موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ الثَّاني عَشَرَ: الوِلايةُ لا تَتَجَزَّأُ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الوِلايةُ لا تَتَجَزَّأُ" [6768] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/251)، ((تقويم النظر)) لابن الدهان (3/249)، ((تخريج الفروع على الأصول)) للزنجاني (ص: 234)، ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/105). ، وصيغةِ: "الوِلايةُ لا تَحتَمِلُ التَّجَزُّؤَ" [6769] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (15/42)، ((درر الحكام)) لملا خسرو (2/448)، ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (2/721). ، وصيغةِ: "الوِلايةُ بسَبَبِ الوِصايةِ لا تَحتَمِلُ التَّجَزُّؤَ" [6770] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (28/34). ، وصيغةِ: "الوِلايةُ لا تَتَبَعَّضُ" [6771] يُنظر: ((روضة القضاة)) لابن السمناني (2/701)، ((المغني)) لابن قدامة (8/551)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (17/472). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
اشتَهَرَ استِعمالُ هذه القاعِدةِ عِندَ الحَنَفيَّةِ، وهيَ تُفيدُ أنَّ الوِلايةَ لا تَتَبَعَّضُ، فمَن وُلِّيَ تَصَرُّفًا مَلَكَ الوِلايةَ كامِلةً في كُلِّ أنواعِ التَّصَرُّفاتِ؛ لأنَّ ما لا يَتَجَزَّأُ فإثباتُ بَعضِه إثباتُ كُلِّه، فالتَّصَرُّفُ بحُكمِ الوِلايةِ لا يَختَصُّ تَصَرُّفُه بنَوعٍ، كَوليِّ عَهدِ الإمامِ والقاضي عِندَ عَدَمِ الأبِ، وكَوِلايةِ القَرابةِ؛ لأنَّها ثَبَتَت بسَبَبٍ لا يَتَجَزَّأُ، وهو القَرابةُ، وما لا يَتَجَزَّأُ إذا ثَبَتَ بجَماعةِ سَبَبٍ لا يَتَجَزَّأُ، يَثبُتُ لكُلِّ واحِدٍ مِنهم على الكَمالِ، كَأنَّه ليس مَعَه غَيرُه، كَوِلايةِ الأمانِ [6772] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/251)، ((تقويم النظر)) لابن الدهان (3/249)، ((تخريج الفروع على الأصول)) للزنجاني (ص: 234)، ((درر الحكام)) لملا خسرو (2/448)، ((أحكام الأحوال الشخصية)) لخلاف (ص: 247). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ، والقواعِدِ:
1- مِنَ السُّنَّةِ:
عَن سَمُرةَ بنِ جُندُبٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أيُّما امرَأةٍ زَوَّجَها وليَّانِ فهيَ للأوَّلِ منهما )) [6773] أخرجه أبو داود (2088)، والترمذي (1110)، والنسائي (4682). صحَّحه أبو زرعة الرازي وأبو حاتم الرازي كما في ((البدر المنير)) لابن الملقن (7/590)، والحاكم على شرط البخاري في ((المستدرك)) (2288)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (7/140)، وحسَّنه الترمذيُّ. ، وفي رِوايةٍ: ((إذا أنكَحَ الوليَّانِ فالأوَّلُ أحَقُّ)) [6774] أخرجها الطبراني (7/222) (6924)، والبيهقي (13920). جودها ابن الملقن في ((البدر المنير)) (7/589)، وقال البيهقيُّ: لها متابعةٌ. .
وَجهُ الدَّلالةِ:
يَدُلُّ الحَديثُ على أنَّه إذا كان للمَرأةِ وليَّانِ، فزَوَّجَها كُلُّ واحِدٍ مِنهما رَجُلًا على حِدةٍ، جازَ الأوَّلُ، ولَم يَجُزِ الآخَرُ إذا عُلِمَ الأسبَقُ مِنهما؛ لأنَّه لا سَبيلَ إلى الجَمعِ بَينَهما؛ لأنَّه لَو جازَ لَجازَ بالتَّجزيءِ، ولا يَجوزُ العَمَلُ بالتَّجزيءِ في الفُروجِ؛ إذِ الوِلايةُ لا تَتَجَزَّأُ؛ لأنَّها ثَبَتَت بسَبَبٍ لا يَتَجَزَّأُ، وهو القَرابةُ [6775] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/251)، ((بذل المجهود)) للسهارنفوري (7/668). .
2- مِنَ القواعِدِ:
بَنى الفُقَهاءُ هذه القاعِدةَ على قاعِدةِ: (ما لا يَقبَلُ التَّبعيضَ يَكونُ اختيارُ بَعضِه كاختيارِ كُلِّه، وإسقاطُ بَعضِه كَإسقاطِ كُلِّهـ) [6776] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/105). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تحتَ هذه القاعِدةِ بعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- الموصى له في نَوعٍ مِنَ التَّصَرُّفِ يَصيرُ وصيًّا مُطلَقًا عِندَ أبي حَنيفةَ، فإذا خَصَّصَ الأبُ الوصيَّ الذي اختارَه بنَوعٍ خاصٍّ مِنَ التَّصَرُّفاتِ، كَأنِ اختارَه ليَكونَ وصيًّا في زِراعةِ أطيانِه، أو إجارةِ عَقاراتِه، أو تَحصيلِ دُيونِه، فقال أبو حَنيفةَ: لا يَقبَلُ الوصيُّ المُختارُ التَّخصيصَ، بَل يَكونُ وصيًّا عامًّا؛ لأنَّ الوصيَّةَ وِلايةٌ، والوِلايةَ لا تَتَجَزَّأُ، وما لا يَتَجَزَّأُ فإثباتُ بَعضِه إثباتُ كُلِّه، فمَن وُلِّيَ تَصَرُّفًا مَلَكَ الوِلايةَ كامِلةً في كُلِّ أنواعِ التَّصَرُّفاتِ، والموصي رَضيَ برَأيِ هذا الموصى في بَعضِ التَّصَرُّفاتِ، فيَكونُ أولى مِمَّن لَم يَرضَ برَأيِه في تَصَرُّفٍ ما، فتَكونُ وِلايَتُه عامَّةً [6777] يُنظر: ((تخريج الفروع على الأصول)) للزنجاني (ص: 234)، ((أحكام الأحوال الشخصية)) لخلاف (ص: 247). ويُنظر أيضًا: ((المبسوط)) للسرخسي (15/42) و(28/34)، ((درر الحكام)) لملا خسرو (2/448). .
2- إذا أوصى إلى رَجُلَينِ، فماتَ أحَدُهما، جَعَلَ القاضي مَكانَه وصيًّا آخَرَ، وأحَدُ الوصيَّينِ يَنفَرِدُ بالتَّصَرُّفِ عِندَ أبي يوسُفَ مِنَ الحَنَفيَّةِ، فيَنفَرِدُ كُلُّ واحِدٍ مِنهما بالتَّصَرُّفِ؛ لأنَّ الوصايا تُثبِتُ الوِلايةَ للوصيِّ في التَّصَرُّفِ، وكُلُّ واحِدٍ مِنَ الوليَّينِ يَتَصَرَّفُ بانفِرادِه كَأنَّه ليس مَعَه غَيرُه، كالأخَوينِ في النِّكاحِ والأبَوينِ، وهذا لأنَّ الوِلايةَ لا تَحتَمِلُ التَّجَزُّؤَ، وبِتَكامُلِ السَّبَبِ في حَقِّ كُلِّ واحِدٍ مِنهما بانفِرادِه يَثبُتُ الحُكمُ [6778] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (28/21). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استثناءٌ:
يُستَثنى مِنَ القاعِدةِ بَعضُ الصُّورِ، مِنها: وِلايةُ المِلكِ، فإنَّها تَتَجَزَّأُ؛ لأنَّ سَبَبَها المِلكُ، وهو مُتَجَزِّئٌ، فيَتَقدَّرُ بقدرِ المِلكِ [6779] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/251)، ((بذل المجهود)) للسهارنفوري (7/668). .

انظر أيضا: