موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ الثَّالِثَ عَشَرَ: الوِراثةُ نَوعُ وِلايةٍ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الوِراثةُ نَوعُ وِلايةٍ" [6780] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (4/220). ، وصيغةِ: "الوِراثةُ وِلايةٌ" [6781] يُنظر: ((الكافي)) للسغناقي (5/2206). ، وصيغةِ: "ثُبوتُ الإرثِ مِن بابِ الوِلايةِ" [6782] يُنظر: ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (4/269). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
اشتَهَرَ استِعمالُ هذه القاعِدةِ عِندَ الحَنَفيَّةِ، وهيَ تُفيدُ أنَّ ثُبوتَ الإرثِ مِن بابِ الوِلايةِ؛ لأنَّ الوِراثةَ خِلافةٌ؛ حَيثُ إنَّها خِلافةٌ في التَّصَرُّفاتِ، فالوارِثُ يَخلُفُ الموَرِّثَ مِلكًا وتَصَرُّفًا، حَتَّى إنَّ ما يَقطَعُ الوِلايةَ كاختِلافِ الدِّينِ يَمنَعُ التَّوارُثَ. ولا يَلزَمُ عليه وِراثةُ الصَّبيِّ وإن لَم يَكُنْ مِن أهلِ الوِلايةِ؛ لأنَّه عُدِمَ في حَقِّ الصَّبيِّ أهليَّةُ مُباشَرةِ التَّصَرُّفِ، ولَم يَنعَدِمْ أهليَّةُ المِلكِ، والوِراثةُ خِلافةُ المِلكِ، والوليُّ يَقومُ مُقامَه في التَّصَرُّفِ، وكَذا المِلكُ وِلايةٌ؛ لأنَّه استيلاءٌ على المَحَلِّ شَرعًا. ولِلوِراثةِ أسبابٌ: الفَريضةُ والعُصوبةُ والقَرابةُ، ولَكِنَّ أقوى الأسبابِ هيَ: العُصوبةُ؛ لأنَّ الإرثَ بها مُتَّفَقٌ عليه، ويُستَحَقُّ بها جَميعُ المالِ، فلِهذا رُتِّبَتِ الوِلايةُ على أقوى أسبابِ الإرثِ، وهو العُصوبةُ [6783] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (4/220)، ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (4/269). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقُرآنِ الكَريمِ:
قال اللهُ تَعالى حِكايةً عَن زَكَريَّا عليه السَّلامُ: وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فهَبْ لي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا [مريم: 5-6] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
تَدُلُّ الآيةُ على أنَّ الوِراثةَ وِلايةٌ؛ حَيثُ جَعَلَ الوِراثةَ تَفسيرًا للوِلايةِ، والوصفُ المُفَسِّرُ عَينُ المُفَسَّرِ، وإلَّا لا يَكونُ مُفَسِّرًا له، والمُفَسَّرُ وِلايةٌ فكان المُفَسِّرُ وِلايةً، فكانتِ الوِراثةُ وِلايةً بهذا التَّقريرِ [6784] يُنظر: ((الكافي)) للسغناقي (5/2206). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- المَجنونُ يَرِثُ ويَملِكُ، وذلك وِلايةٌ، وثُبوتُ الإرثِ والمِلكِ لا يَكونُ بدونِ الذِّمَّةِ والوِلايةِ [6785] يُنظر: ((الكافي)) للسغناقي (5/2207)، ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (4/269). .
2- يَلزَمُ الوارِثَ أن يُؤَدِّيَ مِن مالِ المَيِّتِ دُيونَه، ويُنَفِّذَ وصاياه. فهو في ذلك قائِمٌ مَقامَ المَيِّتِ في ذلك. وهذا نَوعٌ مِنَ الوِلايةِ [6786] يُنظر: ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (12/197). .
3- لا يُجبَرُ المُسلِمُ على نَفَقةِ الكُفَّارِ مِن قَرابَتِه، ولا الكُفَّارُ على نَفَقةِ المُسلِمينَ مِن قَرابَتِهم؛ لأنَّ هذا الاستِحقاقَ بعِلَّةِ وِلايةِ الوِراثةِ شَرعًا، وبِسَبَبِ اختِلافِ الدِّينِ يَنعَدِمُ التَّوارُثُ، إلَّا الوالِدَينِ والولَدَ والزَّوجةَ، أمَّا استِحقاقُ الزَّوجةِ للنَّفَقةِ بسَبَبِ العَقدِ، وذلك مُتَحَقِّقٌ مَعَ اختِلافِ الدِّينِ، أمَّا في حَقِّ الوالِدَينِ والولَدِ فيَجِبُ على الولَدِ المُسلِمِ نَفَقةُ أبَويه الذِّمِّيَّينِ؛ لقَولِ اللهِ تعالى: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان: 15] ، والأجدادُ والجَدَّاتُ مِن قِبَلِ الأبِ والأُمِّ بمَنزِلةِ الأبَوينِ في ذلك؛ لأنَّ استِحقاقَهم بمَنزِلةِ استِحقاقِ الأبَوينِ [6787] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (5/226). .

انظر أيضا: