موسوعة القواعد الفقهية

المَطلبُ الخامِسُ: الضَّروراتُ تُبيحُ المَحظوراتِ


أوَّلًا: صِيغَةُ القاعِدةِ
استُعْمِلَتِ القاعِدةُ بهذِهِ الصِّيغةِ المذكورَة: "الضَّروراتُ تُبيحُ المَحظوراتِ" [785] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/45)، ((المنثور)) للزركشي (2/317). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ
إذا بَلغَ المُكَلَّفُ الحالَ التي إن لم يَتَناوَلْ مَعَها المَمنوعَ هَلكَ أو قارَبَ الهَلاكَ، كالمُضطَرِّ للأكلِ واللُّبسِ، بحَيثُ لو بَقيَ جائِعًا أو عُريانًا لماتَ أو تَلِف مِنه عُضوٌ، فإنَّ الشَّريعةَ تُبيحُ له في هذه الحالةِ فِعلَ المَحظورِ، فوُجودُ الضَّرَرِ يُبيحُ ارتِكابَ المَحظورِ، أي: المُحَرَّمِ، بشَرطِ كَونِ ارتِكابِ المَحظورِ أخَفَّ مِن وُجودِ الضَّرَرِ، ومِن ثَمَّ جازَ أكلُ المَيتةِ للمُضطَرِّ للضَّرورةِ، وهذه القاعِدةُ أخَصُّ مِن قاعِدةِ المَشَقَّةِ؛ لأنَّ المَشَقَّةَ قد تَكونُ مِن بابِ الضَّرورةِ أوِ الحاجةِ [786] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/45)، ((المنثور)) للزركشي (2/317-319)، ((الفوائد السنية)) للبرماوي (5/207)، ((إيضاح المسالك)) للونشريسي (ص: 155)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 84)، ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 73)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (4/444). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ
دَلَّ على هذه القاعِدةِ القُرآنُ والسُّنَّةُ:
1- مِنَ القُرآنِ:
- قال اللهُ تعالى: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة: 173] .
- وقال اللهُ عزَّ وجَلَّ: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام: 119] .
وَجهُ الدَّلالةِ مِنَ الآيَتَينِ:
دَلالةُ الآيَتَينِ واضِحةٌ؛ حَيثُ أُطلقَتِ الإباحةُ عِندَ وُجودِ الضَّرورةِ، فاقتَضى ذلك وُجودَ الإباحةِ في كُلِّ حالٍ وُجِدَتِ الضَّرورةُ فيها [787] يُنظر: ((أحكام القرآن)) للجصاص (1/154)، ((تفسير السمرقندي)) (1/115،114)، ((تفسير القرطبي)) (2/225،224). .
2- مِنَ السُّنَّةِ:
عن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه: أنَّ عَبدَ الرَّحمَنِ بنَ عَوفٍ والزُّبَيرَ شَكَوَا إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم -يَعني القَملَ- فأرخَصَ لهما في الحَريرِ، فرَأيتُه عليهما في غَزاةٍ [788] أخرجه البخاري (2920) واللفظ له، ومسلم (2076). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
إباحةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لُبسَ الحَريرِ للضَّرورةِ؛ مِمَّا يَدُلُّ على ثُبوتِ هذه القاعِدةِ [789] يُنظر: ((المفهم)) للقرطبي (5/398)، ((التوضيح لشرح الجامع الصحيح)) لابن الملقن (17/652). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- جَوازُ أخذِ الدَّائِنِ من مالِ المَدينِ المُمتَنِعِ مِن سَدادِ الدَّينِ بغَيرِ إذنِه، إذا كان مِن جِنسِ مالِه، ولم يَتَمَكَّنْ مِن أخذِه عن طَريقِ الحاكِمِ [790] يُنظر: ((حلية العلماء)) للقفال الشاشي (8/214)، ((الفروق)) للقرافي (4/80)، ((تكملة المجموع)) للمطيعي (20/203)، ((المنثور)) للزركشي (2/317)، ((القواعد)) لابن رجب (ص: 221)، ((الفوائد السنية)) للبرماوي (5/207)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 84). .
2- جَوازُ إساغةِ الغُصَّةِ بالخَمرِ إذا لم يَجِدْ ما يُزيلُ به غُصَّتَه إلَّا الخَمرَ [791] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (2/317). .

انظر أيضا: