موسوعة أصول الفقه

المَبحَثُ الأوَّلُ: مَعنى الواوِ


الواوُ هيَ أُمُّ حُروفِ العَطفِ، وأصلُ العَطفِ أن يَكونَ بالواوِ؛ لأنَّ العَطفَ لإثباتِ المُشارَكةِ، والواوُ تَدُلُّ على مُجَرَّدِ الاشتِراكِ، أمَّا غَيرُها مِن حُروفِ العَطفِ فتُفيدُ مَعانيَ أُخرى زائِدةً عنِ الاشتِراكِ؛ فالفاءُ تُفيدُ التَّرتيبَ والتَّعقيبَ، وثُمَّ توجِبُ التَّراخيَ، أمَّا الواوُ فهيَ متمَحِّضةٌ لإفادةِ الاشتِراكِ دونَ غَيرِه؛ فصارَت أصلًا في العَطفِ .
والواوُ تُفيدُ مُطلَقَ العَطفِ، أي: الجَمعِ بَينَ المَعطوفِ والمَعطوفِ عليه مِن غَيرِ تَعَرُّضٍ لمُقارَنةٍ أو تَرتيبٍ، فتَعطِفُ مُتَقدِّمًا على مُتَأخِّرٍ وعَكسَه، وتَعطِفُ المُتَساويَينِ في الزَّمانِ، وتَعطِفُ مَعَ التَّراخي ومَعَ الفوريَّةِ، نَحو: "جاءَ زَيدٌ وعَمرٌو" سَواءٌ أكان مجيؤه في الواقِعِ قَبلَه أو بَعدَه أو مَعَه، وسَواءٌ تعقَّبَه أو تَراخى ، وهو اختيارُ جُمهورِ أهلِ اللُّغةِ والنُّحاةِ ، وجُمهورِ الأُصوليِّينَ ، ومِنهمُ الرَّازيُّ ، والقَرافيُّ ، وعَلاءُ الدِّينِ البُخاريُّ ، وتاجُ الدِّينِ السُّبكيُّ ، والمَرداويُّ ، وابنُ النَّجَّارِ ، والشَّوكانيُّ .
الأدِلَّةُ:
1- استِقراءُ مَواضِعِ استِعمالِ الواوِ، وأنَّها لمُطلَقِ الجَمعِ، فلَو كانتِ الواوُ في قَولِ القائِلِ: "رَأيتُ زَيدًا وعَمرًا" للتَّرتيبِ، لما صَحَّ قَولُ اللهِ تعالى: وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ [البقرة: 58] في آيةٍ، وفي آيةٍ أُخرى: وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا [الأعراف: 161] مَعَ اتِّحادِ القَضيَّةِ، لِما فيه مِن جَعلِ المُتَقدِّمِ مُتَأخِّرًا والمُتَأخِّرِ مُتَقدِّمًا ، وكَذا قَولُ اللهِ تعالى: يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران: 43] مَعَ أنَّ المَشروعَ في الصَّلاةِ تَقَدُّمُ الرُّكوعِ على السُّجودِ ؛ فدَلَّ ذلك على أنَّها لمُطلَقِ الجَمعِ.
2- قَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تَقولوا: ما شاءَ اللهُ وشاءَ فلانٌ، قولوا: ما شاءَ اللهُ ثُمَّ شاءَ فلانٌ)) ، فلو كانتِ الواوُ للتَّرتيبِ لَما نَهى عنِ العَطفِ بها، وأمَرَ أن يُؤتى بلَفظِ "ثُمَّ"، وهذا يَدُلُّ على أنَّ الواوَ لمُطلَقِ الجَمعِ .
3- أنَّ السَّيِّدَ إذا قال لعَبدِه: اشتَرِ اللَّحمَ والخُبزَ، لَم يُفهَمْ منه التَّرتيبُ؛ ولذا لَوِ اشتَرى الخُبزَ قَبلَ اللَّحمِ لَما استَحَقَّ لَومًا ولا عِتابًا، ولا كان عاصيًا .
4- أنَّ الواوَ تُستَعمَلُ فيما يَمتَنِعُ فيه التَّرتيبُ، كَصيَغِ المُفاعَلةِ، فلَو كانتِ الواوُ للتَّرتيبِ لَما جازَ دُخولُها فيما لا يُتَصَوَّرُ فيه التَّرتيبُ، كقَولِهم: تَقاتَلَ زَيدٌ وعَمرٌو؛ إذِ المُفاعَلةُ حَقيقةٌ في صُدورِ الفِعلِ مِنَ الجانِبَينِ مَعًا، فوجَبَ حينَئِذٍ أن لا تَكونَ للتَّرتيبِ، وأن تَكونَ لمُطلَقِ الجَمعِ .
وكذلك المَواضِعُ التي لا يَصِحُّ فيها المُقارَنةُ، مِثلُ: اشتَركَ زَيدٌ وعَمرٌو، أوِ المالُ بَينَ زَيدٍ وعَمرٍو، وسِيَّانِ قيامُك وقُعودُك، فهنا يَستَحيلُ التَّرتيبُ في هذه الأمثِلةِ؛ مِمَّا يَدُلُّ على أنَّ الواوَ حَقيقةٌ للجَمعِ دونَ تَرتيبٍ ولا مُقارَنةٍ .
5- أنَّها لَو كانت للتَّرتيبِ لَما حَسُنَ الاستِفسارُ عن تَقدُّمِ أحَدِهما وتَأخُّرِ الآخَرِ إذا سَمِعَ: جاءَ زَيدٌ وعَمرٌو؛ لكَونِه مَفهومًا مِن ظاهرِ العَطفِ ؛ فدَلَّ على أنَّها لمُطلَقِ الجَمعِ.
6- أنَّ الواوَ تُستَعمَلُ حالةَ التَّصريحِ بتَقديمِ أَمرٍ على آخَرَ، مِثلُ: جاءَ زَيدٌ وعَمرٌو قَبلَه، فلَو كانتِ الواوُ للتَّرتيبِ لَكان زَيدٌ أوَّلًا، ثُمَّ عَمرٌو، بَينَما كَلِمةُ "قَبلَه" تَقتَضي تَقديمَ مَجيءِ عَمرٍو، فيَقَعُ تَناقُضٌ في الكَلامِ .
7- أنَّ الواوَ تُفيدُ الجَمعَ بَينَ شَيئَينِ مُختَلِفينِ دونَ تَرتيبٍ بَينَهما قياسًا على واوِ الجَمعِ وألِفِ التَّثنيةِ في الأسماءِ المُتَماثِلةِ دونَ دَلالةٍ على التَّرتيبِ، مِثلُ: جاءَ رَجُلانِ، أو حَضَر الرِّجالُ، ولا يُمكِنُ جَمعُ الرَّجُلِ والمَرأةِ في كَلِمةٍ واحِدةٍ، فأتى أهلُ اللُّغةِ بالواوِ للجَمعِ فقَط، فنَقولُ: جاءَ رَجُلٌ وامرَأةٌ، ولا نَقصِدُ التَّرتيبَ بَينَهما في المَجيءِ .
وقيلَ: إنَّ واو العَطفِ تُفيدُ التَّرتيب، ونُسِب هذا القَولُ للشَّافِعيِّ وبَعضِ أصحابِه ، وبَعضِ الحَنابِلةِ ، وبَعضِ النُّحاةِ .
أمثِلةٌ تَطبيقيَّةٌ:
تَتَفرَّعُ على ذلك مَسائِلُ فِقهيَّةٌ، منها:
1- إذا قال لزَوجَتِه: إن دَخَلتِ الدَّارَ وكَلَّمتِ زَيدًا فأنتِ طالِقٌ، فلا بُدَّ مِن حُصولِ الأمرَينِ حتَّى تُطلَّقَ، ولا فَرقَ بَينَ أن يَتَقدَّمَ الكَلامُ على الدُّخولِ أو يَتَأخَّرَ عنه، وعِندَ القائِلينَ بأنَّها للتَّرتيبِ يُشتَرَطُ تَقديمُ المَذكورِ أوَّلًا تَفريعًا على أنَّ الواوَ تَقتَضي التَّرتيبَ .
2- إذا قال لزَوجَتِه: إن قُمتِ وقَعَدتِ فأنتِ طالِقٌ، فلا يَقَعُ الطَّلاقُ إلَّا بالقيامِ والقُعودِ، ولا يَكفي أحَدُهما على الصَّحيحِ، ولا فرقَ بَينَ أن يَتَقدَّمَ أحَدُهما على الآخَرِ أم لا بناءً على القاعِدةِ أنَّ الواوَ لمُطلَقِ الجَمعِ.
ويَتَخَرَّجُ قَولٌ آخَرٌ: أنَّها لا تُطلَّقُ حتَّى تَقومَ ثُمَّ تَقعُدَ، كالفاءِ وثُمَّ، على القَولِ بأنَّها للتَّرتيبِ .
3- حُكمُ تَرتيبِ أفعالِ الوُضوءِ على نَسَقِ الآيةِ هَل هو واجِبٌ أو سُنَّةٌ، ومِن أسبابِ اختِلافِهمُ الاختِلافُ في واوِ العَطفِ؛ فمَن رَأى أنَّها لا تَقتَضي التَّرتيبَ لَم يَقُلْ بإيجابِه ، وهمُ الحَنَفيَّة ، والمالِكيَّةُ .
وذَهَبَ الشَّافِعيَّةُ والحَنابِلةُ إلى وُجوبِ التَّرتيبِ، لَكِن بأدِلَّةٍ أُخرى .

انظر أيضا:

  1. (1) يُنظر: ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (2/109)، ((حروف المعاني وأثرها في علوم الأصول والفقهـ)) لناجي بن محمد (ص: 53).
  2. (2) يُنظر: ((الفوائد السنية)) للبرماوي (3/158)، ((رفع النقاب)) للشوشاوي (2/189،188).
  3. (3) قال الرَّازيُّ: (قال أبو عَليٍّ الفارِسيُّ: أجمَعَ نُحاةُ البَصرةِ والكوفةِ على أنَّها للجَمعِ المُطلَقِ، وذَكَر سيبَويهِ في سَبعةَ عَشَرَ مَوضِعًا مِن كِتابِه أنَّها للجَمعِ المُطلَقِ). ((المحصول)) (1/363). ونَقلُ الإجماعِ هنا مَحَلُّ نَظَرٍ؛ لوُجودِ الخِلافِ بَينَ النُّحاةِ كما هو عِندَ غَيرِهم، قال ابنُ السُّبكيِّ: (حِكايَتُه الإجماعَ قَلَّدَ فيه الإمامَ، والإمامُ حَكاه عنِ الفارِسيِّ، وكذلك نَقَلَه السِّيرافيُّ والسُّهَيليُّ، وفيه نَظَرٌ؛ فإنَّ الخِلافَ مَوجودٌ عِندَ النَّحويِّينَ في ذلك، كما هو عِندَ غَيرِهم، وقد سَبَقَ النَّقلُ عنِ الفَرَّاءِ، وكذلك قال شَيخُنا أبو حَيَّانَ في "الارتِشاف"، ونَقَلُ السُّهَيليِّ والسِّيرافيِّ إجماعَ النَّحويِّينَ بَصرِيِّهم وكُوفيِّهم على ذلك: غَيرُ صَحيحٍ). ((الإبهاج)) (3/872). وقال الآمِديُّ: (أمَّا "الواوُ" فقدِ اتَّفقَ جَماهيرُ أهلِ الأدَبِ على أنَّها للجَمعِ غَيرُ مُقتَضيةٍ تَرتيبًا ولا مَعيَّةً). ((الإحكام)) (1/63). ويُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (1/ 438)، ((شرح الكافية الشافية)) لابن مالك (3/124)، ((توضيح المقاصد والمسالك)) للمرادي (2/997)، ((شرح ابن عقيل على الألفية)) (3/227).
  4. (4) قال السَّمعانيُّ: (قال الماوَرديُّ أبو الحَسَنِ: الواوُ لها ثَلاثةُ مَواضِعَ: حَقيقةٌ، ومَجازٌ، ومُختَلَفٌ في حَقيقَتِه ومَجازِه؛ فالحَقيقةُ: أن يُستَعمَلَ في العَطفِ للجَمعِ والِاشتِراكِ، كقَولِك: جاءَني زَيدٌ وعَمرٌو، والمَجازُ: أن تُستَعمَلَ بمَعنى "أو"، كقَولِه تعالى: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ [النساء: 3] ، والمُختَلَفُ في حَقيقَتِه: أن تُستَعمَلَ في التَّرتيبِ؛ لقَولِه تعالى: فَاغْسِلُوا وُجوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ [المائدة: 6] ، فذَهَبَ جُمهورُ أهلِ اللُّغةِ وأكثَرُ الفُقَهاءِ أنَّها تَكونُ -إنِ استُعمِلَت في التَّرتيبِ- مَجازًا). ((قواطع الأدلة)) (1/37). وقال صَفيُّ الدِّينِ الهِنديُّ: (اتَّفقَ الأكثَرونَ مِنَ الأُدَباءِ والفُقَهاءِ على أنَّها لمُطلَقِ الجَمعِ، مِن غَيرِ إشعارٍ بالتَّرتيبِ والمَعيَّةِ. ونَصَّ سيبَويهِ عليه في مَواضِعَ مِن كِتابِهـ). ((نهاية الوصول)) (2/401). وقال البَزدَويُّ عنِ الواوِ: (هيَ عِندَنا لمُطلَقِ العَطفِ مِن غَيرِ تَعَرُّضٍ لمُقارَنةٍ ولا تَرتيبٍ، وعلى هذا عامَّةُ أهلِ اللُّغةِ وأئِمَّةُ الفتوى). ((أصول البزدوي)) (ص: 246). ويُنظر: ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (2/109). وقال المَرداويُّ: (الواوُ العاطِفةُ لمُطلَقِ الجَمعِ، أي: للقَدرِ المُشتَرَكِ بَينَ التَّرتيبِ والمَعيَّةِ، عِندَ الأئِمَّةِ الأربَعةِ وغَيرِهم، وعليه أكثَرُ النُّحاةِ). ((التحبير)) ((2/600).
  5. (5) يُنظر: ((المحصول)) (1/ 363).
  6. (6) يُنظر: ((شرح تنقيح الفصول)) (ص: 99).
  7. (7) يُنظر: ((كشف الأسرار)) (2/ 109).
  8. (8) يُنظر: ((الإبهاج)) (1/ 338)، ((رفع الحاجب)) (ص: 431).
  9. (9) يُنظر: ((التحبير)) (2/ 600).
  10. (10) يُنظر: ((شرح الكوكب المنير)) (1/ 229).
  11. (11) يُنظر: ((إرشاد الفحول)) (1/ 80).
  12. (12) يُنظر: ((المحصول)) للرازي (1/366)، ((الإحكام)) للآمدي (1/64)، ((التحصيل)) لسراج الدين الأرموي (1/247)، ((شرح تنقيح الفصول)) للقرافي (ص: 99)، ((الفائق)) لصفي الدين الهندي (1/107).
  13. (13) يُنظر: ((المحصول)) للرازي (1/366)، ((الفائق)) لصفي الدين الهندي (1/107)، ((الوجيز)) لمحمد الزحيلي (2/ 174).
  14. (14) أخرجه أبو داود (4980) باختِلافٍ يَسيرٍ، وابن ماجه (2118) بنحوه، وأحمد (23265) واللَّفظُ له من حديثِ حُذَيفةَ بنِ اليَمانِ رَضِيَ اللهُ عنه. صَحَّحه الحاكِمُ كما في ((الفصول المفيدة)) للعلائي (83)، وابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (2/28)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4980)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (23265).
  15. (15) يُنظر: ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (3/ 1282).
  16. (16) يُنظر: ((المحصول)) للرازي (1/366)، ((التحصيل)) لسراج الدين الأرموي (1/247).
  17. (17) يُنظر: ((الإحكام)) للآمدي (1/64)، ((شرح تنقيح الفصول)) (ص: 99)، ((نفائس الأصول)) (3/989) كلاهما للقرافي، ((الفائق)) (1/107)، ((نهاية الوصول)) (2/405) كلاهما لصفي الدين الهندي، ((الوجيز)) لمحمد الزحيلي (2/ 174)، ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (3/ 1281).
  18. (18) يُنظر: ((الوجيز)) لمحمد الزحيلي (2/ 174).
  19. (19) يُنظر: ((الإحكام)) للآمدي (1/64)، ((الفائق)) لصفي الدين الهندي (1/106).
  20. (20) يُنظر: ((الوجيز)) لمحمد الزحيلي (2/ 174)، ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (3/ 1281).
  21. (21) يُنظر: ((الوجيز)) لمحمد الزحيلي (2/ 175).
  22. (22) قال السَّمعانيُّ: (نِسبةُ ذلك للشَّافِعيِّ -رَحِمَه اللهُ- على الإطلاقِ لا تَصِحُّ، وإنَّما نِهايةُ ما نُقِلَ عنه أنَّه قال في الوُضوءِ حينَ ذَكَرَ الآيةَ، ثُمَّ قال: ومَن خالَف ذلك مِنَ التَّرتيبِ الذي ذَكَرَه اللهُ تعالى لَم يَجُزْ وُضوؤه. وقد شَنَّعَ عليه مُحَمَّدُ بنُ داوُدَ وغَيرُه في هذا اللَّفظِ، وقالوا: إنَّه خالَف أهلَ اللُّغةِ أجمَعَ، وادَّعَوا عليه الجَهلَ بالنَّحوِ! ووجهُ الجَوابِ عن هذا: أنَّ الشَّافِعيَّ -رَحِمَه اللهُ- ما تَعَلَّق في إثباتِ التَّرتيبِ بالواوِ فقَط، وإنَّما دَليلُ التَّرتيبِ مِنَ النَّظَرِ في مَعنى الآيةِ على ما ذَكَرنا في الخِلافِ، ببَيِّنةِ أنَّ الوُضوءَ عِبادةٌ على البَدَنِ ورَدَت بلَفظٍ لا يَنفي التَّرتيبَ، ورَأينا أنَّ العِباداتِ البَدَنيَّةَ اشتَمَلَت على أفعالٍ مُختَلِفةٍ مُتَرَتِّبةٍ في جَميعِ المَواضِعِ، مِثلُ: الصَّلاةِ والحَجِّ، ورَأينا وُرودَ هذه العِباداتِ بلَفظٍ صالِحٍ لمَعنى التَّرتيبِ وإن كان غَيرَ مُقتَضٍ له بكُلِّ حالٍ، ووجَدنا الفوائِدَ مَطلوبةً مِنَ الألفاظِ، والتَّرتيبُ نَوعُ فائِدةٍ؛ فعِندَ اجتِماعِ هذه الأشياءِ يُقالُ: إثباتُ الواوِ ظاهِرُها للتَّرتيبِ في هذا المَوضِعِ، فحُمِلَ عليه، والظَّاهرُ حُجَّةٌ، فهذا وَجهُ الكَلامِ لنُصرةِ ما قاله الشَّافِعيُّ رَحِمَه اللهُ، وقد أشارَ إليه أبو الحَسَنِ بنُ فارِسٍ). ((قواطع الأدلة)) (1/39).
  23. (23) قال ابنُ السُّبكيِّ: (وهو الذي اشتَهَرَ مِن أصحابِ الشَّافِعيِّ، كما قال إمامُ الحَرَمَينِ، وهو قَضيَّةُ كَلامِ الماوَرديِّ؛ حَيثُ استَدَلَّ على التَّرتيبِ في الوُضوءِ بآيةِ الوُضوءِ، وقال: قد عُطِف بحَرفِ الواوِ، وذلك موجِبٌ للتَّرتيبِ لُغةً وشَرعًا). ((الإبهاج)) (3/869). واختاره الشيرازي في ((التبصرة)) (ص: 231)، واختار في ((اللمع)) (ص: 65) أنَّها لمُطلَقِ الجَمعِ، ولا تُفيدُ التَّرتيبَ.
  24. (24) قال ابنُ اللَّحَّامِ: (الثَّالِثُ: أنَّها تَدُلُّ على التَّرتيبِ، ومِمَّن قال ذلك مِن أصحابِنا عنِ الإمامِ أحمَدَ: ابنُ أبي موسى في "الإرشادِ"، وأبو مُحَمَّد الحَلوانيُّ وغَيرُهما، حتَّى إنَّ الحَلوانيَّ لَم يَحكِ خِلافًا عن أصحابِنا، إلَّا أنَّه قال: تَقتَضي أُصولُها أنَّها للجَمعِ). ((القواعد والفوائد الأصولية)) (ص: 180). ويُنظر أيضًا: ((المختصر)) لابن اللحام (ص: 51).
  25. (25) قال صَفيُّ الدِّينِ الهِنديُّ: (وقيلَ: للتَّرتيبِ، ونُسِب ذلك إلى الشَّافِعيِّ -رَحِمَه اللهُ- بلا ثَبتٍ، وإلى الفَرَّاءِ، وعنه أيضًا: أنَّها للتَّرتيبِ حَيثُ يَتَعَذَّرُ الجَمعُ). ((الفائق)) (1/106). ويُنظر: ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (2/109)، ((أصول الفقهـ)) لابن مفلح (1/134:132)، ((تشنيف المسامع)) للزركشي (1/571)، ((الفوائد السنية)) للبرماوي (3/160).
  26. (26) يُنظر: ((التمهيد)) للإسنوي (ص: 210)، ((الفوائد السنية)) للبرماوي (3/165).
  27. (27) يُنظر: ((القواعد والفوائد الأصولية)) لابن اللحام (ص: 182).
  28. (28) يُنظر: ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 23).
  29. (29) يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (1/ 13).
  30. (30) يُنظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/ 360).
  31. (31) يُنظر: ((المجموع)) للنووي (1/443)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/54).
  32. (32) يُنظر: ((الإنصاف)) للمرداوي (1/138)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/104).
  33. (33) يُنظر: ((القواعد والفوائد الأصولية)) لابن اللحام (ص: 183)، ((الوجيز)) لمحمد الزحيلي (2/175).