موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ الحادي والثَّلاثونَ: المَيسورُ لا يَسقُطُ بالمَعسورِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "المَيسورُ لا يَسقُطُ بالمَعسورِ" [6497] يُنظر: ((الوسيط)) للغزالي (2/505)، ((العزيز)) للرافعي (1/111)، ((شرح المعالم)) لابن التلمساني (1/369)، ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/155)، ((المنثور)) للزركشي (3/198)، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (1/174)، ((النجم الوهاج)) للدميري (2/100)، ((القواعد)) للحصني (2/48)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 159). ، وصيغةِ: "المَقدورُ عليه لا يَسقُطُ بسُقوطِ المَعجوزِ عنه" [6498] قال أبو المعالي الجُوَيْنِيُّ: (إنَّ مِنَ الأُصولِ الشَّائِعةِ التي لا تَكادُ تُنسى ما أُقيمَت أُصولُ الشَّريعةِ: أنَّ المَقدورَ عَلَيه لا يَسقُطُ بسُقوطِ المَعجوزِ عنهـ). ((غياث الأمم)) (ص: 469). ، وصيغةِ: "مَن عَجَزَ عَن بَعضِ الأُمورِ لا يَسقُطُ عَنه المَقدورُ" [6499] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (13/262). ، وصيغةِ: "مَن كُلِّفَ بشَيءٍ مِنَ الطَّاعاتِ فقدَرَ على بَعضِه وعَجَزَ عَن بَعضِه فإنَّه يَأتي بما قدَرَ عليه ويَسقُطُ عَنه ما عَجَزَ عنه" [6500] يُنظر: ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (2/7). ، وصيغةِ: "تَعَذُّرُ الإتيانِ بالبَعضِ لا يَمنَعُ الإتيانَ بما بَقيَ" [6501] يُنظر: ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (3/353). ، وصيغةِ: "المُتَعَذِّرُ يَسقُطُ اعتِبارُه والمُمكِنُ يُستَصحَبُ فيه التَّكليفُ" [6502] يُنظر: ((الفروق)) للقرافي (3/198). ، وصيغةِ: "المَيسورُ لا ضَرورةَ في تَركِه" [6503] يُنظر: ((حجة الله البالغة)) للدهلوي (2/249). ، وصيغةِ: "لا يَفوتُ المَيسورُ بالمَعسورِ" [6504] يُنظر: ((حاشية قليوبي)) (1/256)، ((حاشية البجيرمي على الخطيب)) (2/125). ، وصيغةِ: "البَعضُ المَقدورُ عليه هل يجبُ؟" [6505] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (1/227). ، وصيغةِ: "مَن قدَرَ على بَعضِ العِبادةِ وعَجَزَ عَن باقيها؛ هَل يَلزَمُه الإتيانُ بما قدَرَ عليه مِنها أم لا؟" [6506] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (1/85). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ المَأمورَ به إذا لَم يَتَيَسَّرْ فِعلُه على الوَجهِ المَطلوبِ، بَل تَيَسَّرَ فِعلُ بَعضِه، لا يَسقُطُ بالمَعسورِ، أي بعَدَمِ القُدرةِ على فِعلِ الكُلِّ، فيَجِبُ فِعلُ البَعضِ المَقدورِ عليه، فإذا سَقَطَ وُجوبُ البَعضِ المَعجوزِ عَنه، فإنَّه يَبقى وُجوبُ الباقي المَقدورِ عليه؛ لأنَّ الأصلَ البَقاءُ، فمَتى قدَرَ المُكَلَّفُ على الإتيانِ ببَعضِ الواجِبِ فيما كُلِّفَ به، أتى به؛ فإنَّ مَن عَجَزَ عَن بَعضِ الأُمورِ لا يَسقُطُ عَنه المَقدورُ، والمَقدورُ عليه لا يَسقُطُ بسُقوطِ المَعجوزِ عَنه، كالصَّلاةِ لمَن عَجَزَ عَن رُكنٍ مِنها أو شَرطٍ فيَأتي بالمَقدورِ، ولا يَسقُطُ ما قدَرَ عليه مِن أركانِ الصَّلاةِ بالعَجزِ عَن غَيرِه [6507] يُنظر: ((غياث الأمم)) لأبي المعالي الجويني (ص: 469)، ((القواعد)) للحصني (2/49)، ((الفوائد السنية)) للبرماوي (1/344)، ((فتح الباري)) لابن حجر (13/262)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (2/761). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقُرآنِ الكَريمِ:
1- قال اللهُ تعالى: فاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
تَدُلُّ الآيةُ بعُمومِها على أنَّ مَن قدَرَ على بَعضِ العِبادةِ دونَ بَعضٍ لَزِمَه الإتيانُ بما قدَرَ؛ لأنَّ المَيسورَ لا يَسقُطُ بالمَعسورِ [6508] يُنظر: ((الفوائد السنية)) للبرماوي (1/344)، ((القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير)) لعبد الرحمن آل عبد اللطيف (1/504). .
2- قال اللهُ سُبحانَه: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة: 286] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
تَدُلُّ الآيةُ على أنَّ المُكَلَّفَ إن قَويَ على بَعضِ الفَرضِ، وعَجَزَ عَن بَعضِه، سَقَطَ عَنه ما عَجَزَ عَنه، ولَزِمَه ما قدَرَ عليه مِنه، سَواءٌ أقَلُّه أو أكثَرُه [6509] يُنظر: ((المحلى)) لابن حزم (1/87)، ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (2/7). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تحتَ هذه القاعِدةِ بعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- مَقطوعُ اليَدِ إذا كان القَطعُ مِمَّا تَحتَ المِرفَقِ كالكوعِ والذِّراعِ، وجَبَ غَسلُ الباقي؛ لأنَّ المَيسورَ لا يَسقُطُ بالمَعسورِ [6510] يُنظر: ((العزيز)) للرافعي (1/111)، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (1/175)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 159). .
2- المَرأةُ التي عَلِمَت بالعادةِ أنَّها تَحيضُ في يَومٍ مُعَيَّنٍ مِن رَمَضانَ، يَجِبُ عليها أن تَشرَعَ في الصَّومِ فيه، وهو الأظهَرُ؛ فإنَّ الأمرَ مُحَقَّقٌ في الحالِ، والمُرَخِّصَ لَم يوجَدْ بَعدُ، والمَيسورُ لا يَسقُطُ بالمَعسورِ [6511] يُنظر: ((نهاية الوصول)) لصفي الدين الهندي (3/1153). .
3- إذا وُجِدَ مانِعٌ مِنَ الجِماعِ -طَبيعيٌّ- في الزَّوجِ بَعدَ مُضيِّ المُدَّةِ المَحسوبةِ في الإيلاءِ، كَمَرَضٍ لا يَقدِرُ مَعَه على الوطءِ؛ فيُطالَبُ بالفَيئةِ باللِّسانِ، أوِ الطَّلاقِ إن لَم يَفِئْ [6512] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/158). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استثناءٌ:
يُستثنى من القاعِدةِ بعضُ الصُّوَرِ، منها:
1- إذا وُجِدَ مِنَ الماءِ ما يَكفيه لبَعضِ طَهارَتِه، فإنَّه لا يَجِبُ عليه استِعمالُه على قَولٍ؛ لأنَّ للماءِ بَدَلًا يُرجَعُ إلَيه، وهو التَّيَمُّمُ [6513] يُنظر: ((كفاية النبيهـ)) لابن الرفعة (2/473). .
2- القادِرُ على صَومِ بَعضِ يَومٍ دونَ كُلِّه لا يَلزَمُه إمساكُه؛ لأنَّه ليس بصَومٍ شَرعيٍّ [6514] يُنظر: ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (2/763). .

انظر أيضا: