موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: لا واجِبَ مَعَ العَجزِ


أوَّلًا: صِيغَةُ القاعِدةِ
استُعْمِلَتِ القاعِدةُ بهذِهِ الصِّيغةِ المذكورَة: "لا واجِبَ مَعَ عَجزٍ" [751] يُنظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (3/227). ، وصيغة: "الواجِباتُ تَسقُطُ بالأعذارِ" [752] يُنظر: ((الاصطلام)) للسمعاني (1/188). ، وصيغة: "العَجزُ عنِ الواجِبِ أو عن بَعضِه مُسقِطٌ للمَعجوزِ عنه" [753] يُنظر: ((طرح التثريب)) للعراقي (2/118). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ
اللهُ تعالى لا يُكَلِّفُ العَبدَ إلَّا بما يَدخُلُ تَحتَ وُسعِه وطاقَتِه، فإذا عَجَزَ عنِ الواجِبِ أو عن بَعضِه سَقَطَ المَعجوزُ عنه، إلَّا أنَّ المَعجوزَ عنه إن كان له بَدَلٌ أتى به، كالعَجزِ عنِ القيامِ في الصَّلاةِ مَثَلًا؛ فإنَّه يَنتَقِلُ إلى البَدَلِ، بأن يُصَلِّيَ قاعِدًا أو على جَنبٍ، وإن عَجَز عن أصلِ العِبادةِ فلم يَأتِ بها، كالمَريضِ يَعجِزُ عنِ الصِّيامِ، فإنَّه يَجِبُ القَضاءُ، وإنَّما سَقَطَ عنه المُباشَرةُ حالةَ العَجزِ، وقد يَكونُ الواجِبُ مَنوطًا بالقُدرةِ عليه حالةَ الوُجوبِ فقَط، فإذا عَجَزَ عنه سَقَطَ رَأسًا، كَزَكاةِ الفِطرِ لمَن عَجَز عن قُوتِه وقُوتِ عيالِه يَومَئِذٍ. وأمَّا حُقوقُ الآدَميِّينَ الماليَّةُ فلا تَسقُطُ بالعَجزِ؛ فإنَّها إنَّما تَجِبُ بسَبَبِ التِزامٍ أو إتلافٍ، ولا تَسقُطُ بالعَجزِ أصلًا، وهذه القاعِدةُ أخَصُّ مِن قاعِدةِ المَشَقَّةِ؛ فالمَشَقَّةُ أعَمُّ؛ إذ تَشمَلُ العَجزَ وغَيرَه مِمَّا هو أقَلُّ مِنه [754] يُنظر: ((الاصطلام)) للسمعاني (1/188)، ((شرح التلقين)) للمازري (1/863)، ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (4/358-360)، ((المنثور)) للزركشي (2/60،59)، ((طرح التثريب)) للعراقي (2/118)، ((التحفة الربانية)) لإسماعيل الأنصاري (ص: 26)، ((فتح ذي الجلال والإكرام)) لابن عثيمين (3/90)، ((موسوعة الفقه الإسلامي)) لمحمد التويجري (2/292). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ
دَلَّ على هذه القاعِدةِ القُرآنُ والسُّنَّةُ:
1- مِنَ القُرآنِ:
- قال اللهُ تعالى: لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [الأعراف: 42] .
- وقال اللهُ سُبحانَه: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا [الطلاق: 7] .
- وقال اللهُ عزَّ وجَلَّ: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16] .
وَجهُ الدَّلالةِ مِنَ الآياتِ:
أنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ أخبَرَ أنَّه لا يُكَلِّفُ نَفسًا إلَّا بمِقدارِ ما تَسَعُه طاقَتُها، ولا يَعسُرُ على قُدرَتِها، فعليها في هذه الحالِ أن تَتَّقيَ اللَّهَ بحَسَبِ استِطاعَتِها؛ فدَلَّ على أنَّها إذا عَجَزَت عن بَعضِ الواجِباتِ سَقَطَت عنها [755] يُنظر: ((التفسير البسيط)) للنيسابوري (9/136)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 394)، ((تفسير السعدي)) (ص: 289). .
2- مِنَ السُّنَّةِ:
عن أبي هرَيرةَ رَضيَ اللهُ تعالى عنه، قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّمَ يَقولُ: ((ما نَهَيتُكُم عنه فاجتَنِبوه، وما أمَرتُكُم به فافعَلوا مِنه ما استَطَعتُم؛ فإنَّما أهلَكَ الذينَ مِن قَبلِكُم كَثرةُ مَسائِلِهم واختِلافُهم على أنبيائِهم )) [756] أخرجه مسلم (1337). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الحَديثَ دَلَّ على أنَّ العَجزَ عنِ الواجِبِ أو عن بَعضِه مُسقِطٌ للمَعجوزِ عنه؛ لأنَّ اللَّهَ لا يُكَلِّفُ نَفسًا إلَّا وُسعَها [757] يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (9/102)، ((شرح الأربعين النووية)) لابن دقيق العيد (ص: 57)، ((التحفة الربانية)) لإسماعيل الأنصاري (ص: 26). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- لو تَوحَّشَ حَيَوانٌ أهليٌّ أو نَدَّ بَعيرٌ أو تَرَدَّى في بئرٍ فلم يُقدَرْ على ذَكاتِه في حَلقِه، فذَكاتُه حَيثُ يُصابُ مِن بَدَنِه؛ لأنَّه تَحَقَّقَ العَجزُ عنِ الذَّكاةِ الاختياريَّةِ، فيُصارُ إلى البَدَلِ [758] يُنظر: ((مختصر الخرقي)) (ص: 144)، ((المهذب)) للشيرازي (1/464)، ((المغني)) لابن قدامة (9/389)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/194). خلافًا لمالِكٍ؛ فعندَه لا يجوزُ أكلُه إلا أن يُذَكَّى. يُنظر: ((البيان والتحصيل)) لابن رشد (2/574)، ((الذخيرة)) للقرافي (4/177). .
2- مَن كان بَينَه وبَينَ مَكَّةَ بَحرٌ زاخِرٌ ولا سَفينةَ ثَمَّ، أو وُجِدَ عَدوٌّ يحولُ بَينَه وبَينَ الوُصولِ إلى البَيتِ، فلا يَجِبُ عليه الحَجُّ [759] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/122). .

انظر أيضا: