موسوعة القواعد الفقهية

المَطلبُ الثَّالثُ: العَجزُ حُكمًا كالعَجزِ حَقيقةً في أُصولِ الشَّريعةِ


أوَّلًا: صِيغَةُ القاعِدةِ
استُعْمِلَتِ القاعِدةُ بهذِهِ الصِّيغةِ المذكورَة: "العَجزُ حُكمًا كالعَجزِ حَقيقةً في أُصولِ الشَّريعةِ" [769] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (3/174). ، وصيغةِ: "العَجزُ الشَّرعيُّ كالعَجزِ الحِسِّيِّ في الإبطالِ" [770] يُنظر: ((الوسيط)) للغزالي (4/163). ، وصيغةِ: "المَعجوزُ عنه شَرعًا مُطلقًا أو نيابةً، كالمَعجوزِ عنه حِسًّا" [771] يُنظر: ((تدريب المبتدي)) للبلقيني (2/236). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ
مِن شُروطِ التَّكليفِ قُدرةُ المُكَلَّفِ على ما كُلِّف به، فإذا عَجَزَ عن أداءِ التَّكليفِ يَرتَفِعُ عنه، والعَجزُ قد يَكونُ حَقيقةً، وهو ما لا قُدرةَ مَعَه أصلًا [772] يُنظر: ((منح الجليل)) لعليش (9/32). ، وقد يَكونُ حُكمًا، ويُعرَفُ أيضًا بالعَجزِ الشَّرعيِّ، وهو وُجودُ مانِعٍ شَرعيٍّ مِنَ القيامِ بالفِعلِ، وهو كالعَجزِ الحِسِّيِّ في الحُكمِ؛ فما كان المُكَلَّفُ عاجِزًا عنه حُكمًا فيُعتَبَرُ كَما لو عَجَزَ عنه حَقيقةً، فلوِ استَأجَرَ على قَلعِ سِنٍّ صحيحةٍ، أو قَطعِ يَدٍ صحيحةٍ، فالإجارةُ فاسِدةٌ؛ لأنَّه مَعجوزٌ شَرعًا عن تَسليمِه، وتُعتَبَرُ قاعِدةُ المَشَقَّةِ أصلًا لهذه القاعِدةِ، وقاعِدةُ العَجزِ أخَصُّ؛ لأنَّ المَشَقَّةَ أعَمُّ مِنَ العَجزِ، فتَشمَلُ العَجزَ وغَيرَه [773] يُنظر: ((الوسيط)) للغزالي (4/163)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (3/174)، ((روضة الطالبين)) للنووي (5/184)، ((عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة)) للجذامي (3/930)، ((تدريب المبتدي)) للبلقيني (2/236)، ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (3/452)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (2/409)، ((رد المحتار)) لابن عابدين (2/96،95)، ((وبل الغمام)) لعبد الله الطيار (1/136)، ((القواعد والضوابط الفقهية المتعلقة بالعجز)) لياسر الدوسري (ص: 429،428). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ:
فعن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، أنَّ صَفيَّةَ بنتَ حُيَيٍّ زَوجَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حاضَت، فذَكَرَت ذلك لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: ((أحابِسَتُنا هيَ؟ قالوا: إنَّها قد أفاضَت، قال: فلا إذًا)) [774] أخرجه البخاري (1757) واللفظ له، ومسلم (1211). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّها لمَّا حاضَت لم تَتَمَكَّنْ مِنَ الطَّوافِ للمانِعِ الشَّرعيِّ، وهو عَجزٌ حُكميٌّ، فاعتَبَرَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كالمانِعِ الحِسِّيِّ [775] يُنظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (3/ 448)، ((معلمة زايد)) (7/209). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- لوِ استَأجَرَ أحَدٌ امرَأةً حائِضًا لكَنسِ مَسجِدٍ، فالإجارةُ فاسِدةٌ؛ لأنَّها مَمنوعةٌ شَرعًا مِن دُخولِ المَسجِدِ، فهيَ عاجِزةٌ عن ذلك، فالمَنفعةُ مُتَعَذِّرةُ التَّسليمِ شَرعًا [776] يُنظر: ((الوسيط)) للغزالي (4/163)، ((العزيز)) للرافعي (6/99)، ((عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة)) للجذامي (3/930). .
2- بُطلانُ عَقدِ الإجارةِ على فِعلِ جِراحةٍ لتَغييرِ الجِنسِ؛ لأنَّه مَمنوعٌ مِنه شَرعًا، والعَجُزَ الشَّرعيُّ كالعَجزِ الحِسِّيِّ [777] يُنظر: ((أحكام الجراحة الطبية)) لمحمد بن المختار الشنقيطي (ص: 614). .

انظر أيضا: