المَطلَبُ الثَّلاثونَ: العِبادةُ في حُكمِ الصِّحَّةِ والفَسادِ واحِدةٌ لا تَتَجَزَّأُ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "العِبادةُ في حُكمِ الصِّحَّةِ والفَسادِ واحِدةٌ لا تَتَجَزَّأُ"
[6481] يُنظر: ((تقويم النظر)) لابن الدهان (2/84). ، وصيغةِ: "العِبادةُ الواحِدةُ المُرتَبِطةُ لا يوصَفُ بَعضُها بالبُطلانِ دونَ بَعضٍ"
[6482] يُنظر: ((المجموع)) للنووي (7/408). ، وصيغةِ: "العِبادةُ إذا بَطَلَ بَعضُها يَبطُلُ كُلُّها"
[6483] يُنظر: ((العزيز)) للرافعي (1/287). ، وصيغةِ: "الأُصولُ مَوضوعةٌ على أنَّ ما أفسَدَ بَعضَ العِبادةِ أفسَدَ جَميعَها، وما لَم يَفسُدْ جَميعُها لَم يَفسُدْ شَيءٌ منها"
[6484] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/219). ، وصيغةِ: "الحَقيقةُ المُرَكَّبةُ إذا بَطَلَ جُزؤُها بَطَلَت كُلُّها"
[6485] يُنظر: ((التوضيح)) لخليل (1/232)، ((جواهر الدرر)) للتتائي (1/376). ، وصيغةِ: "وصفُ بَعضِ العِبادةِ بوصفٍ ووصفُ بَعضِها الآخَرِ بضِدِّه غَيرُ مَعهودٍ"
[6486] يُنظر: ((حاشية العطار على المحلي)) (1/158). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ العِبادةَ في حُكمِ الصِّحَّةِ والفَسادِ واحِدةٌ لا تَتَجَزَّأُ، فإمَّا أن تَصِحَّ كُلُّها، وإمَّا أن تَبطُلَ كُلُّها، والأُصولُ مَوضوعةٌ على أنَّ ما أفسَدَ بَعضَ العِبادةِ أفسَدَ جَميعَها، وما لَم يَفسُدْ جَميعُها لَم يَفسُدْ شَيءٌ مِنها، فالعِبادةُ الواحِدةُ المُرتَبِطةُ لا يوصَفُ بَعضُها بالصِّحَّةِ دونَ بَعضٍ، كما لا يوصَفُ بَعضُها بالبُطلانِ دونَ بَعضٍ؛ إذِ العِبادةُ حَقيقةٌ مُرَكَّبةٌ، فإذا بَطَلَ جُزؤُها بَطَلَت كُلُّها
[6487] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/219)، ((تقويم النظر)) لابن الدهان (2/84)، ((المجموع)) للنووي (7/408)، ((التوضيح)) لخليل (1/232). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ، والإجماعِ:
1- مِنَ السُّنَّةِ:عَن عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((لا صَلاةَ لمَن لَم يَقرَأْ بأُمِّ القُرآنِ )) [6488] أخرجه مسلم (394). .
وَجهُ الدَّلالةِ:يَدُلُّ الحَديثُ على أنَّ الصَّلاةَ كُلَّها تَبطُلُ بتَركِ الفاتِحةِ؛ لأنَّ اسمَ الصَّلاةِ يُطلَقُ على المُجزِئِ مِنها، وغَيرِ المُجزِئِ، يُقالُ: صَلاةٌ فاسِدةٌ، وصَلاةٌ غَيرُ مُجزِئةٍ، كما يُقالُ: صَلاةٌ صَحيحةٌ، وصَلاةٌ مُجزِئةٌ، وإطلاقُ اسمِ النُّقصانِ عليها يَقتَضي نُقصانَ أجزائِها، والصَّلاةُ لا تَتَبَعَّضُ، فإذا بَطَلَ بَعضُها بَطَلَ جَميعُها
[6489] يُنظر: ((ذخيرة العقبى)) للأثيوبي (11/467). .
2- مِنَ الإجماعِ:فقد حُكيَ الإجماعُ على صورةٍ مِن صورِ القاعِدةِ، وهو إجماعُ العُلَماءِ على أنَّ المُعتَدَّةَ بالشُّهورِ لا يَبقى عليها إلَّا أقَلُّها، ثُمَّ تَحيضُ: أنَّها تَستَقبِلُ عِدَّتَها بالحَيضِ. ومِمَّن حَكاه: ابنُ عَبدِ البَرِّ
[6490] يُنظر: ((التمهيد)) (12/288). ، والقُرطُبيُّ
[6491] يُنظر: ((الجامع لأحكام القرآن)) (5/235). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.مِنَ الأمثلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- الفُروضُ في الوُضوءِ وإن كَثُرَت فهيَ في حُكمِ شَيءٍ واحِدٍ، حَيثُ يَفسُدُ بَعضُها عِندَ فواتِ البَعضِ الآخَرِ
[6492] يُنظر: ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/12). .
2- الصَّلاةُ الواحِدةُ لا تَتَجَزَّأُ، فإذا فسَدَ بَعضُها فسَدَ كُلُّها، كما لَو أقامَ على النَّجاسةِ عِندَ تَكبيرةِ الإحرامِ
[6493] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (1/204)، ((درر الحكام)) لملا خسرو (1/104). . وإذا قَطَعَ المُصَلِّي النِّيَّةَ في الصَّلاةِ بَطَلَت؛ لفَواتِ اصطِحابِ النِّيَّةِ؛ لأنَّ جُزءًا مِنَ الصَّلاةِ خَلا عَنِ النِّيَّةِ، فلَم يَصِحَّ بدونِ النِّيَّةِ، ومَتى بَطَلَ بَعضُها بَطَلَ جَميعُها
[6494] يُنظر: ((شرح عمدة الفقهـ)) لابن تيمية (2/605). .
3- المُعتَكِفُ إذا جامَعَ زَوجَتَه في لَيلٍ أو نَهارٍ، أو قَبَّلَ أو باشَرَ أو لامَسَ، فسَدَ اعتِكافُه، وابتَدَأه، ويَجِبُ الاستِئنافُ لجَميعِه مَعَ العَمدِ؛ لأنَّ الاعتِكافَ لَمَّا كانت سُنَّتُه التَّتابُعَ نَزَلَ مَنزِلةَ العِبادةِ الواحِدةِ التي إذا فسَدَ جُزؤُها فسَدَت كُلُّها
[6495] يُنظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/456). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.استثناءٌ:يُستَثنى مِن ذلك بَعضُ الصُّورِ، مِنها عِبادةُ الصِّيامِ؛ فأيَّامُ رَمَضانَ عِباداتٌ لا يَفسُدُ بَعضُها بفَسادِ بَعضٍ؛ لأنَّ كُلَّ يَومٍ عِبادةٌ مُفرَدةٌ، ويَتَخَلَّلُها ما يُنافيها، كالأكلِ والشُّربِ والجِماعِ لَيلًا، فصارَتِ الأيَّامُ كالصَّلَواتِ الخَمسِ في اليَومِ؛ ولِذلك وجَبَ أن يَنويَ كُلَّ يَومٍ مِن لَيلَتِه، فيَجِبُ أن يَنفَرِدَ صَومُ كُلِّ يَومٍ بنيَّةٍ مِنَ اللَّيلِ كما تَنفَرِدُ كُلُّ صَلاةٍ بنيَّةٍ
[6496] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (4/337)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (7/395)، ((شرح عمدة الفقهـ)) لابن تيمية (3/155)، ((حاشية العدوي)) (1/441). .