موسوعة أصول الفقه

المَبحَثُ الثَّامِنُ: اللَّامُ


اللَّامُ مِنَ الحُروفِ التي نالَتِ اهتِمامًا كَبيرًا مِنَ العُلَماءِ، وكانت مَحَلَّ عِنايَتِهم، وألَّفوا فيها مُؤَلَّفاتٍ مُستَقِلَّةً ، وهيَ تُفيدُ مَعنى الاختِصاصِ، أي: أنَّها تَدُلُّ على أنَّ بَينَ الأوَّلِ والثَّاني نِسبةً باعتِبارِ ما دَلَّ عليه مُتَعَلِّقُه ، وهو أصلُ مَعاني اللَّامِ، ويَدخُلُ فيه المِلكُ والِاستِحقاقُ وغَيرُه مِنَ المَعاني ؛ فالِاختِصاصُ مَعنًى عامٌّ لجَميعِ مَوارِدِ استِعمالِ اللَّامِ، ومِثالُه: هذا صَديقٌ لزَيدٍ وأخٌ له، ونَحوُ: الجَنَّةُ للمُؤمِنينَ، ومِنه قَولُ اللهِ تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ [آل عمران: 97] ، وقَولُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ: وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ [الأنبياء: 81] ، وقَولُ اللهِ سُبحانَه: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن: 46] .
ومِنَ المَعاني التي ذُكِرَت لحَرفِ اللَّامِ:
1- المِلْكُ :
وهو مِن أشهَرِ أنواعِ الاختِصاصِ، ومِنه قَولُ اللهِ سُبحانَه: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ [النساء: 12] ، ومِثلُ قَولِ القائِلِ: المالُ لزَيدٍ، أوِ الدَّابَّةُ لزَيدٍ، أوِ العَبدُ لزَيدٍ، وتُعرَفُ لامُ التَّمليكِ بإضافةِ ما يَقبَلُ المِلكَ لمَن يَقبَلُ المِلكَ، ومِنه قَولُه تعالى: وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ .
2- الاستِحقاقُ:
وذلك حينَما تُضافُ إلى ما لا يَصلُحُ له التَّمَلُّكُ، أو صَحَّ أن يَقَعَ له التَّمَلُّكُ، لَكِن أُضيفَ إليه ما ليس بمَملوكٍ له ، نَحوُ: النَّارُ للكافِرينَ، والسَّرجُ للدَّابَّةِ .
وفرَّقَ القَرافيُّ بَينَ الاستِحقاقِ والِاختِصاصِ، بأنَّ الاستِحقاقَ أخَصُّ؛ فإنَّ ضابِطَه ما شَهِدَت به العادةُ، كما شَهِدَت للفرَسِ بالسَّرجِ، وللدَّارِ بالبابِ، فهذا هو الاستِحقاقُ، وقد يَختَصُّ الشَّيءُ بالشَّيءِ مِن غَيرِ شَهادةٍ في العادةِ، وهذا هو الاختِصاصُ، نَحو: هذا ابنٌ لزَيدٍ؛ فإنَّه ليس مِن لَوازِمِ الإنسانِ أن يَكونَ له ولَدٌ .
3- التَّعليلُ:
وهيَ بمَعنى: "مِن أجلِ"، نَحوُ: هذه العُقوبةُ للتَّأديبِ، وزُرتُك لشَرَفِك، ومِنه قَولُ اللهِ تعالى: لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ [النساء: 105] .  
4-للتَّأكيدِ:
إمَّا لتَقويةِ عامِلٍ ضَعُف بالتَّأخيرِ، نَحوُ: إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ [يوسف: 43] ؛ فإنَّ الأصلَ: إن كُنتُم تَعبُرونَ الرُّؤيا، فلَمَّا قدَّمَ المَفعولَ زادَ اللَّامَ، أو لكَونِه فرعًا في العَمَلِ، نَحوُ: إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ [هود: 107] وأصلُه: فعَّالٌ ما .
5- لامُ العاقِبةِ:
ويُعَبَّرُ عنها بلامِ الصَّيرورةِ، وبلامِ المَآلِ، نَحوُ قَولِ اللهِ تعالى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا [القصص: 8] .
6- بمَعنى على:
نَحوُ قَولِ اللهِ تعالى: يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا [الإسراء: 107] ، ومِنه قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لعائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها في قِصَّةِ بَريرةَ: ((واشتَرِطي لهمُ الولاءَ)) ، والمُرادُ: عليهم .
7- بمَعنى في:
تُستَعمَلُ اللَّامُ بمَعنى "في"، نَحوُ قَولِ اللهِ تعالى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ [الأنبياء: 47] ، أي: في يَومِ القيامةِ .
ومِنَ الأمثِلةِ التَّطبيقيَّةِ:
استيعابُ الأصنافِ الثَّمانيةِ في الزَّكاةِ:
قال اللهُ تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ [التوبة: 60] ؛ حَيثُ أضافتِ الآيةُ الصَّدَقاتِ إلى الأصنافِ بحَرفِ الجَرِّ "اللَّامِ"، ووقَعَ خِلافٌ بَينَ الفُقَهاءِ في استيعابِ الأصنافِ الثَّمانيةِ هَل يَلزَمُ أو لا؟ وسَبَبُ الخِلافِ: الاختِلافُ في مَعنى اللَّامِ؛ فمَن قال: إنَّها للِاختِصاصِ، قال: لا يَجِبُ استيعابُ الأصنافِ الثَّمانيةِ، وهمُ الحَنَفيَّةُ ، والمالِكيَّةُ ، والحَنابِلةُ ، ومَن قال: إنَّها للمِلكِ -وهمُ الشَّافِعيَّةُ - قال: يَجِبُ استيعابُهم .

انظر أيضا:

  1. (1) منها مَثَلًا: كِتابُ اللَّاماتِ لأبي القاسِم الزَّجَّاجيِّ.
  2. (2) يُنظر: ((البرهان)) للزركشي (4/339).
  3. (3) قال الزَّركَشيُّ: (اللَّامُ حَقيقةٌ في الاختِصاصِ، كقَولِك: المالُ لزَيدٍ. وقَولُهم: للمِلكِ، مَجازٌ مِن وَضعِ الخاصِّ مَوضِعَ العامِّ؛ لأنَّ المِلكَ اختِصاصٌ، وليس كُلُّ اختِصاصٍ مِلكًا. فإذا قيلَ: هيَ للِاختِصاصِ دَخَل فيه المِلكُ وغَيرُه، كقَولِك: السَّرجُ للدَّابَّةِ، والبابُ للمَسجِدِ. أي: هما مُختَصَّانِ بهما، ولَم يوجَدْ فيهما حَقيقةُ المِلكِ). ((البحر المحيط)) (3/164).
  4. (4) يُنظر: ((شرح تنقيح الفصول)) للقرافي (ص: 103)، ((البحر المحيط)) للزركشي (3/165،164)، ((الفوائد السنية)) للبرماوي (3/132)، ((التحبير)) للمرداوي (2/651).
  5. (5) قال القَرافيُّ: (ضابِطُ التَّمليكِ: أن يُضافَ ما يَقبَلُ المِلكَ لمَن يَقبَلُه، فيُفيدُ المِلكَ، ومِنه قَولُنا: العَبدُ يَملِكُ؛ لقَولِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((مَن باعَ عبدًا ولَه مالٌ))، والمواطِنُ في ذلك ثَلاثةٌ: مَوطِنٌ لا يَقبَلُ المِلكَ، نَحوُ: المالُ للجَمَلِ، ومَوطِنٌ يَقبَلُ المِلكَ، وهو مُعَيَّنٌ، نَحوُ: المالُ لزَيدٍ، فيُفيدُ لذلك في الثَّاني إجماعًا، وعَدَمَه في الأوَّلِ إجماعًا، ومَوطِنٌ غَيرُ مُعَيَّنٍ، نَحوُ قَولِه تعالى: إِنَّما الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ الآية، فمَن لاحَظَ قَبولَ النَّوعِ للمِلكِ، قال: اللَّامُ للمِلكِ، ومَن لاحَظَ عَدَمَ التَّعيينِ وعَدَمَ الحَصرِ، قال: تَمليكُ غَيرِ المَحصورِ، ولا يُتَصَوَّرُ جَعلُها للِاختِصاصِ؛ فالواحِدُ والعَدَدُ المَحصورُ مُتَّفَقٌ عليهما في إفادةِ المِلكِ، وغَيرُ المَحصورِ مُختَلَفٌ فيهـ). ((شرح تنقيح الفصول)) (ص: 104).
  6. (6) يُنظر: ((نزهة الأعين النواظر)) لابن الجوزي (ص: 536)، ((الإحكام)) للآمدي (1/62)، ((البحر المحيط)) للزركشي (3/165)، ((الغيث الهامع)) لأبي زرعة العراقي (ص: 216)، ((الفوائد السنية)) للبرماوي (3/132)، ((التحبير)) للمرداوي (2/651)، ((رفع النقاب عن تنقيح الشهاب)) للشوشاوي (2/246). ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (1/255)، ((الوجيز)) لمحمد الزحيلي (2/213).
  7. (7) يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (3/166)، ((الوجيز)) لمحمد الزحيلي (2/213).
  8. (8) يُنظر: ((شرح تنقيح الفصول)) للقرافي (ص: 103)، ((الغيث الهامع)) لأبي زرعة العراقي (ص: 215)، ((الفوائد السنية)) للبرماوي (3/132)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (1/255).
  9. (9) يُنظر: ((شرح تنقيح الفصول)) للقرافي (ص: 104)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (1/255،254).
  10. (10) يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (3/166)، ((الغيث الهامع)) لأبي زرعة العراقي (ص: 215)، ((الوجيز)) لمحمد الزحيلي (2/215،214).
  11. (11) يُنظر: ((شرح تنقيح الفصول)) للقرافي (ص: 103)، ((تشنيف المسامع)) للزركشي (1/ 542)، ((الغيث الهامع)) لأبي زرعة العراقي (ص: 217)، ((الفوائد السنية)) للبرماوي (3/134)، ((غاية الوصول)) للسنيكي (ص: 60).
  12. (12) يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (3/166)، ((الغيث الهامع)) لأبي زرعة العراقي (ص: 216)، ((الفوائد السنية)) للبرماوي (3/132)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (1/255).
  13. (13) أخرجه البخاري (2168)، ومسلم (1504) من حديثِ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها.
  14. (14) يُنظر: ((الغيث الهامع)) لأبي زرعة العراقي (ص: 217)، ((الفوائد السنية)) للبرماوي (3/135)، ((الوجيز)) لمحمد الزحيلي (2/215).
  15. (15) يُنظر: ((الغيث الهامع)) لأبي زرعة العراقي (ص: 217)، ((الفوائد السنية)) للبرماوي (3/135).
  16. (16) يُنظر: ((التجريد)) للقدوري (8/4188:4186)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/46)، ((الجوهرة النيرة)) للحدادي (1/127).
  17. (17) يُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/141،140)، ((التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب)) لخليل بن إسحاق (2/342)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/212).
  18. (18) يُنظر: ((الكافي)) لابن قدامة (1/423)، ((الممتع)) لزين الدين المنجي (1/785،784).
  19. (19) يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (8/479)، ((المجموع)) للنووي (6/185)، ((الغرر البهية)) لزكريا الأنصاري (4/70).
  20. (20) قال القَرافيُّ: (مَنشَأُ الخِلافِ: اللَّامُ التي في قَولِه: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ هَل هيَ للتَّمليكِ، كقَولِنا: المالُ لزَيدٍ، أو لبَيانِ اختِصاصِ الحُكمِ بالثَّمانيةِ، كقَولِه تعالى: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ أي: الطَّلاقُ مُختَصٌّ بهذا الزَّمانِ، وقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((صوموا لرُؤيةِ الهلالِ)) أي: وُجوبُ الصَّومِ مُختَصٌّ بهذا السَّبَبِ). ((الذخيرة)) (3/141،140).