المَطلَبُ الثَّالِثُ: كُلُّ مُتَصَرِّفٍ عَنِ الغَيرِ فعليه أن يَتَصَرَّفَ بالمَصلَحةِ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "كُلُّ مُتَصَرِّفٍ عَنِ الغَيرِ فعليه أن يَتَصَرَّفَ بالمَصلَحةِ"
[6653] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/310)، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (1/471). ، وصيغةِ: "المُتَصَرِّفُ عَنِ الغَيرِ شَرطُه أن يَتَصَرَّفَ بالمَصلَحةِ"
[6654] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 49). ، وصيغةِ: "المُتَولِّي على الغَيرِ يَجِبُ عليه أن يَتَصَرَّفَ بالمَصلَحةِ"
[6655] يُنظر: ((القواعد)) للحصني (4/12). ، وصيغةِ: "مَن تَصَرَّفَ لغَيرِه فإنَّه يَقصِدُ مَصلَحةَ مَن تَصَرَّفَ له لا يَقصِدُ هَواه"
[6656] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (32/53). ، وصيغةِ: "مَن تَصَرَّفَ لغَيرِه لَزِمَه الاحتياطُ"
[6657] يُنظر: ((روضة الطالبين)) للنووي (4/142). ، وصيغةِ: "كُلُّ مَن نابَ عَن غَيرِه فلا يَمضي مِن فِعلِه إلَّا ما كان سَدادًا"
[6658] يُنظر: ((الإتقان والإحكام)) لميارة (2/62). ، وصيغةِ: "النَّائِبُ لا يَجوزُ له التَّصَرُّفُ إلَّا على وَجهِ الحَظِّ والاحتياطِ"
[6659] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (7/147)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (14/78). ، وصيغةِ: "القَريبُ بالتَّصَرُّفِ يَنظُرُ للمَولَّى عليه لا لنَفسِه"
[6660] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (4/215). ، وصيغةِ: "التَّصَرُّفُ على الرَّعيَّةِ مَنوطٌ بالمَصلَحةِ"
[6661] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلي حيدر (2/288)، ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص: 309). ويُنظر أيضًا: ((المنثور)) للزركشي (1/309). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.تُفيدُ القاعِدةُ أنَّه يَجِبُ على كُلِّ مُتَصَرِّفٍ عَنِ الغَيرِ أن يَتَصَرَّفَ بالمَصلَحةِ، فكُلُّ مَن يَلي أمرَ غَيرِه بالتَّصَرُّفِ فمِن شَرطِه أن يَتَصَرَّفَ بالمَصلَحةِ، ولا يَجوزُ له أن يَتَصَرَّفَ بما فيه مَفسَدةٌ، فإذا استَوتِ المَصلَحةُ والمَفسَدةُ لَم يَتَصَرَّفْ. والمُرادُ بالمَصلَحةِ هنا: مَصلَحةُ المَولى عليه، فيَجِبُ على الوليِّ أن يَتَصَرَّفَ بما فيه مَصلَحةُ المَولى عليه، لا مَصلَحةُ نَفسِه، فقد أوجَبَ اللهُ على أولياءِ النِّساءِ أن يَنظُروا في مَصلَحةِ المَرأةِ لا في أهوائِهم؛ فإنَّ هذا مِنَ الأمانةِ التي أمَرَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ أن تُؤَدَّى إلى أهلِها
[6662] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (4/215)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (32/53)، ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/310)، ((القواعد)) للحصني (4/12)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 49)، ((الفتاوى الفقهية الكبرى)) لابن حجر الهيتمي (3/336)، ((فتح ذي الجلال والإكرام)) لابن عثيمين (5/226). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقُرآنِ الكَريمِ، والسُّنَّةِ:
1- مِنَ القُرآنِ:- قال اللهُ تعالى:
وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ [الأنعام: 152] .
وَجهُ الدَّلالةِ:قَولُ اللهِ تعالى:
إِلَّا بالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ يَدُلُّ على أنَّه يَجِبُ على كُلِّ مُتَصَرِّفٍ عَنِ الغَيرِ أن يَتَصَرَّفَ بالمَصلَحةِ، وما هو الأحسَنُ له، فإن كان في شَيءٍ مَصلَحةٌ ومَفسَدةٌ واستَويا لَم يَتَصَرَّفْ؛ لأنَّه عِندَ استِواءِ المَصلَحةِ والمَفسَدةِ لَم توجَدِ الأحسَنيَّةُ، فامتَنَعَ القِربانُ
[6663] يُنظر: ((الفتاوى الفقهية الكبرى)) لابن حجر الهيتمي (3/336). .
- وقال اللهُ تعالى:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بالْعَدْلِ [النساء: 58] .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ التَّصَرُّفَ للغَيرِ يُعَدُّ مِنَ الأمانةِ التي أمَرَ اللهُ أن تُؤَدَّى إلى أهلِها، وقد أوجَبَ اللهُ على سائِرِ الأولياءِ والوُكَلاءِ أن يَنظُروا في مَصلَحةِ المَولى عليه لا في أهوائِهم
[6664] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (32/53). .
2- مِنَ السُّنَّةِ:عَن مَعقِلِ بنِ يَسارٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سَمِعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ:
((ما مِن عَبدٍ استَرعاه اللهُ رَعيَّةً، فلَم يُحِطْها بنَصيحةٍ، إلَّا لَم يَجِدْ رائِحةَ الجَنَّةِ )) [6665] أخرجه البخاري (7150) واللفظ له، ومسلم (142). .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ الحَديثَ يُنذِرُ الخائِنَ مِنَ الوُلاةِ شَرًّا. ولا شَكَّ أنَّ القَواعِدَ الشَّرعيَّةَ تُحمَلُ على جَلبِ المَصالِحِ ودَرءِ المَفاسِدِ، فلا يَجوزُ لوالٍ أو وصيٍّ أو قاضٍ أو إمامٍ أن يَعمَلَ في رَعيَّتِه إلَّا بما تَقتَضيه المَصلَحةُ مِن جَلبِ مَنفَعةٍ، أو دَفعِ مَفسَدةٍ
[6666] يُنظر: ((فقه النوازل)) لمحمد يسري (1/620). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.تَندَرِجُ تحتَ هذه القاعِدةِ بعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- إذا أوصى الشَّخصُ لمَن يَحُجُّ عَنه وعَيَّنَ أجرةً، فيَجِبُ على الوصيِّ أن لا يَستَأجِرَ إلَّا عَدلًا؛ لأنَّه مُتَصَرِّفٌ عَنِ الغَيرِ، وكُلُّ مُتَصَرِّفٍ عَنِ الغَيرِ يَلزَمُه الاحتياطُ، وغَيرُ الثِّقةِ لا يوثَقُ مِنه بأن يَحُجَّ عَنِ المَيِّتِ وإن شوهدَ؛ لأنَّ المَدارَ على النِّيَّةِ، وهيَ أمرٌ قَلبيٌّ لا اطِّلاعَ لأحَدٍ عليها
[6667] يُنظر: ((الفتاوى الفقهية الكبرى)) لابن حجر الهيتمي (2/94). .
2- يَجِبُ على الوكيلِ أن يَتَصَرَّفَ بالمَصلَحةِ للموكِّلِ، فلا يَجوزُ له أن يَشتَريَ المَعيبَ، ولا أن يَتَصَرَّفَ بالغَبنِ الفاحِشِ، ولا بالنَّسيئةِ إلَّا بإذنِ المالِكِ
[6668] يُنظر: ((الغرر البهية)) لزكريا الأنصاري (3/286)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (4/360). .
3- الوكيلُ والوليُّ وناظِرُ الوقفِ والوصيُّ ووليُّ الأمرِ مِن قاضٍ أو غَيرِه: إذا خُيِّرَ بَينَ شَيئَينِ فتَخييرُه تَخييرُ مَصلَحةٍ، فيَجِبُ عليه اختيارُ الأصلَحِ للمَولى عليه؛ لأنَّ كُلَّ مَن تَصَرَّفَ لغَيرِه وخُيِّرَ فهو تَخييرُ مَصلَحةٍ
[6669] يُنظر: ((فتح ذي الجلال والإكرام)) لابن عثيمين (5/226). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.فائدةٌ:مَن تَصَرَّفَ لغَيرِه بوِلايةٍ أو وكالةٍ، ففاتَتِ المَصلَحةُ مَعَ اجتِهادِه، وعَدَمِ تَفريطِه في تَصَرُّفِه، فلا ضَمانَ عليه
[6670] يُنظر: ((المعاملات المالية المعاصرة)) للدبيان (14/459). .