/27، 28)، ((تفسير الزمخشري)) (2/534، 535)، ((تفسير ابن كثير)) (4/472، 473)، ((تفسير الشوكاني)) (3/108). وممَّن اختار هذا المعنى المذكور: ابنُ جرير، والزجَّاج، والزمخشري، وابنُ كثير، ونسبه البغويُّ إلى أكثرِ المفسِّرين. يُنظر: المصادر السابقة. وممن قال بهذا القولِ مِن السلفِ: ابنُ عباسٍ، والضحَّاكُ، والحسنُ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/574)، (( تفسير ابن الجوزي)) (2/501). قال ابنُ عطية: (وهذا... القَولُ لا يتأتَّى إلَّا بأن نقَدِّرَ نزولَ هذه الآيةِ بالمدينةِ، ومن قال: إنَّ الأرضَ اسمُ جِنسٍ جعَلَ الانتقاصَ مِن الأطرافِ بتخريبِ العُمرانِ الذي يُحِلُّه اللهُ بالكفرة- هذا قولُ ابنِ عباسٍ أيضًا ومجاهدٍ). ((تفسير ابن عطية)) (3/319). وقال ابن عاشور: (الرؤيةُ يجوزُ أن تكونَ بصريةً. والمرادُ: رؤيةُ آثارِ ذلك النقصِ، ويجوزُ أن تكونَ علميةً، أي: ألم يعملوا ما حلَّ بأرضي الأممِ السابقةِ مِن نقصٍ. وتعريفُ الأرضِ تعريفُ الجنسِ، أي: نأتي أيةَ أرضٍ مِن أرضي الأممِ... وذهَب كثيرٌ مِن المفَسِّرينَ إلى أنَّ المرادَ بالأرضِ أرضُ الكافرين مِن قُريشٍ، فيكونُ التَّعريفُ للعهد، وتكونُ الرؤية بصريةً، ويكونُ ذلك إيقاظًا لهم لِما غَلَب عليه المسلمون مِن أرضِ العدُوِّ فخَرَجت مِن سلطانِه، فتَنقُص الأرضُ التي كانت في تصرُّفِهم، وتزيدُ الأرضُ الخاضعةُ لأهلِ الإسلامِ. وبنوا على ذلك أنَّ هذه الآيةَ نزلت بالمدينةِ، وهو الذي حمَل فريقًا على القولِ بأنَّ سورة الرعد مدنيَّة، فإذا اعتُبِرَت مدنيَّةً صحَّ أنْ تفَسَّرَ الأطرافُ بطرفينِ، وهما مكةُ والمدينةُ؛ فإنَّهما طرفا بلادِ العربِ، فمكَّةُ طَرَفُها مِن جهةِ اليمنِ، والمدينةُ طرَفُ البلادِ مِن جهةِ الشامِ، ولم يزَلْ عددُ الكفَّار في البلدينِ في انتقاصٍ بإسلامِ كُفَّارِها، إلى أن تمحَّضَت المدينةُ للإسلامِ، ثم تمحَّضت مكَّةُ له بعدَ يومِ الفتحِ). ((تفسير ابن عاشور)) (13/171-172). وقال ابن كثير: (أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا [الأنبياء: 44] اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَاهُ... وَأَحْسَنُ مَا فُسِّرَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الْأَحْقَافِ:27]). ((تفسير ابن كثير)) (5/345). قال الشِّنقيطيُّ في تفسيرِ نظيرِ هذه الآيةِ مِن سورةِ الأنبياءِ، وهي قولُه تعالى: أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ [الأنبياء: 44] : (ما ذكره ابنُ كثيرٍ صَوابٌ، واستقراءُ القُرآنِ العَظيمِ يدُلُّ عليه، وعليه فالمعنى: أفلا يرى كُفَّارُ مكَّةَ ومَن سار سَيرَهم في تكذيبِك- يا نبيَّ اللهِ- والكُفرِ بما جِئتَ به: أنَّا نأتي الأرضَ نَنقُصُها من أطرافِها، أي: بإهلاكِ الذين كذَّبوا الرُّسُلَ، كما أهلَكْنا قَومَ صالحٍ وقَومَ لوطٍ، وهم يمُرُّونَ بديارِهم، وكما أهلَكْنا قومَ هودٍ، وجعَلْنا سبأً أحاديثَ ومَزَّقْناهم كُلَّ مُمَزَّقٍ). ((أضواء البيان)) (4/157-158). ؟
 كما قال تعالى: أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ [الأنبياء: 44] .
وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ.
أي: واللهُ هو الذي يقضي في خَلقِه بما يشاءُ، ويُعاقِبُ مَن يشاءُ، ولا يُبطِلُ أحدٌ حُكمَه بردٍّ أو نقضٍ أو تغييرٍ، فما حكَمَ اللهُ به مِن العِقابِ لا يُبطِلُه أحدٌ، وهو واقِعٌ ولو تأخَّرَ [620] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/579)، ((تفسير القرطبي)) (9/334)، ((تفسير الشوكاني)) (3/108)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/172). قال السَّعدي: (ويدخُلُ في هذا حُكمُه الشَّرعيُّ والقَدَريُّ والجزائيُّ، فهذه الأحكامُ التي يحكُمُ الله فيها، توجَدُ في غايةِ الحِكمةِ والإتقانِ، لا خلَلَ فيها ولا نقْصَ، بل هي مبنيَّةٌ على القِسطِ والعَدلِ والحَمد، فلا يتعقَّبُها أحد، ولا سبيلَ إلى القَدحِ فيها، بخلافِ حُكمِ غَيرِه؛ فإنَّه قد يوافِقُ الصَّوابَ، وقد لا يوافِقُه). ((تفسير السعدي)) (ص: 420). .
وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ.
أي: والله سريعٌ مجئُ حسابِه، ومجازاتِه لعبادِه، وهو واقعٌ لا محالةَ، لا يدفعُه دافعٌ، فلا يَسْتعجلوا بالعذابِ؛ فإنَّ كلَّ ما هو آتٍ قريبٌ [621] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (19/53)، ((تفسير الشوكاني)) (1/235)، ((تفسير السعدي)) (ص: 420)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/173). وقد تقدَّم تفسيرُ نظيرِ هذه الجملةِ في سورة آل عمران، الآية (19) مِن ((التفسير المحرر)) (2/101). قال ابنُ كثيرٍ في نظيرِ هذه الآيةِ، وهو قولُه تعالى: إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [إبراهيم: 51] قال: (يحتملُ أنْ يكونَ كقولِه تعالَى: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ويحتملُ أنَّه في حالِ محاسبتِه لعبدِه سريعُ النَّجازِ؛ لأنَّه يعلمُ كلَّ شيءٍ، ولا يخفَى عليه خافيةٌ، وإنَّ جميعَ الخلقِ بالنِّسبةِ إلى قدرتِه كالواحدِ مِنهم، كقولِه تعالَى: مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ [لقمان: 28]، وهذا معنَى قولِ مجاهِدٍ: سَرِيعُ الْحِسَابِ إحصاءً. ويحتملُ أنْ يكونَ المعنيانِ مرادينِ، واللَّهُ أعلمُ). ((تفسير ابن كثير)) (4/523) ويُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (1/235). .
وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42).
وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ.
أي: وقد مكرَ الذين مِن قَبلِ مُشرِكي العرَبِ برُسُلِهم، وكفروا بهم وكادُوا لهم، وأرادوا إخراجَهم مِن بلادِهم، فمكَرَ اللهُ بهم، وانتَقم منهم، وجعَل العاقبةَ لعِبادِه المتَّقينَ [622] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/580)، ((تفسير القرطبي)) (9/335)، ((تفسير ابن كثير)) (4/473)، ((تفسير السعدي)) (ص: 420)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/174). .
كما قال سبُحانه: وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ * فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [النمل: 50 - 52].
وقال تعالى: وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ [إبراهيم: 46] .
وقال سُبحانه: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال: 30] .
وقال عزَّ وجلَّ: وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا [نوح: 22] .
قَبْلِهِمْ فَلِلّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا.
أي: فلِلَّه المكرُ كُلُّه؛ لأنَّ أسبابَ المَكرِ بِيَدِه، ومكْرُ الكفَّارِ مخلوقٌ لا يضُرُّ إلَّا بعد إذنِه، فكذلك هؤلاء المُشرِكونَ مِن قُريشٍ يمكُرونَ بك يا محمَّدُ، واللهُ مُنَجِّيك مِن مَكرِهم، ومُلحِقٌ ضَرَّ مَكرِهم بهم دونَك [623] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/580)، ((البسيط)) للواحدي (12/385)، ((تفسير القرطبي)) (9/335)، ((تفسير السعدي)) (ص: 420). .
يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ.
أي: يعلَمُ اللهُ ما تعمَلُ كُلُّ نَفسٍ مِن خيرٍ أو شَرٍّ، وسيُجازيها على جميعِ أعمالِها؛ الظَّاهرةِ والباطنةِ، ومِن ذلك عِلمُه بما يعمَلُ هؤلاء المُشرِكونَ مِن قَومِك- يا محمَّدُ- وما يَسْعَون فيه مِن المَكرِ بك [624] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/580)، ((تفسير القرطبي)) (9/335)، ((تفسير ابن كثير)) (4/473)، ((تفسير السعدي)) (ص: 420). .
وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ.
أي: وسيَعلمُ الكُفَّارُ يومَ القيامةِ لِمن تكونُ عاقبةُ الدارِ الآخرةِ حينَ يَدْخلون النارَ، ويدخلُ المؤمنونَ الجنةَ [625] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/580)، ((تفسير ابن أبي زمنين)) (2/360)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 576)، ((تفسير البغوي)) (3/29). قال ابن كثير: (لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ أي: لمنْ تكونُ الدائرةُ والعاقبةُ، لهم أو لأتباعِ الرسلِ؟ كلَّا بل هي لأتباعِ الرسلِ في الدُّنيا والآخرةِ، ولله الحمدُ والمنةُ). ((تفسير ابن كثير)) (4/473). وقال الشوكاني: (لِمَن العاقبةُ المحمودةُ مِنَ الفريقينِ في دارِ الدُّنيا، أوْ في الدَّارِ الآخرةِ، أوْ فيهما). ((تفسير الشوكاني)) (3/108). ويُنظر: ((تفسير القرطبي)) (9/335). ؟
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا تقَدَّمَ قَولُه تعالى: وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ [الرعد:27] ، عطَفَ عليه- بعدَ شَرحِ ما استَتبَعَه- قَولَه: وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا؛ لِكَونِك لا تأتي بمُقتَرَحاتِهم، مع أنَّه لم يَقُلْ يَومًا: إنَّه قادِرٌ عليها، فكأنَّه قيل: فما أقولُ لهم؟ فقال: قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا [626] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (10/367). .
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً.
أي: ويقولُ لك الكُفَّارُ- يا مُحمَّدُ- تكذيبًا بنُبوَّتِك: لستَ رَسولًا مِن عندِ اللهِ [627] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/581)، ((تفسير القرطبي)) (9/335)، ((تفسير ابن كثير)) (4/473)، ((تفسير السعدي)) (ص: 420).   !
قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ.
أي: قلْ لهم- يا محمَّدُ-: يكفيني اللهُ شاهِدًا عليَّ وعليكم بصِدقي وكَذِبِكم [628] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/581)، ((تفسير القرطبي)) (9/335)، ((تفسير ابن كثير)) (4/473). قال السعدي: (وشهادتُه: بقَولِه وفِعلِه وإقرارِه؛ أمَّا قولُه: فبما أوحاه اللهُ إلى أصدقِ خَلقِه ممَّا يُثبِتُ به رسالتَه. وأما فِعلُه: فلأنَّ الله تعالى أيَّد رسولَه ونصَرَه نصرًا خارجًا عن قدرتِه وقُدرةِ أصحابِه وأتباعِه، وهذا شهادةٌ منه له بالفعلِ والتأييد. وأمَّا إقراره: فإنه أخبَرَ الرسولُ عنه أنَّه رسولُه، وأنَّه أمر الناسَ باتِّباعه، فمَن اتَّبَعه فله رضوانُ الله وكرامتُه، ومن لم يتَّبِعْه فله النَّارُ والسَّخَط، وحلَّ له مالُه ودَمُه، والله يُقِرُّه على ذلك، فلو تقوَّلَ عليه بعضَ الأقاويلِ لعاجَلَه بالعقوبةِ). ((تفسير السعدي)) (ص: 420).   .
وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ.
أي: وأهلُ الكتابِ الذين عِندَهم عِلمُ التَّوراةِ والإنجيلِ؛ فإنَّهم يشهدونَ لي أنِّي رسولٌ مِن عندِ اللهِ، فيَشهدونَ أنَّ الأنبياءَ السَّابقينَ أتَوا بمِثلِ ما أتيتُ به؛ كالأمرِ بعبادةِ اللهِ وَحدَه، والنَّهيِ عن الشِّركِ، والإخبارِ بيومِ القيامةِ والشَّرائعِ الكُلِّية، ويشهدونَ أيضًا بما وردَ في كتُبِهم مِن ذِكرِ صِفاتِي وبِشاراتِ الأنبياءِ بي [629] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/582)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (14/192)، ((طريق الهجرتين)) لابن القيم (ص: 338)، ((تفسير ابن كثير)) (4/473، 474)، ((تفسير السعدي)) (ص: 420)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (2/240). قال الرسعني: (قال جمهورُ المفسِّرين: الذي عندَه علمُ الكتابِ؛ عبدُ الله بنُ سلَامٍ). ((تفسير الرسعني)) (3/501). وممن قال به من السلفِ: الحسنُ، ومجاهدٌ، وعِكرمةُ، وابنُ زيدٍ، وابنُ السائبِ، ومُقاتلٌ. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (2/384)، ((تفسير ابن الجوزي)) (2/502). لكن قال ابنُ كثيرٍ: (وهذا القولُ غريبٌ؛ لأنَّ هذه الآيةَ مكِّيَّةٌ، وعبدَ اللَّهِ بنَ سلَامٍ إنَّما أسلَم في أوَّلِ مقدَمِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم المدينةَ. والأظهرُ في هذا ما قاله العوفيُّ، عن ابنِ عبَّاسٍ قال: هم مِنَ اليهودِ والنَّصارى... وكان سعيدُ بنُ جُبَيْرٍ ينكرُ أنْ يكونَ المرادُ بها عبدُ اللَّهِ ابنُ سلَامٍ، ويقولُ: هي مكِّيَّةٌ). ((تفسير ابن كثير)) (4/473). وقال ابنُ عاشور: (ويحتملُ أن يكونَ المرادُ بـ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ معيَّنًا، فهو ورقةُ ابنُ نوفل إذ علِم أهلُ مكةَ أنَّه شهِد بأنَّ ما أُوحي به إلى رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم هو الناموسُ الذي أُنزِل على موسَى عليه السلامُ، كما في حديثِ بدءِ الوحيِ في الصحيحِ. وكان ورقةُ منفردًا بمعرفةِ التوراةِ والإنجيلِ). ((تفسير ابن عاشور)) (13/176). وقيل: المرادُ بـ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ: الله عزَّ وجلَّ. وهو قولُ الحَسَنِ، وسعيدِ بنِ جُبير، والزجَّاج، والبقاعي. يُنظر: ((معاني القرآن)) للزجاج (3/151)، ((تفسير الرازي)) (19/55)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (10/368). وقِيل: المعنَى مَن عندَه علمُ القرآنِ، وهم الراسخونَ في العلمِ، المدركونَ بلاغةَ القرآنِ وفصاحتَه وافتنانَ أساليبِ خطابِه. يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/536)، ((تفسير الرازي)) (19/55)، ((تفسير الرسعني)) (3/502). .
كما قال تعالى: أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ [الشعراء: 197] .
وقال سُبحانه: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ [يونس: 94] .
وقال عزَّ وجلَّ: ... وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِم [الأعراف: 156- 157] .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قال الله تعالى: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ لكَمالِ حِكمتِه وعِلمِه وعِزَّتِه- سُبحانَه- لا مُعَقِّبَ لحُكمِه، ولا يُعتَرَضُ عليه بالسُّؤالِ؛ لأنَّه لا يَفعَلُ شَيئًا سُدًى، ولا خلَقَ شَيئًا عَبَثًا، وإنَّما يُسألُ عن فِعلِه مَن خرجَ عن الصَّوابِ، ولم يَكُنْ فيه مَنفعةٌ ولا فائِدةٌ [630] يُنظر: ((مفتاح دار السعادة)) لابن القيم (1/274). .
2- قولُه تعالى: وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا فيه سؤالٌ: كيف أثبَتَ لهم مكرًا، ثمَّ نفاه عنهم بقَولِه: فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا؟
 الجوابُ: معناه أنَّ مكرَ الماكرينَ مخلوقٌ له، ولا يضُرُّ إلَّا بإرادتِه؛ فإثباتُه لهم باعتبارِ الكَسبِ، ونفيُه عنهم باعتبارِ الخَلقِ [631] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص:291). ، وقيل: وصَفهم بالمكْرِ، ثمَّ جعَل مكْرَهم كَلَا مَكْرٍ بالإضافةِ إلى مَكْرِه؛ فقال: فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا، ثمَّ فسَّرَ ذلك بقولِه: يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ؛ لأنَّ مَن علِمَ ما تكسِبُ كلُّ نفْسٍ، وأعَدَّ لها جزاءها، فهو المكْرُ كلُّه؛ لأنَّه يأتيهم مِن حيث لا يعلَمونَ، وهم في غفلةٍ ممَّا يُرادُ بهم [632] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/535)، ((تفسير أبي حيان)) (6/401). ، وقيل: سمَّاها (مكرًا) على عُرفِ تسميةِ المعاقبةِ باسمِ الذنبِ [633] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (3/ 319). .
3- قولُ الله تعالى: وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ إنَّما أمَرَ اللهُ باستشهادِ أهلِ الكتابِ؛ لأنَّهم أهلُ هذا الشَّأنِ، وكلُّ أمرٍ إنَّما يُستشهَدُ فيه أهلُه، ومَن هم أعلَمُ به مِن غَيرِهم، بخلافِ مَن هو أجنبيٌّ عنه، كالأمِّيِّين مِن مشركي العرَبِ وغيرِهم، فلا فائدةَ في استشهادِهم؛ لعدمِ خِبرتِهم ومعرفتِهم، واللهُ أعلمُ [634] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص:420). .
4- قال الله تعالى: قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ فمَن عنده عِلْمُ الكتابِ فإنه يَشهدُ بما في الكِتابِ الأوَّلِ، وهذا يُوجِبُ تصديقَ الرَّسولِ؛ لأنَّه يَشهدُ بالمِثْل، ويَشهدُ أيضًا بالعَينِ، وكُلٌّ مِن الشَّهادتينِ كافيةٌ، فمتى ثَبَتَ الجنسُ عُلِمَ قطعًا أنَّ المُعَيَّنَ منه [635] يُنظر: ((النبوات)) لابن تيمية (1/179). .
5- في قَولِه تعالى: قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ دَلالةٌ على أنَّه ما كان مِن العِلْمِ المَوروثِ عن نبيِّنا محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلنا أنْ نستشهِدَ عليه بما عند أهلِ الكِتابِ [636] يُنظر: ((بيان تلبيس الجهمية)) لابن تيمية (6/422). .
6- من الحجج المفيدة عند المناظرة أن تحتج على الطائفة بقول بعض علمائِها؛ قال تعالى: قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ [637] يُنظر: ((تفسير سورة العنكبوت)) لابن عثيمين (ص: 264). .

بلاغة الآيات:

1- قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ
- قولُه: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا استفهامٌ إنكاريٌّ، والواوُ للعطْفِ على مُقَدَّرٍ يَقتَضيهِ المَقامُ، أي: أَأَنْكَروا نُزولَ ما وعَدْناهم، أو أَشَكُّوا، أو أَلَمْ ينْظُروا في ذلك ولم يَرَوا، والضَّميرُ عائدٌ إلى المُكذِّبينَ العائدِ إليهم ضميرُ نَعِدُهُمْ، والكلامُ تهديدٌ لهم بإيقاظِهم إلى ما دَبَّ إليهم مِن أشباحِ الاضمحلالِ بإنقاصِ الأرضِ، أي: سُكَّانِها [638] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/27)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/171). ، وذلك على أحدِ أوجهِ التأويلِ.
- قولُه: أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرافِهَا في لفْظِ (الإتيانِ) المُؤْذِنِ بالاستِواءِ المحتومِ، والاستيلاءِ العظيمِ: مِن الفَخامةِ ما لا يَخْفى، كما في قولِه عزَّ وجلَّ: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [639] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/28). [الفرقان: 23] .
- قولُه: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ جُملةٌ اعتراضيَّةٌ جِيءَ بها لِتأْكيدِ فَحْوى ما تَقدَّمَها، وفيه الْتفاتٌ بَليغٌ مِن التَّكلُّمِ إلى الغَيبةِ، حيثُ أظهَرَ اسمَ الجَلالةِ بعدَ الإضمارِ الذي في قولِه: أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ، فرجَعَ عن خِطابِ النَّفْسِ إلى الغَيبةِ، وبناءُ الحُكمِ على الاسمِ الجليلِ يَنْطَوي على أعظَمِ الأسرارِ وأبهَرِها؛ ففيه دَلالةٌ على الفَخامةِ، وتربيةِ المَهابةِ، وتَحقيق مَضْمونِ الخبَرِ بالإشارةِ إلى العِلَّةِ، وكذلك فيه تَذكيرٌ بما يَحتوي عليه الاسمُ العظيمُ مِن معنى الإلهيَّةِ والوَحدانيةِ المقتضيةِ عَدمَ المنازِعِ، وأيضًا لتكونَ الجملةُ مُستقِلَّةً بنَفْسِها؛ لأنَّها بمَنزلةِ الحِكمَةِ والمَثَلِ [640] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/28)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/172- 173). .
- وقولُه: لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ اعتراضٌ في اعتراضٍ؛ لِبيانِ عُلُوِّ شأْنِ حُكمِه جلَّ جلالُه [641] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/28). .
- قولُه: وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ كِنايةٌ عنِ الجَزاءِ [642] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/173). .
2- قوله تعالى: وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ هذا تَسليةٌ لِرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأنَّه لا عِبْرَةَ بمَكْرهِم ولا تأثيرَ، بل لا وجودَ له في الحقيقةِ، ولم يُصرِّحْ بذلك اكتفاءً بدَلالةِ القصْرِ المُستفادِ مِن تعليلِه، أي: قوله تعالى: فَلِلَّهِ الْمَكْرُ [643] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/28). .
- وتقديمُ المجرورِ في قولِه: فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا للاختِصاصِ، أي: لهُ لا لغيرِه؛ فالقصْرُ في قولِه: فَلِلَّهِ الْمَكْرُ ادِّعائيٌّ، والعُمومُ في قولِه: جَمِيعًا تنزيليٌّ؛ بتنزيلِ مكرِ غيرِ الله منزِلةَ العدَمِ [644] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/174). .
- قولُه: وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ كالتَّفسيرِ لِمكْرِ اللهِ تعالى بهم، واللَّامُ تدلُّ على أنَّ المُرادَ بالعُقْبى العاقبةُ المحمودةُ [645] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (3/189). .
3- قوله تعالى: وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ
- قولُه: وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا فيه إيثارُ صِيغَةِ الاستقبالِ (يقول)؛ لاستحضارِ صورةِ كلمَتِهم الشَّنعاءِ؛ تعجُّبًا منها، أو للدَّلالةِ على تجدُّدِ ذلك، واستمرارِه منهم [646] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/29). .
- قولُه: قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا الباءُ الدَّاخِلةُ على اسمِ الجلالةِ، الَّذي هو فاعلُ (كفى) في المعنى؛ للتَّأكيدِ، وأصْلُ التَّركيبِ: كفى اللهُ [647] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/175). .
- والموصولُ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ يَجوزُ أنْ يُرادَ به جنْسُ مَن يتَّصِفُ بالصِّلةِ، وإفرادُ الضَّميرِ المُضافِ إليه- لـ (عند)-؛ لِمُراعاةِ لفْظِ (مَن) [648] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/176). .