موسوعة التفسير

سورةُ الحَشْرِ
الآيات (8-10)

ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ

غريب الكلمات:

تَبَوَّءُوا الدَّارَ: أي: توَطَّنوا المدينةَ، واتَّخَذوها مَوطِنًا، والتَّبَوُّءُ: التَّمَكُّنُ والاستِقرارُ، وأصلُ (بوأ): يدُلُّ على رُجوعٍ، وأصلُ (دور): يدُلُّ على إحداقِ الشَّيءِ بالشَّيءِ مِن حوالَيْه [175] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/524)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/312) و(2/310)، ((البسيط)) للواحدي (21/380)، ((تفسير القرطبي)) (18/21)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 413). .
وَيُؤْثِرُونَ: أي: يُقَدِّمونَ المحاويجَ على حاجةِ أنفُسِهم، وأصلُ (أثر) هنا: يدُلُّ على تقديمِ الشَّيءِ [176] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/527)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/53)، ((تفسير ابن كثير)) (8/70). .
خَصَاصَةٌ: أي: حاجةٌ وفَقرٌ، قيل: الخَصاصةُ مأخوذةٌ مِن خَصاصِ البَيتِ، وهي الفُرَجُ الَّتي تَكونُ فيه، وقيل: إنَّها مأخوذةٌ مِن الاختِصاصِ، وهو الانفرادُ بالأمرِ، فالخَصاصةُ: الانفرادُ بالحاجةِ، وأصلُ (خصص): يدُلُّ على فُرْجةٍ [177] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/527)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 212)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/152)، ((المفردات)) للراغب (ص: 284)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 413)، ((تفسير الشوكاني)) (5/239). .
شُحَّ: الشُّحُّ: بُخلٌ مع حِرصٍ، وقيل غيرُ ذلك، وأصلُ (شحح): يدُلُّ على مَنعٍ [178] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 469)، ((تفسير ابن جرير)) (22/529)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/178)، ((المفردات)) للراغب (ص: 446). ويُنظر ما سيأتي: (ص: 459). .
غِلًّا: أي: حِقدًا وحَسَدًا وبُغضًا، وأصلُ (غلل): يدُلُّ على تخَلُّلِ شَيءٍ [179] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/532)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/375)، ((تفسير القرطبي)) (18/33)، ((تفسير ابن كثير)) (8/73). .

مشكل الإعراب:

1- قَولُه تعالى: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ...
قَولُه تعالى: لِلْفُقَرَاءِ: فيه ثلاثةُ أوجُهٍ؛ أحدُها: أنَّه بدَلُ كُلٍّ مِن كُلٍّ مِنْ (لِذِي الْقُرْبَى) وما عُطِف عليه في قَولِه تعالى: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [الحشر: 7] ، فكأنَّه قيل: أعني بأولئك الأربعةِ هؤلاء الفُقراءَ المهاجِرينَ. الثَّاني: أنَّه في محَلِّ رَفعٍ خَبَرٌ لِمُبتدَأٍ محذوفٍ، أي: ولكِنِ الفَيْءُ للفُقَراءِ. الثَّالِثُ: أنَّه مُتعَلِّقٌ بفِعلٍ مُقَدَّرٍ، تقديرُه: اعجَبوا للفُقراءِ.
2- قَولُه تعالى: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ
قَولُه تعالى: وَالْإِيمَانَ فيه أوجُهٌ؛ أحدُها: مَعطوفٌ على الدَّارَ مَنصوبٌ مِثله، على تضمينِ تَبَوَّءُوا معنى «لَزِموا»؛ لأنَّ الإيمانَ لا يُتَبَوَّأُ. والثَّاني: أنَّه منصوبٌ على المفعوليَّةِ بفِعلٍ مُقَدَّرٍ، أي: واعتَقَدوا أو أَلِفوا. الثَّالِثُ: أنْ يكونَ معطوفًا على الدَّارَ على نِيَّةِ حَذفِ مُضافٍ، والأصلُ: دارَ الهجرةِ ودارَ الإِيمانِ. الرَّابعُ: أنَّه منصوبٌ على المفعولِ معه، أي: معَ الإيمانِ [180] يُنظر: ((إعراب القرآن)) للنحاس (4/262)، ((تفسير الزمخشري)) (4/503)، ((تفسير أبي حيان)) (8/245)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (10/283)، ((تفسير الألوسي)) (14/244، 245). .

المعنى الإجمالي:

يُثْني الله تعالى على المهاجِرينَ الَّذينَ فارَقوا أموالَهم وديارَهم، مِن أجْلِ إعلاءِ كلمةِ الله، فيقولُ: لأصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الفُقراءِ المُهاجِرينَ مِن مكَّةَ إلى المدينةِ، الَّذين أخرَجَهم كُفَّارُ قُرَيشٍ مِن بُيوتِهم وأموالِهم: نَصيبٌ مِن الفَيءِ، يَطلُبونَ رِزقًا مِنَ اللهِ يأتيهم، ورِضًا منه، ويَنصُرونَ اللهَ ورسولَه، أولئك هم الصَّادِقونَ.
ثمَّ يُثْني سبحانَه على الأنصارِ ويُبيِّنُ فضائلَهم، فيقولُ: والصَّحابةُ الأنصارُ الَّذين سَكَنوا مَدينةَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وآمَنوا باللهِ ورَسولِه مِن قَبْلِ هجرةِ المُهاجِرينَ إليهم: يُحِبُّونَ المُهاجِرينَ إليهم، ولا يَجِدُ أولئك الأنصارُ في صُدورِهم حَسَدًا مِمَّا أعطاه اللهُ ورَسولُه للمُهاجِرينَ مِن فَيْءِ بَني النَّضيرِ، ويتَصَدَّقُ الأنصارُ بأموالِهم وطعامِهم؛ إيثارًا للمُحتاجِينَ على أنفُسِهم، حتَّى لو كان بهم فَقرٌ وشدَّةُ حاجةٍ، ومَن وقاه اللهُ مِن شدَّةِ حِرصِ نفْسِه على جَمعِ المالِ، فأولئك هم الفائِزونَ.
ثمَّ َيذكُرُ الله تعالى مِن اللَّاحِقينَ مَن هو مؤتمٌّ بهم، وسائرٌ على طريقِهم، فيقولُ: والمؤمِنونَ الَّذين جاؤُوا مِن بَعدِ المهاجِرينَ والأنصارِ يَقولونَ: رَبَّنا اغفِرْ لنا ولإخوانِنا في الدِّينِ، الَّذين تقَدَّمونا في الإيمانِ به، ولا تَجعَلْ في قُلوبِنا شَيئًا مِنَ البُغضِ أو الحِقدِ أو الحَسَدِ لأحَدٍ من أهلِ الإيمانِ بك، رَبَّنا إنَّك رؤوفٌ رَحيمٌ.

تفسير الآيات:

لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا نَزَع اللهُ سُبحانَه أموالَ الفَيءِ وما كانت عليه في الجاهِليَّةِ، وبَيَّنَ مَصرِفَ الفَيءِ مِن القُرى، وتهَدَّدَ في المُخالَفةِ في ذلك لصعوبتِه على النُّفوسِ، فكان ذلك جديرًا بالتَّقَبُّلِ بعدَ أن أفهَمَ أنَّ أموالَ بني النَّضيرِ لِمَن سلَّطَه عليهم، وهو رَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكان مِن المعلومِ مِن حالِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الإيثارُ على نَفْسِه، والقناعةُ بما دونَ الكَفَافِ- بيَّنَ المَصرِفَ فيها بعدَ كفايتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لأنَّ بَيانَ ذلك هو المقصودُ الأعظَمُ [181] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/434). .
لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ.
أي: لأصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الفُقراءِ المُهاجِرينَ مِن مَكَّةَ إلى المدينةِ، الَّذين أخرَجَهم كُفَّارُ قُرَيشٍ مِن بُيوتِهم وأموالِهم: نَصيبٌ مِن الفَيءِ [182] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/522)، ((منهاج السنة النبوية)) لابن تيمية (8/472، 473)، ((تفسير ابن كثير)) (8/68)، ((تفسير السعدي)) (ص: 851). قال الشوكاني: (قَولُه: لِلْفُقَرَاءِ قيل: هو بدَلٌ مِن «لِذِي الْقُرْبَى» وما عُطِفَ عليه، ولا يَصِحُّ أن يكونَ بدلًا مِنَ الرَّسولِ وما بَعْدَه؛ لئلَّا يَستَلزِمَ وصْفَ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالفَقرِ. وقيل: التَّقديرُ: كي لا يكونَ دُولةً، ولكِنْ يكونُ للفُقَراءِ. وقيل: التَّقديرُ: اعجَبوا للفُقَراءِ. وقيل: التَّقديرُ: واللهُ شديدُ العِقابِ؛ للفُقَراءِ، أي: شديدُ العِقابِ للكُفَّارِ؛ بسَبَبِ الفُقَراءِ. وقيل: هو عَطفٌ على ما مضى بتقديرِ الواوِ، كما تقولُ: المالُ لزَيدٍ لِعَمروٍ لبَكرٍ). ((تفسير الشوكاني)) (5/238، 239). ويُنظر: ((تفسير القرطبي)) (18/19). قَولُه تعالى: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ ممَّن اختار أنَّه بيانٌ للمَساكينِ الَّذين تقدَّمَ ذِكرُهم: الزَّجَّاجُ، والواحديُّ. يُنظر: ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (5/145)، ((الوسيط)) للواحدي (4/272). وممَّن اختار أنَّه بيانٌ للمَساكِينِ وابنِ السَّبيلِ: ابنُ عطيَّة، وتبِعه الثعالبيُّ. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/286، 287)، ((تفسير الثعالبي)) (5/408). وممَّن اختار أنَّه بدَلٌ مِن الأصنافِ الأربعةِ: ذَوِي القُربى، واليتامى، والمساكينِ، وابنِ السَّبيلِ، يعني: كأنَّه قيل: أعني بأولئك الأربعةِ هؤلاءِ الفُقَراءَ والمهاجِرينَ الَّذين مِن صِفَتِهم كذا وكذا: الزمخشريُّ، والرازي، والبيضاوي، والنسفي، وأبو السعود، والشوكاني، وابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/503، 504)، ((تفسير الرازي)) (29/507)، ((تفسير البيضاوي)) (5/200)، ((تفسير النسفي)) (3/458)، ((تفسير أبي السعود)) (8/228)، ((تفسير الشوكاني)) (5/238)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/87). وممَّن اختار أنَّه بَدَلٌ مِن (لِلَّهِ وللرَّسُولِ) وما عُطِفَ عليهما في قَولِه تعالى: ... فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ... [الحشر: 7] عدَا ذَوِي القُرْبى؛ لئلَّا يَختَصَّ بفَقيرِهم: البِقاعي. يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/434، 435). وقال ابنُ أبي زَمَنين: (قولُه: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ أي: وللفُقراءِ، رجع إلى أوَّلِ الآيةِ: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [الحشر: 7] ، وللفُقراءِ المُهاجِرينَ الَّذين أُخرِجوا مِن ديارِهم وأموالِهم). ((تفسير ابن أبي زمنين)) (4/368). وقيل: كيلا يكونَ ما أفاء اللهُ على رسولِه دُولةً بيْنَ الأغنياءِ منكم، ولكنْ يكونُ للفُقراءِ المُهاجِرينَ. وممَّن اختاره: ابنُ جرير، والثعلبيُّ، ومكِّي، وابن الجوزي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/522)، ((تفسير الثعلبي)) (9/278)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (11/7392)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 397). .
يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا.
أي: وهم يَطلُبونَ رِزقًا مِنَ اللهِ يأتيهم، ورِضًا منه يَحُلُّ عليهم حينَ خَرَجوا إلى دارِ الهِجرةِ [183] يُنظر: ((تفسير الماوردي)) (5/505)، ((الوسيط)) للواحدي (4/273)، ((تفسير القرطبي)) (18/20)، ((تفسير أبي السعود)) (8/228)، ((تفسير الشوكاني)) (5/239). .
وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ.
أي: ويَنصُرونَ دينَ اللهِ الَّذي بَعَث به رَسولَه مُحمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [184] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/523)، ((تفسير الرازي)) (29/507)، ((تفسير القرطبي)) (18/20)، ((تفسير الألوسي)) (14/245). قال الألوسي: (وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ عَطفٌ على يَبْتَغُونَ؛ فهي حالٌ مُقَدَّرةٌ، أي: ناوينَ لنُصرةِ اللهِ تعالى ورسولِه صلَّى الله تعالى عليه وسلَّم، أو مُقارِنةٌ؛ فإنَّ خُروجَهم مِن بَينِ الكُفَّارِ مُراغِمينَ لهم مُهاجِرينَ إلى المدينةِ: نُصرةٌ، وأيُّ نُصرةٍ؟!). ((تفسير الألوسي)) (14/245). .
أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ.
أي: أولئك العالُو الرُّتبةِ هم الصَّادِقونَ حقًّا في إيمانِهم باللهِ تعالى، وبرَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [185] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/524)، ((تفسير السمعاني)) (5/400)، ((تفسير ابن كثير)) (8/68)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/436، 437)، ((تفسير السعدي)) (ص: 851). .
وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّه لَمَّا مَدَح اللهُ تعالى المهاجِرينَ، وأعطاهم فطابت نُفوسُ الأنصارِ بذلك، وكانوا في كُلِّ حالٍ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في غايةِ الطَّاعةِ له، مهما شاء فَعَل، ومهما أراد منهم صار إليه ووَصَل؛ أتْبَعَه مَدْحَهم؛ جَبرًا لهم، وشُكرًا لصَنيعِهم [186] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/437). .
وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ.
أي: والصَّحابةُ الأنصارُ الَّذين سَكَنوا مَدينةَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وآمَنوا باللهِ ورَسولِه مِن قَبْلِ هجرةِ المُهاجِرينَ إليهم- يُحِبُّونَ الَّذين هاجَروا إليهم [187] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/524)، ((الوسيط)) للواحدي (4/273)، ((تفسير ابن كثير)) (8/68، 69)، ((تفسير السعدي)) (ص: 851). قال السمعاني: (قوله تعالى: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ أجمَع أهلُ التَّفسيرِ على أنَّ المرادَ بهم الأنصارُ). ((تفسير السمعاني)) (5/400). وقال القرطبي: (لا خِلافَ أنَّ الَّذين تبَوَّؤوا الدَّارَ هم الأنصارُ الَّذين استوطَنوا المدينةَ قبْلَ المُهاجِرينَ إليها). ((تفسير القرطبي)) (18/20). واختلَف المفسِّرون في قولِه تعالى: تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ، ومعنى كَونِهم تبَوَّؤُوا الإيمانَ مِن قبْلِ المُهاجِرينَ. قال ابن عادل: (وفي قولِه: وَالْإِيمَانَ ستَّةُ أوجُهٍ: أحدُها: أنَّه ضمَّن تَبَوَّءُوا معنى لَزِموا، فيصحُّ عطفُ الإيمانِ عليه؛ إذ الإيمانُ لا يُتَبَوَّأُ. الثَّاني: أنَّه منصوبٌ بمُقَدَّرٍ، أي: واعتقَدوا، أو وأَلِفوا، أو وأحَبُّوا، أو وأخلَصوا. الثَّالثُ: أنَّه يُتجوَّزُ في الإيمانِ، فيُجعَلُ اختِلاطُه بهم وثَباتُهم عليه كالمكانِ المُحيطِ بهم، فكأنَّهم نزَلوه... الرَّابعُ: أن يكونَ الأصلُ: دارَ الهجرةِ، ودارَ الإيمانِ، فأقامَ لام التَّعريفِ في الدَّارِ مُقامَ المُضافِ إليه، وحذَفَ المُضافَ مِن دارِ الإيمانِ، ووضَع المُضافَ إليه مَقامَه. الخامسُ: أن يكونَ سمَّى المدينةَ؛ لأنَّها دارُ الهِجرةِ، ومكانُ ظُهورِ الإيمانِ. السَّادسُ: أنَّه منصوبٌ على المفعولِ معه، أي: مع الإيمان معًا). ((تفسير ابن عادل)) (18/584). ويُنظر: ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (10/285). ممَّن اختار الوجهَ الأوَّلَ -أي: أنَّه ضمَّن تَبَوَّءُوا معنَى: لَزِموا، فقولُه: وَالْإِيمَانَ أي: ولابَسوه وصَحِبوه وخصُّوه بالصُّحبةِ، ولَزِموه لُزومًا هو كلُزومِ المَنزِلِ الَّذي لا غِنَى لِنازِلِه عنه-: البِقاعي. يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/438). وممَّن اختار الوجهَ الثَّانيَ -أنَّه منصوبٌ بفِعل تقديرُه: واعتقَدوا الايمانَ، أو أخلَصوه، أو آثَروه-: الواحديُّ، وابن الجوزي، والقرطبي، والعُلَيمي، ونسَبَه ابنُ عاشور إلى جمهورِ المفسِّرينَ. يُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (4/273)، ((تفسير ابن الجوزي)) (4/258)، ((تفسير القرطبي)) (18/20)، ((تفسير العليمي)) (7/12)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/90). قال الواحدي: (تقديرُ الآيةِ: والَّذين تبَوَّؤوا الدَّارَ مِن قَبْلِهم والإيمانَ؛ لأنَّ الأنصارَ لم يؤمِنوا قبْلَ المُهاجِرينَ، وعطفُ الإيمانِ على الدَّارِ في الظَّاهرِ لا في المعنى؛ لأنَّ الإيمانَ ليس بمكانٍ يُتَبَوَّأُ، والتَّقديرُ: وآثَروا الإيمانَ، أو اعتقَدوا الإيمانَ). ((الوسيط)) (4/273). وممَّن اختار معنَى الوجهِ الثَّالثِ في الجملةِ -أي: أنَّهم لَزِموا المدينةَ والإيمانَ، واتَّخَذوهما مَبَاءةً، وتمَكَّنوا فيهما أشدَّ تمكُّنٍ، على تنزيلِ الحالِ مَنزِلةَ المكانِ-: البيضاويُّ، وأبو السعود. يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/200)، ((تفسير أبي السعود)) (8/229). قال ابن جُزَي: (المعنى: أنَّهم جعَلوا الإيمانَ كأنَّه مَوطِنٌ لهم؛ لِتَمكُّنِهم فيه، كما جعَلوا المدينةَ كذلك). ((تفسير ابن جزي)) (2/360). أمَّا الوَجهانِ الرَّابعُ والخامسُ فقال فيهما السمينُ الحلبي: (قال هذَينِ الوجهَينِ الزَّمخشريُّ، وليس فيه إلَّا قيامُ «أل» مَقامَ المُضافِ إليه، وهو مَحَلُّ نَظَرٍ). ((الدر المصون)) (10/285). ويُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/504). وقال الألوسي في الوجهِ الرَّابعِ: (ولا يخفى ما فيه مِن التَّكلُّفِ والتَّعسُّفِ)، وقال في الوجهِ الخامسِ: (وهو كما ترى). ((تفسير الألوسي)) (14/245). وممَّن اختار الوجهَ السَّادسَ: -أي: أنَّهم تبَوَّؤوا الدَّارَ مع الإيمانِ، فجَمَعوا بيْن الحالتَينِ قبْلَ المهاجِرينَ، فبهذا الاقتِرانِ يَصِحُّ معنى قَولِه: مِنْ قَبْلِهِمْ-: ابنُ عطية، واستحسَنه ابنُ جُزَي، وابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/287)، ((تفسير ابن جزي)) (2/360)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/90، 91). قال ابنُ جُزَي معلِّلًا هذا الوجهَ: (لأنَّ المهاجِرينَ إنَّما سبَقوهم بالإيمانِ، لا بتَبَوُّءِ الدَّارِ، فيكونُ الإيمانُ على هذا مفعولًا معه). ((تفسير ابن جزي)) (2/360). وقال ابن كثير: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي: سكَنوا دارَ الهِجرةِ مِن قَبلِ المُهاجِرينَ، وآمَنوا قبْلَ إيمانِ كثيرٍ مِنهم). ((تفسير ابن كثير)) (8/68). وقال الثعلبيُّ والبغويُّ والخازنُ: نظْمُ الآيةِ: والَّذين تبَوَّؤوا الدَّارَ مِن قبْلِهم، أي: مِن قبْلِ قُدومِ المُهاجِرينَ عليهم وقد آمَنوا. يُنظر: ((تفسير الثعلبي)) (9/278)، ((تفسير البغوي)) (5/58)، ((تفسير الخازن)) (4/271). وأمَّا قوله: مِنْ قَبْلِهِمْ فقيل: معناه: مِن قبْلِ المُهاجِرينَ. وقيل: معناه: مِن قبْلِ هِجرتِهم. يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/505). ممَّن اختارَ الأوَّلَ: ابنُ جريرٍ، وابنُ الجوزي، والخازنُ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/524)، ((تفسير ابن الجوزي)) (4/258)، ((تفسير الخازن)) (4/271). وممَّن اختارَ الثَّاني: مقاتل بن سليمان، والسمرقندي، ومكي، والسمعاني، والقاسمي. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/279)، ((تفسير السمعاني)) (5/401)، ((تفسير السمرقندي)) (3/428)، ((تفسير القاسمي)) (9/187)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (11/7392). ويُنظر: ((تفسير الثعلبي)) (9/278)، ((تفسير البغوي)) (5/58). وقال الشوكاني: (ومعنى مِنْ قَبْلِهِمْ: مِن قبلِ هجرةِ المهاجرينَ، فلا بدَّ مِن تقديرِ مضافٍ؛ لأنَّ الأنصارَ إنَّما آمَنوا بعدَ إيمانِ المهاجِرينَ). ((تفسير الشوكاني)) (5/239). وقال الألوسي: (الكلامُ بتقديرِ مُضافٍ؛ أي: مِن قَبلِ هِجرتِهم، فنِهايةُ ما يلزَمُ سَبقُ إيمانِ الأنصارِ على هِجرةِ المُهاجرينَ، ولا يلزمُ منه سبقُ إيمانِهم على إيمانِهم ليُقالَ: إنَّ الأمرَ بالعكسِ). ((تفسير الألوسي)) (14/245). .
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((قالت الأنصارُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اقسِمْ بَيْنَنا وبيْنَ إخوانِنا النَّخيلَ، قال: لا. فقالوا: تَكفُونا المَؤُونةَ، ونَشْرَكُكم في الثَّ مَرةِ، قالوا: سَمِعْنا وأطَعْنا)) [188] رواه البخاري (2325). .
وعن أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((دعا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الأنصارَ إلى أن يُقطِعَ [189] يُقْطِعَ: أي: يُعْطيَ. يُنظر: ((إرشاد الساري)) للقسطلاني (6/154). لهم البَحْرينِ، فقالوا: لا، إلَّا أن تُقْطِعَ لإخوانِنا مِن المهاجِرينَ مِثْلَها، قال: إمَّا لا [190] أي: إن كنتُم لا تُريدونَ أو لا تَقْبَلونَ إيثاري لكم، فأُدغِمَ النُّونُ في الميمِ، وحُذِف فِعلُ الشَّرطِ. يُنظر: ((الإفصاح عن معاني الصحاح)) لابن هُبَيْرة (5/280)، ((اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح)) للبِرماوي (10/358). ، فاصبِروا حتَّى تَلْقَوني؛ فإنَّه سيُصيبُكم بَعْدي أَثَرةً [191] أَثَرةً: أي: استئثارًا لغَيرِكم عليكم. يُنظر: ((إرشاد الساري)) للقَسْطَلَّاني (6/154). ) [192] رواه البخاري (3794). .
وعن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((قال المهاجِرونَ: يا رَسولَ اللهِ، ما رَأَيْنا مِثلَ قَومٍ قَدِمْنا عليهم أحسَنَ مُواساةً في قليلٍ، ولا أحسَنَ بَذْلًا في كثيرٍ، لقد كَفَونا المَؤُونةَ [193] أي: تَحمَّلوا عنَّا مَشَقَّةَ الخِدمةِ في عِمارةِ الدُّورِ والنَّخيلِ مِن سَقيٍ وإصلاحٍ وغيرِ ذلك. يُنظر: ((المفاتيح في شرح المصابيح)) للمُظْهِري (3/522)، ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (5/2012). ، وأشرَكُونا في المَهْنَأِ [194] المَهْنَأ: كلُّ ما يأتيكَ مِنَ المالِ مِن غيرِ تَعَبٍ. يُنظر: ((المفاتيح في شرح المصابيح)) للمُظْهِري (3/522). ، حتَّى لقد حَسِبْنا أن يَذهَبوا بالأجْرِ كُلِّه! قال: لا، ما أَثنيتُم عليهم، ودَعوتُم اللهَ لهم )) [195] أخرجه مِن طرقٍ: أبو داودَ (4812) مختصَرًا، والترمذيُّ (2487)، والنسائيُّ في ((السنن الكبرى)) (10009)، وأحمدُ (13075) واللَّفظُ له. قال الترمذي: (صحيحٌ حسَنٌ غريبٌ مِن هذا الوجهِ). وصَحَّحه ابنُ دقيقِ العيدِ في ((الاقتراح)) (117)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن الترمذي)) (2487)، وقال ابنُ كثير في ((البداية والنهاية)) (3/227): (على شرطِ الصَّحيحَينِ). وصَحَّح إسنادَه على شرطِ الشَّيخَينِ شعيبٌ الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (20/361). .
وعن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: (قَدِمَ علينا عبدُ الرَّحمنِ بنُ عَوفٍ، وآخَى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَيْنَه وبيْنَ سَعدِ بنِ الرَّبيعِ، وكان كثيرَ المالِ، فقال سَعدٌ: قد عَلِمَتِ الأنصارُ أنِّي مِن أكثَرِها مالًا، سأَقسِمُ مالي بيْني وبيْنَك شَطرَينِ، ولي امرأتانِ فانظُرْ أعجَبَهما إليك، فأُطَلِّقُها، حتَّى إذا حلَّت تزَوَّجْتَها! فقال عبدُ الرَّحمنِ: بارك اللهُ لك في أهلِك) [196] رواه البخاري (3781). .
وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا.
أي: ولا يَجِدُ أولئك الأنصارُ في صُدورِهم أيَّ حَسَدٍ مِمَّا أعطاه اللهُ ورَسولُه للمُهاجِرينَ مِن فَيْءِ بَني النَّضيرِ [197] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/525)، ((تفسير القرطبي)) (18/23)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (10/119، 120)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/439، 440)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/93). قال ابنُ تيميَّة: (أي: ممَّا أُوتيَ إخوانُهم المهاجِرونَ. قال المفسِّرونَ: لا يجِدونَ في صُدورِهم حاجةً، أي: حَسَدًا وغَيظًا مِمَّا أُوتيَ المُهاجِرونَ. ثمَّ قال بعضُهم: مِن مالِ الفَيءِ. وقيل: مِن الفَضلِ والتَّقَدُّمِ). ((مجموع الفتاوى)) (10/119). وممَّن قال بالأوَّلِ -أي مِن مالِ الفيءِ-: ابنُ جرير، وابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/525)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/93). قال القرطبي: (يعني لا يحسُدونَ المهاجِرينَ على ما خُصُّوا به مِن مالِ الفيءِ وغيرِه، كذلك قال النَّاسُ). ((تفسير القرطبي)) (18/23). وممَّن قال بالمعنى الثَّاني -أي ما فضَّلهم الله به مِن المنزلةِ والشَّرفِ، وخصَّهم به مِن الفضائلِ والمناقبِ-: ابنُ كثير، والسعديُّ. يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (8/69)، ((تفسير السعدي)) (ص: 851). .
وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ.
سَبَبُ النُّزولِ:
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رَجُلًا أتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فبَعَث إلى نسائِه فقُلْنَ: ما مَعَنا إلَّا الماءُ! فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَن يَضُمُّ أو يُضيفُ هذا؟ فقال رجُلٌ مِن الأنصارِ: أنا، فانطلَقَ به إلى امرأتِه، فقال: أكرِمي ضَيفَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالت: ما عِندَنا إلَّا قوتُ صِبياني، فقال: هَيِّئِي طعامَكِ، وأَصْبِحي [198] أي: أوقِدِيه. يُنظر: ((إرشاد الساري)) للقَسْطَلَّاني (6/156). سِراجَكِ، ونَوِّمي صِبيانَكِ إذا أرادوا عَشاءً، فهَيَّأَت طَعامَها، وأصبَحَت سِراجَها، ونوَّمَت صِبيانَها، ثمَّ قامت كأنَّها تُصلِحُ سِراجَها فأطفَأَتْه! فجعَلَا يُرِيانِه أنَّهما يأكُلانِ، فباتا طاوِيَينِ [199] طاوِيَينِ: أي: بغَيرِ عَشاءٍ. يُنظر: ((إرشاد الساري)) للقَسْطَلَّاني (6/156). ! فلمَّا أصبَحَ غَدَا إلى رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: ضَحِكَ اللهُ اللَّيلةَ، أو عَجِبَ مِن فِعالِكما! فأنزَلَ اللهُ: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) [200] رواه البخاريُّ (3798) واللَّفظُ له، ومسلمٌ (2054). .
وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ.
أي: ويتَصَدَّقُ الأنصارُ بأموالِهم وطعامِهم؛ إيثارًا للمُحتاجِينَ على أنفُسِهم، حتَّى لو كان بهم فَقرٌ وحاجةٌ شَديدةٌ لذلك [201] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/527)، ((تفسير الرازي)) (29/508)، ((تفسير ابن كثير)) (8/70، 71)، ((تفسير السعدي)) (ص: 851)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/94). قال الشوكاني: (المعنى: ويُقَدِّمون المُهاجِرينَ على أنفُسِهم في حُظوظِ الدُّنيا). ((تفسير الشوكاني)) (5/239). وقال البِقاعي: (يُوقِعونَ الأَثَرةَ -وهي اختيارُ الأشياءِ الحَسَنةِ- لِغَيرِهم؛ تخصيصًا لهم بها). ((نظم الدرر)) (19/440). .
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: يا رَسولَ اللهِ، أيُّ الصَدَقةِ أفضَلُ؟ قال: ((جُهْدُ المُقِلِّ [202] جُهْدُ المُقِلِّ: أي: بَذْلُ الفَقيرِ؛ لأنَّه يكونُ بجُهدٍ ومَشَقَّةٍ لقِلَّةِ مالِه. يُنظر: ((تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة)) للبيضاوي (2/594). ، وابدَأْ بمَنْ تَعُولُ [203] بمَن تَعُولُ: أي: بمَن تَلزَمُك نَفَقتُه. يُنظر: ((السراج المنير شرح الجامع الصغير)) للعَزِيزي (1/257). ) [204] أخرجه أبو داودَ (1677)، وأحمدُ (8702). صحَّحه ابنُ حِبَّانَ في ((الصحيح)) (3346)، والحاكمُ في ((المستدرك)) (1/574)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (1677)، وقال ابنُ حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (2/303): (أصلُه في الصَّحيحِ). وصَحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (16/286)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (1677). .
وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.
أي: ومَن سلَّمَه اللهُ مِن شِدَّةِ حِرصِ النَّفْسِ على جَمعِ المالِ، فأولئك هم الفائِزونَ الظَّافِرونَ [205] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/529)، ((تفسير الزمخشري)) (4/505)، ((تفسير ابن كثير)) (8/71)، ((مجموع رسائل ابن رجب)) (1/144)، ((تفسير القاسمي)) (9/188)، ((تفسير السعدي)) (ص: 851)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/94، 95). قال ابن سِيْدَه: (الشُّحُّ: حِرصُ النَّفْسِ على ما ملَكَت، وبُخْلُها به). ((المحكم)) (2/489). وقال العُلَيمي: (شُحُّ النَّفْسِ: هو كثرةُ الطَّمَعِ، وضَبطُها على المالِ، والرَّغبةُ فيه، وامتِدادُ الأمَلِ، وهو فَقرٌ لا يُذهِبُه غِنى المالِ، بل يَزيدُه، وهو داعيةُ كُلِّ خُلُقِ سُوءٍ). ((تفسير العليمي)) (7/13). وقال ابنُ القيِّم: (الفَرقُ بيْنَ الشُّحِّ والبُخلِ: أنَّ الشُّحَّ هو شِدَّةُ الحِرصِ على الشَّيءِ، والإحفاءُ في طَلَبِه، والاستِقصاءُ في تحصيلِه، وجَشَعُ النَّفْسِ عليه، والبُخلُ مَنْعُ إنفاقِه بعدَ حُصولِه، وحُبُّه وإمساكُه؛ فهو شحيحٌ قبْلَ حُصولِه، بخيلٌ بعدَ حُصولِه، فالبُخلُ ثَمَرةُ الشُّحِّ، والشُّحُّ يدعو إلى البُخلِ، والشُّحُّ كامِنٌ في النَّفْسِ، فمَنْ بَخِلَ فقد أطاع شُحَّه، ومَن لم يَبخَلْ فقد عصى شُحَّه). ((الوابل الصيب)) (ص: 33). وقيل: إنَّ الشُّحَّ هو البُخلُ مع حِرصٍ. وقيل: البخلُ: هو المنعُ مِن مالِ نفْسِه، والشُّحُّ: هو بُخلُ الرَّجُلِ مِن مالِ غيرِه. وقيل: إنَّهما مُترادِفانِ. يُنظر: ((الفروق اللغوية)) للعسكري (ص: 176)، ((أحكام القرآن)) لابن العربي (4/220)، ((تفسير الرازي)) (29/508)، ((تفسير القرطبي)) (4/293)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (15/330)، ((التعريفات)) للجرجاني (ص: 42)، ((تفسير الألوسي)) (14/247). .
عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((اتَّقوا الشُّحَّ؛ فإنَّ الشُّحَّ أهلَكَ مَن كان قَبلَكم، حمَلَهم على أنْ سَفَكوا دِماءَهم، واستحَلُّوا محارِمَهم [206] استحَلُّوا مَحارِمَهم: أي: جَعَلوا المُحرَّمَ عليهم مِن وَطْءِ نسائِهم حلالًا. يُنظر: ((شرح المصابيح)) لابن المَلَك (5/357). [207] رواه مسلم (2578). .
وعن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: خَطَب رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: ((إيَّاكم والشُّحَّ؛ فإنَّما هلَك مَن كان قَبْلَكم بالشُّحِّ، أمَرَهم بالبُخلِ فبَخِلوا، وأمَرَهم بالقَطيعةِ فقَطَعوا، وأمَرَهم بالفُجورِ ففَجَروا )) [208] أخرجه مِن طُرقٍ: أبو داودَ (1698) واللَّفظُ له، والنسائيُّ في ((السنن الكبرى)) (11583)، وأحمدُ (6487)، وابنُ حِبَّانَ في ((صحيحه)) (5176). صحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (1698)، وصحَّح إسنادَه الطَّبريُّ في ((مسند عمر)) (1/106)، والحاكمُ في ((المستدرك)) (1/576)، وأحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (9/201)، وشعيبٌ الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (1698). .
وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((لا يَجتَمِعُ الشُّحُّ والإيمانُ في قَلبِ عبدٍ أبدًا )) [209] أخرجه مطوَّلًا النسائيُّ (3110) واللَّفظُ له، وأحمدُ (9693)، وابنُ حِبَّانَ في ((صحيحه)) (3251). صَحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن النسائي)) (3110)، وشعيبٌ الأرناؤوط بطُرُقِه وشواهِدِه في تخريج ((مسند أحمد)) (15/433)، وصحَّح إسنادَه الطَّبريُّ في ((مسند عمر)) (1/102). .
وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((أتى رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رجُلٌ، فقال: يا رَسولَ اللهِ، أيُّ الصَّدَقةِ أعظَمُ؟ فقال: أنْ تَصَدَّقَ وأنت صَحيحٌ شَحيحٌ، تَخشى الفَقْرَ، وتأمُلُ الغِنى، ولا تُمهِلْ حتَّى إذا بلَغَتِ الحُلْقومَ قُلتَ: لِفُلانٍ كذا، ولفُلانٍ كذا، ألَا وقد كان لفُلانٍ )) [210] رواه البخاريُّ (1419)، ومسلمٌ (1032) واللَّفظُ له. .
وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّه لَمَّا أثْنى اللهُ سُبحانَه وتعالى على المُهاجِرينَ والأنصارِ -رَضِيَ اللهُ عنهم- بما هم أهلُه؛ عقَّب التَّابِعينَ لهم بإحسانٍ ما يُوجِبُ لهم الثَّناءَ [211] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/443). .
وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ.
أي: والمؤمِنونَ الَّذين جاؤُوا مِن بَعدِ المهاجِرينَ والأنصارِ يَقولونَ: رَبَّنا اغفِرْ لنا ولإخوانِنا في دينِ اللهِ، الَّذين تقَدَّمونا في الإيمانِ به [212] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/532)، ((معاني القرآن)) للزجاج (5/146، 147)، ((تفسير ابن كثير)) (8/72، 73). قيل: المرادُ: عُمومُ المؤمِنينَ الَّذين يَجيئونَ مِن بَعدِ المهاجِرينَ والأنصارِ إلى يومِ القيامةِ. وممَّن ذهب إلى هذا القولِ في الجُملةِ: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، والزَّجَّاجُ، والقرطبيُّ، وهو ظاهرُ اختيارِ ابنِ تيميَّةَ، واختاره ابنُ كثير، والبِقاعي، والعُلَيمي، واستظهره الشَّوكانيُّ، وهو ظاهرُ اختيارِ السعديِّ، وإليه ذهب ابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/280)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (5/147)، ((تفسير القرطبي)) (18/31)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (3/152)، ((تفسير ابن كثير)) (8/72، 73)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/443)، ((تفسير العليمي)) (7/14)، ((تفسير الشوكاني)) (5/240)، ((تفسير السعدي)) (ص: 851، 852)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/96). غيرَ أنَّ القُرطبيَّ وابنَ كثيرٍ نَصَّا على أنَّ المرادَ: التَّابِعونَ بإحسانٍ إلى يومِ القيامةِ. والبِقاعي والشوكانيُّ وابنُ عاشور أدخَلوا الصَّحابةَ المتأخِّرَ إسلامُهم، فآمَنوا بعدَ انقِطاعِ الهِجرةِ بالفَتحِ، وبعدَ إيمانِ الأنصارِ الَّذين أسلَموا بعدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثمَّ بقيَّةَ المؤمنينَ إلى يومِ القيامةِ. يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (18/31)، ((تفسير ابن كثير)) (8/72، 73)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/443)، ((تفسير الشوكاني)) (5/240)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/96). قال الثعالبي: (قال جمهورُ العُلماءِ: أراد مَنْ يجيءُ مِن التَّابعينَ وغيرِهم إلى يومِ القيامةِ). ((تفسير الثعالبي)) (5/411). وقيل: الَّذين جاؤوا مِن بَعدِهم هم المهاجِرونَ يَستَغفِرونَ لإخوانِهم مِن الأنصارِ. وممَّن ذهب إلى هذا القولِ: ابنُ جرير. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/532). وقيل: المرادُ: مَن عدا المهاجِرينَ والأنصارَ مِنَ الصَّحابةِ، كالَّذين أسلَموا يومَ فَتحِ مكَّةَ. وممَّن ذهب إلى هذا القول: ابنُ جُزَي. يُنظر: ((تفسير ابن جزي)) (2/361). .
وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا.
أي: ولا تَجعَلْ في قُلوبِنا شَيئًا مِنَ البُغضِ أو الحِقدِ أو الحَسَدِ لأحَدٍ مِن أهلِ الإيمانِ بك [213] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/534)، ((منهاج السنة النبوية)) لابن تيمية (2/18)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/444)، ((تفسير السعدي)) (ص: 852)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/97). .
رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ.
أي: رَبَّنا إنَّك ذو رأفةٍ ورَحمةٍ تامَّةٍ بالِغةٍ؛ فحقيقٌ أن تُجيبَ دُعاءَنا [214] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/534)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/444)، ((تفسير أبي السعود)) (8/230). .

الفوائد التربوية:

1- قَولُ اللهِ تعالى: أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ دلَّ على كمالِ صدقِهم فيما ادَّعَوه مِن الإيمانِ بالله ورسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، حيثُ نابَذوا مَن عاداهما، وهو القَريبُ الصَّافي نسبًا ودارًا، وأَوْلَوا أولياءَهما مَن كانوا، وإن بَعُدَت دارُهم، وشَطَّ مَزارُهم، وهذا يدُلُّ على أنَّ مبنى الدِّينِ على إقامةِ البَيِّناتِ بالثَّباتِ عندَ الابتلاءاتِ، على أنَّ العَونَ قد يأتي على قدرِ البلاءِ؛ لأنَّ اللهَ تعالى قد خصَّ المهاجرينَ مما أذِن فيه مِن أموالِ بني النَّضيرِ [215] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/437). .
2- قَولُ اللهِ تعالى: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ هذه الآيةُ مِن أعظَمِ حاثٍّ على حُسنِ الإخاءِ، مُحَذِّرٍ مِن الحَسَدِ والاستياءِ [216] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/440). .
3- قولُ اللهِ تعالى: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ فيه مَدحُ الإيثارِ في حُظوظِ النَّفسِ والدُّنيا [217] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 259). .
4- الإيثارُ على النَّفْسِ مِن مَحامِدِ الأخلاقِ، وزَكِيَّاتِ الأعمالِ، وذلك أن يَترُكَ حظَّه لِحَظِّ غيرِه؛ اعتِمادًا على صحَّةِ اليقينِ، وإصابةً لِعَينِ التَّوكُّلِ، وتحمُّلًا للمَشَقَّةِ في عَونِ الأخِ في الله على المحبَّةِ مِن أجْلِه، وهو ثابتٌ مِن فِعلِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ومِن خُلُقِه المَرْضيِّ، وهكذا كان الصَّحابةُ، فمِنَ النَّاسِ مَن يَعمَلُ العملَ أو يَكتسِبُ الشَّيءَ فيكونُ فيه وكيلًا على التَّفرقةِ على خَلقِ الله بحسَبِ ما قدَر، ولا يَدَّخِرُ لِنَفْسِه مِن ذلك شيئًا، بل لا يجعلُ مِن ذلك حظًّا لنفْسِه مِن الحُظوظِ؛ إمَّا لعدَمِ تذَكُّرِه لنفْسِه؛ لِاطِّراحِ حظِّها حتَّى يَصيرَ مِن قَبيلِ ما يُنسى، وإمَّا قوَّة يقينٍ بالله؛ لأنَّه عالِمٌ به، وبيَدِه مَلَكوتُ السَّمواتِ والأرضِ، وهو حَسْبُه فلا يُخيبُه، أو عدم التِفاتٍ إلى حظِّه يقينًا بأنَّ رِزقَه على الله، فهو النَّاظرُ له بأحسَنَ ممَّا يَنظُرُ لِنَفْسِه، أو أنَفَة مِن الالتِفاتِ إلى حظِّه مع حقِّ الله تعالى، أو لغيرِ ذلك مِن المقاصِدِ الواردةِ على أصحابِ الأحوالِ، وفي مِثلِ هؤلاء جاء: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [218] يُنظر: ((الموافقات)) للشاطبي (2/321) و (3/66). .
5- مَن مَلَكَ نَفْسَه وقَهَرَها ودانَها، عَزَّ بذلك؛ لأنَّه انتصرَ على أشدِّ أعدائِه، وقَهَره وأسَرَه وكُفِيَ شَرَّه؛ قال تعالى: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، فحَصَرَ سُبحانَه الفلاحَ في وقايةِ شُحِّ نَفْسِه، وتَطَلُّعِها إلى ما مُنِعَتْ منه، وحِرْصِها على ما يَضِيرُها ممَّا تَشتَهيه مِن عُلُوٍّ وتَرَفُّعٍ، ومالٍ وجاهٍ، وأهلٍ ومَسكَنٍ، ومأكلٍ ومَشرَبٍ ومَلْبَسٍ، وغيرِ ذلك؛ فإنَّها تَتَطَلَّعُ إلى ذلك كلِّه وتَشتَهيه، وهو عينُ هلاكِها، ومنه يَنشَأُ البَغيُ والحَسَدُ والحِقدُ، فمَن وُقِيَ شُحَّ نفْسِه فقد قَهَرها، وقَصَرها على ما أُبِيحَ لها وأُذِنَ لها فيه، وذلك عينُ الفَلاحِ [219] يُنظر: ((مجموع رسائل ابن رجب)) (1/144). .
6- في قَولِه تعالى: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ تحريمُ الشُّحِّ، فدَلَّتِ الآيةُ على أنَّ مَن لم يُوقَ شُحَّ نفْسِه فلا فَلاحَ له [220] يُنظر: ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (2/487). .
7- قَولُ اللهِ تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا هذا مِن فضائِلِ الإيمانِ: أنَّ المؤمِنينَ يَنتَفِعُ بعضُهم ببَعضٍ، ويَدعو بعضُهم لبَعضٍ؛ بسبَبِ المُشارَكةِ في الإيمانِ المُقتَضي لعَقدِ الأُخُوَّةِ بيْنَ المُؤمِنينَ، الَّتي مِن فُروعِها أن يَدعوَ بَعضُهم لبَعضٍ، وأن يُحِبَّ بَعضُهم بعضًا [221] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 851). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قال تعالى: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ فمدَحَ اللهُ المُهاجِرينَ والأنصارَ بستَّةِ أوصافٍ؛ الأوَّلُ: أنَّ هِجرةَ هؤلاء المُهاجِرينَ ما كانت مِن أجْلِ الدُّنيا، بل كانت مِن أجْلِ ابتِغاءِ مَرضاتِ الله. والثَّاني: أنَّهم كانوا ناصِرينَ لدينِ الله ورسولِه. والثَّالثُ: أنَّهم كانوا صادِقينَ قولًا وفِعلًا. والرَّابعُ: أنَّ الأنصارَ كانوا يُحِبُّون مَن هاجَرَ إليهم. والخامسُ: أنَّهم كانوا يُسَرُّون إذا حصَل شَيءٌ للمُهاجِرينَ. والسَّادسُ: أنَّهم كانوا يُقَدِّمونهم على أنفُسِهم مع احتياجِهم. وهذه الأوصافُ السِّتَّةُ تدُلُّ على كمالِ الإيمانِ، ومَنِ اعتقَد في حقِّهم غيرَ هذا فهو مُخطئٌ [222] يُنظر: ((إظهار الحق)) لمحمد رحمت الله الهندي (3/935). ؛ ففي هذه الآياتِ ذَكَر اللهُ تعالى أصحابَ نبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأثْنى عليهم، فهذا الآنَ حُجَّةٌ على كلِّ مَن سَبَّ واحِدًا منهم أو تَنَقَّصَه، ودليلٌ على أنَّ مَن أتى في أصحابِ نبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خلِافَ الجَميلِ؛ أنَّه رادٌّ على اللهِ تعالى، وغيرُ راضٍ لدِينِه -جَلَّ وتعالى- بما رَضِيَه هو له بنَصِّ القرآنِ الَّذي لا يأتيه الباطِلُ مِن بيْنِ يَدَيه ولا مِن خَلْفِه [223] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقصاب (4/258، 259). .
2- في قَولِه تعالى: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ إلى قَولِه: إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ أنَّ الصَّحابةَ جميعَهم عُدولٌ، ولم يُخالِفْ في ذلك إلَّا شُذوذٌ مِن المُبتَدِعةِ [224] يُنظر: ((الإصابة)) لابن حجر (1/162). .
3- قَولُ اللهِ تعالى: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وصَفَهم بالفَقرِ؛ لأنَّهم كانوا عندَ نُزولِ السُّورةِ كذلك [225] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/435). .
4- قولُ اللهِ تعالى: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ تمسَّك بَعضُ العُلَماءِ بهذه الآيةِ على إمامةِ أبي بكرٍ رَضِيَ الله عنه، فقال: هؤلاءِ الفُقَراءُ مِن المهاجِرينَ والأنصارِ كانوا يقولونَ لأبي بَكرٍ: (يا خليفةَ رَسولِ اللهِ)، واللهُ يَشهَدُ على كَونِهم صادقينَ؛ فوَجَب أن يَكونوا صادِقينَ في قَولِهم: (يا خليفةَ رَسولِ اللهِ)، ومتى كان الأمرُ كذلك وجَبَ الجَزمُ بصِحَّةِ إمامتِه [226] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (29/507، 508). .
5- في قَولِه تعالى: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا أنَّ الحَربيَّ لو أَسْلَمَ وبيَدِه مالُ مُسلمٍ قد أَخَذَه مِن المُسلِمينَ بطَريقِ الاغتنامِ ونحوِه ممَّا لا يَمْلِكُ به مُسلِمٌ مِن مُسلمٍ؛ لكَونِه مُحَرَّمًا في دِينِ الإسلامِ- كان له مِلْكًا، ولم يَرُدَّه إلى المُسلمِ الَّذي كان يَمْلِكُه. ووَجهُ الدَّلالةِ: أنَّه سُبحانَه بَيَّنَ أنَّ المُسلِمينَ أُخرِجوا مِن ديارِهم وأموالِهم بغيرِ حَقٍّ حتَّى صاروا فُقَراءَ بعدَ أنْ كانوا أغنياءَ، ثمَّ إنَّ المُشرِكينَ استَولَوا على تلك الدِّيارِ والأموالِ، وكانت باقيةً إلى حينِ الفَتحِ، وقد أسلَمَ مَنِ استَولى عليها في الجاهِليَّةِ، ثمَّ لم يَرُدَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على أحَدٍ منهم أُخرِجَ مِن دارِه بعدَ الفَتحِ والإسلامِ دارًا ولا مالًا، بل قيلَ للنَّبيِّ يومَ الفتحِ: أينَ تَنزِلُ في دارِك بمكَّةَ؟ فقال: ((وهل تَرَك عَقِيلٌ مِن رباعٍ أو دورٍ)) [227] أخرجه البخاريُّ (1588) واللَّفظُ له، ومسلمٌ (1351) مِن حديثِ أُسامةَ بنِ زَيدٍ رضيَ الله عنهما. ؟! وسأله المهاجِرونَ أنْ يَرُدَّ عليهم أموالَهم الَّتي استولى عليها أهلُ مكَّةَ، فأبى ذلك صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأقَرَّها بيَدِ مَنِ استولى عليها بعدَ إسلامِه [228] يُنظر: ((الصارم المسلول)) لابن تيمية (ص: 154). .
6- في قَولِه تعالى: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ثُبوتُ فَضْلِ المهاجِرينَ؛ لِمَا اشتملتْ عليه مِن أوصافِهم الجَميلةِ، وشهادةِ اللهِ تعالى لهم بالصِّدْقِ [229] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (7/9). ، واعلَمْ أنَّه ليس في المهاجِرينَ مُنافِقٌ، وإنَّما كان النِّفاقُ في قبائلِ الأنصارِ؛ لأنَّ أحدًا لم يُهاجِرْ إلَّا باختيارِه، والكافِرُ بمكَّةَ لم يكُنْ يَختارُ الهِجرةَ ومُفارَقةَ وَطَنِه وأهلِه لِنَصْرِ عدوِّه، وإنَّما يَختارُها الَّذين وَصَفَهم اللهُ تعالى بقَولِه: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [230] يُنظر: ((منهاج السنة النبوية)) لابن تيمية (8/449). .
قَولُ اللهِ تعالى: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا يدُلُّ على أنَّ المهاجِرينَ أفضَلُ مِن الأنصارِ؛ لأنَّ اللهَ قدَّمَهم بالذِّكرِ، وأخبَرَ أنَّ الأنصارَ لا يَجِدونَ في صُدورِهم حاجةً مِمَّا أُوتُوا؛ فدَلَّ على أنَّ اللهَ تعالى آتاهم ما لم يُؤتِ الأنصارَ ولا غَيرَهم، ولأنَّهم جَمَعوا بينَ النُّصْرةِ والهِجْرةِ [231] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 850). ؛ فقد هاجَروا أوطانَهم وأموالَهم وأهلِيهم إلى اللهِ ورَسولِه، ونَصَروا اللهَ ورَسولَه، قال اللهُ تعالى في وَصفِ المهاجِرينَ: وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ، فنَصَّ على الهِجرةِ، ونَصَّ على النُّصرةِ؛ فهم رَضِيَ اللهُ عنهم أفضلُ مِن الأنصارِ، وهذا مِن حيثُ الجِنسُ [232] يُنظر: ((شرح العقيدة السفارينية)) لابن عثيمين (1/582). .
7- إنْ قيلَ: كيف قال: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ، وإنَّما تُتَبَوَّأُ الدَّارُ، أي: تُسكَنُ، ولا يُتَبَوَّأُ الإيمانُ؟
فالجوابُ مِن وَجهَينِ:
 الأوَّلُ: أنَّ معناه: تبَوَّؤا الدَّارَ، وأخلَصوا الإيمانَ، فهو كقَولِك: عَلَفْتُها تِبنًا وماءً بارِدًا. تقديرُه: علَفْتُها تِبنًا، وسَقَيتُها ماءً بارِدًا.
 الثَّاني: أنَّ المعنى: أنَّهم جَعَلوا الإيمانَ كأنَّه مَوطِنٌ لهم؛ لتمَكُّنِهم فيه، كما جَعَلوا المدينةَ كذلك.
فإنْ قيل: قَولُه: مِنْ قَبْلِهِمْ يَقتضي أنَّ الأنصارَ سَبَقوا المهاجِرينَ بنُزولِ المدينةِ وبالإيمانِ، فأمَّا سَبْقُهم لهم بنزولِ المدينةِ فلا شَكَّ فيه؛ لأنَّها كانت بلَدَهم، وأمَّا سَبْقُهم لهم بالإيمانِ فمُشكِلٌ؛ لأنَّ أكثَرَ المهاجِرينَ أسلَمَ قبْلَ الأنصارِ؟
فالجوابُ مِن وَجهَينِ:
 أحَدُهما: أنَّه أراد بقَولِه: مِنْ قَبْلِهِمْ مِن قَبلِ هِجْرَتِهم.
والآخَرُ: أنَّه أراد: تبَوَّؤا الدَّارَ مع الإيمانِ معًا، أي: جَمَعوا بيْن الحالتَينِ قبْلَ المهاجِرينَ؛ لأنَّ المهاجِرينَ إنَّما سَبَقوهم بالإيمانِ لا بتَبَوُّءِ الدَّارِ، فيكونُ الإيمانُ على هذا مفعولًا معه، وهذا الوَجهُ أحسَنُ؛ لأنَّه جوابٌ عن هذا السُّؤالِ، وعن السُّؤالِ الأوَّلِ؛ فإنَّه إذا كان الإيمانُ مفعولًا معه، لم يَلزَمِ السُّؤالُ الأوَّلُ؛ إذ لا يَلزَمُ إلَّا إذا كان الإيمانُ مَعطوفًا على الدَّارِ [233] يُنظر: ((تفسير ابن جزي)) (2/360). .
8- قال اللهُ تعالى: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أخبَرَ عنهم بأنَّهم يَبذُلونَ ما عِندَهم مِنَ الخَيرِ مع الحاجةِ، وأنَّهم لا يَكرَهونَ ما أُنعِمَ به على إخوانِهم، وضِدُّ الأوَّلِ البُخلُ، وضِدُّ الثَّاني الحَسَدُ؛ ولهذا كان البُخلُ والحَسَدُ مِن نَوعٍ واحِدٍ؛ فإنَّ الحاسِدَ يَكرَهُ عَطاءَ غَيرِه، والباخِلَ لا يُحِبُّ عَطاءَ نَفْسِه [234] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (18/334). .
9- قَولُ اللهِ تعالى: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ في ذِكرِ الدَّارِ -وهي المدينةُ- مع ذِكرِ الإيمانِ: إيماءٌ إلى فَضيلةِ المدينةِ، بحيث جَعَل تبَوُّءَهم المدينةَ قَرينَ الثَّناءِ عليهم بالإيمانِ [235] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/91). .
10- قال اللهُ تعالى: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ هذا ثناءٌ عليهم بما تقَرَّر في نُفوسِهم مِن أُخُوَّةِ الإسلامِ؛ إذ أحَبُّوا المهاجِرينَ، وشأنُ القبائِلِ أن يتحَرَّجوا مِن الَّذين يُهاجِرونَ إلى ديارِهم لِمُضايقتِهم [236] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/91). .
11- قال اللهُ تعالى: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وهذا المقامُ أعلى مِن حالِ الَّذين وَصَف اللهُ بقَولِه: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ [الإنسان: 8] ، وقَولِه: وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ [البقرة: 177] ؛ فإنَّ هؤلاءِ يتصَدَّقونَ وهم يُحِبُّونَ ما تصَدَّقوا به، وقد لا يكونُ لهم حاجةٌ إليه، ولا ضرورةٌ به، وهؤلاء آثَروا على أنفُسِهم مع خَصاصتِهم وحاجتِهم إلى ما أنفَقوه. ومِن هذا المقامِ تَصَدُّقُ الصِّدِّيقِ رضي اللهُ عنه بجَميعِ مالِه. وهكذا الماءُ الَّذي عُرِضَ على عِكْرِمةَ وأصحابِه يومَ اليَرموكِ، فكُلٌّ منهم يأمُرُ بدَفعِه إلى صاحِبِه، وهو جَريحٌ مُثقَلٌ أحوَجُ ما يكونُ إلى الماءِ، فرَدَّه الآخَرُ إلى الثَّالِثِ، فما وَصَل إلى الثَّالثِ حتَّى ماتوا عن آخِرِهم، ولم يَشرَبْه أحدٌ منهم، رَضِيَ اللهُ عنهم وأرضاهم [237] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (8/70، 71). !
12- التَّصَدُّقُ بجميعِ المالِ يختلِفُ باختلافِ الأحوالِ؛ فمَن كان قويًّا على ذلك يَعلَمُ مِن نَفْسِه الصَّبرَ لم يُمنَعْ، وعليه يَتنزَّلُ فِعْلُ أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رضيَ الله عنه، وإيثارُ الأنصارِ على أنْفُسِهم المهاجِرينَ ولو كان بهم خَصاصةٌ؛ قال تعالى: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ، ومَن لم يكُنْ كذلك فلا، وعليه يَتَنَزَّلُ حَديثُ: ((لا صَدَقةَ إلَّا عن ظَهْرِ غِنًى)) [238] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (11/574). والحديث أخرجه البخاريُّ معلَّقًا بصيغةِ الجزمِ قبْلَ حديث (2750)، وأخرجه موصولًا أحمدُ (7155) مِن حديثِ أبي هُريرةَ رضيَ الله عنه. صحَّح إسنادَه على شرطِ مسلمٍ شعيبٌ الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (12/69). . فالأنصارُ الَّذين أثْنى اللهُ تعالى عليهم بالإيثارِ على أنفُسِهم، فكانوا كما قال الله تعالى: وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ [البقرة: 177] ، فكان الإيثارُ فيهم أفضَلَ مِن الإمساكِ، والإمساكُ لِمن لا يَصبِرُ، ويتعَرَّضُ للمسألةِ: أَولى مِن الإيثارِ [239] يُنظر: ((أحكام القرآن)) للجَصَّاص (5/325). .
13- قَولُ اللهِ تعالى: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ذِكرُ النَّفْسِ دَليلٌ على أنَّهم في غايةِ النَّزاهةِ مِن الرَّذائِلِ؛ لأنَّ النَّفْسَ إذا طَهُرَت كان القَلبُ أطهَرَ [240] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبِقاعي (19/440). .
14- في قَولِه تعالى: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ إضافةُ الشُّحِّ إلى النَّفْسِ؛ ففيه دَلالةٌ على أنَّه غريزةٌ فيها، وفي قَولِه: وَمَنْ يُوقَ إشارةٌ إلى إمكانِ إزالةِ ذلك [241] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (11/256). ويُنظر أيضًا: ((تفسير القاسمي)) (9/188). .
15- قَولُ اللهِ تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا يُبَيِّنُ أنَّ مِن شأنِ مَن جاء مِن بَعدِ المهاجِرينَ والأنصارِ أن يَذكُرَ السَّابِقينَ -وهم المهاجِرونَ والأنصارُ- بالدُّعاءِ والرَّحمةِ، فمَن لم يكُنْ كذلك، بل ذَكَرَهم بسُوءٍ؛ كان خارِجًا من جملةِ أقسامِ المؤمِنينَ بحَسَبِ نَصِّ هذه الآيةِ [242] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (29/509). ، ومَن كان في قَلْبِه غِلٌّ على أحَدٍ مِن الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم، فليس ممَّن عَنَى اللهُ تعالى بهذه الآيةِ [243] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/444، 445). .
16- قَولُ اللهِ تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا يدُلُّ على أنَّ حَقًّا على المسلِمينَ أن يَذكُروا سَلَفَهم بخَيرٍ، وأنَّ حَقًّا عليهم محبَّةُ المهاجِرينَ والأنصارِ، وتَعظيمُهم [244] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/97). .
17- قَولُ اللهِ تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا فيه دليلٌ على وُجوبِ محبَّةِ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم؛ لأنَّه جَعَل لِمَن بَعْدَهم حَظًّا في الفَيءِ ما أقاموا على محَبَّتِهم ومُوالاتِهم والاسِتغفارِ لهم، ومَن أبغَضَهم أو واحِدًا منهم، أو اعتَقَد فيه شَرًّا، أنَّه لا حَقَّ له في الفَيءِ [245] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (18/32)، ((تفسير ابن عادل)) (18/596). ويُنظر أيضًا: ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (5/147). عن مالِكِ بنِ أنَسٍ، قال: (مَن سَبَّ أصحابَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فليس له في الفَيءِ حَقٌّ؛ يقولُ اللهُ عزَّ وجَلَّ: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا الآيةَ، هؤلاء أصحابُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الَّذين هاجَروا معه، ثمَّ قال: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ الآيةَ، هؤلاءِ الأنصارُ، ثمَّ قال: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ قال مالِكٌ: فاستثنى اللهُ عزَّ وجَلَّ فقال: يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ الآيةَ، فالفَيءُ لهؤلاء الثَّلاثةِ؛ فمَن سَبَّ أصحابَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فليس هو مِن هؤلاء الثَّلاثةِ، ولا حَقَّ له في الفَيءِ). ((السنن الكبرى)) للبيهقي (13111). ، فالفَيءُ إنَّما حَصَلَ بجِهادِ المهاجِرينَ والأنصارِ وإيمانِهم وهِجرتِهم ونُصرتِهم؛ فالمتأخِّرونَ إنَّما يَتناوَلونَه مُخلَفًا عن أولئك، مُشَبَّهًا بتَناوُلِ الوارثِ ميراثَ أبيه، فإنْ لم يكُنْ مُواليًا له لَمْ يَسْتَحِقَّ الميراثَ، فلا يَرِثُ المسلمَ الكافِرُ، فمَن لَمْ يَستغفِرْ لأولئك بل كان مُبغِضًا لهم، خَرَجَ عن الوَصفِ الَّذي وَصَفَ اللهُ به أهلَ الفيءِ، حتَّى يكونَ قلْبُه مُسلِمًا لهم، ولِسانُه داعيًا لهم [246] يُنظر: ((جامع المسائل)) لابن تيمية (3/78). ، فمَن كان له في أحدٍ مِن الصَّحابةِ قولٌ سَيِّئٌ أو بُغْضٌ، فلا حَظَّ له في الفَيءِ أخْذًا مِن هذه الآيةِ [247] يُنظر: ((الإكليل في استنباط التنزيل)) للسيوطي (ص: 259). ، ولأنَّهم سألوا اللهَ أنْ يَتَخَلَّوا مِن هذا الغِلِّ الَّذي يكونُ في القلوبِ، وهذا يَقتَضي وُجوبَ المحبَّةِ [248] يُنظر: ((شرح العقيدة السفارينية)) لابن عثيمين (1/600). .
18- في قَولِه تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ أنَّ الدُّعاءَ للغيرِ إذا كان المَدْعوُّ له مُسلِمًا فإنَّه يَنتَفِعُ به [249] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- الفاتحة والبقرة)) (3/399). ، وهذا هو المشروعُ في حقِّ الأمواتِ؛ أنْ نَدعوَ اللهَ لهم بالمَغفِرةِ والرَّحمةِ وما يَنفعُهم مِن الدُّعاءِ [250] يُنظر: ((فتاوى نور على الدرب)) لابن عثيمين (6/152). . والآيةُ فيها دَلالةٌ على انتِفاعِ الميِّتِ بدُعاءِ غَيرِ وَلَدِه له [251] يُنظر: ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (25/30). .
19- قَولُ اللهِ تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا فيه الحَثُّ على الدُّعاءِ والتَّرَضِّي عن الصَّحابةِ، وتَصفيةِ القُلوبِ مِن بُغضِ أحَدٍ مِنهم [252] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 259). ، فالاستِغفارُ للمُهاجِرينَ والأنصارِ، وطهارةُ القَلبِ مِن الغِلِّ لهم: أمرٌ يُحِبُّه اللهُ ويَرضاه، ويُثني على فاعلِه، كما أنَّه قد أَمَرَ بذلك رسولَه في قَولِه تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [محمد: 19] [253] يُنظر: ((الصارم المسلول)) لابن تيمية (ص: 574). .
20- قال اللهُ تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وصَف اللهُ مَنْ بَعْدَ الصَّحابةِ بالإيمانِ؛ لأنَّ قَولَهم: سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ دليلٌ على المُشارَكةِ في الإيمانِ، وأنَّهم تابِعونَ للصَّحابةِ في عقائِدِ الإيمانِ وأُصولِه، وهم أهلُ السُّنَّةِ والجَماعةِ، الَّذين لا يَصدُقُ هذا الوَصفُ التَّامُّ إلَّا عليهم، ووصَفَهم بالإقرارِ بالذُّنوبِ، والاستِغفارِ منها، واستِغفارِ بَعضِهم لبَعضٍ، واجتِهادِهم في إزالةِ الغِلِّ والحِقدِ عن قُلوبِهم لإخوانِهم المؤمِنينَ؛ لأنَّ دُعاءَهم بذلك مُستلزِمٌ لِما ذكَرْنا، ومتضَمِّنٌ لمحَبَّةِ بَعضِهم بَعضًا، وأن يُحِبَّ أحَدُهم لأخيه ما يُحِبُّ لِنَفسِه، وأن يَنصَحَ له حاضِرًا وغائِبًا، حيًّا ومَيِّتًا، ودَلَّت الآيةُ الكريمةُ على أنَّ هذا مِن جملةِ حُقوقِ المؤمنينَ بَعضِهم لبَعضٍ [254] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 852). .
21- قال اللهُ تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ هذه الآيةُ تدُلُّ على أنَّ الصَّحيحَ مِن أقوالِ العُلَماءِ قِسمةُ المنقولِ، وإبقاءُ العَقَارِ والأرضِ شَملًا: -أي: عامَّةً شاملةً- بيْن المُسلِمينَ أجمَعينَ، كما فَعَل عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنه، إلَّا أن يجتَهِدَ الوالي فيُنفِذَ أمرًا فيَمضي عَمَلُه فيه؛ لاختِلافِ النَّاسِ عليه- وأنَّ هذه الآيةَ قاضيةٌ بذلك؛ لأنَّ اللهَ تعالى أخبَرَ عن الفَيءِ وجعَلَه لثَلاثِ طوائِفَ: المهاجِرينَ والأنصارِ-وهم معلومون-، وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ؛ فهي عامَّةٌ في جميعِ التَّابِعينَ والآتِينَ بَعْدَهم إلى يومِ الدِّينِ [255] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (18/32). .
22- في قَولِه تعالى: وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَدٌّ على المُعتَزِلةِ والقَدَريَّةِ في خَلقِ الأفعالِ؛ إذْ مُحالٌ أنْ يَدْعوه بما هو مُنكَرٌ عِندَه -على زعمِهم- في صِفاتِه، فيُثْنيَ به عليهم [256] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقصاب (4/260). لأنَّ الجَعلَ عندَهم بمعنَى الخَلقِ، فإمَّا أن يَرجِعوا عن القولِ بخَلقِ القرآنِ، وإمَّا أن يُقِرُّوا بخَلقِ الأفعالِ. يُنظر: ((النكت)) للقصاب (1/342). !
23- في قَولِه تعالى: وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا لم يَقُلْ سُبحانَه: «للَّذين سَبَقونا بالإيمانِ»؛ لِيَشملَ هؤلاء السَّابقِين وغَيرَهم إلى يومِ القيامةِ [257] يُنظر: ((شرح العقيدة الواسطية)) لابن عثيمين (2/251). .
24- إنْ قِيل: كيف وُصِفَ الأوَّلون بالمُهاجَرةِ وابتِغاءِ الفضْلِ والنُّصرةِ والصِّدقِ، والأنصارُ بالرُّسوخِ في الإيمانِ ومَحبَّةِ الإيواءِ والسَّخاوةِ البالغةِ حدَّها، والفَلاحِ في الآجِلِ، واقتُصِرَ في مدْحِ هؤلاء على قولِه: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا؟
 فالجوابُ: كَفى بذلك بهم مَدْحًا؛ أنْ يُوفِّقَهم إلى الدُّعاءِ لأولئك السَّادةِ الكِرامِ، ويَمنَحَهم مَحبَّتَهم، ويُدخِلَهم في زُمْرتِهم بأُخوَّةِ الإسلامِ [258] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (15/332، 333). .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالَى: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ بدَلٌ ممَّا يَصلُحُ أنْ يكونَ بَدلًا منه مِن أسماءِ الأصنافِ المُتقدِّمةِ الَّتي دخَلَت عليها اللَّامُ مُباشرةً وعطْفًا في قولِه: وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [الحشر: 7] بدَلَ بَعضٍ مِن كُلٍّ -على قولٍ-. وأوَّلُ فائدةٍ في هذا البدَلِ التَّنبيهُ على أنَّ ما أفاءَ اللهُ على المسلِمينَ مِن أهلِ القُرى المَعْنيَّةِ في الآيةِ لا يَجْري قَسْمُه على ما جَرى عليه قَسْمُ أموالِ بَني النَّضيرِ، فكأنَّه قِيل: ولِذي القُربى والْيَتامى والمساكينِ وابنِ السَّبيلِ، للفُقراءِ منهم لا مُطلقًا -على قولٍ-، يَدخُلُ في ذلك المهاجِرونَ والأنصارُ والَّذين آمَنوا بعْدَهم. وأُعيدَ اللامُ مع البدَلِ لرَبْطِه بالمُبدَلِ منه؛ لانفِصالِ ما بيْنَهما بطُولِ الكلامِ مِن تَعليلٍ وتَذييلٍ وتَحذيرٍ، ولإفادةِ التَّأكيدِ. ويَجوزُ أنْ تكونَ جُملةُ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ ابتدائيَّةً، على حذْفِ المُبتدأِ، والتَّقديرُ: (ما أفاء اللهُ على رسولِه للمُهاجِرينَ الفُقراءِ ...) إلى آخِرِ ما عُطِفَ عليه، فتَكونَ هذه مَصارِفَ أُخرى للْفَيءِ. ويَجوزُ أنْ تكونَ مَعطوفةً بحذْفِ حرْفِ العطْفِ على طَريقةِ التَّعدادِ، كأنَّه قِيل: فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ... إلى آخِرِه، ثمَّ قيل: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ؛ فعلى هذَينِ القولَينِ يَنتفِي كونُها قَيْدًا للجُملةِ الَّتي قبْلَها [259] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/87 - 89). .
- ووُصِفَ المهاجِرون بـ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؛ تَنبيهًا على أنَّ إعطاءَهُم مُراعًى فيه جَبْرُ ما نُكِبوا به مِن ضَياعِ الأموالِ والدِّيارِ، ومُراعًى فيه إخلاصُهم الإيمانَ، وأنَّهم مُكرِّرُون نصْرَ دِينِ اللهِ ورسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فذُيِّلَ بقولِه: أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [260] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/89). .
- قولُه: يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا حالٌ مُقيِّدةٌ لإخراجِهم، وُصِفوا أوَّلًا بما يدُلُّ على استِحقاقِهم للْفَيءِ مِن الإخراجِ مِن الدِّيارِ والأموالِ، وقُيِّدَ ذلكَ ثانيًا بما يوُجِبُ تَفخيمَ شأْنِهم ويُؤكِّدُه [261] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/200)، ((تفسير أبي السعود)) (8/228). .
- قولُه: أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ اسمُ الإشارةِ أُولَئِكَ لتَعظيمِ شأْنِ المهاجِرين، وللتَّنبيهِ على أنَّ استِحقاقَهم وصْفَ الصَّادِقينَ مِن أجْلِ ما سبَقَ اسمَ الإشارةِ مِن الصِّفاتِ؛ وهي أنَّهم أُخرِجوا مِن دِيارِهم وأمْوالِهم، وابتِغاؤهم فضْلًا مِن اللهِ ورِضوانًا، ونصْرُهم اللهَ ورسولَه؛ فإنَّ الأعمالَ الخالصةَ فيما عُمِلَت مِن أجْلِه يَشهَدُ للإخلاصِ فيها ما يَلحَقُ عامِلَها مِن مَشاقَّ وأذًى وإضرارٍ، فيَستطيعُ أنْ يَخلُصَ منها لو تَرَكَ ما عَمِلَه مِن أجْلِها أو قصَّرَ فيه [262] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/89). .
- وجُملةُ هُمُ الصَّادِقُونَ مُفيدةٌ القصْرَ مِن أجْلِ ضَميرِ الفصْلِ، وهو قَصرٌ ادِّعائيٌّ [263] القَصرُ أو الحَصرُ: في اصطِلاحِ البلاغيِّينَ هو تَخصيصُ شَيءٍ بشَيءٍ وحصْرُه فيه، ويُسمَّى الأمرُ الأوَّلُ: مَقصورًا، والثَّاني: مقصورًا عليه، مِثلُ: إنَّما زَيدٌ قائمٌ، و: ما ضرَبتُ إلَّا زيدًا. ويَنقسِمُ إلى قصرٍ حقيقيٍّ، وقصرٍ إضافيٍّ، وادِّعائيٍّ، وقَصْرِ قَلْبٍ؛ فالحقيقيُّ هو: أن يختصَّ المقصورُ بالمقصورِ عليه بحسَبِ الحقيقةِ والواقِعِ، بألَّا يتعدَّاه إلى غيرِه أصلًا، مِثلُ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، حيثُ قُصِر وصْفُ الإلَهيَّةِ الحقِّ على مَوصوفٍ هو اللهُ وحْدَه، وهذا مِن قصرِ الصِّفةِ على المَوصوفِ، وهو قصرٌ حقيقيٌّ. والادِّعائيُّ: ما كان القصرُ الحَقيقيُّ فيه مَبنيًّا على الادِّعاءِ والمُبالَغةِ، بتنزيلِ غَيرِ المذكورِ مَنزِلةَ العدَمِ، وقصْرِ الشَّيءِ على المذكورِ وحْدَه. يُنظر: ((مِفتاح العلوم)) للسكَّاكي (ص: 288)، ((الإيضاح في علوم البلاغة)) للقزويني (1/118) و(3/6)، ((التعريفات)) للجرجاني (ص: 175، 176)، ((الإتقان)) للسيوطي (3/167)، ((جواهر البلاغة)) للهاشمي (ص: 167، 168)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن بن حسن حَبَنَّكَة الميداني (1/525). ؛ للمُبالَغةِ في وصْفِ المهاجِرين بالصِّدقِ الكاملِ، كأنَّ صِدقَ غَيرِهم ليس صِدقًا في جانبِ صِدقِهم [264] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/89). .
2- قولُه تعالَى: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
- قولُه: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ تَعريفُ (الدَّارِ) هنا للعهْدِ؛ لأنَّ المُرادَ بالدَّارِ المدينةُ، والمعْنى: الَّذين همْ أصحابُ الدَّارِ، وهذا تَوطئةٌ لقولِه: يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ [265] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/90). .
- وعلى القولِ بأنَّ الواوَ في وَالْإِيمَانَ للمعيَّةِ، و(الإيمانَ) مَفعولٌ معه، فهو يُفيدُ الثَّناءَ عليهم بأنَّ دارَ الهجرةِ دارُهم آوَوا إليها المهاجِرينَ؛ لأنَّها دارُ مُؤمنينَ، لا يُماثِلُها يَومَئذٍ غيرُها [266] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/90، 91). .
- وقولُه: وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا أُرِيدَ بالوِجدانِ الإدراكُ العقليُّ، وكُنِّيَ بانتِفاءِ وِجدانِ الحاجةِ عن انتِفاءِ وُجودِها؛ لأنَّها لو كانت مَوجودةً لأدْرَكُوها في نُفوسِهم؛ فتَكونُ (مِن) في قولِه: مِمَّا أُوتُوا ابتدائيَّةً، أي: مأْرَبًا أو رَغبةً ناشئةً مِن فَيْءٍ أُعطِيَه المُهاجِرونَ. ويَجوزُ وجْهٌ آخَرُ بأنْ يُحمَلَ لَفظُ (حاجة) على أنَّه اسمُ مَصدرِ الاحتياجِ؛ فإنَّ الحاجةَ بهذا المعْنى يصِحُّ وُقوعُها في الصُّدورِ؛ لأنَّها مِن الوِجدانيَّاتِ والانفعالاتِ، ومعْنى نفْيِ وِجدانِ الاحتياجِ في صُدورِهم أنَّهم لفرْطِ حُبِّهم للمُهاجِرينَ صاروا لا يُخامِرُ نُفوسَهم أنَّهم مُفتقِرون إلى شَيءٍ ممَّا يُؤتاهُ المُهاجِرونَ، أي: فهُمْ أغنياءُ عمَّا يُؤتاهُ المهاجِرونَ، فلا تَستشرِفُ نُفوسُهم إلى شَيءٍ ممَّا يُؤتاهُ المُهاجِرون، بلْهَ أنْ يَتطلَّبُوه، وتَكونَ (مِن) في قولِه تَعالى: مِمَّا أُوتُوا للتَّعليلِ، أي: حاجةً لأجْلِ ما أُوتِيَه المهاجِرون، أو ابتدائيَّةً، أي: حاجةً ناشئةً عمَّا أُوتِيَه المهاجِرون؛ فيُفيدَ انتفاءَ وِجدانِ الحاجةِ في نُفوسِهم وانتفاءَ أسبابِ ذلك الوِجدانِ ومَناشِئِه المُعتادةِ في النَّاسِ تَبَعًا للمُنافَسةِ والغِبطةِ، وقد دلَّ انتفاءُ أسبابِ الحاجةِ على مُتعلَّقِ حَاجَةً المَحذوفِ؛ إذِ التَّقديرُ: ولا يَجِدون في نُفوسِهم حاجةً لشَيءٍ أُوتِيَه المهاجِرون [267] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/92، 93). .
- قولُه: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ الإيثارُ: تَرجيحُ شَيءٍ على غَيرِه بمَكرُمةٍ أو مَنفعةٍ، والمعْنى: يُؤثِرون على أنفُسِهم في ذلك اختيارًا منهم، وهذا أعْلى دَرَجةً ممَّا أفادَه قولُه: وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا؛ فلذلك عُقِّبَ به، ولم يُذكَرْ مَفعولُ (يُؤْثِرُونَ)؛ لدَلالةِ قولِه: مِمَّا أُوتُوا عليه [268] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/93). .
- وقولُه: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ تَذييلٌ، والواوُ اعتراضيَّةٌ، وتَذييلُ الكلامِ بذِكرِ فضْلِ مَن يُوقَونَ شُحَّ أنفُسِهم بعْدَ قولِه: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ؛ يُشيرُ إلى أنَّ إيثارَهم على أنفُسِهم حتَّى في حالةِ الخَصاصةِ، هو سَلامةٌ مِن شُحِّ الأنفُسِ، فكأنَّه قِيل: لسَلامتِهم مِن شُحِّ الأنفُسِ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [269] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/229)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/94). .
- قولُه: فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ اسمُ الإشارةِ لتَعظيمِ هذا الصِّنفِ مِن النَّاسِ [270] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/95). .
- وصِيغةُ القصْرِ المُؤدَّاةُ بضَميرِ الفصْلِ (همْ) للمُبالَغةِ؛ لكثرةِ الفَلاحِ الَّذي يَترتَّبُ على وِقايةِ شُحِّ النَّفْسِ، حتَّى كأنَّ جِنسَ المُفلِحِ مَقصورٌ على ذلك المُوقَى [271] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/95). .
3- قولُه تعالَى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ
- قولُه: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ المَجيءُ مُستعمَلٌ للطُّروءِ والمَصيرِ إلى حالةٍ تُماثِلُ حالَ الأنصارِ والمهاجرينَ، وهي حالةُ الإسلامِ، فكأنَّهم أَتَوا إلى مَكانٍ لإقامتِهم. وإنَّما صِيغَ جَاءُوا بصِيغةِ الماضي تَغليبًا؛ لأنَّ مِن العرَبِ وغيرِهم مَن أسْلَموا بعْدَ الهجرةِ، فكأنَّه قيل: الَّذين جاؤوا ويَجيئون، بدَلالةِ لَحْنِ الخِطابِ، والمقصودُ مِن هذا زِيادةُ دفْعِ إيهامِ أنْ يَختَصَّ المهاجِرون بما أفاء اللهُ على رسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن أهلِ القُرى كما اختَصَّهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بفَيءِ بني النَّضيرِ [272] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/96). .
- قولُه: رَءُوفٌ رَحِيمٌ صِيغَتَا مُبالَغةٍ، أي: مُبالِغٌ في الرَّأفةِ والرَّحمةِ، فحَقيقٌ بأنْ تُجيبَ دُعاءَنا [273] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/230). .