موسوعة القواعد الفقهية

المَطلبُ الثَّاني: القادِرُ بقُدرةِ الغَيرِ ليسَ بعاجِزٍ


أوَّلًا: صِيغَةُ القاعِدةِ
استُعْمِلَتِ القاعِدةُ بهذِهِ الصِّيغةِ المذكورَة: "القادِرُ بقُدرةِ الغَيرِ ليسَ بعاجِزٍ" [760] يُنظر: ((رد المحتار)) لابن عابدين (1/342). ، وصيغةِ: "القادِرُ بقُدرةِ الغَيرِ هَل يَصيرُ قادِرًا؟" [761] يُنظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (2/148). ، وصيغةِ: "الاستِطاعةُ بالغَيرِ" [762] يُنظر: ((مختصر المزني)) (8/158). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ
إذا كان الرَّجُلُ عاجِزًا عنِ الواجِبِ بنَفسِه، بأن كان كَبيرًا في السِّنِّ، أو مَريضًا مَرَضًا غَيرَ مَرجوِّ الزَّوالِ، لكِن باستِطاعَتِه إنابةُ الغَيرِ عنه، فاستِطاعَتُه بغَيرِه تَجعَلُه وكَأنَّه غَيرُ عاجِزٍ؛ فهو وإن لم يَكُنْ قادِرًا بنَفسِه لكِنَّ قُدرَتَه بغَيرِه تَنفي عنه العَجزَ؛ لأنَّ الاستِطاعةَ كَما تَكونُ بالنَّفسِ تَكونُ ببَذلِ المالِ وطاعةِ الرِّجالِ، فلو كان له مالٌ يُمكِنُه أن يَستَأجِرَ به مَن يَحُجُّ عنه يَجِبُ عليه أن يَستَأجِرَ، ولو كان على فِراشٍ نَجِسٍ لا يُمكِنُه التَّحَوُّلُ عنه وهناكَ مَن يُحَوِّلُه فصَلَّى على حالِه فلا تَصِحُّ صَلاتُه؛ لأنَّ وُسعَ غَيرِه يَكونُ وُسعًا له، خِلافًا لأبي حَنيفةَ، وهذه القاعِدةُ مُكمِلةٌ للقاعِدةِ التي قَبلَها [763] يُنظر: ((مختصر المزني)) (8/158)، ((تأسيس النظر)) للدبوسي (ص: 27)، ((تفسير البغوي)) (2/73)، ((إرشاد الساري)) للقسطلاني (3/321)، ((الفتح المبين)) لابن حجر الهيتمي (ص: 281)، ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (2/148)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/148)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/450)، ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 51)، ((رد المحتار)) لابن عابدين (2/40). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ
دَلَّ على هذه القاعِدةِ السُّنَّةُ والمَعقولُ:
1- مِنَ السُّنَّةِ:
عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((كان الفَضلُ رَديفَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فجاءَتِ امرَأةٌ مِن خَثعَمٍ، فجَعَل الفضلُ يَنظُرُ إليها وتَنظُرُ إليه، فجَعَل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَصرِفُ وَجهَ الفَضلِ إلى الشِّقِّ الآخَرِ، فقالت: إنَّ فريضةَ اللهِ أدرَكَت أبي شَيخًا كَبيرًا لا يَثبُتُ على الرَّاحِلةِ، أفأحُجُّ عنه؟ قال: نَعَم، وذلك في حَجَّةِ الوداعِ )) [764] أخرجه البخاري (1855) واللفظ له، ومسلم (1334). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أذِن لها بالحَجِّ عن أبيها، مُعتَبِرًا قُدرَتَها بالحَجِّ عنه قُدرةً له [765] يُنظر: ((الفتح المبين)) لابن حجر الهيتمي (ص: 282،281)، ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (8/321). .
2- مِنَ المَعقولِ:
أنَّ آلةَ الغَيرِ صارَت كَآلتِه بالإعانةِ، فقُدرَتُه على الفِعلِ حاصِلةٌ بإعانةِ غَيرِه له، فصارَ كَأنَّه قادِرٌ بنَفسِه [766] يُنظر: ((فتح القدير)) لابن الهمام (1/124)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/148)، ((معلمة زايد)) (7/202). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- العاجِزُ عنِ استِعمالِ الماءِ بنَفسِه لو وجَدَ مَن تَلزَمُه طاعَتُه كَولدِه، أو مَن يَستَأجِرُه، وكان له مالٌ، لزِمَه الوُضوءُ [767] يُنظر: ((المهذب)) للشيرازي (1/40)، ((الكافي)) لابن قدامة (1/67)، ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (2/142)، ((الذخيرة)) للقرافي (1/257)، ((عمدة القاري)) للعيني (2/233)، ((درر الحكام)) لملا خسرو (1/29)، ((رد المحتار)) لابن عابدين (2/96). .
2- مَن لا يَقدِرُ على استِقبالِ القِبلةِ بنَفسِه إذا وجَدَ مَن يُحَوِّلُه إلى جِهةِ القِبلةِ وجَبَ قَبولُ مُساعَدَتِه؛ لأنَّ القُدرةَ تَثبُتُ بآلةِ الغَيرِ؛ لأنَّ آلةَ الغَيرِ صارَت كَآلتِه بالإعانةِ [768] يُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/148،147). .

انظر أيضا: