موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ الحادي عَشَرَ: الوِلايةُ الجَعليَّةُ لا تَعودُ إلَّا بوِلايةٍ جَديدةٍ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الوِلايةُ الجَعليَّةُ لا تَعودُ إلَّا بوِلايةٍ جَديدةٍ" [6757] يُنظر: ((نهاية المحتاج)) للرملي (4/356). ، وصيغةِ: "كُلُّ مَن له الوِلايةُ إذا انعَزَلَ لَم تَعُدْ وِلايَتُه إلَّا بتَوليَتِه ثانيًا" [6758] يُنظر: ((نهاية الزين)) للجاوي (ص: 368). ، وصيغةِ: "لا تَعودُ الوِلايةُ بعَودِ الأهليَّةِ بَعدَ زَوالِها، إلَّا في الأبِ والجَدِّ والحاضِنةِ والنَّاظِرِ بشَرطِ الواقِفِ" [6759] يُنظر: ((حاشية قليوبي)) (4/300). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
الوِلايةُ إمَّا أصليَّةٌ، وإمَّا جَعليَّةٌ:
فالوِلايةُ الأصليَّةُ: هيَ الوِلايةُ الشَّرعيَّةُ، كَوِلايةِ الأبِ والجَدِّ.
والوِلايةُ الجَعليَّةُ: هيَ الوِلايةُ بالتَّفويضِ، كَوِلايةِ القاضي والوصيِّ.
وقدِ اشتَهَرَ استِعمالُ هذه القاعِدةِ عِندَ الشَّافِعيَّةِ، وهيَ تُفيدُ أنَّ الوِلايةَ الجَعليَّةَ، كَوِلايةِ القَضاءِ والإمامةِ والخِطابةِ ونَحوِها، إذا ارتَفَعَت وزالَت بالجُنونِ أوِ الفِسقِ أو نَحوِهما، فإنَّها لا تَعودُ إلَّا بتَوليةٍ جَديدةٍ مِنَ الإمامِ؛ لأنَّها وِلايةٌ بالتَّفويضِ، كالوكالةِ، ولِأنَّ ما بَطَلَ لا يَعودُ إلَّا بتَجديدِ عَقدِه. بخِلافِ الأصيلِ؛ فإنَّه تَعودُ وِلايَتُه وإنِ انعَزَلَ؛ لأنَّه يَلي بلا تَفويضٍ، وإنَّما يَلي بالوِلايةِ الشَّرعيَّةِ، كالأبِ إذا جُنَّ ثُمَّ أفاقَ، أو فسَقَ ثُمَّ تابَ؛ لأنَّ الوِلايةَ الشَّرعيَّةَ أقوى، فيُكتَفى فيها بما لا يُكتَفى به في الجَعليَّةِ [6760] يُنظر: ((بداية المحتاج)) لابن قاضي شهبة (4/445)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (10/121)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (4/119)، ((حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج)) للرملي (4/356)، ((حاشية الشرواني على تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (5/302). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بقاعِدةِ البُطلانِ في العُقودِ، وهيَ: (ما بَطَلَ لا يَعودُ إلَّا بتَجديدِ عَقدِهـ) [6761] يُنظر: ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (10/121)، ((إعانة الطالبين)) للدمياطي (4/256). .
فالوِلايةُ الجَعليَّةُ إنَّما تَكونُ بالنِّيابةِ والتَّفويضِ، فإذا بَطَلَت فلا تَعودُ إلَّا بعَقدٍ جَديدٍ بتَوليةٍ مِنَ الإمامِ.
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تحتَ هذه القاعِدةِ بعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- وِلايةُ القَضاءِ إذا ارتَفَعَت، فلا تَعودُ إلَّا بوِلايةٍ جَديدةٍ، فإذا جُنَّ قاضٍ، أو عَميَ، أو ذَهَبَت أهليَّةُ اجتِهادِه وضَبطِه بغَفلةٍ أو نِسيانٍ: لَم يَنفُذْ حُكمُه؛ لانعِزالِه بذلك؛ لأنَّ هذه الأُمورَ تَمنَعُ وِلايةَ الأبِ، فالحاكِمُ أولى، وفي مَعنى العَمى: الخَرَسُ. ومِنَ المَوانِعِ: الفِسقُ؛ لوُجودِ المُنافي، فإن زالَت هذه الأحوالُ لَم تَعُدْ وِلايَتُه السَّابِقةُ إلَّا بالاستِئنافِ؛ لأنَّها زالَت فلا تَعودُ إلَّا بوِلايةٍ جَديدةٍ، كالوكالةِ [6762] يُنظر: ((بداية المحتاج)) لابن قاضي شهبة (4/445)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (3/132)، ((تحرير الفتاوى)) لابن العراقي (2/34). .
2- إذا فسَقَ الوليُّ -وصيًّا كان أو غَيرَه- بتَعَدٍّ في المالِ أو بسَبَبٍ آخَرَ، انعَزَلَ؛ لزَوالِ الأهليَّةِ، وبِالتَّوبةِ مِنَ الفِسقِ تَعودُ وِلايةُ الأبِ والجَدِّ، لا وِلايةُ غَيرِهما؛ لأنَّ وِلايَتَهما شَرعيَّةٌ، وِوِلايةُ غَيرِهما مُستَفادةٌ مِنَ التَّفويضِ، فإذا ارتَفَعَت لَم تَعُدْ إلَّا بوِلايةٍ جَديدةٍ [6763] يُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (3/68). .
3- إذا تَغَيَّرَ حالُ الوصيِّ بَعدَ مَوتِ الموصي، نُظِرَ: إن فسَقَ انعَزَلَ، وكَذلك القَيِّمُ على أموالِ اليَتامى، وإذا تابَ لا تَعودُ وِلايَتُه إلَّا بتَوليةٍ جَديدةٍ، وإذا جُنَّ أو أُغميَ عليه فالإمامُ يُقيمُ غَيرَه مُقامَه [6764] يُنظر: ((التهذيب)) للبغوي (5/107). .
4- الوكيلُ إذا عَزَلَ نَفسَه، أوِ انعَزَلَ بالجُنونِ والإغماءِ، يَنعَزِلُ، فإذا زالَت هذه الأحوالُ لَم تَعُدْ وِلايَتُه إلَّا بتَوليةٍ جَديدةٍ؛ لأنَّه يَتَولَّى بالتَّفويضِ [6765] يُنظر: ((التهذيب)) للبغوي (5/108)، ((فتح المعين)) للمعبري (ص: 617). .
5- أصحابُ الوظائِفِ الحُكوميَّةِ في الدَّولةِ إنَّما يَتَصَرَّفونَ فيها بالنِّيابةِ عَن صاحِبِ الدَّولةِ في ضَبطِ ما يَتَعَلَّقُ مِنَ المَصالِحِ، فلَيسَ لَهم يَدٌ حَقيقةً على شَيءٍ يَنزِلونَ عَنه، بَل مَتى عَزَلوا أنفُسَهم -بالاستِقالةِ عَن أعمالِهم- انعَزَلوا، وليس لَهمُ العَودُ إلَّا بتَوليةٍ جَديدةٍ مِمَّن له الوِلايةُ [6766] يُنظر: ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (6/381)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (5/481)، ((حاشية الجمل على شرح المنهج)) (3/628). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استثناءاتٌ:
يُستَثنى مِنَ القاعِدةِ بَعضُ الصُّورِ، كالنَّاظِرِ بشَرطِ الواقِفِ، والحاضِنةِ، والأبِ والجَدِّ؛ فتَعودُ إلَيهمُ الوِلايةُ بنَفسِ الإفاقةِ مِن غَيرِ تَوليةٍ جَديدةٍ، وأُلحِقَ بهمُ الأُمُّ إذا كانت وصيَّةً.
فلَو زالَت أهليَّةُ النَّاظِرِ على الوقفِ ثُمَّ عادَت، فإن كان نَظَرُه مَشروطًا في أصلِ الوقفِ عادَت وِلايَتُه جَزمًا؛ لقوَّتِه، إذ ليس لأحَدٍ عَزلُه، وإلَّا فلا يَعودُ إلَّا بتَوليةٍ جَديدةٍ.
والأبُ أوِ الجَدُّ إذا فسَقَ يُنزَعُ مالُ الطِّفلِ مِن يَدِه، فإذا ماتَ أو جُنَّ فأفاقَ فهو على وِلايَتِه؛ لأنَّ وِلايَتَه شَرعيَّةٌ، والإمامُ الأعظَمُ لا يَنعَزِلُ بالفِسقِ؛ لأنَّ تَوليةَ الفاسِقِ تَجوزُ ابتِداءً، ولَو جُنَّ أو أُغميَ عليه ثُمَّ أفاقَ فهو على وِلايَتِه [6767] يُنظر: ((التهذيب)) للبغوي (5/108)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (3/68)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (6/271)، ((حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج)) للرملي (4/357)، ((حاشية البجيرمي على الخطيب)) (3/352). .

انظر أيضا: