موسوعة القواعد الفقهية

المَطلبُ السَّادِسُ: الاضطِرارُ لا يُبطِلُ حَقَّ الغَيرِ


أوَّلًا: صِيغَةُ القاعِدةِ
استُعْمِلَتِ القاعِدةُ بهذِهِ الصِّيغةِ المذكورَة: "الاضطِرارُ لا يُبطِلُ حَقَّ الغَيرِ" [792] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/249)، ((درر الحكام)) لملا خسرو (1/383)، ((النهر الفائق)) لابن نجيم (2/411)، ((رد المحتار)) لابن عابدين (3/391). ، وصيغةِ: "الضَّرورةُ إلى مالِ الغَيرِ لا تُسقِطُ الضَّمانَ" [793] يُنظر: ((مختصر اختلاف العلماء)) للطحاوي (5/211)، ((الاستذكار)) لابن عبد البر (7/213). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ
إذا نَزَلت بالإنسانِ ضَرورةٌ أُبيحَ له ارتِكابُ المَحظورِ مِن أجلِ دَفعِ الضَّرورةِ مُراعاةً لحالِه ورَفعًا للحَرَجِ عنه، فإذا تَعَلَّقَ المَحظورُ بحَقِّ غَيرِه فإنَّ حالةَ الضَّرورةِ التي نَزَلت به لا تُبطِلُ حَقَّ الغَيرِ، بَل تَأذَنُ له في الفِعلِ مِن أجلِ الضَّرورةِ، ويَلزَمُه الضَّمانُ مُراعاةً لحَقِّ الغَيرِ، فمَن أتلف مالًا لغَيرِه مِن أجلِ دَفعِ أذًى عن نَفسِه فإنَّه يَضمَنُه، وهذه القاعِدةُ مُكمِلةٌ لقاعِدةِ: الضَّروراتُ تُبيحُ المَحظوراتِ [794] يُنظر: ((مختصر اختلاف العلماء)) للطحاوي (3/404)، ((الفروق)) للقرافي (1/196،195)، ((القواعد)) لابن رجب (ص: 36)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/249)، ((درر الحكام)) لملا خسرو (1/383)، ((النهر الفائق)) لابن نجيم (2/411)، ((رد المحتار)) لابن عابدين (3/391). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ
دَلَّ على هذه القاعِدةِ السُّنَّةُ، ومِنْ ذلكَ:
1- عن أبي حُمَيدٍ السَّاعِديِّ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا يَحِلُّ لامرِئٍ أن يَأخُذَ عَصا أخيه بغَيرِ طِيبِ نَفسٍ مِنهـ))، قال ذلك لشِدَّةِ ما حَرَّمَ اللهُ مِن مالِ المُسلمِ على المُسلمِ [795] أخرجه أحمد (23605)، والبزار (3717)، وابن حبان (5978) واللفظ له. صحَّحه ابنُ حبان، والألباني في ((صحيح الترغيب)) (1871)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (23605)، وحسَّن إسنادَه البزَّارُ، وقال: ورُوِيَ من وجوهٍ بغيرِ هذا اللفظِ. .
2- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((كُلُّ المُسلمِ على المُسلمِ حَرامٌ؛ دَمُه، ومالُه، وعِرضُه )) [796] أخرجه مسلم (2564). .
وَجهُ الدَّلالةِ مِنَ الحَديثَينِ:
دَلَّ الحَديثانِ على أنَّ مالَ المُسلمِ لا يَحِلُّ إلَّا برِضاه وطِيبِ نَفسِه؛ فأكلُه بغَيرِ رِضًا يوجِبُ الإثمَ والضَّمانَ، فإذا ارتَفعَ الإثمُ لأجلِ الضَّرورةِ بَقيَ الضَّمانُ حِفاظًا على الحُقوقِ [797] يُنظر: ((سبل السلام)) للصنعاني (2/86)، ((نيل الأوطار)) (5/379)، ((معلمة زايد)) (7/527). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- لوِ اضطُرَّ إنسانٌ مِن شِدَّةِ الجوعِ الذي يخافُ مَعَه الهَلاكَ إلى أكلِ طَعامِ الآخَرِ، فأكَله، فإنَّه يَضمَنُ قيمَتَه؛ لأنَّ إذنَ المالِكِ لم يوجَدْ، وإنَّما وُجِدَ إذنُ صاحِبِ الشَّرعِ، وهو لا يوجِبُ سُقوطَ الضَّمانِ، وإنَّما يَنفي الإثمَ والمُؤاخَذةَ بالعِقابِ [798] يُنظر: ((الفروق)) للقرافي (1/196)، ((مجلة الأحكام العدلية)) (ص: 20). .
2- لو أشرَفتِ السَّفينةُ على الغَرَقِ فألقى مَتاعَ غَيرِه ليُخَفِّفَها، ضَمِنَه [799] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (ص: 36)، ((غمز عيون البصائر)) للحموي (3/195). .

انظر أيضا: