المَطلَبُ الثَّامِنَ عَشَرَ: لا إيثارَ في القُرُباتِ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "لا إيثارَ في القُرُباتِ"
[6272] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (1/212)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 116)، ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 101). ، وصيغةِ: "لا إيثارَ في القُرَبِ"
[6273] يُنظر: ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (3/403)، ((كفاية النبيهـ)) لابن الرفعة (6/24)، ((المنثور)) للزركشي (1/215). ، وصيغةِ: "لا إيثارَ بالقُرَبِ"
[6274] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (10/87)، ((عمدة القاري)) للعيني (21/196). ، وصيغةِ: "لا إيثارَ في القُرُباتِ والعِباداتِ"
[6275] يُنظر: ((الغاية)) للعز بن عبد السلام (1/342). ، وصيغةِ: "الإيثارُ في العِباداتِ غَيرُ مَحمودٍ"
[6276] يُنظر: ((جمع الوسائل)) للقاري (1/45). ، وصيغةِ: "الإيثارُ بالقُرَبِ وبِما يُحتاجُ إلَيه شَرعًا خِلافُ المَشروعِ"
[6277] يُنظر: ((تذكرة السامع والمتكلم)) لابن جماعة (ص: 35). ، وصيغةِ: "الإيثارُ بالقُرَبِ مَكروهٌ أو خِلافُ الأولى"
[6278] يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (14/161)، ((شرح سنن أبي داود)) لابن رسلان (18/516)، ((فتح الباري)) لابن حجر (11/64). ، وصيغةِ: "الإيثارُ بالقُرَبِ خِلافُ الأولى"
[6279] يُنظر: ((اللامع الصبيح)) للبرماوي (15/312)، ((مجمع بحار الأنوار)) للكجراتي (4/397). ، وصيغةِ: "الأصلُ عَدَمُ الإيثارِ بالقُرَب"ِ
[6280] يُنظر: ((التحفة المكية)) للشاوي (ص: 182). ، وصيغةِ: "الإيثارُ في القُرَبِ لا يَجوزُ"
[6281] يُنظر: ((غمز عيون البصائر)) للحموي (1/359)، ((قواعد الفقهـ)) للبركتي (ص: 64). ، وصيغةِ: "الإيثارُ لا يَكونُ في القُرَبِ"
[6282] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (1/214). ، وصيغةِ: "الإيثارُ لا يَكونُ في الطَّاعاتِ"
[6283] يُنظر: ((لمعات التنقيح)) للدهلوي (7/310). ، وصيغةِ: "هَل يُكرَهُ الإيثارُ بالقُرَبِ؟"
[6284] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 101). ، وصيغةِ: "لا يَجوزُ التَّبَرُّعُ في العِباداتِ، ويَجوزُ في غَيرِها"
[6285] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (10/87). ، وصيغةِ: "الإيثارُ في القُرَبِ مَكروهٌ وفي غَيرِها مَحبوبٌ"
[6286] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 116)، ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 101). ، وصيغةِ: "الإيثارُ في القُرَبِ مَكروهٌ، وفي حُظوظِ النَّفسِ مُستَحَبٌّ"
[6287] يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (7/2751). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.الإيثارُ: أن يُؤثِرَ غَيرَه بالشَّيءِ مَعَ حاجَتِه إلَيه. وعَكسُه الأثَرةُ، وهيَ استئثارُه عَن أخيه بما هو مُحتاجٌ إلَيه.
والإيثارُ ضَربانِ:
الأوَّلُ: أن يَكونَ فيما للنَّفسِ فيه حَظٌّ، فهو مَطلوبٌ كالمُضطَرِّ يُؤثِرُ بطَعامِه غَيرَه إن كان ذلك الغَيرُ مُسلِمًا؛ لقَولِه تعالى:
وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر: 9] .
والثَّاني: الإيثارُ في القُرَبِ والعِباداتِ.
فتُفيدُ القاعِدةُ أنَّه لا إيثارَ في القُرُباتِ والعِباداتِ؛ لأنَّ الغَرَضَ بالعِباداتِ التَّعظيمُ والإجلالُ، فمَن آثَرَ به فقد تَرَكَ إجلالَ الإلَه وتَعظيمَه، فيَصيرُ بمَثابةِ مَن أمَرَه سَيِّدُه بأمرٍ فتَرَكَه وقال لغَيرِه: قُمْ به، فإنَّ هذا يُستَقبَحُ عِندَ النَّاسِ بتَباعُدِه مِن إجلالِ الأمرِ وقُربِه، أمَّا الإيثارُ بحُقوقِ النَّفسِ فمُستَحَبٌّ على الأصَحِّ، فإنَّما يُحمَدُ الإيثارُ بحُظوظِ النُّفوسِ؛ لأنَّ الإيثارَ إنَّما يَكونُ فيما يَتَعَلَّقُ بالنُّفوسِ، لا فيما يَتَعَلَّقُ بالقُرَبِ والعِباداتِ، فأُمورُ الدُّنيا دونَ القُرَبِ.
ويَختَلِفُ حُكمُ الإيثارِ بالقُرَبِ والعِباداتِ؛ فإن كان يُؤَدِّي مَثَلًا إلى تَركِ واجِبٍ فهو حَرامٌ، وإن أدَّى إلى تَركِ سُنَّةٍ، أوِ ارتِكابِ مَكروهٍ، فهو مَكروهٌ
[6288] يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (14/161)، ((المنثور)) للزركشي (1/212)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 116)، ((غمز عيون البصائر)) للحموي (1/358). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقُرآنِ الكريمِ، والسُّنَّةِ، والإجماعِ:
1- مِنَ القُرآنِ:قال اللهُ تعالى:
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [التحريم: 6] .
وَجهُ الدَّلالةِ:تَدُلُّ الآيةُ على البَدءِ بالنَّفسِ؛ لأنَّ الإيثارَ بالقُرَبِ وبِما يُحتاجُ إلَيه شَرعًا خِلافُ المَشروعِ
[6289] يُنظر: ((تذكرة السامع والمتكلم)) لابن جماعة (ص: 35). .
2- مِنَ السُّنَّةِ:عَن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((ابدَأْ بنَفسِكَ فتَصَدَّقْ عليها، فإن فضَلَ شَيءٌ فلِأهلِكَ، فإن فضَلَ عَن أهلِكَ شَيءٌ فلِذي قَرابَتِكَ، فإن فضَلَ عَن ذي قَرابَتِكَ شَيءٌ فهَكَذا وهَكَذا وهَكَذا، يَقولُ: فبَينَ يَدَيكَ وعَن يَمينِكَ وعَن شِمالِكَ )) [6290] أخرجه مسلم (997). .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ الحَديثَ وإن ورَدَ في الإنفاقِ، لَكِنِ استَعمَلَه المُحَقِّقونَ في أُمورِ الآخِرةِ أيضًا
[6291] يُنظر: ((تذكرة السامع والمتكلم)) لابن جماعة (ص: 35)، ((المنثور)) للزركشي (1/214). .
3- مِنَ الإجماعِ:وقد حَكاه أبو المعَالي الجُوَيْنِيُّ في بَعضِ صورِ القاعِدةِ
[6292] قال: (لا إيثارَ في القُرَبِ، ولَستُ أعرِفُ خِلافًا في أنَّ مَن وجَدَ مِنَ الماءِ ما يَكفيه لطَهارَتِه، لَم يَكُنْ له أن يُؤثِرَ به رَفيقَه ليَتَطَهَّرَ بهـ). ((نهاية المطلب)) (3/403). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.تَندَرِجُ تحتَ هذه القاعِدةِ بعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- مَن دَخَلَ عليه وقتُ الصَّلاةِ، ووُجِدَ مِنَ الماءِ ما يَكفيه لطَهارَتِه، وهناكَ مَن يَحتاجُه للطَّهارةِ، لَم يَكُنْ له أن يُؤثِرَ به رَفيقَه ليَتَطَهَّرَ به، فلا يَجوزُ أن يُؤثِرَ به مُحدِثًا ويَتَيَمَّمَ هو؛ لأنَّ الطَّهارةَ عِبادةٌ، ولا إيثارَ في القُرَبِ والعِباداتِ
[6293] يُنظر: ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (3/403)، ((الغاية)) للعز بن عبد السلام (1/342)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 116). .
2- لا إيثارَ بسَترِ العَورةِ في الصَّلاةِ؛ لأنَّه لا إيثارَ في القُرُباتِ
[6294] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (1/212)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 116). .
3- لا إيثارَ بالصَّفِّ الأوَّلِ، ويُكرَهُ للمُصَلِّي أن يُؤثِرَ غَيرَه بمَوضِعِه مِنَ الصَّفِّ الأوَّلِ؛ لأنَّه لا إيثارَ في القُرُباتِ
[6295] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (1/212)، ((التوضيح)) لابن الملقن (15/314). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.تنبيهٌ:تَكَلَّمَ الفُقَهاءُ في إيثارِ عائِشةَ لعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما بدَفنِه عِندَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في حُجرَتِها، وقَولِها: كُنتُ أُريدُه لنَفسي ولَأوثِرَنَّ به اليَومَ على نَفسي
[6296] أخرجه البخاري (3700) من حديثِ عَمرِو بنِ ميمونٍ. ، وأجابوا بأنَّه إيثارٌ لمَن رَأى أنَّه أولى به مِنه؛ ولِهذا طَلَبَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الإيثارَ بشَرابِه مِنَ الشَّابِّ الجالِسِ عَن يَمينِه لمَن هو أسَنُّ مِنه في الجانِبِ الآخَرِ
[6297] لَفظُه: عَن سَهلِ بنِ سَعدٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: أُتيَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بقدَحٍ، فشَرِبَ مِنه، وعَن يَمينِه غُلامٌ أصغَرُ القَومِ، والأشياخُ عَن يَسارِه، فقال: يا غُلامُ، أتَأذَنُ لي أن أُعطيَه الأشياخَ، قال: ما كُنتُ لأوثِرَ بفَضلي مِنكَ أحَدًا يا رَسولَ اللَّه، فأعطاه إيَّاه. أخرجه البخاري (2351) واللفظ له، ومسلم (2030). ، فهذا إيثارٌ لمَن رَأى أنَّه أولى به منه
[6298] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (1/215). .